|
موجز تاريخ المحنة - 3 -
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4449 - 2014 / 5 / 10 - 14:32
المحور:
الادب والفن
( 1 )
كُنّا جنوداً في الحرب العراقيّة الأيرانيّة . هُناكَ في شرقِ السَبَخِ العظيم . على تُخومِ الأحواز " خوزستان " . نتكدّسُ نِصفَ عُراةٍ ، بأجسادنا المعروقةِ ، المُلَطّخةِ بالرملِ والذباب ، داخلَ " مَوْضِعٍ " مُظلمٍ ورَطْبٍ ، وصَلَتْ درجةُ الحرارةِ فيه إلى أكثر من خمسين درجة مئويّة . كان الجنودُ في تلك الحُفرةِ السوداء يشتِمونَ " النظام " ورموزه الكبار بضراوةٍ ، وبصوتٍ عال . لا أحد منهم كان يخشى شيئاً ، أو أحداً . كانوا يردّونَ على من يطلب منهم الحذر من بطش " الأستخباراتِ " بهم قائلين : ما الذي سيفعلونه بنا اكثر من هذا ؟ إلى أين سيأخذوننا بعد ؟ نحنُ هُنا على أيّةِ حال . كُنّا لا نزالُ نشتِمُ بضراوةٍ ، عندما أطلّ علينا من كوّةِ " الموضِعِ " شخصٌ لمْ نتبينْ ملامحهُ جيداً .. و قال لنا بصوتِ خفيض : إنَّ " آمِرَ توجيه " الفرقة ، قد أمَرَ بأن يتجمَعَ الجنودُ خارج " المواضِع " فوراً . عندها أوقفَ أولئكَ الجنودُ الغاضبونَ سيلَ شتائمهم البذيئة فجأةً .. وبدأوا يتدافعون بالمناكبِ للخروج من فتحة الحفرة الضيّقةِ جداً .. وهُم يصيحونَ صيْحَةَ رَجُلٍ واحد : " بالروحْ .. بالدَمْ .. نفديكَ يا ... " . ولا زلنا في تلك الحُفرَة . ولا زلنا نشتِمُ .. ونهتفُ لمن نشتمهُم .. و" نبايعهم " .. وننتخبهم .. حتّى هذه اللحظة . ( 2 ) لا نُريدُ مِنكُم شيئاً بعد . لقدْ إكتَفَيْنا . ومادُمْتُمْ قَدَراً لا يُمكنُ رَدّهْ ، فلا أقَلَّ مِنْ أنْ تقولونَ لنا / نحنُ ضحاياكُم / ماذا تُريدونَ مِنّا بالضبط . فقط .. قولوا وعلينا السمعُ والطاعَة . سنفعلُ ما تُريدونَ بالضبط . و سنمضي إلى حيثُ تُريدونَ بالضبط . وسنقبلُ أن تكونوا أنتُم سادةُ الدار . وسنرضى أن نعيشَ ، بعيداً عنكُم ، كالعصافير . في هذه الحديقةِ الخلفيّةِ السخيفة ألتي ما عادَ لنا فيها .. لا عُشٌّ ، ولا بَيْضٌ ، ولا شَجَرَة . ( 3 ) عدا السيد نوري المالكي . عدا مرشّحي التحالف الوطني . عدا مرشّحي التحالف الكردستاني . عدا مرشحي التحالف المدني الديموقراطي . عدا ( رُبّما ) أحدَهم هُنا .. و ( رُبّما ) أحدَهم هُناك . منْ إنتَخبَ المُرشّحينَ " الآخرين " ؟ .. ولـــماذا ؟ ماذا يُمَثِّلونْ .. ومَنْ يُمَثِّلون ؟ عن أيّ مصالحَ يُدافِعون ؟ ماهي قضيّتهم الكبرى .. والصغرى ؟ ماذا فعلوا سابقاً .. وما الذي سيفعلونَهُ الآن .. و ماذا بأمكانهم أن يفعلوا .. في قادماتِ الليالي .. الحالكاتِ السَوادِ ? ( 4 ) " بعض المثقفين العراقيين ..
مدمنون على قراءة رواية 1400 عام من العزلة . "
(النص منقول من وصف أحد اًصدقاء د.Moyaad Al-Elley لهؤلاء المثقفين.) ( 5 ) العين ُ بالعين ْ .. يعني أنّنا في نهاية الأمر .. سنكونُ جميعا ً عميان . الدمُ بالدَمّ .. يعني أنّنا في نهاية الأمر .. سنكونُ جميعا ً موتى . إنقطاع الكهرباء .. يعنّي أنّنا في " بداية " الأمر .. سنكونُ جميعاً بلا كهرباء . يعني أن يهتفّ العراقيّون لقادتهم الذين أخترعوا الظلام .. ويلعنون " توماس أديسون " الذي أخترعَ الضوء . عِميانُ .. و موتى .. ونتخبّطُ في بحرِ القيظِ والظُلُمات . يالهُ من مصير . ( 6 )
إلى أنْ يصبحَ هذا الوطنُ .. وَطَناً صالِحاً للسكن .. سيكونُ الوطنُ ( إسبانيا ) . إلى أن تعودَ مُدُنُنا ، آمنةً ، وجميلة .. ستكونُ مُدُنُنا ( مدريد ) و ( برشلونة ) . لأنّ لا قادةَ لنا ، ولا قدرة لنا على العيشِ دونَ " رَمْزٍ " و " قائِدْ " .. سيكونُ قادتنا ( ليونيل ميسّي ) و ( كريستيانو رونالدو ) . لأنّنا لمْ نَتّفِقْ على " عَلَمٍ " بعد .. فأنّ راياتَهُم هي " عَلَمُنا " . وإلى أنْ يكونَ لنا " نشيدٌ وطنيّ " .. فإنَّ أفضلَ نشيدٍ يُجَسِّدُ مِحْنَتَنا هو : { برشلوني برشلوني . راحْ أغَيِّرْ حتّى إسْمي .. وأكتِبْ المدريدي خَصْمي . إلا أكَلْكُمْ حتّى دَمّي .. برشلوني برشلوني . حبيبي مَدْريدي .. ويْحِبْ مَدْريدَهْ . وآني على شانَهْ .. البَرْشَةْ ما ريدَهْ . }
( 7 ) لأنّ هذا الذي يحدثُ الآنَ .. يفوقُ حدودَ إحتِمالي . لأنّني عاجزُ .. كالآخرين .. حتّى عن ردِّ الشتيمةِ عن بلدي، ونَفْسي . لأنّني أصبحتُ أرخَصَ من تُرابٍ سَبِخْ . لأنَّ العُمْرَ إمْتَدَّ بي ، لأرى النصف الثاني ، من ليل ِالعراق ِالطويل . سأردّدُ كلماتَ السيّدةِ ، التي خافتْ من إلتباسِ المعنى على الناس . سأُرَدِّدُ معها : " يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰ-;-ذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا " . ( 8 )
أخيراً ..شيءٌ من الضوء .. في هذي الظلمة ..
( لأنّ طلابي يتخرّجونَ في " الدورة " الثانية لكليّتهم الفَتيّةِ .. كالصُبْح . هُنا .. فيها .. حيثُ لاشيءَ أكثرُ قوّةً من الأيمانِ بالعقل ، والأنسان .. وحيثُ لا تطغى " الزينةُ " على " الحقيقة " . من أجل ذلك .. سأحتفِلُ للمرّة الثانيةِ بـ " يوم " ميلادي .. الذي لايزال ُ ، كشأنٍ ذاتيّ ، يُشَكّلُ مُناسبةً مُلتَبِسَةً ، ومُدهِشَةً ، بالنسبةِ لي ، حتّى بعد " عيشي " لـ ثلاثة وستّينَ قَرْناً من الهَمِّ العراقيّ .. المُتَعَدّدِ الأبعاد . ولأجلِ ذلك أيضاً .. سأكتبُ لهُم ، كتقليدٍ شخصيّ ، رسالةَ الأحتفاء هذه . )
{ يا كائناتَ الحُلمِ ، في " دورة " الأملِ .. الذي لم نعُدْ نملكُ غيْرَه . أنا الذي يُنَقِّبُ في المجَرّاتِ .. لا أستطيعُ عدَّ النجومِ كلّها . ولا وصفَ الضوء ، الذي سوف يلامُسُ يوماً هذه الأرض ، ليُعَرّفَ عن نفسهِ للقادمينً من الناسٍ .. مَطَراً .. وسنابل . أنتُنَّ هُنا .. في هذه الروحِ .. " سيّداتُ زُحَل " . الضاحكات ُمن القلب والحزيناتُ " المهضوماتِ " جدّاً . والمُدلّلاتُ . وتلكَ التي تبتسمُ لها المَمَرّاتُ ، وتلكَ التي يغيبُ في وجهها القمر . أنتم هُنا .. بيننا .. يا " أسيادَ " سماواتنا الخفيضة . البُناةُ القادمونَ لهذه الأرضِ الحزينة .. حتّى وإنْ لم تُصَدّقوا يوماً ذلك . حتّى وانتُم تملأونَ " الصفوفَ " بالعَبَثِ ، والجنونِ ، والمُشاكَسَةِ ، ولا جدوى الأشياء . لطالما قالتْ ( هجير ) و ( نغم ) .. وقال ( طالبُ ) ( وعصام ) و ( نذير ) و ( طيّب ) .. والآخرون : كيفَ يا ( عماد ) ؟ كيفَ نُوَضّبُ حقائبَ " أطفالنا " هؤلاء .. ونُرسِلُهُم إلى المتاهة ؟ كيفَ نترُكُهُم ، وحدَهُم ، في وجهِ الريحِ والرملِ والسخام ؟ وهانحنُ نراكم .. تذهبون . كما رأيناكُم .. تجيئونَ إلينا . ونعرفُ أنّ تفاصيلَ " العيشِ " في " العُمرِ " القادمِ .. هي غيرُ تفاصيلِ العيشِ في قاعاتِ الدَرْسِ ، وساحاتِ المدارس . نعرفُ ، ونثِقُ ، أنّكُم ستتحمّلون ثقل الهموم .. وتعرفونَ الكَدَّ .. وتتذوقون ثمارَ التعَب النبيل . نعرفُ ، ونَثِقُ ، أنّكُم عُشّاقٌ رائعون . وسنحرُسُكُم من بعيد .. ونَحرُسُكُنَّ .. عندما تؤثّثون بيوتكم ، وتطرّزونَ بدلاتِ عُرْسِكُم ، وتاخذونَ بأصابع أطفالكم ، وتمشون معهم .. خطوة ًبعد خطوةٍ .. إلى حيثُ كُنّا ، وكُنتُم ، وستهمسونَ في آذانهِم وصيّتُكُم الحُلوةَ : " إنّهُم هُناكَ .. بإنتظاركم . إذهبوا .. وتَعَلّموا . وعيشوا . لا تجعلوا اليأس يدُبُّ في قلوبهم الكبيرةَ ، ولو لبضع دقائق . وحاولوا أن لا " تتخرجون " .. لكي تبقون معهم طويلا . إذهبوا .. واجعلوا السنين الأربعَ ، أربعةُ قُرونٍ على الأقَلّ .. لكي نكون نحنُ ، وانتُمْ ، وهُمْ .. عصيّونَ على النسيان" . ]
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بس لا هذا .. الراح يصير ؟
-
سيرة ُ - الطيّبين - القُدامى .
-
أحزانُ المصادفات السعيدة
-
موجز تاريخ المحنة - 2 -
-
العراق : - هوسات - .. و إنتخابات
-
الأشياءُ تأتي وحدَها
-
ميليشيا اليمام الأعزل
-
العراقُ .. بخير
-
مُختارات .. من قِصَصِ الأنتخاباتِ .. القصيرةِ جداً .
-
فلمُ حياتي الطويل
-
تاريخ كئيب .. للكآبة .. في العراق
-
هذا الكَهَف الجميل
-
نُريدُ لغُصْنٍ واحدٍ أنْ يُورِقْ
-
موجَز تاريخ المِحنة
-
الطلبةُ ، والعشائرُ .. وسَخامِ الحروب السخيفة
-
مثلُ بنتٍ وحيدة .. في شجرة العائلة
-
هذا .. الذي يحدثُ ُالآن
-
لماذا لاتحدثُ أشياءٌ كهذه ؟
-
نحنُ نَنْقُصُ .. والليالي تزيدْ .
-
كنتُ أحبّكِ كالريح .. لم أكنْ أحبّكِ كالبيت
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|