أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الزغبي - الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية















المزيد.....

الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية


سمير الزغبي
كاتب و ناقد سينمائي

(Samir Zoghbi)


الحوار المتمدن-العدد: 4446 - 2014 / 5 / 7 - 17:03
المحور: الادب والفن
    




المقدمة:
لقد جسدت الواقعية إتجاها سينمائيا يستمد مشروعيته و أفقه النظري من إعتبار السينما تجسيدا خالصا للواقع في كامل تجلياته سواء الإجتماعية أو السياسية ، أو كذلك الأنطولوجية كما هو الشأن لدى أندري بازان َAndré Bazin ، أو بما هو وصف لما هو إعتيادي ، بمعنى أن السينما في تصور كافال Cavellهي لغة الواقع . كل هذه المواقف قد تمسكت بواقعية السينما، مستلهمة في ذلك من أصول السينما السوفياتية . تاريخيا المدرسة الواقعية الجديدة نشأت من خلال تاثير السينما السوفياتية ، وخاصة "السينما العين " لفارتوف والمدرسة الفرنسية الإنشائية الواقعية لسنوات 1930-1940. إلا أن جماليات الواقعية الجديدة الإيطالية تختلف عن جماليات المدرسة الواقعية القديمة ، في ما يبينه أندري بازان في مؤلفه :" ما هي السينما "، يتمحور هذا الإختلاف بالأساس في مستوى مفهوم الواقع ذاته ، و في كيفية معالجته سينمائيا ، فعلى عكس الواقعية السوفياتية القديمة التي تخضع الواقع على وجهة نظر محددة ، و تنظمه وفقا لمونتاج محدد. فإن الواقعية الجديدة الإيطالية متحررة من كل أساليب المونتاج ، وهي متمسكة بالمحايثة.

I- ولادة السينما: من التسجيل إلى الإبداع
فعليا و في الواقع ولادة السينما ، كحدث تقني، هي في أواخر القرن التاسع عشر، حيث سيشهد هذا التاريخ ولادة الفن الجديد ، والبداية تجسدت في الفيلم القصير جدا"بعض الدقائق " حيث أن المشاهد تتابع وكأنها لوحات مستقلة نسبيا ويعتبر أندري قودرولت André Gaudreault أنه في بداية السينما كان الفيلم مسطحا أو بصورة أدق هو مسطح-لوحة، ويمكن أن نميز ثلاثة فترات أساسية في تكوّن كيفية التمثل السينمائي:
أ-فترة الفيلم ذو المسطح الواحد أي تحريك دائري فحسب.
ب- فترة الفيلم متعدد المسطحات غير المتواصلة أي تحريك دائري وتركيب، لكن دون أن يكون التحريك الدائري قد أنجز بصورة عضوية فعلية بواسطة التركيب.
ج- فترة الفيلم ذو المسطحات المتواصلة والمتعددة حيث يتم التحريك الدائري بواسطة التركيب.
بصورة دقيقة كانت الأفلام تقوم على مسطح واحد إلى حدود 1902.وفي سنة 1903 بدأ التوجه نحو تعدد المسطحات. ولكن إنجاز التحريك بفعل التركيب لم يحصل إلا في بدايات سنة 1910. هكذا تميز القرن العشرون بظهور الفن السينمائي: عرفت سنة 1895أول عرض سينمائي من طرف الأخوين لوميير Lumière بعرض صور متحركة على الشاشةLe Cinématographe،ثم انتقلت السينما من مرحلة السينما التسجيلية إلى مرحلة السينما الروائية منذ 1902مع الفرنسي ميلييسG.Meliès.
ان أوائل الأعمال السينمائية على الإطلاق كانت مجرد تسجيل للحظات حقيقية، مثل" خروج العمال من المصنع " ، أو" وصول القطار إلى المحطة "وهما فيلمان من صنع الأخوين لوميير عام 1895.
عندما نتأمل هذه الحقيقة إلى جانب الوضع الحالي للسينما ندرك أنها قد انتقلت، في مرحلة ما، من كونها أداة تسجيل فقط، إلى كونها أداة خلق أي إبداع. في البداية لم تكن السينما إلا طريقة جديدة لمشاهدة المسرحيات. فلولا بعض الخدع السينمائية البدائية التي كانت تستخدم في بعض الأحيان، لأمكننا أن نقول إنه لم يكن هناك فرق بين سينما تلك الفترة والمسرح، إلا كون الأخير عرضا حيا والسينما عرضا مسجلا وبدون صوت. فالسينما في بداية استخدامها كأداة لرواية القصص قلدت كل ما يمكنها تقليده من مبادئ ومفاهيم المسرح.
لكن السينما ستتحرر من تقنيات المسرح لتكتسب لغة ومفردات خاصة بها ، حيث تكون اللقطة هي الوحدة الأولية ، و من خلال تركيب اللقطات تتكون المشاهد ، و جمال اللقطة وإنسيابها أو تصادمها مع اللقطة التالية ينتج معنى ما، فالسينمائي يشرك المتفرج معه في إستنتاج هذا المعنى ، فيصبح دوره إيجابيا في عملية التلقي ، كما يملك السينمائي عناصر الموسيقى والمؤثرات الصوتية والإضاءة و اللون... و كلها عناصر تشكل مفردات اللغة التي يكتب بها على الشاشة ، و بذلك إكتسبت إستقلالية عن المسرح و يتبين أن إمكانياتها تختلف عن إمكانيات المسرح، إذ ستبرز خصوصية الإبداع السينمائي ، و تجلى ذلك خاصة ضمن إبداعات مخرجين مثل دي غريفيث (1875 ـ 1948) وسيرجي آيزنشتاين (1898 ـ 1948) وأمثالهم من المخرجين الذين قاموا بتحريك الكاميرا في عدة إتجاهات، ووضعوها على عربات وسكك، ونوّعوا في حجم اللقطة وزاويتها، فأسسوا بذلك لغة سينمائية مستقلة، وأعلنوا السينما فناً له أدواته ومكوناته الخاصة به. فنضج بعد ذلك مفهوم المخرج السينمائي، وأصبح يشير إلى الفنان الذي يوظف الأدوات السينمائية المختلفة لنقل القصة للمشاهد وفق رؤيته الخاصة.
استخدم السينمائي الأمريكي قريفيت W.Griffith تقنيات سينمائية جديدة ترتبط باللقطات والمونتاج. وفي فترة ما بين الحربين شهدت السينما الأمريكية ظهور شركات إنتاج كبرى ستحتكر العمل السينمائي،وبرزت أفلام شارلي شابلنCharles Chaplin.وتطورت السينما السوفيتية بفضل مخرجين كبار كأيزنشتاين S.M.Eisenstein في روائعه" أكتوبر" و"المدرعة بوتمكين" ،
الكاميرا قبل غريفيث ثابتة لا تتحرك ، وكان الممثلون يأتون أمام الكاميرا ليمثلوا أمامها ثم يبتعدون إذا انتهت أدوارهم . أما الإضاءة ، فقد استخدم أساليب مختلفة فيها ، فكان مثلاً يسلط الكاميرا مباشرة على الشمس للحصول على لقطة لمشهد رومانسي آخذ في التلاشي تدريجياً ، كانت هذه الأساليب كلها نوعا من الإضاءة التي لم تكن شائعة في ذلك الحين . لم يكن غريفيث يستعمل الكتابة الجانبية أو المواد العارضة لوصف أحداث الفيلم، وقد كانت هذه الطريقة وسيلة شائعة أيام السينما الصامتة حيث تظهر لوحة مكتوب عليها ما لا يستطيع المخرج قوله بصريا، لكن غريفيث لم يكن يستخدمها ، ولم يحتاجها وهو ملم بما يعرف بـ "لغة الفيلم" ، الذي كان هو مخترعها الأول في الأساس .لم تكن الأفلام قبل غريفيث تقوم بتعريف الشخصيات قبل أحداث الفيلم الرئيسي، لم يكن المشاهد يعرف شيئاً عن شخصيات الفيلم الذي يشاهده ، لكن غريفيث كانت لديه وسيلة لتصوير الشخصيات بطريقة تجعل المشاهد يعرف على الفور ما نوع هؤلاء الناس .
إضافة إلى أعمال قريفيت يعتبر ايزنشاتين من أهم المخرجين الذي بلور مفهوما جديدا للسينما ، فقد استخدم أزنشتاين المبتدئ في فيلمه الأول «إضراب» أساليب تعبيرية وكنايات بصرية دلت على متابعته الجيدة لما قدمته وتقدمه التعبيرية الألمانية في بداية العشرينات. وكان هذا الفيلم في موضوعه أشبه بالمقدمة لفيلمه الأعظم «المدرعة بوتمكين» .

II-الواقعية في السينما
ظهرت السينما الناطقة سنة 1927.وباعتبارها فن و صناعة فقد استفادت من التطور التكنولوجي وانعكس ذلك على الأعمال السينمائية.وشهد القرن ظهور مدارس سينمائية كبرى كالسينما الألمانية الشابة والواقعية الإيطالية الجديدة والموجة الفرنسية الجديدة. فإذا كانت السينما تقدم أسلوبا خاصا و متميزا. فإن جذورها متأصلة في مجموعة من الأساليب السينمائية السابقة عليها، حيث حفل التاريخ السينمائي وعلى فترات متفاوتة بمجموعة من التوجهات التي ميزت الفن السينمائي، بدءا بالحركة الدادائية، والفيلم التجريدي، و الفيلم المطلق، والحركة السريالية، وسينما المؤلف، وسينما الحقيقة ، والسينما المباشرة ، والموجة الجديدة ، وسينما تحت الأرض، وسينما الدوغما. و منذ اختراع السينما ، مر الفن السابع بمراحل وتيارات ومدارس كثيرة للغاية ولا يختلف في ذلك عن باقي الفنون الأخرى .
ولكن من بين هذه المدارس، هناك مدرسة كان لها بالغ الأثر على الفن السابع.و هي الواقعية الايطالية الجديدة .فما هي الأسس الفنية للمدرسة الواقعية؟
إن الواقعية مصطلح يعني التصوير الأمين لمظاهر الطبيعة والحياة كما هي عرض الآراء والأحداث والظروف والملابسات دون نظر مثالي فهي تصوير الأشياء الواقعية القائمة في الوجود خارج الإنسان ، وأن يلتزم في هذا التصوير الموضوعية التي تذوب أمامها الصفة الذاتية ، وان يستخدم في هذا التصوير أسلوباً واضحا دقيق الصياغة وأن يختار موضوعة من واقع الحياة اليومية، فينفذ بذلك إلى حياة الجماهير ، يعالج مشكلاتهم ، ويجعل من عمله الفني على الإجمال وسيلة اتصال بالواقع . فالواقعية ليست مصطلحاً جديداً على السينما ، فقد عرفت السينما بعض المحاولات من الواقعية في بعض الأفلام الإيطالية في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين وبعض الأفلام التي صنعت في فرنسا مثل فيلم "قواعد اللعبة" للفرنسي جان رينوار: الذي صور كله بشكل ارتجالي وواقعي قريب جدا ، ليروي من خلاله فصلا من حكاية الانهيار الطبقي في فرنسا عام 1939 وروسيا بعد هذا التاريخ . لكن الواقعية لم تظهر واعية ناضجة إلا بعد الحرب العالمية الثانية.


1-الواقعية الإيطالية الجديدة

إن السينما الإيطالية قبل الواقعية تجسدت في صورة مشوهة عن ما تقدمه السينما التخديرية الهوليوودية ، وكانت السلطة الفاشية الحاكمة آنذاك ، تشجع قبل الحرب وأثناءها على إنتاج الأفلام الهروبية اللاواقعية وهي التي عرفت بسينما "التلفون الأبيض " وكانت موضوعاتها تدور في القصور والأحياء الراقية مع سيدات مجتمع الميلودرامية التي ليست لها أدنى علاقة بما يجري في الحياة الإيطالية السينما على وضعها هذا طوال الحرب ، بالرغم من وجود بعض الاستثناءات التي لا تتجاوز 3 أفلام أنتجت عام 1942 وكانت في محتواها وشكلها أول إشارة إلى مولد السينما الواقعية الجديدة .
إن الواقعية الإيطالية الفعلية تفجرت عام 1945 بعد سقوط الفاشية وذلك عندما قام روبرتو روسيلني الذي يعتبر رائد الواقعية الإيطالية بإخراج فيلمه "روما مدينة مفتوحة" وذلك بعد شهرين فقط من سقوط الفاشية. وبعد ذلك تبعه مخرجون آخرون مثل "فيتوريو دي سيكا" في "سارق الدراجة" و"اومبرتودي" و فيسكونتي في "الزلزال" وغيرها.
إن التحول من"الواقعية" القديمة إلى الواقعية الجديدة جسد منعرجا هاما في تاريخ السينما ، جيل دولوز في بداية المؤلف الثاني المخصص لمسألة السينما ، يبرز أنه ضمن الواقعية القديمة و بحسب الصورة –الفعل l image -action، الوسائط لها حقيقة خاصة بصورة مسبقة، و لكنها حقيقة وظيفية ، محددة وفقا لمتطلبات الوضعية أي ما تفترضه عملية المونتاج. لكن مع الواقعية الجديدة تتخذ الأشياء و الوسائط حقيقة مادية مستقلة . الواقعية الإيطالية الجديدة لا يمكن تعريفها في منظور أندري بازان من خلال مضمونها الإجتماعي , إنما مقاربة هذا المنحى الفني الجديد تكون من خلال المعايير الجمالية الصورية ، هنالك شكل جديد للواقع ، فالواقع لم يتم تمثّله أو إعادة إنتاجه ، و إنما أصبح مستهدفا . فعوض تمثّل واقعا قد تم تفكيكه ، فإن الواقعية الجديدة تتوجه إلى واقع سيتم تفكيكه وهو دوما ملتبس و لذلك فإن المسطح séquence ينزع لتعويض التركيب الناجم عن التمثلات .إن الواقعية الجديدة هكذا قد إخترعت نوعا جديدا من الصور كان قد إقترح بازان تسميته "الصورة – الفعل" هذه الأطروحة لبازان كانت أثرى بكثير من تلك التي ينازعها ، فقد بين أن الواقعية الجديدة لا تختزل في مضمون تمظهراتها الأولى . فخلافا لأولئك الذين يعرفون الواقعية الإيطالية الجديدة من خلال مضمونها الإجتماعي ، يؤكد بازان على ضرورة التمسك بالمعايير الشكلية الجمالية. هنالك معنى جديدا للواقع ، فالواقعي لم يعد مصورا كما أو منسوخا ، و إنما "مستهدفا" . فبدلا من تصوير واقع مقروء و مكشوف ، تسعى الواقعية الجديدة نحو واقع لكشفه و حل رموزه، نحو واقع غامض على الدوام ، لهذا نزعت للقطة الطويلة أو اللقطة المرحلة " إلى الحلول محل مونتاج الصور . لقد إبتكرت الواقعية الجديدة نمطا لصورة جديدة ، إقترح بازان تسميتها ب"الصورة –الحدث" . لقد إعتبر بازان ان الواقعية الجديدة لم تكن محدودة بمضمون تجلياتها الأولى ، فالواقعية الجديدة تنتج "واقعا مضافا" صوريا أو ماديا. ويؤكد دولوز أن طرح المشكل بهذه الكيفية أي على مستوى الواقع لا يضمن لنا أن نكون فعلا واقعيين إذ ليس من المؤكد أن الذهن أو الفكر لم يتدخل ضمن هذه العملية. إن الصور الحركة و الإدراكات و الإنفعالات , أفعال سترزح تحت هذا التغير الذي يحدثه الفكر و إن الصور تحمل إلى دلالات جديدة تتجاوز الحركة.
في تصور دولوز ، لمّا يعرف زافاتيني الواقعية الجديدة بأنها فن اللقاء ،لقاء مقطع ، وقتي مبتور،غير موفق. إنه يقصد لقاءات "بايزا" لروسيليني ، أو "سارق الدراجة" لدي سيكا. فالواقعية الجديدة تجسدت من خلال بروز الوضعيات البصرية الخالصة و كذلك الصوتية ، رغم أن الصوت المتزامن كان ناقصا في بدايات الواقعية الجديدة ، التي تتميز عن "الصورة –الفعل" للواقعية القديمة. من أزمة الصورة –الفعل إلى الصورة البصرية الصوتية الصرف ثمة إذن إنتقال ضروري ، تارة من خلال تطور أدى إلى الإنتقال من جانب إلى آخر ، إذ جرى البدء بنزهات و رحلات ذات روابط حسية-محركة واهية ، و إنتهى الأمر بعد ذلك إلى مواقف بصرية و صوتية صرف ،و تارة أخرى ، جرى الإنتقال في الفيلم ذاته ، بحيث أن الوجهين تواجدا معا كمستويين إثنين ، يمهد أحدهما للآخر . بهذا المعنى ينتمي فيسكونتي و أنطونيني وفيلليني كل الإنتماء إلى الواقعية الجديدة ، بالرغم من سائر الإختلافات بينهم . إن فيلم "المأخوذ" "Ossession " المبشر بالواقعية الجديدة للمخرج فيسكونتي يجسد تغييرا بارعا ، و بداية تحول خاص طرأ على المفهوم العام للموقف . ذلك أن الواقعية القديمة و وفقا للصورة-الفعل ،للأشياء والوسائط واقعا خاصا ، و لكنه واقع وظيفي محدد بدقة ، و من خلال مقتضيات الموقف، فالموقف يتمدد و بشكل مباشر في الفعل أو الإنفعال. إلا انه منذ فيلم Ossession، إتخذ الأمر شكلا جديدا ، فقد تحولت الأشياء والوسائط إلى واقع مادي مستقل ، وبرزت قيمتها في ذاتها . كل شيء يظل واقعيا في هذه الواقعية الجديدة، حيث أن الموقف لا يتمدد مباشرة في فعل ، بل لم يعد حسيا –محركا كما في الواقعية القديمة ، بل إنه و منذ البداية موقف بصري-صوتي ، موظف من قبل الحواس ، ذلك هو منبع الجمالية البصرية لدى فيسكونتي.
تتعارض الوضعيات البصرية و الصوتية في الواقعية الجديدة مع المواقف الحسية –المحركة في الواقعية التقليدية ، فالوضع الحسي –المحرك يكون فضاؤه وسطا مؤهلا بشكل جيد ، ويستلزم فعلا يكشف عنه، أو يثير رد فعل يتكيف مع الموقف أو يعدله. غير أن وضعية بصرية و صوتية صرفة تجري داخل ما يمكن يسميه دولوز " فضاءا لا محددا" إما منفصلا عما حوله أو خاويا . في الواقعية الجديدة لم يبقى للروابط الحسية المحركة أي قيمة إلا من خلال التشوشات التي تظهر عليها ، وتفكك عراها و تفقدها توازنها أو تلهيها عن نشاطها . و تلك هي إجمالا أزمة الصورة الفعل مثلما يحللها فيلسوف الإختلاف في بداية المؤلف المخصص لمسألة السينما .
المدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة برزت مع نهاية الحكم الفاشي، حيث تم إنشاء مفهوم "الواقعية الجديدة" مع أمبرتو بربارا Umberto Barbara ، سنة1942 ثم تأسيس المدرسة الثانية مع روسيليني الذي إقترح إستعمال ممثلين غير محترفين وديكور طبيعي. وقد شهدت المدرسة الواقعية الجديدة تيارين داخلها وهما روسيليني و دي سيكا .و يعتبر فيتوريو دي سيكا من أقطاب التيار، الى جانب روسيلليني وفيسكونتي وانطونيوني وفيلليني وفرانشيسكو روزي .

إن الواقعية هكذا حالة شهدها الفكر في مرحلة محددة من مراحله، وهي رؤية تاريخية و تمثل للعالم ، وشكل محدد من الإخراج، فهي سينما للنقد الإجتماعي ووصف للواقع، فالمضمون متماثل مع وقائع الحياة اليومية، إن أهم ما يميز هذه المدرسة، هو تمسكها بالحقيقة التي يتضمنها الواقع، وبالتحديد الواقع الإجتماعي والسياسي لإيطاليا ما بعد الحرب، فالجماليات الواقعية هي أقرب للتوثيق وهي سينما الراهنية، فالصور هي بمثابة الوثائق ، حيث تكون البنية السردية للدراما محدودة، وهنالك تغييب كلي لمؤثرات المونتاج .
.2-جماليات السينما في منظور الواقعية الجديدة:

أن الواقعية هي كل شكل للإبداع ينظر إلى إعادة إنتاج الحقيقة، إلى التعبير عن نظرة وفية للواقع في السينما، الواقعية هي منهج فلسفي مشروط بوسائل تقنية خلال لحظة تاريخية معطاة. انطلاقا من ذلك نستطيع القول بأن الواقعية مرتبطة بزمان محدد وتتطلب إمكانيات معينة، فالواقعية جماليا يمكن تصنيفها كحركة في قطيعة جذرية مع السينما المصطنعة، والتي هي في واقع منفصلة عن الإشكاليات الإجتماعية المعاصرة للمجتمع الإيطالي ، وبالنسبة لروسيليني المبحث الأساسي يتطلع إلى الدلالة العميقة للواقع ،ومع ذلك فقد كانت هذه الواقعية قد أدت مهمتها ، وسجلت مرحلة الانتقال بين السينما الهوليوودية وكل تلك التيارات الواقعية البعيدة عن هوليوود ، التي عرفها عالم السينما في الخمسينيات والستينيات . أما على المستوى الإيطالي نفسه فقد خلقت تلك الموجة الأولى الموجة الثانية التي عرفت أفلام انطونيوني و فلليني وجديد فيسكونتي وبداية بازلوني.
-الأسلوب مرئي تسجيلي .
-التصوير في المواقع الفعلية والبعد بقدر الإمكان عن الاستديوهات .
-عدم استخدام ممثلين محترفين حتى للأدوار الرئيسية في الفيلم .
-تجنب أن يحوي السيناريو على الحوارات الأدبية التي لا تحدث على أرض الواقع وتفضيل الخطابات العامية، باستخدام اللهجات أيضا، واجتناب الحيل السينمائية في المونتاج والإضاءة وحركة الكاميرا.
-ارتجال السيناريو.
-الاتصال المباشر مع الواقع الاجتماعي الحديث .




#سمير_الزغبي (هاشتاغ)       Samir_Zoghbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح بين نظرية الإلزام و مطلب الإلتزام
- فوضى الجسد و إمبراطورية الرغبة في فيلم الدواحة
- الماويون في النيبال مواجهة للملكية أم للإمبريالية ؟
- المشهد وتعبيرية الجسد في السينما التونسية
- معقولية الصورة في الجماليات المعاصرة
- دراما الصراع بين الموت و الحرية في فيلم - ما نموتش Mill Feui ...
- أحداث يوم 9 أفريل 2012: دعوة إلى المؤامرة أم إستراتيجية للهي ...
- سيميولوجيا الصورة الإشهارية
- مدخل إلى تقنيات السينما-السينما ذاته
- إشكالية الهوية و الاختلاف في السينما العربية
- بداية النهاية و دكتاتور جديد يحذف من التاريخ نهاية القذافي
- ساحة للشهيد محمد البوعزيزي في باريس.كيف نفهم هذا الحدث؟
- الإستهلاك و إستراتيجية الهيمنة الليبرالية
- الثورة التونسية : صعود البروليتاريا الجديدة و تأزم البورجواز ...
- مشهد الثورة و إيتيقا الصورة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الزغبي - الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية