|
-متى ستقتلني؟- تسأل الفتاة خطيبها
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 4453 - 2014 / 5 / 14 - 11:19
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
"متى ستقتلني؟" تسأل الفتاة خطيبها إلى م. سلامة، وسلام حمدان ونادية شمروخ وسهى نزال ورشا طزمي ونساء فلسطينيات غاضبات
لست أفكر في تبني قيم الليبرالية التي تجعل مشكلة فلسطين الأولى حقوق المرأة وأسطورة الديمقراطية. لكنني أميز بين الأمرين تمييزاً حقيقياً لا نفاق فيه. ليست الديمقراطية إلا أسطورة. حتى في شمال العالم الرأسمالي البربري الأبيض الغارق منذ ولادته في دماء السود والحمر والسمر لا يوجد إلا أوهام ديمقراطية. المرأة هي النصف الأول من البشرية. ليست المرأة النصف الثاني أبداً، فالأنثى على حد تعبير المشاكسة نوال السعداوي "هي الأصل". وحتى بعض البيولوجيا لا تضر في هذا السياق: الجنين يبدأ أنثى، كل جنين يبدأ أنثى، وفقط عندما يتلقى جرعات كافية من التستسيرون يتحول إلى ذكر. والأنثى بالنسبة للرجل هي أمه وصديقته ورفيقته وحبيبته ومعنى حياته. وعلى الرغم من أنني لا أنساق هنا إلى سباق أهبل يجعل الفكرة نوعاً من الصراع بين الأنوثة والذكورة، إلا أنني على الرغم من ذلك أود أن أسجل البديهيات بحبر مشدد قدر الإمكان: المرأة هي نصف الإنسانية التي لا ينقصها شيء على الإطلاق لكي تتمتع بكل ما يتمتع به النصف الثاني. وقد أبالغ فأقول إنه بسبب انحياز الطبيعة أو البيولوجيا لها في موضوع إنجاب الحياة، فإنها الشطر البشري الذي يجب أن يتمتع ببعض الامتيازات الإضافية. (ألم يظن العراقيون القدماء بسبب هذه الميزة الأنثوية أن آلهة الخلق بالذات لا يجوز أن تكون مذكرة بأي حال من الأحوال؟). بعد هذا القول أسجل بوضوح وتبسيط مخل: كل النظم والتقاليد والفلسفات والشعائر التي تنتقص المرأة تعود إلى عصور من الظلم المرافقة لهيمنة الذكور في سياق ولادة المجتمع الطبقي. وقد شهد ذلك المجتمع في أحد أشكاله (العبودية) هبوطاً بغالبية الرجال والنساء جميعاً إلى مستوى السلعة وإلى مستوى الحيوان. ولذلك فقد بدأ واحد من أذكى بني البشر اسمه أرسطو كتابه في المدنيات بجملة تلخص ذلك الوضع: "بعد أن يفرغ الرجل من بناء المنزل عليه أن يحضر المرأة والعبد وثور الفلاحة." غني عن القول إن العبد هنا ليس إنساناً، وليس رجلاً، والمرأة بالطبع ليست إنساناً ولا رجل كما أن الثور هو كذلك. سقنا أرسطو في الفقرة السابقة لنبين للقارئة والقارئ أن سوء التقدير والتعصب الأعمى ليس أمراً مرهوناً بالذكاء وإنما بالشروط التاريخية والمصالح المهيمنة في المجتمع. وقد تراجع الكثير من ذلك الظلم نسبياً مع ولادة الرأسمالية دون أن نصل إلى مستوى مساواة البشر بعضهم ببعض، وخصوصاً وصول نصف البشرية الأول، النساء، إلى مرتبة الإنسانية ذاتها التي يحتلها الرجال. طبعاً يتوهم البعض أن الشمال الأبيض قد أنجز هذا المشروع الحقوقي البدهي فيما يخص المرأة. والصحيح أن ذلك ما زال موضوع أخذ ورد. أما في بلادنا فما زالت المرأة عورة، وما زال "دلعها بخزيك، ودلع الولد بغنيك" حسب تعبير جدتي لأمي، وما زالت المرأة عاراً على أخيها وأبيها يوم الزواج. الحق أقول لكم، لقد قمت وصحبي بمقاطعة صديقنا عندما كنا في التوجيهي لأنه "دبك" في زفاف شقيقته. اعتبرنا أن عليه أن يخجل من نفسه: "مش مكفي أخته...كمان فرحان وبدبك." معظم الرجال في بلدي مثلي عانوا في الماضي، أو أنهم ما زالوا يعانون من حالة عصابية فصامية في النظرة للمرأة التي يجب أن نبعد عنها شبح الجنس المشين عندما تكون هي الأم أو الأخت، لكننا لا نراها إلا موضوعاً جنسياً خالصاً عندما تكون المرأة "الغريبة" العاملة أو الموظفة أو الطالبة أو الماشية في الطريق أو حتى في المظاهرة. ألم يحس السيد أحمد عبد الجواد في رواية نجيب محفوظ بالاختناق لأن الله الذي طالبنا بصيانة المرأة هو نفسه يطلب منا أن ندفعها عبر مؤسسة الزواج إلى فعل الجنس القبيح؟ ومع ذلك كان الرجال يلهو كما ينبغي له في عالم العوالم وبائعات الهوى. الكثير الكثير يلزم في السياق الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لتغيير التشوهات التي نعاني منها. لكن ذلك يجب أن لا يلهينا عن السياق السياسي والاقتصادي الفلسطيني: هناك حالة من اتساع دائرة العنف والجريمة تجتاح المجتمع (وماذا نسمي الجنون الذي يصل بدار ألعاب ميغا لاند إلى ضرب زبائنها؟ أول أمس صرخ في وجهي موظف في أحد البنوك لأنني "تعديت" حدودي واعترضت على أحد أخذ دوري) وفي هذا المنحى فإن علينا أن نقدر في هذه العجالة أن الإنسان (وخصوصاً الرجل) الذي يفقد القيمة والمعنى ولا يرى في الأفق إلا أفقاً آخر يتحول إلى وحش في صورة آدمية، تنفلت الغرائز من عقالها، وينعدم دور العقل والقلب على السواء فيغدو كائناً أنانياً ضيق الأفق والاهتمام قادر على قتل جاره من أجل بضعة سنيتمترات من التراب في نزاع على الحد، لكنه يصمت ولا يحرك ساكناً إذا قضم وحش الاستيطان آلاف الدونمات حتى من أرضه بالذات. انهيار القيم بسبب تراجع الهم القومي-الوطني التحرري وفقدان بوصلة الصراع المتجهة نحو التقدم الاجتماعي والإنساني أتى على كل شيء. فما عاد هناك ما يميز الإنسان عن الحيوان لأن الأشياء الأولية للحياة غدت هي المحرك الأول والأخير، وهذه أشياء لا تتجاوز قيمة الحصول على الطعام والجنس وما يلزم من مال لتحقيقهما. لعل نظرة مقارنة لأداء المواطن/ة تجاه أخيه/أخته المواطن/ة أيام الانتفاضة العظيمة يمكن أن تضيء الفرق. إن مكمن الداء بالطبع هو أساساً في حالة السياسة والاقتصاد والاقتصاد السياسي الراهن، وما يرافق ذلك من هيمنة لثقافة فردية أنانية ما قبل رأسمالية لكي لا يتوهم أحدنا أنني أتحدث عن الفردية في سياق الحداثة الرأسمالية التي لها اشتراطات بيننا وبينها بعد المشرقين. في هذا السياق لا بد من تجنيد القوى الحية –أو ما تبقى منها- من أجل الدفاع عن القيم الخيرة في مستوى الهم الوطني المسمى فلسطين، والهم الاجتماعي المسمى حق المواطنين جميعاً في الحصول على أساسيات الحياة على أقل تقدير، ثم الهم الإنساني الاجتماعي الثقافي بعناصره كافة بما فيها تعميق القناعة في الفن والسلوك والقانون والثقافة الشعبية أن الإنسان مهما كان عمره أو جنسه أو مكان سكنه أو وظيفته أو مقدار تعليمه هو قيمة مطلقة لا يجوز لأحد أن يمس بها. وغني عن القول إن قضية المرأة يجب أن تتصدر برنامج النضال في هذا الميدان ليس عن طريق التجمعات الشكلية المبعثرة التي تلتف هنا وهناك حول قطعة كعك دفع ثمنها الممول الغربي، وإنما قطاعات شعبنا الواسعة في القرية والمدينة والمخيم خصوصاً من الفئات التي لا تعرف اللغة الإنجليزية، ولا حتى حروفها الأبجدية.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيسي: إعادة إنتاج النظام
-
استبدال الحمار/البغل بالسيارة
-
اللغة الإنجليزية ومرجعيات العولمة
-
قمر على رام الله، ودم على بيرزيت
-
عداد الدفع المسبق، وخصخصة المياه، ووحشية رأس المال الفلسطيني
-
خطاب رئيس الوزراء الكندي أمام الكنيست
-
الهنود الفلسطينيون
-
عزمي بشارة وألعابه الأيديولوجية
-
خطة فرنسية لمساعدة المنظمات الأهلية الفلسطينية في تحرير فلسط
...
-
انتصرت روسيا وإيران، أما سوريا فلا
-
مصر والعرب الآخرون وأوهام الديمقراطية
-
على هامش -ملتقى الحوار الثقافي العربي الألماني- حول دور المث
...
-
منتظر الزيدي يقول: أنا لا أردد تراتيل الهزيمة ولو مرت أمامي
...
-
قصة الأزمة الرأسمالية الراهنة
-
أشباح 1929 تخيم في فضاء الكونغرس أو: أهي آلام ولادة الجديد؟
-
كيفية ابتياع الفياجرا أو حرية تدفق السلع في زمن العولمة
-
أوباما: ظاهرة امبريالية جديدة؟
-
خطاب بوش أمام الكنيست
-
الجامعة العربية تترنح، لأنها دون جذور
-
زيارة نجاد للعراق ووهم القنبلة النووية الايرانية
المزيد.....
-
استلم فوري 800 دينار بضغطة زر..خطوات التسجيل في منحة المرأة
...
-
فرحي أطفالك مفيش زن تاني .. ترددات قنوات الاطفال 2024 الجديد
...
-
فوز دونالد ترامب يتسبب في -الامتناع عن ممارسة الجنس وحلق الر
...
-
فرض الحجاب في ليبيا ومنع استيراد ملابس -غير المناسبة-.. قرار
...
-
تقرير أممي يعلن نسبة ضحايا حرب غزة من النساء والأطفال.. كم ت
...
-
نقص المياه يفاقم معاناة النازحات اللبنانيات خلال الدورة الشه
...
-
هتكوني ملكة جمال.. وصفة مذهلة لتنعيم وفرد الشعر المجعد والخش
...
-
الأمم المتحدة: 70 في المئة من ضحايا الحرب في غزة من النساء و
...
-
المرأة في الحرب: لمذا تدفع الثمن مرتين؟
-
ريبورتاج: عاملات أجنبيات في لبنان عرضة للتشرد والاغتصاب في ظ
...
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|