نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1261 - 2005 / 7 / 20 - 13:01
المحور:
كتابات ساخرة
بعض مداجن المعارضة التي تفرخ في هذه الأيام الكثير ممن يطلقون على أنفسهم بالمعارضين ,وربما نحوا منحى أكثر شمولية ,وسمّوا أنفسهم بالمخلّصين الذين يحملون الوصفات السحرية من خلال بعض التنظير مع أئمة الجهاد الإليكتروني الأخيار,المتدثرين بحجاب الورع الوطني الطاهر,وعباءات الزهد والتمنع والإيثار.وكانوا عند أول "طقة "و"علقة" ساخنة ,وبـ"البيجامات" قد حملوا دولاراتهم , ودفاتر شيكاتهم ,وآمالهم بالعيش الرغد ,ونفذوا بجلودهم إلى أقرب طائرة متجهة إلى أراضي ومدن الأحلام,حيث يرتعون الآن,ويقودون بالريموت كونترول تلك المسحة النضالية المقدسة الهابطة من السماء.ولو طلبت من أحدهم أن يتوجه بالسرفيس من كراجات الست زينب ,إلى كراجات الحفيرية,لاحتار وضاع وتاه,واستعان بالخبراء, ولاعتقد أنك تتكلم عن مواقع اكتشفها المكوك الفضائي تشالنجر في آخر رحلة له بالفضاء. فلسنا بحاجة لأحد يلعب بنا,ويتاجر بآلامنا بنا بعد الآن,وسنكتفي بماحصل في تلك "المباراة" الشيقة الذي خرجنا منها بفارق الأهداف الخالدة الثلاث ,وفي نقل حي ومباشر ,ننقله لكم على الهواء من استاد "كل مين إيدو ألو".
فقد كثر المزايدون ,واللاعبون ,والمتنطعون ,وكأننا لم نشبع مزايدات ,ولم تتكلس مشاعرنا ,وتصدأ أدمغتنا,أو تفقع, وتطق مراراتنا من الخطب الثورية الرنانة من فقهاء التسويق القومي الذي كسد في كل الأسواق هذه الأيام.وهذه المعارضة الدولارية ذات النجوم السبعة التي لم تعرف يوما ما معنى المعاناة والمكابدات والمرارات التي عاناها معظم السوريين في حياتهم اليومية,ولياليهم الطويلة النكداء ,ومعيشتهم المضنية التي رؤوا فيها شخصياً الذباب الأزرق ,وكل ملوك الجان ,والنجوم في عز الظهيرة اللاهبة الحمراء.وكانت لقمتهم مغمسة بالقهر,والغيظ , ونشرات الأخبار,وماذاقوه من القلة , والغلاء ,وضنك العيش ,وضيق ذات اليد ,والنفس الذي كان يجثم على صدور العباد,وحجم الإحباط والانكسار الذي كانوا يواجهونه في الشوارع ,والمستشفيات,والمؤسسات الاستهلاكية,ودوائر الرشوة والمساومات والفساد المستشري كالطاعون والسرطان ,وقضوا العمر تقريبا في انتظار كل شيء , وعلى مواقف الباصات تحت الشمس الحمراء, والمطروالبرد القارس ,وفي ظل الرعاية الأبوية لدوريات المخابرات,والتشفيط المتغطرس أمامهم بسيارات الشبح السوداء,وبطر ,وغطرسة ,وعنجهية بعض المسؤولين والرفاق .
