أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن















المزيد.....



الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4460 - 2014 / 5 / 22 - 16:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بالرجوع الى مختلف الانتفاضات التي عرفها الشارع المغربي منذ ستينات القرن الماضي والى العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، سنجد ان جميع الانتفاضات ( 1965 ، 1981 ، 1984 ، 1991 و 20 فبراير ) كانت حلقة من حلقات الصراع والنضال الجماهيري الذي قاده الشعب المغربي منذ 1956 ، اي ان كل انتفاضة شكلت محطة من محطات النضال ضد حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والاستبلادية والاستحمارية . وحتى نفهم جيدا هذا السياق المسلسلي النضالي الجماهيري ، لا بد ان نضع هذه التحولات المجتمعية ضمن السياق التاريخي للصراع المرير بين الشعب المغربي من جهة ، و بين حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والمافيوزية ، مع تحالف هذه الاقلية المكونة للزمرة العصبية القبلية مع الدوائر الرأسمالية الاجنبية ، في اطار تحالف النهب للثروات الوطنية ، والتحالف لإفقار مختلف الطبقات الاجتماعية المكونة للشعب المغربي . ان التحالف العضوي بين الاقلية الاقطاعية القبلية المكونة لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادي ، والقوى الاستعمارية الاجنبية ، هو تحالف عضوي منذ الخمسينات والى اليوم ، وإن كان يتم بإشكال مختلفة مع حصول تغيير شكلي في الميكانيزمات المستعملة ، بما يحافظ على مصالح حكومة الاقطاع التي سماها عبدالاله بنكيران بالحكومة العميقة ، او بحكومة الظل الفعلية . لكن ان رسم مسار هذا الصراع وإبراز معالم تطوره يقتضي تحليل ازمة الوضع الاقتصادي والاجتماعي ، من خلال محدداتها البنيوية ، وعلى ضوء هذه العوامل الظرفية المرتبطة بتلك المحددات . فاذا كانت الوضعية الاقتصادية الراهنة تتلخص في انحصار النشاط الاقتصادي ، وتراجع ، بل و توقف الاستثمارات ، وانسداد الاسواق الخارجية الاوربية امام الصادرات الفلاحية المغربية ، وإغراق البلاد بالديون ، مع اثقال كاهل الطبقات الشعبية بالزيادة في الاسعار والضرائب ، بموازاة مع حملات الطرد والتسريح من العمل ، وتهديد كل الطاقات الاجتماعية من تعليم وصحة وشغل وسكن ، وضرب المكتسبات التي حققتها الشغيلة بفضل العديد من التضحيات ، وإفراغ الصناديق مع تحميل المنخرطين نتائج السياسات المفلسة مثل صندوق التقاعد وصندوق الموازنة ، اضافة الى التمييز في الحقوق والواجبات بين الاقاليم الشمالية للمملكة والأقاليم الجنوبية ، حيث بلغت تكلفة الصحراء منذ انطلاقها في سنة 1974 والى اليوم اكثر من 200 مليار دولار ، مع الاستمرار في تسجيل الخسائر من اموال الشعب المغربي ، حيث بلغت عمليات شراء ذمم اللوبي الامريكي بدعوى الدفاع عن مغربية الصحراء اكثر من 23 مليون دولار .. لخ ، وكل هذه الجريمة المقترفة في حق الشعب المغربي تمر بتواطؤ مع جميع قيادات النقابات البورصية ( ا م ش – ك د ش – الفدرالية الديمقراطية للشغل – النقابة الوطنية للشغل – الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ) وبمباركة احزاب المعارضة الحكومية اليمينية ( ا ش ق ش – حزب التقدم و الاشتراكية – حزب الاستقلال – جبهة القوى الديمقراطية .. ) وبماركة الاحزاب اليمينية المتواطئة مع قيادة ( ك د ش ) ( فدرالية اليسار الديمقراطي ) ... لخ ، فان هذا الانهيار الشامل للوضع الاقتصادي ، هو النتيجة الحتمية لسيطرة الطبقة الاقطاعية الرأسمالية المرتبطة بحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ببلادنا التي ترسخت تقاليدها الطفيلية وعمالتها للرأسمال الاجنبي طوال المسلسل الديمقراطي ، ومسلسل التحرير الذي ابتدأ منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي ، ولا يزال هذا المسلسل يفعل فعلته رغم فشله الدريع في بناء الدولة الديمقراطية المدنية ، وفشله المريب في حسم مغربية الصحراء التي اضحت مهددة في كل وقت وحين بشبح الانفصال .
الطبقة الاقطاعية الرأسمالية حليفة حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية :
ان انتقال المغرب من وضعية الاستعمار القديم الى نظام الاستعمار الجديد الذي تمثله حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، كان هو المدخل الرئيسي لتبلور الطبقة الاقطاعية الرأسمالية ببلادنا . ان الاستقلال الذي منحه الاستعمار التقليدي بمقتضى اتفاقية اكيس ليبان ، قد توخى منه في النهاية تحقيق هدفين اساسيين :
1 ) قطع الطريق على تنامي المد التحرري الجماهيري للشعب المغربي ، وإمكانية تطور نضاله في اطار وحدوي على صعيد المغرب العربي والصعيد العربي عامة ، مع امكانية تجدير هذا النضال حتى يرتفع الى مستوى ثورة وطنية واجتماعية ضد الهياكل الاقطاعية الرأسمالية البالية والمتهرئة والمتجاوزة مدنيا وحضاريا .
2 ) وفي نفس الوقت ، ضمان استمرار المصالح الاجنبية في صيغة استعمار جديد ، اي تعويض السيطرة المباشرة العسكرية والسياسية والاقتصادية ، بسيطرة غير مباشرة تتنازل شكليا عن الحكم لصالح طبقة عميلة خائنة ، وتحتفظ بالجوهر ، اي بالمصالح الاقتصادية والسياسية .
ان نجاح هذه السياسة كان يستلزم ايجاد ادوات تطبيقها وشروط انجاحها ، اي بالأساس :
ا – ضمان تحكم الرأسمال الاجنبي في كل طاقات اقتصادنا الوطني الزراعية والصناعية والمالية والتجارية والبنكية .. لخ .
