|
البروليتارية الأممية و المسألة القومية(2)
شوكت جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4444 - 2014 / 5 / 5 - 17:36
المحور:
ملف الأول من أيار 2014 - تأثيرات الربيع العربي على الحركة العمالية وتطورها عربيا وعالميا
إستكمالاً للحديث السابق عن المسألة القومية من ناحية،و النزعة العالمية من ناحية أخرى، في ميزاني الماركسية و الرأسمالية،حيث تتجلى النزعة العالمية الماركسية في النزعة البروليتارية العالمية أو الأممية و في مفهوم البروليتاري العالمي،فيما تتجلى في الطرف الأخر في النزعة الرأسمالية العالمية،و في مفهوم الإنسان العالمي،و تظهر في المصطلح"cosmopolitisme"،و هو مصطلح يوناني الأصل مركب من لفظين يعنيان حرفياً:المواطن العالمي.
و هذه السطور عن مفهوم القومية و جوهر الصراع الحقيقي التي تحاول الرأسمالية التضليل عنه ،بالحديث عن صراع القوميات أو الحضارات،كمعطي أصيل و مبدئي ،و أنه العلة الأساسية في الحروب..
أما من ناحية المسألة القومية،فيتفق الفريقان ،الماركسي و الرأسمالي،في النظر إلى القومية كحقيقة موضوعية تاريخية،و هي التي تجمع بين شعبٍ ما،لغةً ،و أرضاً،و حياةً مادية أو اقتصادية،و حياة روحية أو معنوية. و إن اختلفا الاثنان في تناولهما لهذه العناصر،فترى الماركسية مثلاً،أن الحياة الروحية ليست سوى انعكاس لواقع المجتمع المادي،فإن الخلاف الحقيقي،في مقامنا هذا،يكمن في تفسير كل منهما لأسباب لنزاع و الاحتراب بين القوميات المتباينة؛إذْ تعزوه الرأسمالية إلى وجود الأمم أو القوميات بالأصل،كصفة لصيقة بها،بنفس النهج المثالي،الذي يفسر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ،كطبيعة إنسانية أصيلة،فيما تعزوه الماركسية بمنهجها المادي الجدلي، وماديتها التاريخية،إلى الواقع الموضوعي،و تكشف أنه ثمره لصراع الطبقات و كصورة من صور الاستغلال.
و هكذا تستغل الرأسمالية مفهوم القومية لخدمة مصالحها،أو بالأحرى في خدمة رأس المال،فتصدر للعمال حديث المصالح الواحدة للأمة،و تقنع العمال بأن مصالحهم في مصالح الأمة،للتعمية عن حقيقة الصراع الطبقي،و للتعمية عن استغلالها و اضطهادها الطبقي،فالرأسمالية هنا،تتجاوز استغلال بروليتاري قوميتها إلى تعبئتهم لاستعباد بروليتاريا القوميات الأخرى،و التي تظهر في الحركات الاستعمارية،أو غزوات السلب و النهب،و لعل أناتول فرانس قد مس عصب الحقيقة في قوله:(يعتقد الجندي أنه يموت من أجل الوطن،بينما هو يموت من أجل الصناعيين). و من ناحية الماركسية فإنها و إن نظرت للقومية في وضعها الآني،كحقيقة تاريخية موضوعية،إلا أنها بماديتها التاريخية،و التحليل المادي للمجتمع دللت على أن الحروب العالمية و الاحتراب بين القوميات،(ليس في وجود الأمم،بل في وجود الطبقة)كما يقول لينين،و أن انقسام الناس إلى طبقات هو الباعث على الصراع،أكثر من انقسامهم إلى أمم و قوميات،فإذا انتفى الاستغلال و زالت الطبقات،انتفى الصراع و الحروب بين الأمم..فليس الصراع إذن مكتوباً على القوميات كالخطية الأصلية للبشر كما ترى الرأسمالية.لذا تدعم الماركسية حركات التحرر "القومي"،و لكن ليس من قبيل القومية من أجل القومية،إنما تتجاوزها إلى ما هو أعمق ألا وهو النضال الطبقي الراسب أسفلها،و بادٍ هنا أن حقيقة القومية ليست مضادة للمادية الجدلية،كما يزعم اشتراكيو اليمين ،و الذين يروجون لمثل هذا الطرح،و الذي يفضي في النهاية،إلى ضرب حركات التحرر القومي لحساب الرأسمالية،و كما هو واضح أن هدف البروليتاري ليس ذا طابع قومي في الأساس،فمضمونه مضمون طبقي،و لكنه يرتدي نضال الطابع القومي لأن الرأسمالية قد نمت في الإطار القومي،و أنه طالما كانت القومية حقيقة موضوعية،فأي نضال لا يتم على المستوى القومي،بات ضجيجاً و لا طحيناً،و حينها ليس على الرأسمالية سوى أن تبتاع سدادة أذن،ففيها كل الكفاية،و ليس ثمة ما تخشاه من البروليتاريا في وطنها.
أما من ناحية موقف كليهما من النزعة العالمية،فنلمس تناقضاً كأشد ما يكون التناقض في موقف الراسمالية،و الذي لا يمكن فهمه سوى على أنه المعبر عن خضوعها التام لمصالحها الطبقية المستغلة،و كأن هذه المصالح هو الإله الذي يجب طاعته مهما تناقضت أوامره،فهي، كما قدمنا،تشجع القومية،و تذكيها لتحقيق مصالحها،كتمجيد القومية الأمريكية مثلاً،أو مشروع القومية الأوربية،تعود لتدعو إلى النزعة العالمية،إذا كانت تحقق أهدافها الطبقية،و تروج أن حكم الاحتكارات العالمي سيحقق للعمال أحلامهم الأممية!،و تستعير وجه النزعة البروليتارية العالمية لمحاربتها،و كما يقول ماركس:(أن تسمية الاستغلال في صورته العالمية باسم الإخوة الشاملة فكرة لا يمكن أن تولد إلا في قلب البرجوازية)،و التناقض الرأسمالي في هذا الشأن يبدأ كما ذكرنا،بالمقدمة الغير صائبة:إذا كانت الحروب الحديثة هي نتاج وجود القوميات و الأمم،فأنه يلزم صهر هذه القوميات في بوتقة واحدة،و أن مفهوم القومية رجعي و بالٍ،و يروجون للعمال أن القومية عائق في وجه السلم،بغرض ضرب الحركات القومية للبروليتاريا!..وهكذا تكون النزعة العالمية تزويراً للنزعة العالمية البروليتارية.
يتبقي السؤال الأخير و الشائك:هل تسعى حقاً البروليتارية العالمية أو قل"الماركسية"إلى محو القوميات و تجاوز الأمم؟ يتبع....
#شوكت_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البروليتارية الأممية و المسألة القومية(1)
-
إغتصاب الأوطان في فقه الدهقان
-
ساحرات ماكبث و وعود الطمأنة في مصر
-
الأتيميا اليونانية و الانحياز الواجب
-
حياة الرومان:نظام التعليم(3)
-
التهنئة و التفاهة و الإنسان
-
حتى لا يبات النقد الديني ديناً
-
يهوذا الذي لا نعرفه
-
يهوذا..من يكون؟
-
حياة الرومان:الجنائز و مراسيم الدفن(2)
-
مهزلة النقد اللغوي للنص الديني
-
حياة الرومان:الزواج و الإنجاب(1)
-
رسالة نادرة من جبران إلى الدين السياسي
-
هل يحرم الحوار أبحاث اللغة؟!
-
مريم و أرض تبغض الزهور
-
النقد الديني و البيدوفيليا الفكرية
-
الغواص الضرير(1)
-
حقيقة ما يجري في أفريقيا الوسطى(1)
-
الصوت الصارخ في أريحا
-
الإعلام المصري:تبني التفاهة و الانفصام عن شعب(2)
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
موقع الطبقة العاملة المصرية من الثورة وحقوقها الاقتصادية وال
...
/ حمدي حسين
-
الحركة العمالية المصرية فى مفترق طرق
/ عدلى محمد
المزيد.....
|