فلم تشترِِ تلك المعارضة الفاخرة, يوما, السكر, والرز, والزيت ,والمناديل الورقية وعلب السمنة بـ"الكوبونات" والتي كانت حفلات توزيعها تجري, أحيانا, كما يحصل الآن لضحايا المجاعات في دارفور والصومال وآتشه مركز الزلزال,والتوسط و"بوس " الأحذية والنعال,والوقوف في الطوابير لساعات لإشباع أدنى الحاجات الإنسانية كالحصول مثلا على الإسمنت والحديد لبناء "قن" زوجي أشبه بالزنزانة والقبر يستر رأسين بالحلال.ولم تقف ,مثل محسوبكم ,ساعات وساعات على اوتوستراد المزة أمام كلية الآداب,حيث كانت تمر بتيه وخيلاء سيارات الرجال المهمّين والأعيان, بانتظار باص العشرين راكب أيام زمان,ليقله إلى مدن الصفيح وعشوائيات الفقر والتعتير والبؤس الأسود والحرمان,فيما كان "المعاون " المستبد بالركاب يعطي الأوامر ,ويكيل التهديدات والشتائم وكل بلاغات الكراجات,وأدبيات "الشوفيرية" السوقية و"السكسية" الإيحاء, بأن انحشروا مزيدا ومزيدا في داخل الباص,"واللي موعاجبو ينزل من هذه الجامبو و"الإير باص", ليجمع أكبر قدر ممكن من الليرات على حساب آدميتهم وإنسانيتهم التي كان يستبيحها بلا رادع أي كان,فيما كان السائق النمرود يشرب المرطبات ,ويدخن وينظر بقرف ولؤم إلى تلك المخلوقات المحشورة في هذه الصناديق الصماء, والتي كانت معدة أصلا كحاويات لنقل المواشي والخرفان ,ولكن الرفاق الأشاوس ,ولبعد في النظر,لايتوفر إلا لمن كشف عنه الغيب الثوري,ارتؤوا أنه من الممكن ان تنقل الرعايا البؤساء أيضا المعزولين في الكولخوزات .وبعد أن كنت أخرج مسطولا ودائخا وجائعا,وحائرا أين أذهب في آن , من محاضرات مطولة عن بيكيت,ودوستويفسكي ,والسكارلت لتر, وتخرصات هاملت وجنونه وتردده,والتي كانت تبدو مقززة ومنفّرة, بالنسبة لي على الأقل, في تلك اللحظات السوداء ,وموضع استهجان واستنكار ,وخارج السياق, وعلى غير صلة بذلك الواقع المزري الأليم الفارغ من أي ذوق وفن وجمال . ولم تعرف تلك الفقيسات معنى أن تنتظر أسابيعا وشهورا لإنجاز أتفه المعاملات ,أو أن تنتظر أياما لتوقيع بسيط من موظف أمّي, رخيص, حرامي, ومرتش ريثما ينتهي من عقد اجتماعه السرمدي,الذي لم يتمخض ,وحتى الآن ,عن أي إنجاز لصالح العمل,والوطن والفقراء.وحيث كان يتم ترشيد كل شيء.وللعلم لحد الآن لم أفهم معنى كلمة ترشيد.
وليس في مخيلتهم وعقلهم الباطن الرعب ,والدوار الذي يصاب به المرء عند استلام فواتير الكهرباء, والماء,برغم انقطاعهما المستمر وسياسة ترشيد الاستهلاك , والضرائب القراقوشية التي ما أنزل الله بها سلطان, كدفع رسم الإنفاق الاستهلاكي والرفاهي حتى عند تناول سندويشة فلافل وصحن فول يسطل الرأس أمام السينما. وأما "التداحش" و"التدافش" والتناحر, ومشاهدة أيام الحشر الأرضية بالعين المجردة ,والتشابك و"اللُحمة الوطنية" الرائعة التي تظهر أمام الأفران,وبائعي جرار الغاز,ومعتمدي الرواتب(المحاسبين) أول الشهر لاستلام الراتب الهزيل بالعملة الوطنية التي كان لا يصل منها إلى البيت سوى,القروش والفرنكات وأرباع الليرات ,وأنصافها التي لا تشتري بصلة ,ولا يقبلها الشحاذون المفلسون على قارعة الطرقات,فلا يمكن لماجلان بذات نفسه أن يكتشف هذا في أي من البلدان التي زارها,ولا كولومبوس الذي كان له الفضل في تفريخ رامسفيلد ,وكوندي,وأحبابنا الأمريكان.
