|
السيسي.. عودة الروح..هل قرأها ؟
احمد البهائي
الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 14:57
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
قلت في مقالتي السابقة بعنون " حسم السباق الرئاسي..متى المشهد الاخير؟ " ان للحديث بقية ، وها نحن نبدأ حديثنا معا : السيسي.. عودة الروح..هل قرأها ؟ عندما أتأمل المشهد بمواقفه واحداثه المتسارعة ، منذ بدايات ثورة 25يناير وامتدادها 30يونيو وحتى الان ، اتذكر روايات الاديب العبقري توفيق الحكيم التي كتبها في عشرينات القرن الماضي ، وكأنه كتبها خصيصا لتوائم هذا العصر وتقرأ فيها ما يحدث اليوم من مشاهد ومواقف . اذا تعالوا انا وأياكم ، نبدأ موضوعنا بإسترجاع شئ من مقاطع رواية الاديب توفيق الحكيم "عودة الروح "، واخُص منها ذلك الحوار الرائع الذى دار بين مفتش الرى الإنجليزى وعالم الآثار الفرنسى عن الشخصية المصرية من خلال الفلاح المصرى ، وثوريته الكامنة بداخله التى ما تلبث ان تخرج كالمارد حين تهان كرامته الوطنية ومقدساته ، ليقول على لسان عالم الآثار الفرنسى: - أتسمع هذه الأصوات المجتمعة الخارجة من قلوب عدة ؟ . ألا تخالها خارجة من قلب واحد؟ إنى أؤكد أن هؤلاء القوم يحسون لذة فى هذا الكدح المشترك ، هذا أيضاً هو الفرق بيننا وبينهم ؛ إن اجتمع عمالنا على الألم أحسوا جراثيم الثورة والعصيان وعدم الرضا بما هم فيه ، وإن اجتمع فلاحوهم على الألم أحسوا السرور الخفى واللذة بالاتحاد فى الألم ، ما أعجبهم شعباً يصنع الغد !! .. أسند المفتش الانجليزى يده إلى جبينه لحظة كالمتأمل ، ثم قال : - ما كنت أحسبك جاداً ، وأنت تفهمنى أن بين مصر اليوم ومصر بالأمس علاقة ! .. فأجاب العالم الفرنسى : وأى علاقة ؟! .. قلت وأقول أيضاً : إن الجوهر باق دائماً ! .. إن هؤلاء الفلاحين الذين يغنون من قلب واحد ، المتعددين الذين تجمعهم العاطفة والإيمان فى واحد ؛ مازالوا يعون بقلوبهم ، ولا يعلمون تلك العبارة التى كان أجدادهم يندبون بها موتاهم فى الجنائز : " عندما يصير الوقت خلوداً ، سنراك من جديد ، لأنك صائر إلى هناك ، حيث الكل فى واحد ! " . وها هم اليوم الفلاحون الأحفاد من جديد .. يذكرون فى أعماق قلوبهم أن الكل فى واحد ! .. أجل يا مستر " بلاك " .. لا تستهن بهذا الشعب المسكين اليوم ، إن القوة كامنة فيه " .
من فينا لا يتذكر 2013-01-29 ، واول تصريح ادلى به عبد الفتاح السيسى الذي كان وقتها فريق اول ، وذلك عقب اندلاع الازمة بين القوى السياسية والرئيس مرسي وما صاحبها من اعمال عنف في البلاد ، محذرا فيها كل الاطراف قائلا " ان استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول ادارة شؤون البلاد قد يؤدى الى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال القادمة ،وأن التحديات والإشكاليات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية التى تواجه مصر حالياً تمثل تهديداً حقيقياً لأمن مصر وتماسك الدولة المصرية ، وأن إستمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدى إلى عواقب وخيمة تؤثر على ثبات وإستقرار الوطن ،...مضيفا أن الجيش المصرى سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوى الذى ترتكز عليه أركان الدولة المصرية ... وهو جيش كل المصريين بجميع طوائفهم وإنتماءاتهم ".
عقب هذا التصريح للسيسي مباشرة حذرنا من تكرار مشهد (كنعان ايفرين) تركيا ، فالكل يعرف تفاصيل هذا المشهد وما حدث وقتها ، وكيف برر العسكريون تدخلهم بان تركيا كانت على حافة حرب اهلية وانها تشهد يوميا مواجهات بين مجموعات متطرفة من اليسار واليمين على حد سواء مع الشرطة او بينها ، مما استدعى دخولهم لانقاذ تركيا. فعند التمعن والتدقيق وقراءة ما بين سطور التصريح تستنتج ، ان مصر كانت على وشك عمل او اجراء صعب ، وهو بالفعل كان قريب وقتها ، لولا ظهور حركة " تمرد " على مسرح الحدث ، التي قادها الشعب ، واعطي لاي عمل يُتخذ لانقاذ مصر لقب الشرعية " انقلاب شعبي " ، وذلك باستدعاء كل طوائف الشعب ومؤسسات الدولة ، ليكون انقلاب شعبي مؤسسساتي كاملا ، على جماعة إرهابية ارادت الاستئثار بالسلطة وتهميش الآخر والعودة بمصر الى حكم الدكتاتورية التي تتشح بالرداء الديني . بالامس القريب وفي حوار تلفزيوني سؤل المرشح السيسي " امتي حسيت ان البلد خلاص رايحة في داهية ؟ ،قال : في يناير2013 " ، وكنا نود استكمال السؤال ب " وكنتم هتعملوا أيه لو مظهرتش حركة تمرد ؟ ، هذا السؤال الذي لم يطرح على الرجل حتى الان !! .
ها نحن وبعد مرور اكثر من عام على هذا التصريح ، وما صاحبه من احداث تراجيدية وتارة كوميدية ، اتضح ان هناك مشهد بالفعل له رؤيته رغم انها لم تكتمل وتظهر ابعاده الواقعية حتى الان ، إلا انه يبدو مختلف عن المشهد التركي(كنعان ايفرين) ، الذي كان عماد قوام رؤيته اللامعقول ، واختلاط الماضي بالحاضر والمستقبل والخلود بالموت ، وسقوط الواقعية في بئر الرمزية ، لتطغى عليه شخصية البطل الاوحد كما في الاساطير الاغريقية ، ليتحول المشهد كله الى صراع دموي من اجل البقاء ،وينتهي بصراعه مع الزمن لتكون النهاية دائما انتصار الزمن وتمكين القدر .
فمشهدنا الان على مسرح الاحداث المصرية ، رغم عدم اكتمال رؤيته ، إلا انه هذه المرة بزي فرعوني ملامح رؤيته مصرية جديدة ، يوائم الوقت والمكان والحدث ، ينسجم مع الواقع الايديولوجي والتراث التاريخي والتركيبة الديموغرافية والشرعية التاريخية للمجتمع المصري . ما نتمناه ونرجوه ، ان يكتمل هذا المشهد وان يكون عماد قوامه الرؤية الفكرية العقلانية " المعقول" ، التي تتخللها المواقف الذهنية ، حيث يستطيع المُشاهد والمُتابع والقارئ للحدث اي الانسان المصري ، ان يكتشف الكثير من الدلائل والبراهين والرموز ، التي يمكن اسقاطها على الواقع بدون اي عناء ، لتسهم في توضيح الرؤيه الواقعية على مسرح الحياة السياسية للمجتمع ، والتي تتسم بقدر كبير من العمق والوعي ، حتى تجعل الانسان المصرية جزء منها ومشارك فيها ، بل يصبح احد ابطالها الفاعلين والمؤثرين ، لتظهر الشخصية والبيئة المصرية الحقيقية بكل عناصرها ، ليتحول المشهد الى عرض مستمر ومن ثم الى ملحمة كل ما فيها ابطال ، ادوارهم رئيسية لا ثانوية ، حوارهم متناغم ومتجانس ومشع ومشوق ، لا يحتاج الى تداخل منولوجي كما تعودنا لملئ الفراغات الذهنية في الحاضر والمستقبل ، هذا ما يبدو لى واتوقعه واتمناه ..
فالمشهد احداثه متسارعة ، ونحن ليس بصدد اعادة شرح مواقفه التي تمت على مدار اكثر من عام ، لان ما يهمنا حدث الان ، فمصر على ابواب استحقاق رئاسي لجمهورية رابعة ، فلكل دستور جديد له جمهوريته ، ابتداءً بدستور 1956 ،1971 ،2012 ،2014 ، بالفعل سوف تكون هناك انتخابات رئاسية ، ولكن حتى نكون واقعيين فهناك شبه اجماع على ان يكون السيسي رئيسا للجمهورية الرابعة ، فالغالبية العظمى من الشعب ، تنظر للسيسي على انه رجل الدولة ، الذي طال انتظاره ، ومكملا لامجاد عبد الناصر ، فالشعب المصري عندما يحب شخص ويعتبره رمز ، يكون هناك حديث اخر ، لا يعرف لغته إلا المصريين .
ومن هنا نقول لكل من يريد ان يحكم مصر،ويعتلي قلوب المصريين، عليه ان يفهم الانسان المصري وجوهر شخصيته وطبيعته الثورية ، ذلك الانسان البسيط الذي يعتنق الاستقامة ويكفر بالالتواء والمداهنة والمداجاة والمخاتلة ، هي شخصية تعشق الحوار ومدمنة على التواصل منتصبة لا تعرف الانحناء مجاهرة بالحب او العداء ،كذلك عليه آلا يكون مثل مفتشى الرى الإنجليزى " مستر بلاك " كما صوره لنا العبقري توفيق الحكيم في رائعته رواية عودة الروح ، وهو ينظر الى المصريين قائلا :" لا أرى إلا أسراباً من ذوى الجلاليب الزرقاء !..وقال : إنك تبالغ إذ تحسب لهؤلاء الجهلاء ذوقاً ! .. وقال أيضاً فى تهكم : لأنهم ينامون مع البهائم فى حجرة واحدة ! " .
ونوصي بان يأخذ بتلك الفقرات ، وان يقرأها ويتأملها ، وأن يتفهمها بعقله ،وأن تستقر في أعماقه ، لأنها ببساطة تكشف معدن الشخصية المصرية ، وخطورتها حين تثور ، وكم تتحمل حين تقتنع وتبادلها الحب والاحترام ،كما صورها لنا توفيق الحكيم في عودة الروح قائلا : ** .. نعم ان هذا الشعب الذي تحسبه جاهلا ليعلم اشياء كثيرة, لكنة يعلمها بقلبه لا بعقله !.. ان الحكمة العليا في دمه ولا يعلم !.. والقوة في نفسه ولا يعلم !.. هذا شعب قديم : جئ بفلاح من هؤلاء واخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة, من تجاريب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لا يدري !.. ** احرم الأوروبي من المدرسة يصبح اجهل من الجهل !.. قوة اوروبا الوحيدة هي العقل !.. تلك الآلة المدودة التي يجب ان نملأها نحن بارادتنا. اما قوة مصر ففي القلب الذي لاقاع له .. ولهذا كان المصريون القدماء لا يملكون في لغتهم القديمة لفظة يميزون بها بين العقل والقلب . العقل والقلب عندهم كان يعبر عنهما بكلمة واحدة هى : القلب !.. ** امة اتت في فجر الأنسانية بمعجزة الاهرام لن تعجز عن الاتيان بمعجزة اخري او معجزات !.. امة يزعمون انها ميتة منذ قرون, ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء بين رمال الجيزة !.. لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش الأبد ..! ** تلك العواطف التى كانت تجعل من هذا الشعب المصرى كله فرداً واحداً، يستطيع أن يحمل على أكتافه الأحجار الهائلة عشرين عاماً ليبنى الهرم ، وهو باسم الثغر مبتهج الفؤاد ، راض بالألم فى سبيل المعبود . إنى لموقن أن تلك الآلاف المؤلفة التى شيدت الأهرام ، ما كانت تساق كرهاً كما يزعم " هيرودوت " الإغريقى عن حماقة وجهل .. وإنما كانت تسير إلى العمل زرافات وهى تنشد نشيد (المعبود) ، كما يفعل أحفادهم يوم جنى المحصول . نعم كانت أجسادهم تدمى ، ولكن ذلك كان يشعرهم بلذة خفية ، لذة الاشتراك فى الألم من أجل سبب واحد ! .. ** وكانوا ينظرون إلى الدماء تقطر من أبدانهم فى سرور لا يقل عن سرورهم برؤية الخمور القانية تقدم قرابين إلى المعبود ! .. هذه العاطفة عاطفة السرور بالألم جماعة .. عاطفة الصبر الجميل ، والاحتمال الباسم للأهوال من أجل سبب واحد مشترك .. عاطفة الإيمان بالمعبود والتضحية ، والاتحاد فى الألم بغير شكوى ولا أنين .. هذه هى قوتهم ! ..رحم الله اديبنا توفيق الحكيم ، وللحديث بقية..
#احمد_البهائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة العمالية المصرية من المادية الى الفلسفة الاجتماعية
-
حسم السباق الرئاسي..متى المشهد الاخير؟
-
إمارة قطر..المخطط له اوجه كثيرة
-
إمارة قطر..والي عكا يعود
-
روسيا..مشهد جورجيا،اوكرانيا،وسايكس بيكو
-
مصر الثورة لا تصالح .. محاكم ثورية لا جنائية
-
الاخوان..يرقصون على انغام قطبية قرضاوية
-
مصر..بين الجلاء الاقتصادي والاحتكارات الكبرى
-
هل اخطأ عمر موسى ؟
-
الدستور.. تكريس البورجوازية والبيروقراطية لبقاء السيطرة الاح
...
-
الدستور.. والجهل بمفهوم الاقتصاد
-
سقف الدين الامريكي.. معركة كسرعظم
-
حكومة الببلاوي..بين القدرة والرؤية والحلول
-
متناسيات مرسي..مازلنا نحمل وزرها
-
سوريا.. بين بوتين وسايكس بيكو جديد
-
مصر الثورة ..بين الدبلوماسك والانتلجنتسيا والبروليتاريا.
-
البرادعي..بين الافلاطونية والواقع
-
قطر.. القرضاوي والبوطي وجهان لعملة واحدة
-
مرسي..حصاد الفكر القطبي
-
مرسي ..بين هاملت ويوليوس قيصر
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|