فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 4444 - 2014 / 5 / 5 - 15:16
المحور:
مقابلات و حوارات
" الانفلات اللسانيّ و التلاعب اللغويّ " حوار مع المفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في "بؤرة ضوء"- الحلقة الثالثة عشر من " العقلنة والإنعتاق الإنساني "
من رواق الأدب والثقافة
27. : ماتكتبه من شعر ، هل تراه يلامس أخيلة أغلب الأجيال ؟
28. ما الهاجس الذي يعتريك كلّ مرّة و أنت تمارس الكتابة ؟
الجواب:
هذين السؤالين الذين عمدنا, اجتهادا , دمجهما في سياق واحد , قد يبدوان للوهلة الأولي فرعيين أو هامشيين , و لذلك فهما و للسبب ذاته , يمكن إكسابهما من الفاعليّة و النجاعة بالكيفيّة التي أثرنا بها سابقا مسألة تحريك ما يبدو هامشيّا في سياق أصناف الدلالة , التحريك الذي يمنح الهامشيّ من الاقتدار ما به يزيح المركزيّ و يخرّب هيمنته .
و إذ يتحرّك الاستفهام هنا بوجهيه , و جه التلقي ( يلامس أغلب الأجيال ...) و وجه معاودة الكتابة ( الهاجس الذي يعتريك كلّ مرّة ...) , فهو يتطابق بما يشبه الاتفاق مع ما تمّت الإشارة إليه من قلب لاتجاه العلاقة بين الكتابة / النص و القراءة / التلقي , لفائدة الانطلاق من الثانية عوضا عن الأولى , أي التوجّه من القارئ نحو النص و ليس العكس.
أمّا عن القراءة و القرّاء بصفة عامة , فإنّ شبكات نشر و توزيع المطبوعات الفكريّة و الأدبيّة في بلادنا يطلّ مشكلة شديدة التعقيد إلى ذلك الحدّ الذي تتماهى فيه مع الفوضى , و تفتقر للشفافيّة . ليكون بذلك الوسط المثالي الذي تنتعش فيه و تترعرع عصابات الإثراء الطّفيليّ و من بيروقراطيّة وزارة الثقافة و مرّوجيّ الورق . و هو الأمر الذي يجعل من المستحيل على صاحب الكتاب الأصليّ , الكاتب و المبدع أن يتقصى أثر منتجه , أو يعرف مصيره و مدى وقعه و تأثيره في المشهد الثقافي العام . و مع ذلك فإنّه أصبح بالإمكان , منذ اعتماد التداول الرقميّ للنصوص , رسم الملامح العامة لمدى تلقي النصوص و تكوين فكرة أوّليّة عن الحجم الكميّ للقراء و حول تصنيفهم النوعيّ .
و إن كان التركيز في سياق هذه المحاورة سينصبّ على تلقي النص الشعريّ بالخصوص , فإنّ التطرّق بالإشارة إلى ما عداه من النصوص لا يفتقد بدوره إلى بعض الأهميّة , و هو يدخل كذلك في إطار رؤية الجهة الأخرى من الثنائيّة موضوع القلب في شأن العلاقة بين الهامشيّ و المركزيّ .
فالنصوص التي كتبت و التي هي الآن بصدد الإنجاز. و قد بدأت نشرها منذ ما يقارب عن 15 سنة في أشكال مختلفة بالتعاقب و التزامن و هي الصحفيّ فالكتابيّ فالرقميّ, تنقسم إلى ثلاثة أصناف و هي كالتالي:
ـ المقالات الصحفيّة المطوّلة في مناقشة القضايا الكبرى كالهويّة و الامبرياليّة و العولمة و الاقتصاد... و التي يجمع بينها خيط رابط هو مراجعة الثوابت و المسلّمات التي بنت عليها الأجيال السابقة مشاريعها المجتمعيّة , و التي لم تراكم إلى حدّ تاريخ قريب غير الإخفاقات و المآزق النظريّة و العمليّة . و هي مقالات تراوح بين التحليل النظريّ و الوقائعيّ , و الدعاية و التحريض على الإمساك بالحداثة و التقدم من أبعاده المتعددة , التقنيّة الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و الفكريّة و الجماليّة , من أجل تجاوز ما شرّعت له اليقظة العربيّة الأولى و ما تلاها من سير أعرج لسياسات بدون فكر و مجتمعات بدون مواطنين ؟؟؟
ـ أمّا الصنف الثاني من النصوص فهو البحوث و المقالات الأدبيّة النقديّة و التأويليّة , في الرواية و الشعر و السينما و الرسم... و منها ما تناول نقد خطاب النقد الأدبيّ نفسه . و قد نشرت هذه المقالات في صحيفة محليّة و في مجلاّت محكّمة مشرقيّة. و قد تطوّر هذا المسار بالتراكم في اتجاه نشر المقالات ذات الوحدة العضويّة في إطار كتاب أوّل " مرافئ أوليس...», و كتابين آخرين في طريقهما للنشر.
هذا و إن كانت المقالات ذات الصبغة السياسيّة و الدعائيّة تجد قرّاءها في واحد من أكثر الصحف التونسيّة انتشارا , فإنّ المقلات الأدبيّة فإنّها بحكم تخصصها فإنها تستهدف بالضرورة نخبة محدودة من القرّاء في أوساط الأدباء بجميع أجيالهم , و هي تلقى عموما صدى إيجابيّا بالتثمين أو النقد لصبغتها التجريديّة أو لجرأتها .
ـ أمّا الصنف الثالث من الكتابات فهو مجموع الشذرات التي تكتب بنسق متواصل على الورق العادي او على صفحات شبكة التواصل الاجتماعيّ , و هي التي تحظى بعدد يزيد أو ينقص من المتلقين , و هي تقريبا القطاع الوحيد الذي يمكن تقييمه بالإحصاء و التصنيف العمريّ و غيره . و هو يشمل طيفا عمريّا واسعا من القرّاء و إن كان بدرجة متفاوتة حسب اختلاف القضايا المطروحة و الاهتمامات .
و تتمثّل هذه الشذرات في ما يمكن أن أسمّيه بـ " ارتجالات الهباء المنثور " , و هي عبارة عن بعض الأسطر من " النثر الفنيّ " التي اخترت لها أن تكون مقتضبة مكثّفة , لتتلاءم مع طبيعة القراءة التداوليّة السريعة , كما أحرص أن أدخل عليها بعض الإيقاع و التنغيم بالسجع أو بالتقفية تنشيطا لذاكرة القارئ و تسهيلا عله بالحفظ و الاستخدام , و زيادة في المفعول و الأثر . و هي التي تستجيب أكثر من مسارات الكتابة الأخرى إلى الوجه الثاني من السؤال المطروح حول «هاجس معاودة الكتابة ".
و إذ تكاد " ارتجالات الهباء المنثور " -ـ و هذا العنوان تم اختياره من إحدى الشذرات النصيّة ـ تختصّ بالانتجاع الكتابيّ في حقول كلّ ما هو عاطفيّ و جماليّ , و بتواتر الخوض في شأن مقولة / قيمة " الحب" بالمعنى الذي يحاول أن يقاربه النصّ التالي :
" و يسألك القارئ الافتراضيّ ـ الرّهيب , الرّقيب ـ : لماذا أنت تكتب دائما عن الحبّ ؟ و لماذا لا تمشي قصصك فيه إلى النهايات السعيدة . أجبه : أنّ الحبّ هو حصانك المسرج بالجموح , لفكّ أسر الحدائق المسيّجة بأشواك المحظور .... لكي تستعيد الورود هويّتها البريّة , و ينفتح للأمل أفق السهوب... ذلك أن نهاية القصص لا تنبت غير أضلاع الحصون " . 23 /03 / 2014 .
أو :
" أعرف أنّني مهزوم في حروب عينيك ...إلاّ أنه قدر أبطال الترجيديا يلزمني بسرقة النّار ".
و عليه فإنّ الهاجس الكامن فيها , و الدافع لها هو تحقيق المتعة باعتبارها المحرّك الذاتيّ النفسيّ , الأعمق و الأكثر إصرارا على البقاء و الاستمرار , و إلحاحا على الظهور أو الانفلات اللسانيّ , بحسب النظريّة الفرويديّة . المتعة بما هي سعي دؤوب إلى الإشباع و التحقّق و الامتلاء بأجمل ما تتوفّر عليه الحياة من أبعاد تنشدها الكينونة . و هو ما تصرّفه الكتابة الإبداعيّة بضرب من " التلاعب اللغويّ" أو اللعب باللغة , مع ضرورة الإشارة إلى ذلك التلازم بين اللعب / الرغبة و اللعب / النزوع النفسي نحو تحقيق الذات . و قد اختارت هذه الممارسة الكتابيّة أن تتوجّه في سياقات تجريبها الابداعيّ نحو إعادة صياغة المفاهيم و المقولات و القيم التي يرد لها أن تكون متعالية , كالحبّ و الحريّة و الجسد و السعادة و الوفاء و غيرها , و ذلك بتخريبها و هدمها , و قلبها و تقليبها, في سياقات من " الامتاع و المؤانسة " , من أجل استعادة انغماسها في صلصال الحياة و إروائها بنسغ الوجود . و العمليّة في حالتنا هذه شبيهة بـ , أو هي تقترب من صورة الاختلاف بين نوعين من اللعب الطفولي : نوع أوّل تقليدي نظاميّ , يقف عند الاستمتاع باللعبة التي تقدّم أو تهدى كما هي و إبقائها للذكرى , أو التخلّي عنها عند استبدالها بأخرى جديدة , أما الثاني فهو ذلك اللعب المسكون بدهشة المعرفة , و الذي يتعاطى مع اللعبة بالتهشيم و التفكيك من أجل التعرّف عن آليات اشتغالها و مكوّنات هيكلها , و الكشف عن مكامن أسرارها و سحرها . ليكون بذلك اللّعب الأوّل تكرارا جامدا لشكل من الاستمتاع النمطيّ و هو يعيد إنتاج التراتب الاجتماعيّ , بينما يكون اللّعب الثاني مجالا لمتعة , هي الشروع في الخلق بالهدم و البناء , باكتساب المعرفة و القدرة على الابتكار و الإعداد للانتقال من مرحلة الاستهلاك السلبيّ للعبة إلى مرحلة صنع " لعبتك الخاصّة " .
و في خلاصة القول , نحن نعتبر أنّ هذه اللّعبة اللّغويّة ـ الطفوليّة , هي بمثابة مضمار حيويّ للتجديد و التجدّد , به نسعى إلى تجاوز المأزق المعرفيّ الذي يتخبّط فيه " العقل العربيّ " من خلال اكتفائه بتقديس المأثور , أو بالتقليد و النقل عن الآخر الثقافيّ المتفوّق , و قبوله بالانسحاب الطوعيّ من حلبة المنافسة الكونيّة حول إنتاج المعارف , و تفويته الفرص على نفسه في الفعل التاريخي الإنسانيّ ؟؟؟
انتظرونا والمفكر التونسي ، اليساري الأديب نور الدين الخبثاني عند رواق الأدب والثقافة وسؤالنا " 29.هل برأيك مازال هناك أعلام نقدية رصينة معروفة بمنجزها النقدي وتاريخ أدبها الرصين في تاريخ الحركة الثقافية العربية ؟
"- الحلقة الرابعة عشر .
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