|
سالم العياش بين جغرافية الارض وتاريخ يتواصل
محمد هلال مبارك الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 4453 - 2014 / 5 / 14 - 22:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سالم العياش ..... بين جغرافية الأرض وتاريخ يتواصل هناك أسماء ارتبطت بجغرافية الأرض وضلت تتداولها الناس وتتناقلها جيلاً بعد جيل منها ما يكون شخصية سياسية كبيرة أو شخصية عشائرية او دينية او قد يكون موظفاً صغيراً ولكن بحكم تعامله مع الكثير من الناس أخذ بالشهرة حتى طغى أسمه على الأرض التي يستوطنها أو المؤسسة الحكومية التي يعمل بها وقد تكون هناك أسباب الأخرى ولكني اجهلها ولا أدري الاسم الذي اروم التكلم عنه في هذا المقال والذي ارتبط ببقعة أرض تنحصر ما بين سكة قطار القيارة وبين نهر دجلة أي من هذه الأسباب جعله يحمل تلك الصفة ............. سالم العياش أسم يعرفه كل من عاش من جيل السبعينات والثمانينات من أهالي ناحية القيارة وناحية القيارة تتبع لمدينة الموصل والتي تغفو على شاطئ دجلة منذ عقود فكل من أراد من هذا الجيل الذهاب الى النهر عبر محطة القطار عندما تسأله أين كنت أو الى أين تروم الذهاب سيقول لك الى السالم العياش أو كما نرددها باللهجة العامية (عالسالم العياش) وسالم العياش لم يكتسب هذه الشهرة لأنه كان رئيساً للوزراء ذات يوم أو أنه كان قائداً لفرقة عسكرية بل كان موظفاً بسيطاً في وزارة النقل والمواصلات كما كانت تسمى وتحديدا في محطة قطار القيارة والتي أنشأت عام 1945 والذي دفعني لكتابة هذا المقال هو وقوفي على أطلال داره بالقرب من المحطة والدار كانت هي الأخرى ضمن أملاك الوزارة المذكورة آنفاً فرأيتها داراً بسيطة جداً وصغيرة جداً فهي تتكون من غرفتين صغيرتين وفي وسطها احواض اعتقد لخزن المياه تكاد تكون الدار خدمية أقرب منها الى السكن وأنا امعن النظر بها رجعت بذاكرتي الى الوراء الى نهاية عقد السبعينات وبداية الثمانينات وهذا الزمن الكل يتفق على أنه الزمن الجميل بكل صوره في ذلك الزمن كنا صبية صغار نخرج ليلاً للعب والمرح فاغلبنا لا يملك تلفازاً في بيته وحتى من يملكه لن يفوت فرصة اللعب ليلا والعابنا كانت كثيرة ومتنوعه منها (الشجام) وهي القفز والجري بقدم واحدة و(الختيلة)ولعبة (الشامس) والتي كنا نلعبها عندما يكون القمر بدراً والأمر الآخر الذي كنا نستمتع به ليلاً هو الذهاب لدار هذا الرجل والاقتراب من أسواره التي صنعت من اعمدة الحديد والأسلاك الشائكة ولكن بمنظر مقبول وجميل كانت لمسات الأنكليز وبصماتهم واضحة على الدور التي كانت تتبع لدائرة السكك فهم من قاموا ببنائه وكذلك بناية المحطة التي كانت أنيقة البناء فقد كان بنائها من الداخل ذات سقف عالي وبداخلها مدخنة (fair ples )وكانت تحتوي ايضا على جرس جميل خارج المحطة ينبأ المسافرين بقدوم القطار أما بيت سالم العياش فكان بيتا كبيرا مترامي الأطراف في اعيننا آن ذاك في داخل ذلك السور تكثر أشجار التوت والتي تحمل الكثير من ثمرة التوت بنوعيه الأبيض والأحمر في موسمه فنحاول اجتياز السور والدخول عبر الفتحات التي احدثها الزمن أو الفتحات التي نحن نحدثها لتسهيل سرقة ثمار التوت فما أن ندخل الحديقة الكبيرة التي كانت تحيط البيت ونجمع ما نستطيع أن نجمعه نسمع صوت خطواته وبعض الكلمات والتي تعودنا أن نسمعها حتى نهرع راكضين باتجاه سكة القطار أو باتجاه النهر هربا منه بالرغم من أنه في أغلب الأوقات لا يفعل شيئا سوى انه يشعرنا بوجوده كان الرجل يرتدي زياً غريباً نوعاً ما فكان يجمع بين الحضارة وبين الريف حيث كان يرتدي العقال مع القميص والبنطلون وعندما كنا نركض خائفين كنا نردد اناشيد الطفولة ننسجها نحن بعفوية لرفع معنوياتنا وما نصل الى منطقة الامان حتى نجلس لنأكل ما حصلنا عليه من ثمار التوت مصحوبة بشرح ما حصل أثناء جرينا وبعد أن نكمل وجبتنا نخطط لشيء آخر لنستمتع أكثر في أمسيتنا أما الجرف الذي كان بالقرب من سالم العياش على شاطئ النهر فنتردد عليه بين فترة وأخرى ولكن بوجل وترقب للمكان قبل النزول اليه حيث بعض الرجال يتسامرون على شاطئ النهر مع كؤوسهم !! فلا تسمع منهم الا قهقهاتهم وأحاديثهم التي غالبا ماتكون وصف وعتاب لجلساتهم السابقة ولكن والحق يقال بالرغم من أنهم كانوا يعاقرون الخمر الا انهم كانوا يحملون من الأخلاق ما نتمناه الآن للكثيرين والذين يعتبرون أنفسهم على خط الأستقامة!! حيث لا وجود للكذب والخداع ولا للكلام البذيء في اعراض الناس آن ذاك كانت المنظومة الأخلاقية لا زالت سليمة ومتماسكة وكل الذين اعرفهم من هؤلاء على حد علمي فازوا بحسن الخاتمة في نهاية حياتهم وهناك شيء جميل آخر كنا نسعمه عند نزولنا شاطئ النهر هو صوت طبطبة مكائن الفلاحين ان صح التعبير والتي غالباً ما تعمل ليلاً لأن اغلب الفلاحين يسقون مزارعهم ليلا حتى تكون استفادة المزروعات أكثر حيث كانت تنتشر تلك المزارع على ضفتي النهر وكانت اغلبها ان لم تكن كلها مزارع الرقي والتي هي ايضاً كنا ننتظر نضوجها حيث كان اصحاب المزارع يجودون علينا من ثمار الرقي اللذيذة وكذلك كانوا في نهاية الموسم أي في نهاية تشرين الأول عرف معمول به هو ترك تلك المزارع قبل أن تنتهي نهائيا فيبيعون منها ما يكفيهم الى اسواق العاصمة بغداد ثم يتركون المزرعة وهي تحتوي على حبات الرقي وبأحجام صغيرة ولكن طعمها كالعسل نأكل منها ونحمل الى بيوتنا فهم يعتبرونها كالزكاة ليوفر لهم الله الرزق في السنين القادمة وأما النبات يصبح مناطق لرعي الابقار والأغنام وكان يسمى هذا الموسم (سياب الخضر )والخضر جمع خضرة وهي المزرعة ونرجع الى موضوعنا الرئيسي وهو سالم العياش الذي كان جغرافية لبست ثوب التاريخ.. زمن كل ما فيه جميل وبسيط كل الناس كانت شبه متساوية من الناحية المادية وهذا سبب مهم أن تسود الطيبة والعلاقات المتينة بين المجتمع فالتفاوت الاجتماعي والتفاوت المادي لا ينتج الا البغضاء والحسد بين الناس أما الآن كل ما ذكرته اصبح أثراً بعد عين بيت سالم العياش اختفى تماماً والجرف الذي كان يضج بالحياة أصبح خاليا منها لا يرتاده أحد محطة القطار التي كانت تستقبل وتودع المسافرين والقطارات التي كانت تحمل الكبريت والنفط والغاز هي الآن مهجورة الصدأ يأكل حديدها ومزارع الفلاحين التي كانت تنتشر على شاطئ النهر والتي كانت تستمد حياتها من أديم الأرض ونهر دجلة الخالد تقريبا انتهت سالم العياش انتقل الى جوار ربه (رحمة الله عليه) ولا زالت تلك المنطقة تسمى باسمه رغم تقادم السنين .... الحياة بمجملها تلملم نفسها وتنسحب وتغادرنا ببطيء... كل من عاش تلك الحقبة يحمل في قلبه ذكريات جميلة رسمت بل حفرت في قلبه صوراً رائعة وملونه لا يمكن أن تنسى .... ليعين الله كل عاش ذلك الزمن وعاش حتى يرى هذا الزمان .. هي الغربة بعينها فكل شيء اختلف وكل شيء فقد طعمه لم يعد هناك متعة مزيج الألوان التي كنا نعيشها اصبحت الآن ضبابية قاتمة ولكن ليس لنا الا أن نواصل .....
#محمد_هلال_مبارك_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة ( الخطيئة )
-
قصيدة
-
قصيدة (( الطوفان ))
-
الموصل المدينة الأفقر ثقافيا في العراق الأسباب والحلول
-
رجل قتله الزمن والوطن قصة قصيرة
-
المحطه
المزيد.....
-
الحوثيون يصدرون بيانا عن الغارات الإسرائيلية: -لن تمر دون عق
...
-
البيت الأبيض يتألق باحتفالات عيد الميلاد لعام 2024
-
مصرع 6 أشخاص من عائلة مصرية في حريق شب بمنزلهم في الجيزة
-
المغرب.. إتلاف أكثر من 4 أطنان من المخدرات بمدينة سطات (صور)
...
-
ماسك يقرع مجددا جرس الإنذار عن احتمال إفلاس الولايات المتحدة
...
-
السجن مع وقف التنفيذ لنشطاء مغاربة مناهضين للتطبيع مع إسرائي
...
-
OnePlus تودع عام 2024 بهاتف مميز
-
70 مفقودا بينهم 25 ماليا إثر غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل ال
...
-
ضجة في إسرائيل بسبب صدور أمر بالتحقيق مع زوجة نتنياهو
-
-هذا لا يمكن أن يستمر-.. الجنود الأوكرانيون يأملون في التوص
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|