|
هل سنبقى ندور ُ في حلقة؟
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4460 - 2014 / 5 / 22 - 10:35
المحور:
المجتمع المدني
هل سنبقى ندور ُ في حلقة؟
من جديد تشتعل ُ الساحة، مقال ٌ في تسفيه المعتقد الإسلامي، يقابله مقال ٌ في تسفيه المعتقد المسيحي، يقابله مقال ٌ في الفخر بالتاريخ، يجتذب ُ جميعُهم المريدين و الهازئين، بينما يفضل الكثير من القراء و الكتاب أن ينؤوا بأنفسم عن هذا الخِضمِّ الغامر غير العقلاني الذي يبتلع ُ الجُهد و تنعدمُ فيه الفائدة.
كنت ُ قد قدَّمت ُ مقالة ً سابقة بعنوان "قراءة في الإنسان – 3 – في الهوية الدينية و الدفاع العصبي المُتشنِّج" http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=414680 أبرزت ُ فيها لمَ تحتدم المُصارعات ُ الدينية، و عزيت ُ ذلك إلى الهوية ِ الدينية التي أصبحت تمثيلا ً لكيان الفرد و هويته الشاملة، فيكون ُ الدفاع عن الدين هو دفاعا ً عن النفس، استجابة ً لغريزة البقاء و حفظ النوع.
و قدمت الحل َّ بأن تعود َ الناس ُ إلى الجذر، إلى الأصل، إلى المُنطلَق ِ الإنساني ِ الأول، فكتبت ُ: ------------------------------ "لا بُدَّ من إعادة الأمور ِ إلى سياقها الإنساني الصحيح، و هو أن قيمة َ الإنسان ووجوده و بقاءه بحسب ما يمليه علم البيولوجيا، و فلسفات ُ الأخلاق، و نتاجات ُ العقول، و ميول ُ المشاعر ِ و القلوب، تنبعثُ من إنسانيتِه الجامعة و المشتركة مع كل بني البشر، و بهذا يرتفعُ الإنسانُ فوق النصوص ِ جميعهِا و فوق الأديان ِ و فوق الآلهة، فيكون َ هو المُقدَّس َ الأول، و يعلم َ أن التهديد الوحيد ليس تهديدا ً لعقيدة و لا تهديدا ً لدين، و أن انتقاصا ً من عقيدة ٍ أو دين، ليس انتقاصا ً منه، و أن مثل هذه التهديدات أو الانتقاصات هي عبثيات ٌ لا خطر منها، و أن التهديد الوحيد، هو التهديد الموجَّه ُ نحو بشريته، و كرامته الإنسانية، و حقوقه الأساسية في المأكل ِ و المشرب ِ و المأوى و العلم و التعليم و حرية الرأي و حق الحياة.
الإنسان ُ هو المُقدَّس ُ الأول، متى أدرك هذا لن يتعصَّب َ و لن يتشنَّج َ و لن يتخذ الموقف َ الدفاعي الهجومي، و ستكون هويتُه ُ الإنسانية داعما ً لكل ِّ هوياته الأخرى، و اساسا ً و جامعا ً و ضامنا ً لها." -----------------------------
ما زلت ُ أشعر بالضيق ِ الشديد و أنا أرى هذا الصراع على صفحات الحوار، هذا يقول ُ أن الإسلام بشع، فيرد ُ ذاك أن المسيحية أبشع، فيقتبس ُ هذا من تاريخ الإسلام، ليقتبس َ ذاك من تاريخ المسيحية، و يُهلِّل َ مسيحي ٌ للأول، و ينتصر َ مُسلم ٌ للثاني، و يستمر الدونكيشوت يضرب ُ برمحه ِ طواحين الهواء، بينما تتصاعد ُ أبخرة ُ العنصرية ِ و الطائفية ِ و الكراهية ِ حقيقية ً تثير الغثيان َ في النفوس التي ما زالت فطرتُها لم تفسد بعد.
ماذا حدث لنا؟
كيف نسمح ُ لأنفسنا أن ننحدر َ في هذه الحُفرة المُظلمة؟
ألا ترون أننا جميعنا نملك ُ تاريخا ً فيه بشاعات ٌ يجب أن ندينها؟ و عندما أقول ندينها أعنى أننا كبشر يجب أن ندين البشاعة َ شاملة ً بدون استثناء، و يكون موقفنا منها واضحا ً لا لبس َ فيه و لا غبار و لا يحتمل التأويل.
في تاريخنا أيضا ً مراحل ُ مضيئة، قدمنا فيها للبشرية ِ إنجازات ٍ علمية بقُدرات ِ تلك الفترة و أدواتِها و إمكانياتِها و مساحات ِ الفعل المُتاحة، و هي إنجازات ٌ في الترجمة، و اللغات، و الرياضيات، و الفيزياء و الفلك و العلوم المختلفة. ساهمت حضارات الوثنين و المسيحين و المسلمين فيها.
لا يمكننا أن نفتخر َ بتاريخنا كله فذلك َ يُفقدنا إنسانيتنا. لا يمُكننا أن نفتخر َ بتاريخنا بينما نُعيب ُ على الآخر تاريخَه، فهذا يُفقدنا مصداقيتنا. لا يُمكننا أن نلعن تاريخنا كله، فهذا ظلم ٌ و انتحار، ناهيك َ عن كونه عدم َ فهم ٍ للتاريخ و العلاقة بين الدوافع الأسباب و النتائج، و تبخيسا ً للفعل ِ الإنساني و قصورا ً في إدراك الطبيعة البشرية و آليات تفاعلاتها.
ما الحل؟ كيف نجمع ُ المُتناقضات ِ إذا ً؟ الحل هو ما أسلفتُه في بداية المقال من اقتباس ٍ، أي أن نعود َ إلى إنسانيتنا، فنعترف َ أن قيمة َ الفرد هي في إنسانيته، ثم َّ ننبذ ُ الكراهية َ و التعصب بعيدا ً، و ننظر بموضوعية إلى تاريخنا كله، فنقول: أصاب المسيحيون في هذا، و أخطؤوا في ذاك، و أصاب َ المسلمون في هذا و أخطؤوا في ذاك، و اصاب الملحدون في هذا و أخطؤوا في ذاك. لكن بموضوعية ٍ و احترام.
عندها سنكتشف ُ كم نحن ُ متشابهون َ في الحقيقة، و أن الأيدولوجية الدينية و الثقافة َ المُنبثقة َ عنها هما مجرد قناتان أو قناة واحدة للدافع الإنساني الجامع الشامل يتم توجيهُهُ من خلالهما، على الرغم أنهما يبرزان كدافعي فعل ٍ و باعثين. و هذا المظهر و إن كان العامَّ و السائد إلا أنه ليس الجذر، إنه ما فوق الجذر. لكن التركيز عليه و تكرار التركيز و تكرار التأكيد أخفت كلُّها الجذر الإنساني الواضح.
نحن نضيعُ الوقت و الجهد، نحن ُ نُشتِّت ُ قدرتنا الجمعية في حرب ِ بعضنا، لماذا؟ ما الهدف؟ إنه كما ذكرت ُ في السابق، استجابة ٌ لغريزة ِ البقاء، فإذا ً ما المانع ُ أن نستجيب َ لهذه الغريزة في الاتحاد؟ بأن نسعى لأن نلتقي و بذلك نحقِّق ُ عدَّة أهداف:
- أولا ً يزول خوف ُ كل ٍّ منا من الآخر. - نستمدُّ من بعضِنا و نمدُّ بعضَنا بالقوة. - تتوحد طاقاتُنا نحو الارتقاء ِ إلى مستوى إنساني أعلى. - نستطيع ُ في المستوى الأعلى أن ندرك َ أشياء ً ما كنا سنصل ُ إليها منفردين.
أنا لا أتحدث ُ في مثاليات، لكني أتحدث ُ في مُمارسات ٍ مُمكنة خطتها دول ٌ علمانية صار الإنسان ُ فيها هو الأساس، فجاءت دساتيرُها عاكسة ً لمتطلبات الإستحقاق الإنساني، و ضامنة ً له، فأبدعت في العلم، و ضمنت لمواطنيها حقوقهم في الحياة و الرأي و الممارسة الإنسانية.
أتحدث ُ في و عن نماذج َ واقعية موجودة، نستطيع ُ كعرب ٍ أن نُحقِّقها، لا أتكلم ُ في خيال.
يا جماعة، لنلتقي على هذا.
من معنا في ميثاق ِ الشرف هذا؟
سجل اسمك في تعليق ٍ في الأسفل و ليكن بداية التزام حياة، تستطيع ُ ذلك إن أردت، فلا تمنع هذا الخير عن نفسك و عنا معك!
أهلا ً بك، أهلا ً بك ِ.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح ٌ في جدليات
-
قراءة من سفر التطور – 3 – بين الجين و البيئة و السلوك بحسب ا
...
-
قراءة في الإنسان – 3 – في الهوية الدينية و الدفاع العصبي الم
...
-
في نفي دونية المرأة – 3 – وراثة معامل الطاقة في الخلية البشر
...
-
قراءة في الإنسان – 2 - وجها الوجود و الألوهة الناقضة لفعلها
-
قراءة في الشر – 6 – الرجاء ُ في الألوهة، عتابُها و الدفاع ُ
...
-
عندما ينتحب ُ هاتور
-
قراءة في الشر - 5 - سفر أيوب نموذجا ً ثانيا ً.
-
قراءة في الشر – 4 – سفر رؤيا أخنوخ نموذجا ً.
-
على هامش إفلاس المحتوى – إضحك مع المناخ الروماني
-
قراءة في الشر – 3 – الحكم البشري على أخلاقيات الألوهة
-
قراءة في الشر – 2 - احتجاب الألوهة
-
وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ
-
عندما تجلس لتتعلم
-
رسالة إلى رواد الموقع الكرام.
-
قراءة في واقع المسلمين العرب – الكشف ُ عن جذر ِ التخلف.
-
إلى الأستاذ غسان صابور – و إلى الحوار المتمدن من خلاله
-
خاطرة قصيرة – من وحي الحب من فم القديس أنطونيوس
-
من سفر الإنسان – قراءة في الموت.
-
قراءة من سفر التطور – كرة القدم شاهدا ً.
المزيد.....
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام شخص -تعزيرا- وتكشف ما أُدين ب
...
-
حماس تطالب الصليب الأحمر بتكثيف متابعة أوضاع الأسرى الفلسطين
...
-
مكتب إعلام الأسرى التابع لحماس: الأسرى المحررون تعرضوا لتعذي
...
-
شبكة حقوقية تدعو لتحقيق العدالة لضحايا مجزرة حماة 1982
-
جيش الاحتلال يعتقل صيادا لبنانيا عند نقطة رأس الناقورة.. ويع
...
-
السعودية.. إعدام مقيم أدين بجريمة مخدرات
-
الجزيرة ترصد أوضاع مدارس الطوارئ بمخيمات النازحين في السودان
...
-
حملات اعتقال وترحيل للمهاجرين غير النظاميين من أميركا
-
وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى القاهرة (فيديو)
...
-
جدل واسع في إسرائيل بعد مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|