ب – دعم وتطوير طبقة سائدة محليا على شاكلة معمرين جدد ، تتحكم كل فئة منها في قطاع اقتصادي معين ، وتربطه مباشرة بمصالح الاستعمار الجديد ، مع منح هذه الطبقة ادوات السيطرة على كل المجالات الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية .
وبالنسبة للهدف الاول ، فلقد عمل الاستعمار الجديد على تفكيك وتجزئة الاقتصاد الوطني بهدف ربط كل قطاع منه بمصالح السوق الامبريالية ، بتحد كامل لحاجيات البلاد ، كما يتجلى ذلك في الطابع التصديري للفلاحة وفقا للحاجيات الاوربية بشكل خاص ، لا المغربية المتضررة من علاقة الاذعان التي تربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد الاستعماري والامبريالي ، كما يرتكز ذلك على استخراج المواد الاولية ونهبها ، ومقابل ذلك استيراد المواد المصنعة واستعمال بلادنا سوقا لترويجها . وفي نفس الوقت استيراد المنتوجات الفلاحية الاساسية وخاصة الحبوب ، رغم الطاقات والإمكانيات الفلاحية الهائلة التي تتوفر عليها بلادنا .
لكن مظاهر التبعية لا تقتصر على الميدان الاقتصادي ، بل تشمل الميادين الادارية والتقنية عن طريق المساعدات " التقنية " ، وتمتد ايضا الى الميدان الثقافي ، حيث تشكل السياسة التعليمية المتبعة منذ الخمسينات والى اليوم ابشع مظاهر الطعن في الثقافة الوطنية ، والتوجه نحو استيراد افرازات الفكر الفرنكوفوني الاستعماري البرجوازي الرجعي الذي يمثله اليوم وبشكل جلي حزب فرنسا المسيطر على الدولة .
اما بالنسبة للهدف الثاني ، فان سيطرة الاستعمار الجديد قد ساهمت بشكل اساسي في تكوين طبقة سائدة ، اعتمدت في جذورها على الاقطاعية المتحالفة مع الاستعمار المباشر سابقا ، ونمت وتجددت حسب متطلبات تلبية حاجياتها وخدمة المصالح الاجنبية المرتبطة بها عضويا وفكريا .
ان تنازل معمرين اجانب لصالح معمرين مغاربة جدد ، على استثمار اخصب الاراضي الزراعية ، قد جعل قاعدة الاقطاع تحتك بشكل مباشر بالإنتاج الزراعي الحديث المعتمد على التقنيات العصرية والطرق الرأسمالية في الانتاج . وهذا عنصر اساسي في تطور الاقطاعية ، تجلى في بروز فئة برجوازية فلاحية تحت تأثير عوامل متعددة ، منها تمكن الاقطاعية من وسائل انتاج جديدة ، وترويجها للرساميل ، وتوظيفها في قطاع الصناعة التحويلية والعقار على الخصوص ، واحتكاكها بالأسواق الخارجية ... لخ ، اي تشكلت طبقة طفيلية تعيش غريبة عن المجتمع الذي تعيش بين ظهرانيه ، مع مواصلتها نهبه واستغلاله بطرق غاية في البشاعة .
ان مجمل هذا التطور قد تم في اطار مراقبة مركزية من طرف الدولة الجديدة التي تلعب دورا اساسيا في التوجيه ، والتحكم في الوسائل الكفيلة بدعم نشوء طبقة قوية اقتصاديا تشكل اسس الحكم القائم . هكذا سيتم تأميم الجزء الاساسي من اراضي المعمرين ، وهي اخصب الاراضي المسقية . ومع بداية الستينات اعيد الاعتبار للإقطاعيين والخونة من القيّاد والباشوات الكبار الذين صودرت ممتلكاتهم بسبب خيانتهم وعمالتهم للاستعمار . كما اتخذت عدة اجراءات مكنت الاقطاعيين وممثليهم الذين يشغلون مناصب هامة داخل الدولة خاصة بوزارة الداخلية ، من الحصول على اراضي المعمرين بشروط جد مناسبة لهم .
ان نشوء البرجوازية الفلاحية في ظل الدعم المتبادل مع جهاز الدولة ( يلاحظ ان وزارة الداخلية هي التي تولت المسؤولية المباشرة في التحولات والمشاريع الاساسية في البادية ) ، قد جعل هذه الفئة لا تقتصر على الاقطاعيين ، بل تضم ايضا فئات الموظفين ، والضباط الكبار ، وتجار المدن المتعاونين ، الى جانب العائلة الملكية ، الذين عملوا على الاستفادة من مراكزهم في الحصول على نصيب من الارث الاستعماري .
واضافة الى دعم نشوء البرجوازية الفلاحية ، فان سياسة الاستعمار الجديد ، كانت تقضي ايجاد فئة برجوازية تستعمل للسمسرة في المجالات الصناعية والتجارية والمالية . ومن اجل ذلك تم الاعتماد اساسا على فئة التجار المستفيدين من نظام الحماية سابقا ، و’فتح امامها مجال السمسرة بشكل تصبح فيه امتدادا للرأسمالية الجديدة داخل بلادنا ، وتستمد من ذلك سلطتها الاقتصادية والاجتماعية . ان هذه البرجوازية الكمبرادورية لم تكن في يوم من الايام معارضة للإقطاعية ومصارعة لها ، بل انها عايشتها وآزرتها برعاية الاستعمار الذي يشكل الدعم والسند الاساسي للفئتين ، ومن ثم الطابع الطفيلي الذي يشكل القاسم المشترك بينهما .
