مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8

حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 13:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

في سنة 2012 تسبب نشر تقرير للشرطة الأسترالية تحت عنوان (ضحايا الكنيسة الذين انتحروا) (Church s suicide victims) [انظر الهامش رقم 1] في إحداث تغييرات سريعة في القوانين ونُظم مراقبة سلامة الطفولة داخل الكنائس ودور الرعاية والمدارس المسيحية. إذ أشار هذا التقرير إلى أنه، خلال فترة وجيزة جداً، تسببت (حوادث الانتحار) التي قام بها أفراد تم الاعتداء عليهم جنسياً خلال فترة طفولتهم من جانب (الكهنة المسيحيين) بالتحديد (بموت أربعين [40] شخصاً منتحرين) وذلك دون الأعداد الذين حاولوا الانتحار وفشلوا في ذلك. نتج عن ذلك مباشرة إنشاء لجنة تحقيق برلمانية والتي استدعت بدورها كبير مفوضي شرطة ولاية فيكتوريا في إستراليا (Chief Commissioner of Victoria Police) للتعرف أكثر على حجم المشكلة وعوائق التحقيق فيها. ظهر كبير مفوضي الشرطة غاضباً جداً أمام اللجنة البرلمانية وطلب منهم، تحديداً وبصورة مباشرة وصريحة، (تجريم ما تفعله الكنيسة المسيحية مِنْ وضع العوائق والعراقيل والامتناع عن التعاون فيما يخص استكمال التحقيق ومعرفة الحقائق فيما يخص هذه الكارثة الإنسانية والشذوذ الجنسي ضد الطفولة) والتي نتج عنها ضحايا غير معروفي العدد بدقة حتى هذه اللحظة [انظر الهامش رقم 2]. كان ردة الفعل مباشرة جداً وتستهدف مراكز هذا النشاط الديني الشاذ. فقد تم إنشاء وحدة خاصة في الشرطة الإسترالية تحت مُسمى (وحدة الشرطة المختصة باعتداءات الكهنة) (clergy abuse police strike force)، ونتج عن عملها، (خلال أقل من سنة واحدة فقط)، توجيه (أكثر من 170 إتهام بالاعتداء الجنسي على الأطفال) إلى كهنة وشمامسة مسيحيين مما اضطر مطران ولاية نيوكاسل الأسترالية إلى الظهور للعلن واعلانه تأييد تلك الاجراءات بعد أن كانت الكنيسة ممتنعة أول الأمر [انظر الهامش رقم 3]. وانتهى الأمر في إستراليا، أمام تلك الاحصاءات والحقائق والاتهامات والإدانات القضائية، إلى إنشاء هيئة حكومية دائمة تحت مسمة (الهيئة الملكية الأسترالية للاعتداء الجنسي المؤسسي على الطفولة) (Australian Royal Commission into Institutional Responses to Child Sexual Abuse)، مهمتها متابعة ومراقبة ضحايا الاعتداءات الجنسية من جانب رجال الكنيسة ومحاولة منعها والحد من أضرارها.

كل شيء في إستراليا، فيما يخص الاعتداءات الجنسية على الأطفال من جانب الكهنة المسيحيين، كان صادماً. فقد نشرت هيئة تحت مسمى (Broken Rites Collective Inc)، في يناير 2014، أسماء أكثر من 150 كاهن مسيحي مُتهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال في السنوات الأخيرة [لموقع هذه الهيئة على الشبكة، انظر الهامش رقم 4]. وكانت نفس هذه الهيئة المدنية قد نشرت، في أغسطس 2011، أسماء أكثر من 100 كاهن وشماس مسيحي متهم بالاعتداء والتحرش الجنسي على الأطفال من الجنسين. وكانت هيئات ومؤسسات مسيحية متعددة ومتنوعة تندرج تحت هذا الاتهام. فقد تم وصف (أبرشية ميتلاند في نيوكاسل) (Diocese of Maitland-Newcastle)، بأنها (بؤرة الاعتداء الجنسي على الأطفال في إستراليا من جانب الكهنة المسيحيين الكاثوليك) [انظر الهامش رقم 5]. هذا الوصف أتى بسبب (الأعداد الكثيرة الصادمة للكهنة المسيحيين الذين بالفعل تم إدانتهم وسجنهم بسبب الأعتداء الجنسي على الأطفال منذ سنة 1997 حتى هذه اللحظة). كان ضمن هذه الأبرشية الأب فنسنت ريان (Father Vincent Ryan)، الذي يحمل حتى الآن (الرقم القياسي للكنيسة الكاثوليكية) فيما يخص قيمة التعويضات للضحية الواحدة من ضحاياه. وكان منها الأب جون دينهام (John Sidney Denham) الذي (أقر واعترف) بالاعتداء الجنسي على تسعة وعشرين (29) طفلاً، منهم سبعة وعشرين (27) طفلاً ذكراً بالتحديد [لاحظ النزعة الكهنوتية للاعتداء على الأطفال الذكور بالتحديد، وقد تطرقنا لهذه النزعة سابقاً ضمن هذه السلسلة وسنعود لها لاحقاً]. ومنها الأب بريان لوكاس (Father Brian Lucas)، وهو يحمل منصب السكرتير العام لمؤتمر المطارنة الكاثوليك (Australian Catholic Bishops Conference). وتتعدد الهيئات والأبرشيات المسيحية في أستراليا المتهمة بهذا الشذوذ الجنسي ضد الأطفال. فمنها، على سبيل المثال وليس الحصر، أبرشية واغا واغا (Diocese of Wagga Wagga)، وأبرشية ولونغونغ (Diocese of Wollongong)، وأبرشية باراماتا (Diocese of Parramatta).

