برهان المفتي
الحوار المتمدن-العدد: 4444 - 2014 / 5 / 5 - 19:28
المحور:
الادب والفن
قررتُ أن أضع تحت مرآتي في غرفتي وعاءاً حديدياً لتسقط فيه وجوهي التي تظهر على المرآة وتختفي حين أغادرها. في كل مرة، حين أدير ظهري للمرآة أسمع شيئاً يسقط في الوعاء. إمتلأ الوعاء بسرعة، ورائحة مزعجة ملأت غرفتي، تزداد حدة قرب الوعاء، كما إني رأيت سائلاً يبدو من كثافته أنه لزج يخرج من الوعاء الممتلىء بالوجوه.
عليّ أن أتخلص من هذا، الرائحة منفرة. لبستُ قفازات وكمامة لكي أرفع الوعاء وفيه وجوهي المتعفنة بسبب تراكمها على بعضها. كان السائل اللزج يخرج من أفواه تلك الوجوه التي كانت (أنا) ثم سقطت في الوعاء بعد أن غادرتُها أو هي غادرتْ المرآة. وجوه أعرفها وأعرف أزمانها وحتى الكلمات التي قلتها مع كل وجه، وربما يتحول الكلام سائلاً لزجا كريه الرائحة حين تغادره الوجوه كما أرى أمامي الآن.
حاولتُ رفع الوجوه الملتصقة وقد بدّلتُ عدداً من الكمامات وأفرغتُ زجاجة عطر فاخر لكي أبعد عني تلك الرائحة الكريهة وفشلتْ محاولاتي كلها. لم أجد طريقة للتخلص من تلك الوجوه إلا برفع الوعاء الحديدي مع ما يحتويه، ثم أسرعتُ بوضع الوعاء في صندوق سيارتي. ولم أستطع غلق الصندوق بسبب كمية الوجوه في الوعاء.
صعدتُ في السيارة مسرعاً إلى المزبلة لأتخلص من هذه الحمولة القذرة، والصندوق مفتوح والوجوه المتراكمة تنظر إلى الشارع، والسائل اللزج ينزل من صندوق سيارتي على الطريق، أرى ذلك من مرآة سيارتي، كما أرى سيارات خلفي.
حين وصلتُ المزبلة، نظرتُ في مرآة السيارة فشاهدتُ وجهي الذي أعرفه. نزلتُ مسرعاً نحو صندوق السيارة، ذهلتُ وأنا أرى قافلة سيارات وراء سيارتي وقد خرجتْ في موكب تشييع وجوه يعرفونها وشاهدوها ميتة تنظر أليهم ، ورأيتُ كلاباً تلعق الشارع الملوث بالسائل اللزج.
أسرعتُ إلى سيارتي وأغلقت الباب والنافذة ، رأيتُ وجهي الآخير يتدلى من المرآة الأمامية للسيارة والسائل اللزج الكريه على مقعد السائق، وهناك كلب ينظر إليّ من نافذة السيارة كأنه يناديني أو يريد وجهي !
منَ أنا ومَن يريد هذا الكلب ، تكرر هذا السؤال مع نفسي حتى إزدحمت مرآة السيارة بوجوهي ...ولا يزال الكلب ينتظر!
#برهان_المفتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