ان نشوء الفئتين وتطورهما ، البرجوازية الفلاحية والبرجوازية الكمبرادورية ، قد جاء إذن نتيجة صيرورة موحدة ، اطرها وقادها الاستعمار الجديد ، وأدت الى تداخل مصالح الفئتين وتماسكهما الى درجة يصعب معها التمييز بينهما . و هذا التداخل قد ادى الى بلورة طبقة موحدة ، هي الطبقة الاقطاعية الرأسمالية . ان هذه الطبقة المكونة من بقايا الاقطاعيين التقليديين والبرجوازيين الكلاسيكيين ذوي الاصول الاقطاعية ، وكبار موظفي وزارة الداخلية والإدارة الترابية وكبار ضباط الجيش والدرك ، يشكل الطابع الكمبرادوري الذي يخدم المصالح الاجنبية ، قاسمهم المشترك ، انهم ترعرعوا ونموا بدعم متبادل من جهاز الدولة الذي ’سخر لخدمة مصالحهم . وإذا كان النظام قد لعب دورا مركزيا في ضبط تطور هذه الطبقة والتحكم فيها ، فقد جعلها باستمرار خاضعة لتأثير الايديولوجية الاقطاعية التي ظلت وباستمرار ايديولوجيتها السائدة ، رغم التحولات الموضوعية التي حصلت في صفوف الاقطاعية التقليدية .
وبما ان الميدان الفلاحي يشكل مجالا حيويا لنشاط هذه الطبقة ، فإنها قد عملت منذ البداية على تمتين مصالحها والدفع بالتطور المطلوب داخل هذا القطاع . وهكذا نمت المساحات الكبرى في يد الملاكين الكبار وعلى رأسهم العائلة الملكية ، وارتفعت انتاجيتها في ظل القوانين والخطة التي اقرتها الدولة بهذا الشأن : الاسبقية لسياسة السدود ، التسهيلات في الضرائب والقروض ، اعفاء الفلاحة والضيعات الكبرى من الضرائب ، قانون الاستثمار ، التسهيلات على مستوى الآلات الزراعية والسماد ، التشجيع المخصص لأنواع جديدة من الانتاج الفلاحي مثل الشمندر ، القطن ، النباتات الكيمياوية وغيرها .
ان هذه الاجراءات التي لعبت فيها اموال الدولة دورا هاما ، مكنت الطبقة الاقطاعية الرأسمالية من توطيد مصالحها وتطويرها في الميدان الفلاحي بصورة رئيسية . ومقابل ذلك ، لم يكن هذا التطور لصالح الاقتصاد الوطني ككل ، بل فقط في اطار توزيع العمل الدولي الرامي الى تلبية حاجيات السوق الخارجية . فنمو المساحات الكبرى وارتفاع انتاجيتها ، قد اقترن بالتركيز على عدد قليل من المنتوجات التصديرية ، كالحوامض مثلا على حساب زراعة الحبوب الرئيسية الموجهة لتلبية الحاجيات الغذائية الوطنية ، مما يخدم ويدعم الارتباط البنيوي للاقتصاد المغربي بالسوق الخارجية .
والى جانب تثبيت مصالح الطبقة الاقطاعية الرأسمالية في الميدان الفلاحي ، فان سياسة الاستعمار الجديد في المجالات الصناعية والتجارية والمالية ، كانت تقتضي تنشيط البرجوازية في القطاع البنكي وشبكات التوزيع والتسويق ، وخصوصا في التجارة الخارجية ، وكذلك تشجيع بعض الصناعات الخفيفة التي تسمح باستغلال اليد العاملة الرخيصة ، وبالتالي جلب ارباح اضافية تخفف من ازمة الرأسمال الاجنبي . هذا مع العلم ان التوجيه الاساسي يبقى هو استنزاف الخيرات الطبيعية والمواد الاولية ، المناجم و الفوسفاط بشكل رئيسي ، وتبعا لذلك السماح بصناعة خفيفة لاستخراج هذه المواد وتسويقها .
ان تبلور مصالح الفئتين البرجوازية الفلاحية والبرجوازية الكمبرادورية في الميادين الصناعية والتجارية والمالية ، لم يتم بشكل منفصل ، بل انسجم وتماسك بفضل العوامل الآتية :
** ان التسهيلات والمكافئات التي تمنحها الدولة للمعمرين الجدد ، قد جعلت الاستثمار في الاراضي الفلاحية يعود بأرباح سريعة ، مما دفع بالبرجوازية التجارية وحتى الصناعية لتوظيف غالب اموالها في شراء الاراضي الزراعية ، والارتباط ، إن لم نقل الاندماج مع البرجوازية الفلاحية .
** ومقابل هذا ، فان احتكاك البرجوازية الفلاحية بشبكات التسويق الرأسمالية التابعة للإنتاج الفلاحي ، قد جعلها ترتبط عضويا بالبرجوازية الكمبرادورية .
** اما التدخل البيروقراطي للدولة ، والالتحام العضوي لرجالها -- الموظفين الكبار بوزارة الداخلية وضباط الجيش والدرك والأمن – بمصالح موضوعية في مختلف المجالات الفلاحية الصناعية والتجارية ... هذا التدخل هو الرابط الذي دفع الى اندماج الفئتين وتداخل مصالحهما في اطار طبقة واحدة .
تدهور اوضاع الجماهير الشعبية :
ان اغتناء الطبقة السائدة هو اغتناء طفيلي . فلم يكن إذن ليعود بفوائد ايجابية على صعيد الاقتصاد الوطني ، او يسمح باستثمار وترويج رساميل جديدة في ميادين حيوية كالصناعة مثلا ، بل ان هذه الطبقة قد عملت وفقا لإيديولوجيتها على التبذير والإغراق في مصاريف البذخ وتهريب الاموال الى الخارج . ان اغتنائها هذا قد تم مقابل افقار اوسع الجماهير الشعبية واستغلالها الى اقصى حد : استغلال الانسان للإنسان عن طريق الاستبداد والقمع بشتى اشكاله وأنواعه . ان هذه الجماهير التي لعبت الدور الاساسي والحاسم في النضال ضد الاستعمار الفرنسي من اجل الاستقلال قد وجدت نفسها ليس في نفس الاوضاع المزرية التي عرفتها ابّان الاستعمار المباشر ، بل ان هذه الاوضاع لم تزد إلاّ تدهورا واستفحالا مع الحكومة الصورية لعبدالاله بنكيران .
ان اول ضحية لهذا التدهور هم صغار الفلاحين والفلاحون الفقراء الذين تعرضوا ويتعرضون لشتى انواع الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي . فاستيلاء الطبقة الاقطاعية الرأسمالية على اهم مرافق الانتاج الفلاحي وفصلها عن الحاجيات الوطنية الحقيقية ، المدعمة بالسياسة القمعية لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية الرامية الى افقار الفقراء وخدمة المحظوظين والمقربين القدامى والجدد ، قد جعلت افواجا كبيرة من صغار الفلاحين يفقدون ارضهم ، بل يفقدون حتى امكانية " تاخمّاست " ( الخمس من المحصول ) المتداولة في الطريقة التقليدية ، ويصبحون عرضة للبطالة بشكل واضح او مقنع .
اما الفلاح الذي يستمر في وضعية المالك لقطعة ارض ، فانه يوفر في اقصى الحالات الحد الادنى الضروري للمعيشة او للعيش . فأصبحت بذلك فئة واسعة من الفلاحين الفقراء تعيش في نوع من العزلة ، محرومة من اي تطور او تحسن في اوضاعها ، بل على العكس من ذلك تزداد هذه الاوضاع تفاقما بازدياد الحجم البشري لهذه الفئة . واذا علمنا ان نسبة جد مهمة من الشعب المغربي تعيش في البوادي ، ويعانون من مثل هذه الظروف المعيشية ، ادركنا حينها خطورة الموقف وحجمه الحقيقي على المستوى الوطني ككل .
ان تدهور اوضاع صغار الفلاحين ، والفلاحين الفقراء يؤدي حتما الى تكثيف الهجرة الى المدن كملجأ للبحث عن لقمة العيش ، والنتيجة المباشرة لذلك هي تكديس افواج العاطلين وأشباه العاطلين في مدن القصدير الى درجة اصبحت فيها البطالة ظاهرة هيكلية دائمة داخل المجتمع المغربي . ان تعاظم وتضخم البطالة التي مست حتى الاطر العليا من خريجي الجامعات والمدارس العليا ، ناهيك عن العنصر النسوي العاطل عن العمل ، لهو الدليل الواضح على تدمير قوى الانتاج ، والانعكاس المباشر للطابع الطفيلي اللاوطني في السياسة الاقتصادية التي تنهجها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ومعها الطبقة السائدة .
ان الفلاحين الفقراء وجمهور العاطلين وأشباه العاطلين ، اي الاغلبية الساحقة من الشعب المغربي ، يشكلون الفئات الاكثر تضررا من السياسة الاقتصادية التبعية ، فهي بالتالي معادية موضوعيا للطبقة السائدة ، وتشكل خزانا ثوريا هائلا من شأنه ان يساهم بشكل حاسم وفعال في عملية تغيير الاوضاع القائمة ، كما ساهم سابقا بشكل اساسي في عملية طرد الاستعمار المباشر .
اما اوضاع التجار الصغار والحرفيين وصغار الموظفين والأطر المهمشة ، فان نتائج السياسة الاقتصادية المتجلية في تجميد الاجور مقابل ارتفاع الاسعار بشكل صاروخي ومهول ومخيف ، وسياسة الضرائب ، والمزاحمة والاستغلال من طرف الوسطاء ... هذه النتائج تنعكس مباشرة على تدهور اوضاع هذه الفئات والدفع بها باستمرار الى مواقع الطبقات الشعبية الكادحة والفقيرة ، ومن ثم فدورها في التغيير يبقى هاما لما لمصالحها من تناقض مع مصالح الاقطاع السياسي والاقتصادي .
اما الطبقة الشغيلة او العاملة التي اصبحت منذ الاستقلال والى اليوم عرضة للاستغلال من طرف الرأسمال الدولي والوطني في آن واحد ، فإنها ايضا تعاني من الانخفاض المستمر لقدراتها الشرائية الناتجة عن تدني الاجور مقارنة بالارتفاع المهول للأسعار .
ان السياسة الاستعمارية المعادية للتصنيع تحول ، و عن قصد دون نمو الطبقة العاملة والشغيلة وتمتعها بوزن كمي ونوعي ، الذي من شأنه ان يهدد مصالح المستغلين والإقطاعيين . وان ظاهرة تصدير اليد العاملة الى بعض البلاد العربية لتعبير ملموس عن تفاقم البطالة الناتج عن تفكيك الاقتصاد الوطني ، وحرص الاستعمار الجديد وعملاءه على تحجيم الشغيلة المغربية وتشتيت قوّتها الاجتماعية .
ورغم هذا ، فان الشغيلة المغربية اكدت ما من مرة قدرتها الكفاحية سواء في اطار النضال ضد الاستعمار المباشر ، او النضال في عهد الاستقلال .ويتخذ نضالها اشكالا متعددة ، نقابية وسياسية ، وهذا النضال لم يتوقف يوما ، وهو الدلالة على ان هذه الطبقة هي المؤهلة لخوض المعارك المتواصلة ضد الطبقة السائدة بحكم دورها في الانتاج وفي الاقتصاد ، ومن اجل تحقيق المكاسب وتغيير واقع الاستغلال الفاحش الراهن .
هكذا فان انتقال بلادنا من طور سيطرة الاستعمار القديم الى مرحلة الاستعمار الجديد يبرز لنا علاقات التبعية واستمرار الهيمنة الاجنبية ’مقنّعة وراء الوسطاء والعملاء المحليين ، لكنه لا يخفي الصراع الداخلي والتناقضات القائمة داخل مجتمعنا ، لا سيّما وان الهيمنة تتم عن طريق طبقة تخدم مصالح الامبريالية وتستفيد منه بالمناسبة .
وبناء على ما تقدم من معطيات حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي في ظل الاستقلال ، يتبين بجلاء ان المجتمع المغربي يعيش تناقضا صارخا ، يضع وجها لوجه قوتين متناقضتي المصالح :
من جهة الطبقة الاقطاعية الرأسمالية حليف حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية التي تعمل مع الاحتكارات والرأسمال الاجنبي على تركيز وتدعيم الهياكل الاستعمارية والاستغلالية .
