علاء اوسو
الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 03:03
المحور:
كتابات ساخرة
عندما اشترى أبي لنا التلفاز لأول مرة كنت وقتها طفلاً صغيراً وحينما كانت تنتهي برامجي المفضلة أفلام كرتون –سبستيون كانت الأخبار السياسية تبدأ ببث أكاذيب السياسيين وكلمات المسئولين وهم يقولون –(في مثل هذه الأوقات الحساسة و الصعبة التي يمر بها وطننا) وفي كل كلمة كانوا يلقونها على مسامعنا بالمناسبات الوطنية حينما كنت في المدرسة وهم يخطبون: أن وطننا يمر بظروف صعبة وحساسة للغاية وعلينا تحمل مصاعب الحياة والعيش والقيام بواجبنا التاريخي ,
وفي مرحلة المراهقة –كان كل ناصح لي من معلمي وأبي وأمي وأخي ووو .......... الخ , يقولون ما هذا الذي يفعله هذا الجيل الشاب –ليس على بالهم شيء والبلاد تمر بهذه الظروف الحساسة والصعبة ولا يقومون بواجباتكم ومسؤولياتكم ولا يتملون المصاعب ومشقات الحياة وكأنهم جيل مصنوع من الزجاج
في الندوات والمحافل الحزبية التي كنا نحضرها لحركتنا الكردية في قريتنا كان العريف ومساعد العريف وإداريي الحفل يسمعنا الجمل من قبيل –(في هذه الأوقات الحرجة والحساسة والصعبة التي يمر به سوريا بشكل عام وشعبنا الكردي بشكل خاص ) علينا القيام بواجبنا تجاه الشعب والوطن إنها مرحلة لابد لنا من تحمل صعوباتها وينهي كلمته وهو ينفض بإصبعه ذرات الغبار عن طقمه الأسود وربطة العنق الفاخرة ,والحضور من الحفاة وهم يصفقون لكلماته المؤثرة على مشاعرهم وأحاسيسهم ويمضون إلى حقولهم ,
في نهاية كل موسم كانت شرطة المخفر رجال هذا الوطن الذي يمر بظروف صعبة وحساسة يأتون لبيتنا ويأخذون قسماً من غلة الأرض وكدحنا ويقولون( إننا نمر بظروف حساسة وصعبة ) .وعليكم دفع التبرعات رغم أنوفكم لأخوتنا في فلسطين المحتلة –مع علمهم باحتلال الفقر المدقع لبيوتنا ,
و في كل زيارة للشيخ الجليل العالم ذا اللحى الممشطة والكوفية الناصعة البياض لوالدي كان يقول :في مثل هذا الوقت الحرج والصعب على أمة محمد لابد لنا من تحمل مسؤولياتنا والقيام بما أمرنا الله به من صلاة وزكاة ووووو---وعليكم دفع الزكاة لأننا مسلمون ومؤمنون يشرع الله وهو يقص علينا ما تيسر له من كلام الله و(إن الأمة الإسلامية تمر بظروف صعبة وحساسة وأن الكفرة يتربصون بنا و يجب عليكم أن تساعدوا أخوتكم في الدين الفقراء واليتامى والمساكين وإن لم تفعلوا فتلك معصية للرب وهنالك العقاب و بئس المصير (طبعاً هو الفقير المسكين يتيم الأبوين وزوج لأثنين وأب لكتيبة من البنات والبنين ),
وأثناء الخدمة الإلزامية – كان القادة العسكريون بعد تنفيذ العقوبات الصباحية بنا وتحطيم كل جدار للكرامة في نفوسنا كل يوم يقولون :إن هذه الظروف الصعبة و الحساسة التي نواجهها ونحن نقاوم العدو الصهيوني والإمبريالية العالمية علينا تحمل مسؤولياتنا والتضحية بآخر ذرة للكرامة نملكها وتقبل الذل والاهانة من مرؤوسينا لان (الوطن يمر بظروف صعبة وحساسة )
,وعندما أقبلت على الزواج كان الكثيرون يقولون لي كيف تقدم على خطوة الزواج وتأسيس أسرة ونحن نمر بهذه الظروف الصعبة –وهي كانت قناعتي أيضاً لا لأن الوطن يمر بظروف صعبة إنما لظروفي التي كانت مصابة بمرض الحساسية المفرطة و الصعبة للغاية ,وبعدها كلما ذهبنا للمناسبات اللاوطنية في هذا الوطن ,كانت الكلمات الوطنية تبدأ –(في هذه الظروف الصعبة والحساسة التي نمر بها)
ونحن في زمن الثورة في هذا الوطن – الكل يبدأ حديثه في المجالس والمدارس وعلى الشاشات و صفحات الجرائد الإلكترونية والورقية –(إن في مثل هذه الظروف الحساسة التي نمر بها ),حتى بات العاشق وهو يتغزل بمحبوبته بهذه الجملة الوطنية بامتياز .والشاعر يبدأ وينهي بها قصيدته ,والدكتور يكتبها في وصفته الدوائية لمريضه ,والزوج يقولها لزوجته للتهرب من واجبه الليلي ومسؤولياته اليومية ,وكل ذلك لأن الوطن يمر بظروف حساسة وصعبة
منذ عمر براءتي وهذا الوطن يمر بأوقات حرجة وظروف صعبة ويبدو أن هذا الوطن سيبقى حساساً ومرهف الأحاسيس في جميع فصول السنة ومراحل أعمارنا إلى أن فقد شباب هذا الوطن كل شعور لهم يحسسهم بهذا الوطن وحبه -لذلك نجدهم يغرقون في البحار التي تفصل هذا الوطن الحساس بأوطان أخرى,وفي أول تحقيق لهم في البلدان الغربية التي يلجئون إليها –وحين يسألونهم لماذا تركتم بلادكم وأتيتم إلى بلادنا يتمتمون بكل خجل :إن بلدنا يمر بظروف صعبة جداً لدرجة إنها لصعوبة حالتها النفسية تقتل أبنائها وتقطع رؤوسهم . وعندما يسألهم أبناء المسرات في الغربة لماذا تبكون على وطن أذلكم واستعبدكم وأهانكم إلى درجة تخلى عنكم وقذفكم للغرق في عالم الفقر والغربة والتشرد ، لماذا كلما تذكرتموه تدمع أعينكم . تجيب أبناء الكآبة والوطن الحساس إن الظروف التي مر بها وطننا كان بحاجة أحاسيس كل أفراده .فلم يبخل الفقراء وأبنائهم وعشاق هذا الوطن وعشيقاتهم بالتضحية لهذا الوطن بكل ما لديهم من شعور وإحساس – حتى وصل بنا الأمر إلى التبرع له بأعضاء حواسنا لا نرى ونسمع ونتذوق ونحس كالآخرين –حتى بات هذا الوطن يرمز إلى اللاشيء في كل الأشياء ولم يبقى لدينا سوى الاحتفاظ بإحساس البكاء –لذلك تجدنا لا نستطيع فعل شيء سوى البكاء على هذا الوطن الذي يمر منذ أجيال وأجيال بظروف حساسة وصعبة للغاية إلى أن تضاعفت حساسيته وأصيب بمرض الحساسية المفرطة وما أن يرفع أحد أبنائه رأسه ولو للنظر إلى السماء أو إلى صورة جده على الحائط –حتى يسرع في قطع رأسه وأوصاله وجذوره ، لذلك فالأوطان الحساسة والمرهفة الإحساس تجد أبنائها وهم بعيدون عنه يضحكون –يبكون –يستبسلون –يخافون – ينامون يستيقظون –يبنون –ويبدعون ويحبون ويعشقون وكل ذلك في الخيال و أحلامهم والمنام
ملاحظة رقم 1:
عزيزي القارئ لا تخف من حساسية هذا الوطن الحساس كثيرا فهذا المرض غير مزمن و لن يطول إلا 70 أو أل 80 سنة الأولى من حياتك وعلى فكرى سيعيش أطفالك نفس هذه المدة مع هذا الوطن الحساس للغاية لان ظروفه صعبة
ملاحظة رقم 2:
المفكرون يستطيعون مساعدتكم والإجابة على أسئلتكم، ووصف العلاج اللازم لحالة وطنكم المصاب بمرض الحساسية المفرطة
بالاستماع إلى الإرشادات الفكرية ، والعمل على منع المسببات، واستخدام الأساليب الثورية الموصوفة بعناية، تستطيعون جعل وطنكم يعيش سعيداً وبصحة جيدة .
ملاحظة أخيرة : الرماد لا يحترق مرة أخرى – لأنه كان مادة واحترق بما فيه الكفاية
#علاء_اوسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