أما أبرشية باثرست (Diocese of Bathurst)، فهي تحتل مركزاً خاصاً في تلك الاعتداءات الجنسية. فقد تم وصفها في سنة 2008 بـ (جنة البيدوفيليا) (pedophile paradise) [انظر الهامش رقم 6]. فقد تم (إثبات بما لا يدع مجالٌ للشك) بأن الكهنة هناك كانوا (يعطون الأطفال مجلات جنسية مصورة) مما دفع بعض الأطفال إلى الاختباء منهم ليلاً عندما يظهر هؤلاء الكهنة بحثاً عن ضحية. وأيضاً، فقد اشتهر بعض الكهنة الكاثوليك داخل هذه الأبرشية بأنهم (يمسكون الأطفال من أعضائهم الخاصة عند إجابتهم إجابة خاطئة على أسئلتهم) [انظر المصدر السابق]. وأخذت الاعتداءات الجنسية داخل هذه الأبرشية (شكلاً فجاً ومباشراً إلى حدود الدهشة). فعلى سبيل المثال، الأب ويليام إروين (William Stanley Irwin)، الذي تمت إدانته قضائياً في مارس 2011 للاعتداء الجنسي على أطفال ذكور، كانت مقدمات الاعتداء على أحد ضحاياه أن أبوي هذا الطفل طلبا منه أن يعطيه نصائح بخصوص بعض السلوكيات، ثم تركاه وحيداً معه، فما كان من هذا الكاهن إلا بدأ في تقبيل هذا الطفل، ونزع ملابسه، ومن ثم الاعتداء عليه جنسياً. ثم تأخذ هذه القصة شكلها الأكثر مأساوية أن الأب ويليام إروين هذا ترقى بعد هذه الحادثة ليكون ناظراً لعنبر سكن الأطفال (!!!) وقسيس ومدرس في كلية القديس ألويسيس (St Aloysius College).

وإن كان هناك الكثير مما يجب الإشارة إليه في الحالة الأسترالية، وربما أفعل ذلك في القادم ضمن هذه السلسلة، إلا أن النقطة الأساسية التي يجب الانتباه لها هي أنه (لا يوجد مجتمع محصن ضد هذه السلوكيات الشاذة من جانب الكهنة المسيحيين). وأن الهدم النفسي المصاحب للطفل سوف يحمله إلى نهاية حياته، التي (من الممكن جداً أن ينهيها بيده، أي بالانتحار) كما رأينا في الاحصاءات الأسترالية. وانعدام الرقابة العربية على المؤسسات الكنسية وسلامة الطفولة فيها هو (وضع كارثي جداً ومأساوي). وحتى أكون واضحاً جداً: (أنا ضد تولي رقابة تلك المؤسسات من جانب أفراد خارج المنظومة العقائدية لهم). إذ ذلك يُهمش الغرض من الرقابة ويطعن في مصداقيتها. ولكن (الرقابة المؤسسية على الكنائس والهيئات المسيحيية يجب أن يتولاها مسيحييون عرب، مشهود لهم بالنزاهة والتجرد من النزعة الدينية التي تجامل الكنيسة). فقد آن الأوان لوضع تلك المشكلة على طاولة البحث والعلاج.


...يتبع



هــــــــــــــــــــوامــــــــــــش:


1- تقرير عن حوادث الانتحار [ما بعد سنة 2000] بين ضحايا الاعتداءات الجنسية والمُتهم بها الكهنة المسيحيون:

Nick McKenzie, Richard Baker and Jane Lee. Church s suicide victims. Canberra Times 13 April 2012


2- عدم تعاون الكنيسة في أستراليا مع الشرطة في التحقيق في حوادث التحرش الجنسي بالأطفال وما نتج عنها من ضحايا:
Jane Lee. "Police Slam Catholic Church. Investigations impeded, accused abusers moved on, inquiry told.", The Age, 11 October 11, 2012


3- اتهامات الكهنة المسيحيين الأستراليين بالتحرش والاعتداء الجنسي ضد الأطفال وتراجع الكنيسة عن موقفها الأول في عدم التعاون:

Newcastle Catholic Bishop supports abuse inquiry ABC News 26 July 2012
http://www.abc.net.au/news/2012-07-26/newcastle-catholic-bishop-supports-abuse-inquiry/4157078


4- Broken Rites Australia

http://brokenrites.org.au/drupal/node/235


5- بؤرة الاعتداء الجنسي في إستراليا (epicentre of Catholic clerical sexual abuse in Australia):
Crittenden, Stephen; Smith, Suzanne (18 May 2010). "Archbishop s handling of abuse claims challenged"
وانظر أيضاً:
http://www.abc.net.au/news/2010-05-17/archbishops-handling-of-abuse-claims-challenged/830124


6- وصف (جنة البيدوفيليا) لأبرشية مسيحية:

Murphy, Damien (6 September 2008). "Old boy calls school a pedophile paradise". The Sydney Morning Herald
وانظر أيضاً:
http://www.smh.com.au/news/national/old-boy-calls-school-a-pedophile-paradise/2008/09/05/1220121526764.html

#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات