مجتبى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1263 - 2005 / 7 / 22 - 04:08
المحور:
الادب والفن
بكى والده عندما ودعه على الشاطئ ...ركب سفينته المغادرة في جولتها
حول العالم ... رحلة ستدوم سنين ، لن يطأ ارض موطنه خلالها ، ستتقاذفه
أمواج ومرافئ العالم ...
رحالاً كان حلمه صغيراً .. يتحقق في ريعان شبابه ..كم من السمر سوف يغازل
ولن يستثني الشقراوات أو ذات اللون الغامق.. سيبحر بينهم ويترك دفته لرياحهن
وتقلبات مزاجهن..
سيعيش كما حلم أيام مراهقته، حياة دون ضوابط أهلية أو قبلية أو دولية..
نورس يصطاد سمكه من أعالي الموج فالبحر واسع والريح هبوب...
بكى يوم وفاة والدته ،و هو اليوم يبكي لمرة ثانية بعدما أبحرت السفينة واختفت
ظلال والده في الأفق ...بكى لا حسرة وداع وحنين إلى آهلين رغم قسوتها ..
بل مُرّ قهرِ جعله يترك بيته فاراً على سفينة تجارية يعمل عليها مستخدم ،هو الحائز
على إجازة في الاقتصاد بدرجة امتياز،فرّ تاركاً عمله وخطيبته وأباه .
اختلطت الدموع بالذاكرة ...ذاك اليوم المشئوم ..يوم شرب الخمر مع أصدقائه ،
وصرح عما يجول بخاطره من مشاعر يكبتها عن أباطرة عصره ، كلمات ليست
أقسى مما يقال في الإذاعة المحلية ،غير أن احد الحاضرين حرفّها لتستوي تقرير
على مكتب في إحدى الأفرع الأمنية قبل أن ينبلج ظلام ذاك الليل .. أُخذ على إثرها وجيء به
مرات وأوقف مدد متفاوتة ، اقسم لهم خلالها إنه لم يقصد شخص بعينه بل كان ثرثرة
عامة ،لم يصدقوه وحولوه مقتاداً إلى محكمة حفظ نظام الكون ..بقي في التوقيف اشهر ،
لم يرَ شمس الصباح خلالها، مما أرهق قلبه الضعيف ، أحيل إلى مشفى السجن ،وبعد
وساطات وتضرعات ،اُخرج تحت المحاكمة بكفالة عقارية وهي بيت والده –هو كل
ملكيتهم- قبل اقترب موعد النطق بالحكم كان والده قد تدبر هربه على متن هذه السفينة
مضحياً بكل شيء في سبيله ..
رحل يحقق حلم الصبا ولكن دون إرادة منه .. فأعجزته الدمعة عن النطق ،كما أعجزته عن
الرؤيا بوضوح ،ترأى له طيف أمه يدندن بأغنية طالما أنسته بكائه في الصغر ..
لكن هل تُوقف نزف قلبه ..
#مجتبى_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