ومن جهة ثانية ، القوات الشعبية المؤلفة من اوسع الجماهير المحرومة والمستغلة ، اي الشعب ( العمال والفلاحون والطلبة والمثقفون والموظفون والصناع والحرفيون والنقابيون والسياسيون الثوريون ... لخ ) التي دأبت حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية المعبر السياسي عن التحالف الاقطاع ، الرأسمالي على اتخاذها واستعمالها مادة للاستغلال .
واذا كانت هذه هي مميزات الوضع الاستعماري الجديد على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ، فلا بد من الوقوف عند الوضعية الاقتصادية من بداية ما يسمى بمسلسل الديمقراطية والتحرير والى اليوم .
حصيلة مسلسل " الديمقراطية والتحرير " على الصعيد الاقتصادي :
منذ سبعينات القرن الماضي والى اليوم ونحن نسمع اسطوانة مسلسل التحرير والديمقراطية ، او مسلسل الديمقراطية والتحرير ، اي ربط كل منهما بالآخر لرسم معالم المغرب الجديد ، مغرب ما بعد الهزات الاجتماعية والهزات الداخلية ( داخل الاجهزة ) التي تجسدت في الانقلابين العسكريين الصخيرات والطائرة . كما لا يخفى الصراع الذي كان محتدما بين المعارضة البرجوازية الصغيرة والقصر حول اصول الحكم وليس حول ضفافه . في هذه الفترة الحرجة ، وللخروج من النفق الذي تعطلت فيه العملية السياسية ، ربط النظام بين مسلسلين مترابطين ، هما مسلسل الديمقراطية ( الانتخابات ) ومسلسل التحرير ( الصحراء المغربية ). لكن الى اي مدى نجح المسلسلان الديمقراطية والتحرير ؟
اذا عدنا للتدقيق في اصل العملية السياسية ، سنجد ان المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، رغم انه استجاب للمسلسل ( التحرير والديمقراطية ) بالقطع مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي طبع الصراع مع القصر منذ ستينات القرن الماضي وحتى ساعة انعقاد المؤتمر ، فانه افلس في تجسيد اطروحته الجديدة على ارض الواقع ، حين لم يستطع ان يكتسح البرلمان بفعل التزوير والتدليس ، فظل شعار الديمقراطية والنضال من داخل النظام وليس من خارجه ، حجة عليه ، وليس على النظام الذي استطاع تقزيم المعارضة من معارضة للحكم ، الى معارضة للممارسات واختصاصات الحكم ( الملكية البرلمانية ) ، الى معارضة ليس للحكم وليس لاختصاصاته ، بل معارضة للحكومة والتشبث بالمشاركة فيها . هكذا سنجد ان كل من راهن على الوعود التي تبخرت عند اول امتحان ، سيصاب بالذبحة الصدرية التي عجلت بتحويل الحزب ، من حزب الجماهير الى حزب المعاويل ، مما ساهم وسهل الانشقاقات والانسحابات التي اثرت على الحركة النقابية التي عرفت بدورها الانسحابات والانشقاقات . هكذا ستبرز القبضة الحديدية لوزارة الداخلية على الحقل السياسي بما كان يؤثث لمسرحيات لا علاقة لها بما يسمى ب ( المسلسل الديمقراطي ) . ان عنوان ديمقراطية السبعينات وحتى العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، كان ديمقراطية حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، وليس ديمقراطية النخب ( الديمقراطية ) ، فأحرى ان تكون ديمقراطية الشعب المغيب عن العملية السياسية .
اما مسلسل التحرير ، فهو بدوره دخل النفق المسدود ، بل نقول صراحة انه فشل فشلا دريعا ، سواء بتوسيع قاعدة المطالبين بالانفصال وهم الاكثرية ، وهؤلاء برفعهم لشعارات الانفصال و تشبثهم بالجمهورية الصحراوية ، يكونون مثل المهندس احمد بن الصديق الذي تعرض للظلم دون انصاف ، قد خلعوا بيعة الملك من عنقهم ، وإنهم لم يعودوا يعتبرون الملك اميرا للمؤمنين والمغرب دولة امير المؤمنين ، ، ، او بعدد الدول التي تعترف بالجمهورية الصحراوية ، او من خلال اعتراف الدول الاوربية وللولايات المتحدة الامريكية بالبوليساريو كحركة تحرير من خلال فتح مكاتب لها بعواصمها ، او من خلال فتح مكتب للبوليساريو بالأمم المتحدة ، او من خلال ادراج قضية الصحراء المغربية على جدول اعمال اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة ، او من خلال القرارات التي يصدرها مجلس الامن كل سنة ، حيث ’تديّل بالاستفتاء لتقرير المصير ( للشعب الصحراوي ) ولنا ان نتساءل اليوم : ألا يوجد هناك مخطط قيد الدرس وأكثر خطورة من توسيع صلاحيات المينورسو سينتهي بمنح الجمهورية الصحراوية صفة ملاحظ بالأمم المتحدة ؟ .
واذا اردنا التعمق اكثر في التحولات التي رافقت حصيلة المسلسل الديمقراطي وأثرها على الصعيد الاقتصادي ، والتي هي اصل الفشل الذي اصاب المسلسلين ، سنجد ان معظم المحللين المرتبطين بالشأن العام يركزون على السنوات الاولى من سبعينات القرن الماضي التي سبقت مسلسل التحرير ومسلسل الديمقراطية .
هنا ، فان اهم عملية كانت كمقدمة اقتصادية للانفتاح السياسي ، هي المغربة التي جاءت بعد المحاولتين الانقلابيتين العسكريتين 1971 و 1972 . لقد استهدف النظام من العملية ، اي المغربة ، توسيع املاك المعمرين الجدد من جهة ، وضم البرجوازية الوطنية الى احضان سياسة القصر من جهة اخرى . وكانت على عكس ادعاءها ، تعميقا لتبعية الاقتصاد المغربي ، حيث توالت النداءات الموجهة الى الرأسمال الاجنبي ، وتعاقبت قوانين الاستثمارات منذ 1973 ، في نفس الوقت الذي بدأ التوجه التبعي يعطي ثماره الخطيرة ممثلة في مأزق الصادرات المغربية الى اوربة من ناحية ، وفي العجز الفلاحي من ناحية اخرى ، وهما نتيجتان مرتبطتان في آخر التحليل ، بما ان السياسة الفلاحية بتوجهها نحو التصدير فهي تمنع من توظيف الخيرات الطبيعية والبشرية في انتاج المواد الاساسية الضرورية لعيش اوسع الجماهير ، بل تعمل بالعكس على تلبية حاجيات الاسواق الخارجية ، حيث تشكل الحوامض والبواكر والمصبرات و الخمور نسبة كبيرة من مجموع الصادرات الفلاحية التي تستفيد منها المجموعة الاوربية . وهذا مؤشر دال على ما يتهدد صادرات المغرب من تقلبات في الاسعار ، ومن سياسة الحماية الجمركية التي تسلكها اوربة التي خفضت مؤخرا طلباتها من المواد المغربية لصالح اسبانيا والبرتغال واليونان ، هذا اضافة الى مزاحمة الحوامض القادمة من اسرائيل .
هكذا تراجعت مكانة المغرب بخصوص الحوامض التي ’تكوّن الجزء الاكبر من صادراته الفلاحية ، وبعد اجراءات الحماية الاوربية مؤخرا ، اصبح معروفا ان الاتجاه يسير نحو توقيف صادراتنا بالتدريج ، مما يؤدي حتما الى الاختناق والى الفوضى المطلقة في الانتاج .
ان فشل سياسة تصدير المنتوجات الفلاحية ليست إلاّ الوجه الاول لإستراتيجية الارتباط العضوي بالسوق الخارجية . اما الوجه الثاني فيتمثل في ازمة الاكتفاء الذاتي على الصعيد الغدائي . ان مدخول الصادرات غير قادر على تغطية استيراد شراء حاجياتنا من المواد الغذائية والعلاجية والآلية والتقنية . وبتعبير آخر ، فان الفلاحة المغربية ( مجموع الاستهلاك المحلي والصادرات ) لا تؤمّن حاجيات البلاد على صعيد التغذية . لقد بلغ اليوم العجز التجاري في اربع اشهر الاخيرة الى 69 مليار درهم بدل 5،66 مليار درهم المسجلة خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية . وبلغ معدل تغطية الصادرات للواردات 4،48 في المائة مقابل 2،42 في العام السابق . وسجلت الواردات في نهاية ابريل الماضي حسب ما اعلنه مكتب الصرف يوم الجمعية الماضية زيادة 4 في المائة ، اي بارتفاع يفوق 5 ملايير درهم . اما القمح فقد اثقل الفاتورة الغذائية ب 830 مليار درهم .
اذن ، بعد ان كانت الصادرات الفلاحية تغطي ضعف الواردات سنة 1969 ، وبعد ان كان المغرب في اواخر الخمسينات يصدر في المعدل خمسة مليون قنطار من الحبوب ، فان العكس نراه اليوم في العشرية الثانية من الالفية الثالثة حيث تدنى مستوى الاكتفاء الذاتي بشكل خطير ، ولم تعد واردات المغرب الغذائية الاساسية تقتصر على الزيوت والحليب واللحوم والسكر والشاي والقهوة ، بل ان الحبوب اصبحت تحتل الصدارة في هذه الواردات وعلى رأسها القمح الذي اثقل الفاتورة الغذائية ب 830 مليار درهم .
ولا تخفى على احد الاهمية الاستراتيجية للمواد الغذائية ، وخاصة الحبوب ، إذ ان استعمالها كسلاح اقتصادي وسياسي ضد البلدان المتخلفة المنتجة للمواد الاولية يضاهي سلاح النفط .
ان هذا المأزق المزدوج يرهن مصير الاكتفاء الذاتي للمغرب في الميدان الفلاحي ، ما دامت سياسة التصدير هي النقيض المباشر للاكتفاء الذاتي ، في ظل الهياكل الزراعية القائمة .
إذا كانت التقاليد الطفيلية وغير الانتاجية هي السمة الرئيسية للطبقة الاقطاعية وممثلها ، حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية والاستغبائية ، فان هذه التقاليد الشاذة قد ترسخت اكثر اليوم ، حيث تم فتح باب اوسع للنهب ، والاختلاسات ، والاستغلال ، والرشوة ، والمضاربات العقارية ، والتجارية ، وتهريب الاموال الى الخارج ... لخ ، حيث اصبحت هي المصادر الرئيسية لثراء الطبقة المسيطرة بشكل فاحش ، مقابل توسع الفئات المشردة وانتشار الاوضاع شبه البروليتارية ، واستفحال البطالة ، وتفاقم اوضاع الفلاحين الفقراء الذي بلغ ذروته مع قلة الامطار مرة ، والجفاف مرة اخرى ، و الذي بادر الملاكون الكبار الى استغلالها وتجريد الفلاحين الصغار من اراضيهم ، والدفع بعشرات الآلاف الى ابواب المدن .
هكذا ، فان تضخم صفوف الطبقات المسحوقة ، كان هو الظاهرة الطبقية البارزة لسنوات مسلسل التحرير والديمقراطية والى اليوم ، حيث زاد الفقير فقرا وزاد الغني غنى . اما الظاهرة الاخرى ، فهي تذويب البرجوازية المتوسطة ، او على الاقل الفئة العليا منها ، في اطار الطبقة الحاكمة ، وتجريدها من اي صفة من صفات الوطنية ، اي حرمانها من امكانية الاستقلال الاقتصادي كرأسمال وطني ، هذا في الوقت الذي انحدرت الفئات السفلى منها الى اسفل درك ، وكانت النتيجة هي تفكيك البرجوازية الوطنية كطبقة ، وسقوط مشروعها السياسي الذي لوحت به منذ خمسينات القرن الماضي .
وقد جاءت قرارات عبدالاله بنكيران معول حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية بالزيادة المهولة التي شملت كل المواد الاساسية والشعبية التي يستهلكها الشعب المفقر ، اعلانا رسميا بتصعيد الحرب الطبقية التي تشنها الزمرة العصبية القبلية المافيوزية المكونة لحكومة الاقطاع والاستبداد ، وتقنينا لنهج الاستنزاف والتفقير والتجويع . كما تجلت بشكل واضح وصارخ مظاهر الارتباط بين تعميق التبعية والإفلاس الاقتصادي ، والتدهور السريع والمتواصل لأوضاع الطبقات الشعبية منذ بداية العشرية الثانية من الالفية الثالثة بشكل خاص . وكان ذلك هو القاعدة الموضوعية التي انطلقت على اساسها حركة 20 فبراير التي كشفت الطبيعة الحقيقية للإجماع اللاّوطني ، وأظهرت من جديد قدرة الشعب المغربي على خوض الكفاح الجماهيري القاعدي والدفاع عن لقمة عيشه وكرامته .
مظاهر الافلاس الاقتصادي على الابواب :
1 ) امام الازمة المالية الخانقة والعجز الهيكلي الدائم للميزان التجاري الذي قفز في اربعة اشهر الى 69 مليار درهم بدل 5،66 مليار درهم المسجلة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية ، وارتفاع كلفة فاتورة استيراد القمح ب 830 مليار درهم ، وزيادة معدل تغطية الصادرات للواردات ب 4،48 في المائة مقابل 2،42 في العام الفائت .. لخ ، لم يعد " النشاط " الاقتصادي قادرا على تمويل الحد الادنى من مشاريع التجهيز والتسيير المسطرة في القوانين المالية .
فلأن مجموع الاقتصاد موجه للطلبات الخارجية لا للحاجيات الداخلية ، فإن العوامل الظرفية من جهة ، وسياسة السوق الاوربية من جهة ثانية ، قد قادا سريعا الى انهيار مالي خطير ، حيث مست تناقضات النهج التصديري التبعي كل الصادرات الرئيسية التي تلقت ضربات قوية انتهت ببعض المنتوجات الى الافلاس . وهنا نسجل التقهقر المهول في الصادرات المغربية الى اوربة سواء من الحوامض او الطماطم او الخمور بسبب رفع التكلفة الجمركية .. لخ امام المنافسة القوية لاسبانيا والبرتغال وإسرائيل واليونان .
واذا اضفنا الى هذا الوضع الخطير ، الازمة التي صاحبت تصدير النسيج منذ سنوات ، وانخفاض تصدير وسعر الفوسفاط ، وانخفاض تصدير المصبرات ، وان استيراد البترول وحده تمثل اكثر من 90 في المائة من قيمة الصادرات المغربية ، وان المغرب يستورد جزءا هاما من المواد الغذائية والحبوب ، زيادة على استيراد القسم الاكبر من التجهيزات والمواد المستخدمة في الصناعة ... . لخ ، فإن افلاس السياسة التبعية المنتهجة عن سابق سبق وإصرار ، قد سار هو القاعدة الثابتة التي تقوم عليها كل الاجراءات الاقتصادية لحكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية ، والتي لا تخرج عن دائرة التبعية ، بل تعمقها وتواصلها بشكل اكثر عنفا وبشاعة ، في ظل اختيار الهروب الى الامام مثلما هو الامر على الصعيد السياسي ايضا .
2 ) كما يتمثل الخضوع لمراكز القرار الاجنبية في تنفيذ كل تعليمات صندوق النقد الدولي ، هذه التعليمات التي توجه ضربات قاسية في صميم العيش اليومي للجماهير الكادحة ، تحت غطاء ما يسمى بسياسة التقشف التي يمليها هذا الصندوق كشرط لمنح القروض التي وصلت حدا لا يطاق مع عبدالاله بنكيران ، او اعادة جدولة الديون القديمة . ان ما قامت به زمرة بنكيران من مراجعة الميزانية وإلغاء مناصب الشغل المبرمجة ، وتقليص مصاريف التجهيز والتسيير ، وتوقيف كل برامج الاستثمار في جميع القطاعات الاجتماعية ، رغم ما وصلت اليه من ترد وتخلف خطير عن الحاجيات الوطنية ، لهو اعلان عن حرب تجويع وتفقير للشعب الذي لم يعد له ما يخسره غير فك اغلاله والانتفاض ضد حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية . لقد بات نشاط الحكومة البارز هو البحث عن القروض ، واستجداء المعونات والمساعدات من البنوك الدولية والبلدان الخليجية التي اصبحت تمول قسطا كبيرا من مصاريف مؤسسات الدولة . ان مديونية الدولة الخارجية ربطت مصير اجيال قادمة بديون غير مسئولة عنها .
3 ) في ظل هذه الظروف ، يكتسي مسلسل الزيادة في الاسعار ، والإجهاز على صناديق التقاعد بعد افراغها ، وتصفية صندوق الموازنة وفرض الرسوم على التعليم الجامعي ، طابعا خطيرا ، تجاوزت عواقبه كل تقديرات حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية وحساباتها . والمعروف ان المضاربات والزيادات في اثمان المواد الاساسية ، وخاصة منها الغذائية ، لم تتوقف يوما واحدا منذ عبدالرحمان اليوسفي والى عبدالاله بنكيران . فهي شملت السكر ، الزيت ، الحليب ومشتقاته ، الزبدة ، الدقيق ، الخبز ، البنزين ، الغاز ، الخضر .. لخ .
اما الاجور والمداخيل فقد ظلت في ركود دائم ، مع العلم ان معدل الدخل في المغرب بالنسبة للفرد الواحد كارثي بامتياز .
خلاصات :
ان هذه اللوحة الاجمالية القاتمة عن الواقع الاقتصادي الراهن تسمح بتسجيل خلاصات جوهرية ترتبط مباشرة بمميزات الوضع السياسي واحتمالات تطوره :
ا – ان الحلول الظرفية والحقنات الخارجية ، مهما كانت ، ستكون عاجزة عن حصر انتشار الفوضى الاقتصادية وتبديد الطاقات الانتاجية ، المادية والبشرية ، لأن ’مركّبات الازمة مرتبطة بشكل عضوي ، وكلها بلغت مستويات عالية من الخطورة : ركود الانتاج ، مأزق الصادرات ، مصاريف حرب الصحراء المهددة بالانفصال .
ب – ان هذا الافلاس الاقتصادي الشامل يفتح الباب على مصراعيه امام مضاعفة الامبريالية لتحكمها في مصير بلادنا السياسي ، وتحديد مصير قضيتنا الوطنية ، لأن تعميق التبعية يقترن في ظل حكومة اقطاع سياسي لا وطنية ، بتقوية التحالف مع الاجنبي ، وهذه ممارسة تاريخية لهذه الحكومة التي سرقت الدولة في واضحة النهار وأفقرت الشعب .
ج --- ان توسع صفوف المشردين والعاطلين ، وضحايا سياسة حكومة الاقطاع السياسي الاقتصادية ، وعجزها في تلبية الحد الادنى من مطالب الشعب في العيش الكريم ، يشكلان الاساس الموضوعي لتطور نضالية الجماهير الشعبية ، ومواجهتها للحرب الطبقية الشرسة ، وارتفاع وعيها بضرورة مواصلة الكفاح الجماهيري ، حتى تحقيق اهداف التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي .
فاذا كانت مسافة الالف ميل تبدأ بخطوة ، فقد قطع المغرب منذ العشرية الثانية من الالفية الثالثة والى اليوم مسافة 999 ميلا ، ولم يعد يفصله عن الالف ميل سوى خطوة واحدة . ان انشاء الدستور الديمقراطي وبناء الدول الديمقراطية لم يعودا من الامور المستحيلة او المستعصية ، بل اضحيا اليوم من ابسط الاشياء بفعل التحول الداخلي والخارجي الذي يستعمل ورقة الديمقراطية وحقوق الانسان في التأثير في مسار الشأن الداخلي للدول .
ومرة اخرى ، ان ما حصل للسيد عبداللطيف الحموشي في فرنسا ، وما حصل من بهدلة مقصودة لمزوار وزير الخارجية ، وما تصدره جمعيات ومنظمات حقوق الانسان الاممية والدولية ، وما يتضمنه التقرير الامريكي عن اوضاع الديمقراطية وحقوق الانسان ، وما يمثله ملف المهدي بن بركة ، ومتابعة القضاء الاسباني لمسئولين مغاربة بسبب اختفاءات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ... يجعل من المستحيل تكرار مجازر 1965 و 1981 و 1984 و 1991 ، كما يجعل من المستحيل اعدام ضباط كبار دون محاكمات او اعادة فتح تازمامارت جديد او كمبليكس جديد ، او معتقلات سرية جديدة . ان اطلاق الرصاص على المواطنين السلميين المطالبين بالديمقراطية ، وبالدولة المدنية ، وبعدم الافلات من الحساب ، وبالمساواة بين المواطنين وطرح سؤال من اين لم هذا ؟ ، سيكون رصاصة الرحمة التي ستطلقها حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية على القضية الوطنية ، كما ستكون رصاصة الحتمية النهائية للطغاة المستبدين ناهبي المال العام .
فهل يرضى احفاد احمد الهيبة ماء العينين الثوار الوحدويين بالصحراء ، وأحفاد موح اوحمو الزياني ثوار الاطلس المتوسط ، وأحفاد المجاهد عبدالكريم الخطابي ثوار الريف ، وأحفاد المختار السوسي ثوار سوس العالمة ، وأحفاد محمد الزرقطوني وعلال بنعبدالله ، ان تستمر حكومة الاقطاع السياسي الاستبدادية في تخريب البلاد والعباد ، وتدمير الحجر والشجر ، وممارسة الاستبداد والطغيان والاعتداء على الناس وحقوقهم ؟




#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانكيمون يعين الكندية كيم بولدوك على رأس المينورسو
- تطور اساليب القمع بين الاستمرارية والتجديد
- العنف الثوري
- قراءة لقرار مجلس الامن رقم 2152
- فاتح ماي : اسئلة واجوبة
- النهج الديمقراطي ورقصة الحنش ( الثعبان ) المقطوع الرأس
- الفقر كفر والكفر فقر
- الامير ( المنبوذ ) بين الصبيانية والتيه السياسي
- قراءة في قضية عبداللطيف الحموشي مع تعيين فالس وزيرا اولا بفر ...
- الله هو صاحب السيادة العليا والامة مصدر السلطات والديمقراطية
- خارطة الطريق - ستة منطلقات لبناء الدولة الديمقراطية وقلب حكو ...
- النص الديني والنظام الراسمالي من المرأة وجهان لعملة واحدة
- هل تراجعت الحكومات الاسلاموية ؟
- اي سر وراء مصرع الجنرال احمد الدليمي ؟
- الحزب الشيوعي
- حركة الجمهوريين المغاربة
- الاخطاء الكبرى المرتكبة في حق القضية الوطنية
- اين الحقيقة في تصفية عبدالرزاق لمروري وزجته ؟
- حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب
- شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب


المزيد.....




- مسؤولون إسرائيليون في أمريكا لتسوية خلافات حرب غزة ونتنياهو: ...
- مراهقون أوكرانيون يتدربون لخوض حرب طويلة ضد روسيا في ناد عسك ...
- وزير الدفاع الإيطالي يحذر من استيلاء روسيا والصين على إفريقي ...
- جدل في الجيش الإسرائيلي بعد تصريحات متتابعة عن -القضاء على ح ...
- -رويترز-: بكين وواشنطن تستأنفان المباحثات النووية بعد انقطاع ...
- الاستعدادات مستمرة لنشر أسلحة نووية أمريكية في بريطانيا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /21.06.2024/ ...
- تقرير إسرائيلي: قوات المراقبة رصدت مناورة -غير طبيعية- قبل 4 ...
- سيول تطلق طلقات تحذيرية بعد عبور جنود كوريين شماليين الحدود ...
- قيادة بوتين وزعيم كوريا الشمالية لسيارة ليموزين روسية الصنع ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الاسس البنيوية والازمة الراهنة للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن