ملـوك غير متوجيـن

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)

الحوار المتمدن-العدد: 1262 - 2005 / 7 / 21 - 12:38
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

امتدت إمبراطورية الظلام عبر العالم كله لتشغل حيزا كبيرا من اهتمام الناس وتفكيرهم ,وعاشت وشرّشت أكثر من كل الإمبراطوريات التي عرفتها البشرية حتى الآن. وتبسط سلطانها وصولجانها عبر العالم كله عبر ثلة من الملوك غير المتوجين بدءا بنجوم النخل والصحراء ,والشرق الأوسط الكئيب المعروفين ,إلى أبو سياف قطاع الرقاب,إلى خطّاب أمير الشيشان الذي قضى بدسيسة من ورثة الكرملين الدهاة,ولن ننسى بالطبع نجوم لندن وأساتذتها الكبار في تسويق الموت والتغزل بملوك الظلام,وانتهاء بالظواهري وبن لادن أمير الأمراء .فمنهم المتواري عن الأنظار,ومنهم الظاهر للعيان, الذي يصدح ,ويبشر بالموت علنا بفضائيات الاستهبال.ويتحكمون بإمبراطورية وممالك مترامية الأطراف رعاياها جلهم من عبيد وسبايا الفكر الأسود منزوعي الأدمغة والرأس , الذين لا يناقشون أي أمر من الأمور الملكية السامية الصادرة من أباطرة التكفير وفقهاء الطالبان ,ويأخذونها كقانون وشريعة للحياة,ويعطونها مسحة من القدسية والإلزام, فيما يغدق ملوك الظلام الوعود والأمنيات الميتافيزيقية, والعطايا الخلبية, والحوريات والغلمان على تابعيهم الذين لا هم لهم من جل الأمر سوى هذه الدغدغات والإيماءات الجنسية السافرة والمثيرة للدونيات من الحواس,و التي حولت الفضاء إلى مواخير مفتوحة للشبقين ,والنهمين الجائعين للحوم البيضاء ,ويسبغون على تابعيهم الذين يقتلون الناس صفات الشهادة والقداسة,ويمنحونهم الأوسمة الفخرية . جيوشهم سرية تحت الأرض,وتعمل بالخفاء من الانتحاريين المفخخين بالعبوات الناسفات , متسلحة,ومحقونة بكم هائل من الحقد على البشرية جمعاء بكل ما فيها من حب وخير وجمال وأطفال.ويُستقبل بعض من هؤلاء الملوك غير المتوجين استقبال الرؤساء ,وتفتح لهم صالات الشرف ,ويطلب ودّهم وكراماتهم وبركاتهم علية القوم ,والسياسيون ,ومنظرّو الاستبداد الكبار.وهم أطباء وحكماء كبار ولهم تأثيرات دوائية تخديرية وبضع كلمات منهم تخدر الملايين الذين هم أصلا فاقدي, الوعي وساهمين نيام. ولهم محاكمهم الخاصة وأحكامهم العرفية الاستثنائية,وقوانين طوارئ للعقل مستمرة عبر الأجيال وهي لا تقبل الجدال والقيل والقال ,حتى لو كان من أصدرها لا يعرف الأبجدية ,وكل سلاحه لحية وعمامة وجلباب.

ولهم قنوات فضائية تبث أفكارهم ليل نهار,ممولة بعوائد الثروات,,وجيش جرار من الكتاب والمنظرين والمستكتبين في الصحافة السوداء,ومن يبرر أفعالهم ,ويسوغ انحرافهم ,ويزين غلواءهم . ويقودون إمبراطوريات مالية ,وشبكات معقدة من الأعمال .وتظهر تصريحاتهم رضاهم عن هذا النظام ,أو سخطهم وغضبهم على ذاك الحزب والتيار ويسبغون الشرعية على من يشاؤون بغير حساب أو معيار.وكل يوم يصدرون المراسيم المقدسة التي تخرج مجموعات بشرية كاملة من النعيم ,وتضعها في النار. ولهم مفكرون يبثون ويرددون أفكارهم, وكتاب ورؤساء تحرير صحف يطلقون عليهم ألقاب التفخيم والتبجيل, ويقدمونهم للجمهور بمسحة من النقاوة والعفاف. إنهم ملوك الإرهاب ونجومه الذين لا يسمحون لأي كان بالدخول إلى إماراتهم المغلقة محكمة الحصار بتعاليم الفقهاء حتى لو أعلن توبته النصوح, وبلع لهم كل الكتب السماوية والزبور والتوراة,وأشهر براءته علنا وجهارا من الكفار,والملا حدة ,والعلمانيين والليبراليين ,وتابع كل قنوات البترول والدولار التي تبث الورع والتقوى والإيمان.كما لا تعترف هذه الإمبراطورية بأية حدود دولية ,ومياه إقليمية ,ولا بجنسية ,ولا مواطنة,ولا بكل مواثيق ,وشرعة الأمم المتحدة ,ولها دستورها الخاص المطلق الذي لا يناقش ,ولا يحتمل التأويل والتفسير,ولها لغة رسمية واحدة هي السيف , وطقوس احتفالية كجز الرؤوس, ,وأعياد مهرجانية كبرى عندما تقطع الرقاب.وجل كادرهم الوظيفي من السفاحين ,والقصابين ,واللحامين ,وتجار الدماء.

وقد عينوا لكل دولة من دول العالم التي تخضع لسلطانهم واليا ,وأميرا حاكما,وكان آخر مرسوم إمبراطوري بتعيين الأمير العربي النبيل أبو مصعب الزرقاوي أميرا على بلاد الرافدين ,مهمته السلطوية الأولى القضاء على آخر طفل عراقي,ووأد الحياة في بلاد الرافدين التي مافتئت تولد الحضارات الإنسانية منذ آلاف السنوات,والذي يبدو أنها ستعود لعصور الهمجية ,والانحطاط في ظل ولايته الفقهية المباركة ,وكله باسم الله والجهاد,لو قيض الله له الولاية والاستمرار.وحين يتحدث أحد أمرائهم فهو الآمر الناهي الذي لا يناقش وما على عبيد الظلام سوى الطاعة والانصياع.ولهم سفراء وممثلين وأتباع في كل حي وبيت ومركز قرار.

أما جهازهم القمعي غير المحصور بزمان ومكان,وغير محدد المخبرين فهو يحصي على الكتاب والمفكرين كل كلمة يقولونها ,ويثيرون الرعب في بعض المشتغلين بـ"كار" الكلام , وكل كلمة لها تأويل أو تفسير مضاد ستعني الكارثة والوباء, ولو تجرأ أحدهم وخرج بكلمة واحدة عن السطر فهناك الآلاف المؤلفة من هذا الجهاز ,أين منه الشتازي,والسا فاك ,والكي بي جي, جاهزين لإقامة حدود الردة والعصيان على سلطانهم المحروس بسلاح فتاوى الموت والتكفير والإقصاء ,وكل أحكامهم مبرمة,وبالإعدام وليس فيها دفاع ولا محامون ولا استئناف . وتتدخل في كل شاردة وواردة في حياة الناس ,ويرسمون بالقلم والفرجار ,مصير الناس وحدود تحركاتهم ,وويل لكل من تشجع وخرج عما هو مرسوم له من حدود وأبعاد.وفتا ويهم أقوى من كل المراسيم الجمهورية البائدة,والسلطانية,والأميرية,والملكية,وتجد طريقها فورا للنفاذ لدى الدهماء والجهلة والرعاع.

#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات