|
تاريخ التكرار!
عماد فواز
الحوار المتمدن-العدد: 4446 - 2014 / 5 / 7 - 11:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يحتوي تاريخ مصر الطويل على العديد من المفارقات، بالشكل الذي يشعرك بأن تاريخ مصر ما هو إلا أعوام محددة تتكرر ألاف المرات، دون أن يتعلم احد منها، فما تمر به مصر اليوم من أحداث ماهو الا تكرار يصل لحد التطابق لما مرت به مصر من أحداث عقب جلاء الحملة الفرنسية عن مصر عام 1801م، مع اختلاف الأشخاص وبعض التفاصيل، وبالرغم من ذلك ارتكب المصريون نفس الأخطاء أيضا وترتب عليها نفس النتائج!.
كانت السنوات الخمس التي تلت جلاء الحملة الفرنسية عن مصر (1801-1805م)، من أروع حلقات التاريخ المصري كفاحا ونضالا وحركة وحيوية، ولكنها تبقى مع ذلك أشد هذه الحلقات مدعاة للدهشة والحيرة.. كانت هذه السنوات بمثابة لحظة إشراق بعد ليل طويل حالك السواد، وكان المتوقع لأن يسفر الفجر الوليد عن حركة تحرير كبرى يتخلص فيها الشعب المصري من أغلال النظام القديم، ويتحرر من رق الترك والمماليك..ولكن الثمرة الناضجة، وضعت على طبق من الفضة وقدمها السيد عمر مكرم بالهناء والشفاء إلى الضابط الألباني محمد على ليحكم مصر مع أبنائه وأحفاده قرنا ونصف بالتمام والكمال.
فلما غادرت الحملة الفرنسية كانت الشراذم التركية والمملوكية تتهيأ لاستعادة مجدها الغابر.. وكانت تمسك في يدها الأغلال والأصفاد، لتضعها في عنق الشعب المصري من جديد، ولم يكن من المعقول أن يتم لهم ما أرادوا بعد أن تجلى جبنهم وتخاذلهم أمام الفرنسيين، لقد هربوا جميعا من الساحة كالفئران المذعورة، وتركوا المصريين وجها لوجه أمام قدرهم، واثبت المصريون أنهم رجال، ودفعوا ثمن الحرية بالدم والعرق والدموع.
والغريب في الأمر أن المصريون بعد أن تحرروا لم يفكروا في الاستمتاع بالحرية، ولم يتطلعوا إلى عصر جديد تتحدد فيه العلاقة بين الحاكم والمحكومين على أسس جديدة ومفاهيم جديدة تختلف عن تلك التي كانت قائمة في العصر الوسيط.
بل والأغرب أن عمر مكرم قائد الثورة ومعه الوجهاء وذوي اليسار والسطوة من أهل البلاد، لم تبلغ مطامعهم ولم يفكر احد منهم أن يتولى بنفسه حكومة البلاد، بل كان أقصى أمانيهم أن يتقربوا من أولى الأمر، وان يحظوا منهم بالعطف والرعاية!!.
تلك كانت نتيجة طبيعية للوضع السياسي الذي وجد الشعب المصري نفسه عليه، في ظل الحكومات التي تواترت عليه من قديم الزمان، إذ اضعف فيه ثقته بنفسه، وجعله يخشى المسئولية ولا يقتدر على أعباء الحكم، فيكتفي بأن يكله إلى الأجانب ويتولى هو المعاونة والمساعدة!!.
وبرغم نجاح محمد على في النهوض بالبلاد، فإن أبناؤه وأحفاده من بعده بددوا ما صنعه جدهم من انجاز، وتوارثوا العرش ووزعوا العطايا من ثروات مصر على المحظوظين من حاشية الحكم من الألبان والأتراك، حتى أصبحت الحاشية الدخيلة أصحاب البلاد والمصريين ضيوف غير مرغوب في وجودهم.