وأما الرهاب, و العصاب الذي كانت تثيره لازمات وأدبيات يومية ,تقرع على الرأس, من مثل أمين أو رئيس الفرع,والفرقة الحزبية,والرفاق,والاجتماع, والسياسية, والجنائية,وأمن الدولة ,والفرع,والأمن العسكري,والاعتقال ,و"الكولبة",والمعلم,والمرافقة,والمساعد جميل, والعريف علي,ومفرزة الثلاث خمسات,والأربع سبعات ,والعشر فلقات ,والتسع لبطات,والعشر لكمات فقد أجهضت النساء ,وأصابت بالهلع صناديد الرجال,وأصبح الفالج كالزكام والسعال .وأما الصلب القسري لساعات وساعات أمام التلفاز, ذي القناة اليتيمة, وهو يبث الدبكات والاحتفالات والمسيرات الشعبية التي كانت تقطع عليه المسلسلات البدوية النادرة التي تحقن الشعب بالثقافة السوريالية العالية من مثل رأس غليص,وليالي ابن حماد ,وجواهر,والناقة المدللة الغبراء,وتراث وتقاليد العربان الأفذاذ فقد تركت أمراضا مزمنة ,وعقدا نفسية ,وبواسير سايكولوجية "بلا قافة" وبلا شفاء,ودماميل عقلية, ,وفتاقات دماغية أعزكم جميعا العزيز القهار ,وأما انفجار الدماغ فأصبح أكثر من انفلونزا الطيور في تايلاند . وأعتقد جازما أن فرويد صاحب نظرية الليبدو ,بجلالة قدره, ومدرسة الغشتالت كلها, لم ولن تسمع يوما من الأيام بهذه الأمراض.أما الإصابة البالغة بعقدة الذل,والنقص ,والاحتقارفكانت لدى مراجعة أي من المدراء, أو الموظفين المرتشين الحمقانين القرفانين من المواطنين "الكرام",والذين كانوا مثل ماكينة سحب النقود الآلية التي لاتعمل إلا بعد أن تضع فيها كرت فك الشيفرة وفهمكم كفاية.وكان يكفي السكن في الدحاديل ,ونهر عيشة,وعش الورور,والقابون ,والدعتور ليعرف المرء أن عذاب القبر حقيقة مطلقة ,وليست بدعة طالبانية لحوية(من اللحية) ,ممكن أن يحصل للمرء وهو حيا يرزق ,وقبل أن يشرفنا الملاك السيد عزرائيل بزيارته التاريخية الوحيدة المنتظرة.
ومنهم من لم تثكله أمه ,وينفجع به أبوه ,ويؤبن كشهيد للنكد الخطابي المتخشب لأنه لم يقرأ الجرائد التوأم الثلاث مرة واحدة قبل الطعام ليصوم الدهر كله عن الحركة والكلام المباح ويعمل "ريجيم " تلقائي للتخسيس, وبالمجان ,ودونما تدخل وفذلكة الأطباء,وتصفح السلسلة النادرة من نضال الفلاحين ,ومجلة المناضل , ,وان تتلى عليه النشرة السياسية الغرّاء ,صباحا وعلى الريق ,قبل الفطور,ولمدة سنتين ونصف السنة مشوار الخدمة الإلزامية وشعررأسه على الصفر ,وهو "يزكزك" من البرد في "المسلمية" ,أو مركز "السَوْق" الإجباري في النبك,ويرجى الانتباه لكلمة السوق ,كونها تستخدم للبهائم والدواب ,للتعبير عن مهمة وطنية سامية,ويقال أيضا سيق إلى حتفه,ولا أدري لماذا لا يقال جُنّد أو تم تجنيده ,أو التحاقه بالخدمة العسكرية.هذه هي الوصفات السحرية التي جاد بها عباقرة وحكماء التنظير القومي الأبرار,والتي تجعلك تخرج من جلدك ,وتعتبر يوم ميلادك يوما أسودا وكارثة على الانسانية جمعاء,ومحنة,وورطة شخصية .وتلوم أباك وأمك على تلك العلاقة الرومانسية في غابر الأيام التي تمخضت عن هذا المخلوق الهلامي البائس "المشحر"الذي كان اسمه مواطنا في يوم من الأيام.
فكل من خضع لهذه الدورة الشعبية الجماهيرية المجانية ,وخرج سليما معافى من الأمراض السارية والمعدية والتشوهات النفسية والبدنية والعقلية ومن تتوفر فيه,عند ذاك,كل هذه الشروط الاستثنائية,وخاض كل تجارب التحمل القاسي على البشرية ,في المرحلة التاريخية إياها, ورغب بالتقدم بطلب انتساب للمعارضة والدفع حصرا بالعملة المحلية,فيمكن النظر بطلبه.أما المعارضة الدولارية الفاخرة المستوردة,والجاهزة,والملفوفة بورق السيلوفان ذي البريق الأخاذ, فلن يتم قبولها ولايسمح لها بالدخول والانتساب إلا بعد المرور بكافة هذه الأطوار الخارقة, مضافا إليها ورقة من مختار "الطبّالة والدويلعة", بانه انحشر في السرافيس لمدة لا تقل عن المؤبد ,والشهادة الأصلية المصدقة الصادرة عن العصفورية , هذا ولن يتم قبول أي عضو,لاتتوفر فيه الشروط الآنفة الذكر, حتى ولو وافقت عليه لجنة ترشيد التصدير والاستيراد المنبثقة عن مقام مجلس الوزراء الموقر.
التوقيع :لجنة ترشيد المعارضة.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