|
حوار العيون الحلقة السابعة
الرفيق طه
الحوار المتمدن-العدد: 4450 - 2014 / 5 / 11 - 23:41
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
حوار العيون الحلقة السابعة :
احساس غريب ذلك الذي تملك احمد و هو في سيارة الكادياك السوداء . خوف و فرح ، و نشوة رواىًح العطر الشرقي الممزوج بلطافة المكان ،.جلس في الكرسي الامامي و الى جانبه حسناء تداعب المقود على طريق يشعر و كان السيارة تلتهم الاسفلت . تندفع للامام و تزداد سرعتها شيىًا فشيىًا . اعمدة الانارة تنتهي بضوء خافت تحوم حوله انواع من الفراشات وسط ضباب و ادخنة المدينة . بعد حين ابتعدت اضواء المدينة و ما بقي غير الظلام الذي يتمزق لحظة لحظة باضواء سيارات اختلفت اشكالها و سرعتها . داخل السيارة راىًحة العطر تعم المكان و تجعل احمد يعيش كل الازمنة و الامكنة ، هنا تجمع الكون برمته ، توقف الزمان و تقزم الكون ، كل النساء حسناء و كل الرجال احمد ، و كان ادم و حواء يبعثان من جديد . على طول المسار هدوء غريب ، هدوء الانتظار الحرج و سكون ما قبل العاصفة ، الهدوء الشامل بانتظار كلمة من لسان احد الاثنين . و في الباطن سرور خفي مشوب بالقلق المبهم . سامفونية الصمت تطرب المكان و المسامع .لم ينطق احد من الثلاثة بكلمة ، الاسيوية في الخلف في موقع العدم ، احمد و حسناء اختارهما الصمت له و اختاراه لهما . كل واحد منهما غارق في اللحظة الكبرى . فيروز وحدها و بصوتها الملاىًكي تبعثر الصمت الجميل . بين الاونة و الاخرى تلتفت حسناء يمينا و تقصف احمد بنظرة خاطفة ، تسرق الروًية و تمزجها بابتسامة حذرة و تعود لتحدق بامعان في الطريق المظلم تجاه الغرب نحو البحر . عينا حسناء تستفز كل من نظر اليها او نظرت اليه ، و تخترق كل دفاع و تجبر الجبابرة على الانحناء . كل العيون ترف و ترتجف امام عيني حسناء ، رغم العتمة فان سهام نظراتها كانت ثاقبة و موجعة . احس احمد انه لا يستطيع مواصلة حوار العيون ، فرفع البياض منتشيا بالهزيمة الحلوة الرائعة ، تخلى في لحظة عن عناده وانصاع لنداء قلبه ، معترف بغرقه في بحر عيون لا كالعيون . انطلقت السيارة باتجاه البحر . نظر الى المراة الخلفية للسيارة ، اضواء المدينة تبتعد حتى اصبحت كلها شموع . من بعيد تظهر المدينة بفوانيسها غارقة في نومها ، تمارس بوحشية طقوسها المعتادة ، متسترة بالليل ، في تواطىء غريب للزمان و المكان ، ليلعب الانسان لعبته القدرة على حبل ملمتري رفيع ، لعبة الحياة و الموت . وحدها حسناء تعرف الى اين تسير ، وحدها تقرر و تنفذ ، وحدها الفاعل هنا وحدها توجه السيارة . وهاهما على هضبة مرتفعة مطلة على البحر. توقفت السيارة وتوقف الزمن ، انبقى في السيارة ام ننزل للشاطىء . كان العطر قويا قاسيا فاجرا، وكانت الكلمات حارقة ساحرة ، البقاء في السيارة او الانتشار في الارض سيان .بعد برهة من الزمان استحسنا النزول . ترجل الاثنان و اتجها لاقرب نقطة مطلة على البحر ، يسيران و القمر يرعاهما خجولا يغالب الضباب ، مصرا على الحضور لتوثيق الزمن المفقود. الاثنان معا كالظماًن ، في بيداء ، اقترب من واحة ليرتوي ماء . من يده اليسرى تشد حسناء اطراف اصابع احمد و تلاعب الريح ، كالفراشة . تسير ملتوية تنحني و تقوم ، ترفع وجهها للسماء و تنظر للامام ، تضمه اليها من الخلف ، و كانها عادت لطفولتها . تحت القمر يسيران بين صخور و اعشاب . بلغا مكانا مطلا على البحر، يعلو كل ما حوله ، جلسا متقابلين . اثنان لا غير . لا صوت غير رقصات الامواج البحرية . وحده القمر يراقب ما يجري . تخلل اصابعه ، تداعبها بلمسات اللطف . في غفلة منها رحل احمد في زمن الذكرى : " هي ذات الظفاىًرالشقراء والثنورة القصيرة، ذات الالوان الزاهية ذات السيقان المكتنزة والوجه الممتلىء ، كانت بيضاء متوردة الخدود زرقاء العينين نشيطة ومتحررة . اليوم امامي ارملة ناضجة يانعة مقنعة ." تعطلت لغة الكلام وعمت لغة الهوى و العيون . الجو رطب بلباس الخوف والرجاء والهواجس . ضاع التاريخ و تزلزلت الجغرافيا في هده الاجواء ، اجهشت الاميرة بالبكاء فاتحة الصندوق الاسود ،بصوت حانق انطلقت تحكي ، يجفف دموعها بين الفينة والاخرى. رحل راشد الى حيث لن يعود ، توارى الثرى و لم يعد يربطه بالمستقبل غير نطفة تركها تنبض في احشاء حسناء . تلك النطفة التي تكبر في رحمها و يكبر معها انيس داخلي قد يعوض الوحدة التي تعيشها بعد الغياب المفاجىء لابيه . راشد الذي الذي لم يف بوعد قطعه على نفسه انه سيعوضها عن عزلة طال امدها . حسناء منذ الطفولة لم يكن لها رفيق و لا انيس خاص ، كانت لا ترافق الا دواخلها ، ترسم و تكتب و تغني غاىًبا لم يسبق ان عرفه احد من اقاربها و لا اصدقاىًها . كلما مدحت كان في مخيالها ، و ان حلمت كان هو بطلها . حتى ظن الكثيرون انها مصابة بهوس او اعاقة نوعية . دخل راشد حياتها على حين غرة ، عم التعجب لذى الكثيرين ممن يعرفونها ، قال بعضهم ان مطامحها ان تكون اميرة ، و قال اخرون انها اختارت الثروة و الجاه ، و ظن اخرون انها فريسة فخ محكم نصبه لها راشد و لذلك تزوجت به . رغم قصر مدة المعاشرة فان راشد كان الطف من لطيف و اطيب من طيب ، كانت تشعر انها عينه التي لا تمس ، لم يسبق ان احست ان له في الدنيا شيىًا اخر غير حسناء ، كانت تشعر بالضيق حين اصبحت الكل في الكل لديه . بالرغم من ذلك كله بقيت حسناء وفية لبطل احلامها ، لا تفارق التفكير في ماًله . كان مسيطرا على كل شيء في حياتها . لا تشعر بيد تداعبها الا اذا تخيلت بطلها ، لا تنظر لعين تبتسم الا في وجهه ، حتى لذة العناق ترسم له قامة و جسدا امامها . قاومت احاسيسها و واقعها الداخلي من اجل ان يشعر راشد بحبها له . حاولت ان تقابله بمثل حبه . الى ان رحل دون سابق انظار . ضاع منها رفيق الحياة الذي يسكن بيتها و نطفة منه تسكن احشاءها دون ان تشعر بقلبها خلا من حب دفين للبطل الهلام . بعد انتهاء كل المراسيم الضرورية للماثم و التعبير عن الحزن لوفاة الزوج ، دخل ابوه في حياة حسناء مثقلا بركام من الاعراف و التقاليد الخاصة باهله و عشيرته . عاد الاب الى امريكا مرة ثانية بعد الوفاة لالحاق حسناء بمنزل العاىًلة حيث تتواجد الزوجات الثلاث السابقات لراشد . الاعراف العشاىًرية للمشرق تعطي الاب كامل المسوًولية عن زوجات ابناىًه بعد وفاتهم . و الكل يعيش في كنفه و تحت امرته ، الا الزوجة التي لم تلد الذكر فان لها الاختيار بين الرحيل لعاىًلتها او البقاء وسط العشيرة . اما التي لم تلد فعودتها لاهلها هي الاولى . حسناء حامل ، و مصيرها وفق الاعراف مرهون بمولودها . فان كانت انثى فهي مخيرة بالعودة الى اهلها و ذويها او البقاء في كنف اب راشد ، اذا وافق . و اذا كان المولود ذكرا فان حسناء ملزمة بالعيش تحت امرة والد ابنها . لم يكن الاب ينتظر من حسناء ردا سوى الاستجابة للاعراف . لكن السيدة اجابته بما لم ينتظر . فقد قصرت له المسافات باعلانها انها ستنتهي من ترتيب مصالح راشد بالولايات المتحدة الامريكية و تلتحق بامارة اب زوجها . اوضحت للاب ان مصالح راشد هنا جد مهمة و لذلك ستقوم بجردها و نقلها الى حيث تقيم العشيرة .اتفق الاثنان و ودعها راضيا مرضيا في انتظار عودتها لكنف العشيرة . دخلت حسناء في حرج عظيم و حزن عميق . سيطر عليها تفكير بىًيس ، كثرت تساوًلاتها حول وضعها الحالي و مستقبلها المجهول . وجدت نفسها رهن الاعتقال ، سجنها اسواره من اعراف و ابوابه عادات و حاكمه ذكر و ضحيته انثى و شرعه احتقار و غبن و اضطهاد و قهر ، و زمانه ماض . وساىًله استلاب و الغاء للعقل و الضمير . سيطر الحزن و الالم و الكره و الظلم على حسناء بالتوازي مع الوحم و الانتعاش و الامل المنتظر من مولود سياتي . و رفيق عمر قد يعوض بطل خيالها و احلامها . بدات تشعر بالضعف و الهوان . لكن سرعان ما ثارت على نفسها ، تسلحت بالقوة و الاستعداد للمواجهة و اسست للتحدي . بدات بجرد ممتلكات زوجها الراحل ، اكتشفت ما لم يكن في الحسبان . لم تكن تعتقد ان زوجها الفقيد من الاثرياء الذين لهم اعتبارهم . كما اكتشفت ان حبه لها حتى بعد وفاته بين . الفنادق الاربعة المصنفة التي يملكها بالولايات المتحدة الامريكية قد كتبها لها بيعا . اما البقية فقد اصبحت بحكم شرع العشيرة محكومة بارادة ابيه . اذا كان الاتي ذكرا فقد يستعيد النصيب الاهم ، اما اذا كان انثى فلا حق لها الا ما يهب لها جدها . اما الام فان دورها انتهى بالانجاب و لن تعود لها قوة الوجود الا بتزويجها لاحد اخوته . املاك راشد منتشرة في مجالات متعددة اهمها مجموعة كبرى في اللوجيستيك و الياته و تعمل في العقار و الاشغال الكبرى . كما له شركات في تحويل الاموال و غير ذلك .... توالت الاتصالات بين الاب و حسناء ، في كل مرة تجد لها عذرا عن التاخر في الرحيل الى بيت عشيرة راشد . الى ان انجبت ابنا سمته اسعد . حسناء تحكي معناتها و احمد ينسط بامعان و يتذكر امه البكماء التي اخرجت كلمات مفهومة اليوم ، يتذكر معاناتها معه و هو طفل لا يعلم ما كانت تسره و ما تعتصره من الم . كان يستمع و قد عادت له حيوية الاحساس بالجنس الاخر التي افتقدها لسبب ما منذ زمن بعيد . احاسيسه تشعره بذكوريته . لمسات حسناء له احيت جزءا كان قد فارقه من امد بعيد . القمر اوشك على المغيب و حسناء لم تنه حكيها الذي تمزجه ببكاء و ابتسامات و ارتياح للحظة و رغبة في تبليغ ما يعتصره قلبها من احزان و ما تحمله من امال . اقترب الفجر ، زمن العودة قبل خروج الملتحي . سار الاثنين متعانقين نحو السيارة ، 11/52014
#الرفيق_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
-
ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
-
توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
-
حوار العيون الحلقة السادسة
-
حوار العيون الحلقة الخامسة
-
حوار العيون الحلقات الاربع
-
حوار العيون الحلقة الرابعة
-
الالحاد السياسي
-
حوار العيون الحلقة الثالثة
-
حوار العيون الحلقة الثانية
-
حوار العيون
-
لقاء صامت
-
اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان .
...
-
اعتبار العدل و الاحسان جزء من الحراك المغربي خسارة للرهان .
...
-
مصر بعد سوريا و العراق ... امريكا تدمر المنطقة 2 ( ذرائع الت
...
-
مصر بعد العراق و سوريا .. امريكا تدمر المنطقة 1
-
تسييس العفو و اعفاء السياسة ملاحظات اولية في العفو عن البيدو
...
-
مصر بين شرعية النص و شرعية الميدان. الجزء الاول
-
مصر: الاخوان ، الجيش و المعارضة اي سيناريو
-
البيان في علاقة 20 فبراير بالعدل و الاحسان
المزيد.....
-
بالصور| وقفة احتجاجية في ساحة الفردوس ضد تعديل قانون الاحوال
...
-
رابط مُفعل للتسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 بالج
...
-
ضجة فيديو ممرضة ترقص فوق رأس مريض.. شاهد ماذا كان مصيرها
-
استمتع بأجمل اغاني الاطفال على قناة كراميش بترددها الجديد 20
...
-
قافلة الاطفال الجرحى والمرضى وعائلاتهم تتجه الى معبر رفح للع
...
-
فادي الخطيب يرد بـ”تصريحات كاذبة”.. ضبط رسائل تهديد في هاتفه
...
-
المتمردون المدعومون من رواندا يتقدمون في شرق الكونغو وسط تقا
...
-
اللبنانيات الجنوبيات في مواجهة -الميركافا- من مسافة الصفر
-
عفو ترامب عنها ذهب هباء.. السجن 10 سنوات مجددا لامرأة شاركت
...
-
مبادرة “لاها” وأهمية الحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية للنس
...
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|