|
فيلم -غير- جنسي
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 07:54
المحور:
الادب والفن
لعل هذه أول مرة سأتحدث فيها عن فيلم..لست بناقدةٍ فنية و لا أدعي للحظة أني كذلك..بل بالعكس ربما مشاهداتي السينمائية تعتبر غريبةً بعض الشيء..فأنا أميل في الأغلب لمشاهدة الأفلام الكلاسيكية أو الأجنبية الناطقة بلغةٍ غير الإنجليزية..و هذا الفيلم الذي يدخل في الجزء الثاني من هذا التصنيف حركني جداً من الداخل لدرجة الرغبة في الكتابة عنه بالرغم من أني إنسانةٌ ملولةٌ جداً و من المستحيل أن أشاهد فيلماً تبلغ مدته ثلاث ساعات.
نعم الفيلم تبلغ مدته الثلاث ساعات لحسن الحظ..و لكني -بالرغم من ذلك- لم أشعر بمرور الوقت و أنا أشاهده..فطبيعة الأداء تمكنت من اعتقالي أمام الشاشة لأني كنت ببساطة أمام أجمل أنواع المباريات..مباراة في عفوية الأداء و الذي أصبح من النادر مقابلته في أغلب الأفلام مؤخراً..و رغم تحفظي على بعض مشاهده -و التي أعتقد أننا لو تجاهلناها كعربٍ نفكر بالجنس ليل نهار- سنجد أن الفيلم هو فيلمٌ نادر من حيث المضمون الفكرة و حتى الحوارات و التي تحوي بُعداً فلسفياً جميلاً مما تطلب مني إعادة بعض المشاهد للاستمتاع بها مرة أخرى.
فبالنسبة للأداء كانت أديل تتنقل بي و بشكلٍ مدهش و سلس بين تعابير الفتاة الساذجة و التي على قدرٍ كبير من الطفولة و البراءة خاصة في تعاملها مع الأطفال الذين من حولها إلى تعابير الفتاة الشبقة التي لا تكتفي أبداً في علاقتها الجنسية بشريكتها إلى تعابير الفتاة الوحيدة الحزينة جداً الطفولية جداً و التي تعبر عن وحدتها بدموعٍ تسيل من عينيها بعد كل لحظةٍ حميمة تجمعها مع إيما أو في أي وقتٍ تشعر فيه بالحصار كما يفعل الأطفال تماماً.
الفيلم يناقش موضوع الحب المثلي و العداء له و الخوف من التصريح به و من ثم الاندماج في عالمه مع الشعور الدائم لدى الشخص الذي يمتلكه لحالةٍ شبه دائمة من فقدان الاتزان..و لكن رغم ذلك الموضوع الشائك نسبياً إلا أنه في ذات الوقت سيجعلك تشعر أنك أمام قصة حب لا تهتم كثيراً لنوعها..فالفيلم -الذي هو عبارة عن تجسيدٍ سينمائي لروايةٍ سابقة- يقودنا في دهاليز حياة فتاة تبدأ مرحلة اكتشاف هويتها الجنسية بالتدريج و على مرحلتين يفصل بينهما اللون الأزرق بطريقةٍ رمزيةٍ ذكية.و لو كنت مشاهداً محترفاً لتلك النوعية الفلسفية من الأفلام ستجد نفسك تقف حائراً أمام سؤالٍ جميل -بما يحتويه من حيرةٍ لذيذة سيثيرها في روحك- و هو "ماذا لو؟؟".
فماذا لو كنت كأديل لا أشعر بالميل الجنسي تجاه الرجال و لكني في ذات الوقت أقاتل لكي أشعر به فهل سيدفعني هذا الأمر لإقامة علاقة جنسيةٍ مع أحدهم فقط لأشعر أني كالآخرين!!..و هل سأقيم تلك العلاقة -حتى لو كانت شرعية- فقط لأمنح الآخرين ذلك الانطباع بأني كائنٌ طبيعي؟؟..و هل سأستمر في هذه الكذبة أم سأتوقف عنها؟؟.
و ماذا لو كنت كإيما الفتاة التي تمكنت من التصالح مع هويتها الجنسية و لكنها تحمل قدراً لا بأس به من الأنانية تجاه شريكتها..هل سيجعلني هذا الأمر -أي تصالحي مع ذاتي- أعمد إلى الصدام الدائم مع محيطي بإعلان هويتي بإصرارٍ مستفز في بعض الأحيان متجاهلةً رغبة طرف العلاقة الآخر في الكتمان أم أني سأتفهم تلك الرغبة لديه وسأتنازل عن أنانيتي من أجله؟؟..و هل سأعتبر هذا الأمر نوعاً من النفاق أم سأراه كحكمةٍ عُليا لن أستطيع رؤيتها مع وجود ذلك الكم الهائل من عدم النضج الطفولي في شخصيتي؟؟.
ماذا لو كنت أحد والديَّ أديل؟؟..هل سأتقبل مثلية ابنتي الوحيدة أم سأفضل أن أمنحها المساحة الكافية لكي تمارس نسج الأكاذيب حول نفسها كما حولي فقط لكي لا أرى الحقيقة التي لا تروقني و لن تفعل؟؟..و ماذا سأفعل عندما أقابل شريكتها هل سأظل على إنكاري لواقع مثلية طفلتي رغم كل إشارات الاستغاثة التي ترسلها إليَّ أم أني سأفضل تجاهل تلك الإشارات حتى تموت حباً أو غرقاً؟؟.
و ماذا لو كنت إحدى رفيقات أديل؟؟..هل كنت سأبدي ذات ردة فعلهن تجاه صديقةٍ مقربة بسبب ميولها الجنسية؟؟..فأغلب صديقات أديل تعاملن معها بكثيرٍ من العدائية عند أول بادرة شك تجاه ميولها الجنسية..ذلك العداء الذي تحول من المطالبة لها بالاعتراف بتلك الهوية إلى الهجوم الشرس تجاه رغباتها "المزعومة" تجاههن!!..تلك الرغبات التي لم تشعر بها أديل للحظة و لم تعبر عنها أبداً و لكن الآخر افترض وجودها لأن الفكرة السائدة عن المثلي هي أنه كائنٌ منفلت أخلاقياً كما جنسياً..و لعل ذلك هو السبب الذي جعل أديل تتقلب و في مشاهد عديدة بين فخرها بكونها مثلية و بين خوفها من نظرة الآخرين لها..تقلبٌ كان يتم في لحظاتٍ لا يفصل بينها في بعض المشاهد إلا 10 ثوان!!..فكانت هناك لحظات تتسم بقمة الشبق بالآخر لتليها بثوانٍ معدودة لحظات تتسم بعنف الإنكار!!.
ماذا لو كنت سمير؟؟..هل كنت سأتمكن من الإحساس بالآخر رغم أنه كفكرة لا كإنسان يصطدم و بعنف مع ما أؤمن به في محيطي العِرقي أو الاجتماعي!!..أم أني كنت سأتعامل معه على أنه إنسان يُحترم صدقه مع ذاته و حينها سأعمل على أن أحاول أن أتقبل اختلافه عني حتى لو كان لا يروقني لأصل معه إلى منطقةٍ وسطى بين الحب و الحرب؟؟.
من الأمور الجميلة في الفيلم هو أن أكثر الشخصيات التي منحت أديل التقبل و لو نسبياً كانت الشخصيات التي تنتمي لفئة الأقليات..الأولى كانت لصديقها المثلي في الثانوية و الثانية كانت لشابٍ عربي غير مثلي يعمل في التمثيل كهاوي و هو أيضاً من أصدقاء إيما المثلية..فهذه أول مرة حسب علمي تُقدم فيها شخصية العربي سينمائياً كشخصيةٍ إيجابية متفهمة و متسامحةٍ تجاه الآخر..و رغم اختلافه الشديد مع أديل ذلك الاختلاف الذي يتناقض ربما دينياً معه إلا أنه يسعى جاهداً لمنح أديل الكثير من التعاطف و المواساة في آخر مشاهد الفيلم بسبب ما آلت إليه أمور حياتها.
الفيلم اسمه La Vie d Adèle – Chapitres 1 & 2 أي حياة أديل - الفصلين 1 و 2 و في النسخة الإنجليزية تم الترويج له تحت عنوان Blue Is the Warmest Color و هو عنوانٌ ذكي لأنه يُفهم بأكثر من طريقةٍ فكرية إنسانية و جنسيةٍ أيضاً..و إذا اتفقنا مع المعيار القائل أن جمال الأفلام لا يُقاس بالجوائز سأتفق هنا مع الأغلبية على ذلك و لكن لو كانت تلك الجوائز هي من نوعية جوائز الأوسكار أو الغرامي و اللتان يخضع الفائز بأحدهما أو كلاهما كل عام للعبة "حفظ التوازن" الشهيرة في هوليوود..و لكن بالنسبة لجائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان -كما جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين- فالفائز على الأغلب يستحقها لأنه يخضع لتصويت لجنة حكام من مختلف ثقافات العالم دون النظر للمعايير التجارية لهذا الفيلم أو ذك.
الفيلم من وجهة نظري كمشاهدة يستحق المشاهدة أكثر من مرة و أعتقد أن من سيشاهده بعد تجريده من مضمونه الجنسي سيستمتع به جداً..و لكن لو كان المشاهد سيشاهده بتحيزاتٍ مُسبقة أو إرضاءً لغريزةٍ جنسية ستشتعل لديه خلال مشاهد الفيلم الجنسية المتفرقة فهنا لا أنصح بمشاهدته أبداً..لأن المشاهد حينها ستشتعل به ناراً غير نار الأفكار و لن تطفئها لديه مقدرته على الإجابة على التساؤلات العديدة التي سيثيرها الفيلم في روحه..بل سيراه بكل بساطة فيلماً جنسي يعود إليه من وقتٍ إلى آخر و لا شيء آخر دون ذلك.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لنفرض
-
عاهرة
-
إعلانٌ جنسي
-
ليلة زفاف الغشاء
-
الله يُصيبه الصمم
-
الجنسية: أسود!!
-
صحفي برتبة قواد
-
تحرش حكومي
-
عملية ترقيع
-
مُهدد من -نصف- إنسان!!
-
نحن و اليهود
-
هوية جنسية
-
لا أفتدي الرسول بهما
-
توحد
-
ما زال
-
القاعدة و الزير سالم
-
للكرامة جدران!!
-
شَبَقَ -قصة-
-
فيلم ظل الضمير -التحرش الجنسي في اليمن-
-
فراس و الكلاب
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|