وبعد انقلاب يوليو 1953 م، وتأيده شعبيا وتحوله إلى ثورة شعبية، ترك الشعب الحكم طوعا للضباط الأحرار، يتوارثوه كما يشاءوا وكيفما يهووا، دون تدخل من اى نوع، برغم ما عانى من الشعب من تبعات تلك الوراثة وفساد أهل الحكم خاصة في عهد مبارك وورثه جمال.
الأمر نفسه تكرر بعد ثورة يناير 2011، فقد حمل الشعب السلطة بعد فوجئ بسهولة خلع مبارك وخلو الدولة من جميع أجهزتها، وأهدوها إلى تيار الإسلام السياسي ظنا أنهم الأتقى وإنهم الأطهر، لكنهم فشلوا في الحكم، فنزل الشعب من جديد لنزع السلطة وإهدائها من جديد إلى المجلس العسكري، لتوارثها من جديد، كما كانت منذ قديم الأذل.
وبرغم فشل الحكم العسكري خلال 60 عاما، إلا إن اغلب الشعب فضل إعادة السلطة إليه عن الاستمرار تحت الحكم المتغطرس باسم الدين، فسلموا السلطة طوعا إلى المجلس العسكري ومن ثم الى رئيس عسكري يعلمون مسبقا عقيدته التي تجبره على تولية اللواءات المتقاعدين مناصب المحافظين والسكرتارية الخاصة بهم ورؤساء الإحياء ورؤساء المدن، وحتى شركات القطاع العام والوزارات، وهو عرف متبع منذ أيام دولة المماليك، حيث يهب السلطان لأمراء الجند بعد التقاعد إقطاع – محافظة- يتولى حكمها والإشراف عليها وإدارتها كمكافئة لجهوده وإخلاصه خلال فترة عملة بالجيش.
وبرغم الزمن والتجارب إلا أن إشكالية تسليم السلطة طوعا إلى الأقرب للمشهد دون وضع ضوابط تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين وكيفية تداول السلطة، مازالت تتكرر بنفس الطريقة ونفس الأدوات مع تغير طفيف في الأحداث والمطالب، ولم يفطن المصريين إلى بيت الداء، وهو ما يؤكد استمرار الثورات والاحتجاجات، فالقوانين التي احتواها الدستور عن تداول السلطة والضوابط التي تلزم الحاكم بفترة زمنية محددة، كلها قوانين سهل إلغاؤها بإلغاء الدستور كله كما فعلها مرسي ومبارك والسادات ومحمد نجيب، وبالتالي فإن الضمانة الوحيدة لعدم تكرار مثل هذه الثورات هو إشراك مختلف التيارات السياسية في الحكم، لتفريخ القادة، وصناعة أهل للحكم من الشعب.
#عماد_فواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصر المقامرة بالدين!
-
نظرة على النظرية الكوربوراتية
-
جماعة الإخوان واحتراف الفشل
-
جراثيم الجهالة في فكر الحاكم
-
عقيدة الشرطة لخدمة الحاكم!
-
وصدقت نبوءة العقاد
-
الديمقراطية بين التحضر والفوضى
-
تاريخ التفجيرات: قليلا من البطولة كثرا من الخيانة!
-
كلهم في -العار-عبد القادر!
-
اكاذيب الثورات وأصحاب الثروات!
-
دولة أصحاب المصالح.. ومصالح أصحاب الدولة!
-
تاريخ الفساد في حضرة أهل الثقة!
-
تعددت الأسماء والقمع واحد!
-
على مشارف ثورة الانتقام من الشرطة
-
الجنرال الكاذب وأحلام السذج
-
الرقص على جثة عصفورة ذبيحة
-
العدالة العرجاء في دولة -القاضي عدلي-!
-
الرحمة قبل العدل يا قضاة الاسكندرية
-
الحكومة المصرية تكشف للسودانية حقيقة مخطط صهيوني لزرع الفتنه
...
-
سلطات الأمن المصرية تفرج عن البلطجية لحسم الإنتخابات البرلما
...
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|