وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 22:30
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
في بحث د . عبد الصمد الديالمي الموسوم : ( الجنس والسياسة في المغرب )والذي تم انجازه بفضل منحة من صندوق الامم المتحدة للسكان FNUAP عام 2000 , صرح دركي(شرطي ) قائلا :
( ان الرجل الذي يريد قضاء ليلة ممتعة يذهب عند الجزار ( القصاب )والخضار وبائع الخمور ... عليه ان يصرف 1000 درهم على الاقل لكي يقضي ليلة ماجنة .. وهذا شيء يمكن الكثيرين من العيش, ويحرك عجلة الاقتصاد المحلي .... بدون ذلك , ليس للناس مايعملون ) .
لهذا السبب بالذات, تندد بعض الدوائر بالحملات القمعية التي تقوم بها السلطات العمومية ( العامة )من اجل محاربة الفساد والتطهير.ففي منطق هذه الشريحة السكانية الفقيرة , فان الاولوية هي لضرورات الحياة ,اما الوازع الديني فيتم تعليقه الى حين .. وفي مدن سياحية مثل مراكش واغادير ومكناس ,يساهم العمل الجنسي في تشغيل الفنادق المصنفة حيث قال بواب فندق بمكناس :
(سبعة زبناء ( زبائن ) في المرقص مع فتاة يحققون للفندق مدخولا اكثرمن حافلة مليئة بسواح المان .
وحسب ناشط في ( الجمعية المغربية لحقوق الانسان ) تمتليء المراقص بفتيات يتراوح عمرهن بين 15 و 20 سنة , ويعرضن انفسهن باثمان مختلفة .وهن فتيات يرفضن العمل كخادمات بيوت ويفضلن العمل الجنسي .
الكثير منهن اشتغلن كخادمات بيوت منذ صغرهن,لكنهن قمنا بالفرار نظرا لسؤ المعاملة والارهاق , ولانهن لايستفدن اطلاقا من اجورهن ,فالاب ياتي مرة كل شهرين ليتقاضى الاجرة بنفسه ولزيارة ابنته وتفقد احوالها .
عند نفاد صبرهن ,تخرج تلك الفتيات الى الشارع فيجدن بسهولة من يستقبلهن ويرشدهن الى سوق العمل الجنسي , وقد صرحت احداهن لطبيب امراض جلدية وتناسلية انها تتناول الحشيش لكي لاتعي ماتفعله بجسدها .ورغم اصا بتها المتكررة بامراض منقولة جنسيا , اعترفت انها لاتستطيع التوقف عن العمل ولا تقدر بالتالي على فرض الغشاء الواقي على زبائنها .انها مضطرة لاخفاء مرضها عن الزبون لئلا تفقده .
في الجامعات ,تمارس الطالبات انفسهن عملا جنسيا , ظرفيا ومغلفا , نظرا لضعف المنحة الجامعية وفقر العائلة , اورغبة في التمتع باطايب الحياة .فحسب عضو في شبيبة ( الاتحادالاشتراكي للقوات الشعبية ) , كل طالبة جديدة تاتي الى الحي الجامعي في الرباط تتصل بها حالا طالبات سبقنها الى الجامعة من اجل تقييم جسدها تقييما ماليا واقتراح صفقات (عمل جنسي ) ملائمة . وفي بعض الاحيان يتم اقراضها مبلغا من المال لاتستطيع تسديده الا بفضل العمل الجنسي , فتجد نفسها سجينة شبكة عمل جنسي محترفة .
وقد شاع هذا الامر في الثمانينات والتسعينات ومازالت آثاره مستمرة الى اليوم . في هذه المرحلة دخل المغرب مرحلة :
( الشيخات المثقفات ). علما ان الشيخات المغربيات معروفات برقصات البطن وبالجنس والخمر فقط .
لعبت السياحةالخليجية في المغرب دورا مهما في تحويل العمل الجنسي الى اداة لتغيير الانتماء الطبقي ومن الاندماج في شرائح من الطبقات المتوسطة . ان سياحة جنسية في مدن اغادير ومراكش وطنجة والدار البيضاء ازدهرت في عقدالثمانينات من القرن العشرين . في اطارها تقدم ( الحاجة ) , وهو النعت الذي اصبحت توصف به القوادة ! فتيات صغيرات (14 – 15 )سنة الى السائح الاجنبي وعذراوات, من اجل متعة الافتضاض . وهنا يصل سعر الليلة الى (5000)درهم بكل سهولة .
وكثيرا ماتتحول تلك الصغيرات الى خليلات عابرات للقارات و ينفق عليهن بسخاء يتجاوز سدالحاجات المادية الاساسية .بفضل هذا الوضع وبفضل الدوران بين السواح الخليجيين , تحصل الفتاة على فساتين غالية الثمن و كما على السيارة والشقة . وهذه اشياء يعجزالزبون المغربي عن تحقيقها , ممايؤدي الى النفور منه .وهكذا ظهرت فئة من العاملات الجنسيات تخصصن في العمل الجنسي مع الخليجيين فقط , وقد تعودن على الكسب السريع والمرتفع .مما مكنهن من تغيير الهندام والسكن والحي , واقتناء حلي ومجوهرات , وفتح صالونات حلاقة وحسابات بنكية ( مصرفية ).
فقدان البكارة بين الثقافة والطبقة
ان ممارسة العمل الجنسي امر يقتضي حضور عوامل نفسية , مثل التعرض للاغتصاب , او زنا المحارم , او الافتضاض . بالنسبة للحس المشترك , ( البغي وحدها تفقد بكارتها قبل الزواج ) . وكل فتاة حصل لها ذلك تعد بغيا . بغض النظر عن الدوافع .
ان المفهوم الثقافي السائد حول العلاقة بين البكارة والبغاء يجعل من كل فتاة ( اعطت جسدها كليا ) قبل الزواج (بغيا) , موسومة بالعار , وتستحق الاحتقار والتهميش والتبخيس .
البكارة التوافقية والبكارة الدينية
تعني (البكارة الدينية )انعدام كل تجربة جنسية قبل الزواج للفتاة .انها العذرية الكاملة . اما( البكارة التوافقية ) , فتعني ان الفتاة تعيش تجارب جنسية متنوعة قبل الزواج مع الاحتفاظ على غشاء بكارتها .
هكذا يتبين ان الجتمع المغربي اتجه الى التسامح الجنسي , بمعنى ان كلمة( البغي ) في المفهوم الاخلاقي هي الفتاة التي فقدت بكارتها .اما الفتاة التي تمارس الجنس السطحي او الشرجي او الفموي فانها لاتعتبر( بغيا) . هنالك توافق ثقافي واجتماعي حول كونها حافظت على شرفها . وهو مايقود بعض الاسرالى الطبيب بقصد الحصول على (شهادة البكارة) وعلى اشهارها .
ان شهادة البكارة هي شهادة الشرف . اما الافتضاض الشرجي , مثلا, فما ذلك الا لعب ولهو , وممارسة مسموح بها للفتاة من اجل التوفيق بين الر غبة والتحريم الديني . ان بعض الفتيات يمارسن العمل الجنسي بممارسات سطحية وفموية وشرجية فقط ,بغية الحفاظ على غشاء البكارة . لكن هذا الضرب من الممارسة الجنسية في اطارالعمل الجنسي لايستمر طويلا .
يشكل فقدان البكارة حدثا تاريخيا في الصيرورة الاجتماعية والنفسية للفتاة . انه الحدث الذي يقودها الى تحقير ذاتها وجسدها . فغشاء البكارة ليس مجرد عضو جسدي صامت , انه عضو محمل برمزية فخرية يجعل منه اساس الصورة الايجابية عن الذات لدى الفتاة . ويؤدي فقدانه قبل الزواج الى اعتبار الفتاة سلعة فاسدة , خاسرة, مثقوبة من طرف الاخرين .
ان (الثقب ) الذي تتعرض له الفتاة في جسدها يجعل من جسدها جسدا فقد حرمته , جسدا يمكن ولوجه . فيصبح جسد الفتاة مكروها ومغضوبا عليه من طرف الفتاة نفسها و جسدا يمكن اعطاؤه لاي كان .انه جسد عمومي , اشبه بالمراحيض العمومية حيث يتبول فيه كل الرجال , ( بحسب تعبير احد المستجوبين في مدينة- خنيفرة ) . ان احتقار الذات عندالفتاة التي فقدت بكارتها يقودها الى ان تصبح بغيا .
مابين 60% و 90% من العاملات الجنسيات عانين من الاغتصاب في طفولتهن. وتذكر جمعية في مراكش ان ( قسما مهما من العمال الجنسيين الاطفال تعاطوا العمل الجنسي بعد اغتصابهن , من طرف الاب في بعض الحالا ت ) .
يؤكد د .الديالمي انه لايمكن القول ان فقدان البكارة يؤدي في ذاته لوحده الى العمل الجنسي بغض النظر عن الا نتماء الاجتماعي .
ابعد من ذلك ,بالامكان قلب العلاقة بين فقدان البكارة والعمل الجنسي , بحيث ان اختيار العمل الجنسي (بسب الاغراء المالي الخليجي ) , هو الذي يدفع بالكثير من الفتيات الى فقدان البكارة و وفعلا اظهرت الابحاث الميدانية ان الافتضاض في اطار العمل الجنسي خدمة جنسية تجلب اجرا اهم.وهذاعودة الى اهمية العامل الاقتصادي للعمل الجنسي واوليته ازاء البعد الثقافي – الاجتماعي ( فقدان البكارة ) .
ختاما يمكن القول مع د . الديالمي ان العامل الاقتصادي هو الذي يدفع الدولة الى اختيار العمل الجنسي كسياسة عمومية وضمنية غيرمهيكلة .
(يتبع)...
المصدر
كتاب ( سوسيولوجيا الجنسانية العربية ) – تاليف: د . عبد الصمد الديالمي – ط 1- 2009 –دار الطليعة ورابطة العقلانيين العرب – بيروت -0 لبنان .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