أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (46)














المزيد.....

منزلنا الريفي (46)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4443 - 2014 / 5 / 4 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


همس الطفولة (3)

حينما قررت عائلتها الرحيل، وعدتني حسناء بأنها إذا ما أتيحت لي الفرصة يوما، بأننا سنعيد تمثيل فيلم " كوادلوبي " بمعية المهدي وأخته حنان، لقد رحلت البراكة المشؤومة إلى مستقرها، وها هي تجد لها موطئا قرب الوادي .
لقد عاشت هذه البراكة المثلثة السقف مغتربة كما عاش أهلها مغتربين، رفضت حسناء أن تغترب معها، وظلت ملتصقة بالأرض، وكانت تدمع عبرات غزيرة، يهددها الأب، تتوسل إليها الأم، لكنها أبت، كانت تسمع نداءا خفيا من الأرض، تذكرت صرختها الأولى وهي تعانق الحياة، تذكرت نسمة الأوكسجين الأولى كما تذكرت هؤلاء النساء اللواتي قمن بلفها في ثوب أبيض كما تلف الأرض موتاها، كل هذه اللحظات اجتمعت في همسة أشبه بزخة مطر .
سقطت البراكة الخشبية ذات يوم، انتهت حياة، بدأت حياة أخرى، ظل هذا الانتقال غصة في حلق حسناء، لكنها لم تبتلعه إلا مع توالي الشهور والأعوام .
كانت حسناء فتاة جميلة، كان وجهها أبيضا محبكا بشكل جيد، أما عيناها فكانتا سوداويتين واسعتين تعلوهما رموش من حرير، كان شعرها بحرا يعبق بالأمواج، هي ترتج كقلب يضج بالحياة، تنسدل المياه على طول الضفاف، بينما شعرها ينسدل متموجا في كل الجهات، كان أملسا يشبه خرير المياه .
كنت أنت المخرج، وكنت أنت الممثل، في طفولتنا نكون كل شيء، نكون كل الطاقات التي تتأهب للنبوغ والظهور، وبينما ينطلق السباق، ومع توالي المسافات تكون كل الطاقات قد نضبت، لم تجد من يعبئها، ومن يشحنها بزفرة حياة جديدة، فترى طريق الطفولة، وقد لفتها الأشواك، وأحاطتها الحواجز والجدران، هكذا نموت ونذبل كما ذبل الآباء .
كنت أنت من تحدد الأدوار، تأخذ دور الزوج ألفريدو ، بينما تعطي لحسناء دور الزوجة كوادلوبي ، تقبل ذلك بكل سرور، في حين تعطي للمهدي دور الابن، يقبل ذلك على مضض، أما أخته فتأخذ دور لويزة المربية .
قرب الحظيرة، بنينا دارا صغيرة من الأحجار، وغيرنا ملابسنا، وارتدينا أخرى أنيقة، فقررنا الزواج ذات مساء، لم يحضر أحد من المدعوين الافتراضيين والحقيقيين، كان الأهل يرونا ذلك مجرد هراء، ولا يبالي أحد مما نقوم به، ولما تسأل أحدا من الأهل حول ألعاب الأطفال، يرد عليك : الأطفال لا يعرفون شيئا، وبمجرد أن يكبروا، فإنهم سينسون هذه التفاهات، الحياة شيء آخر، إنها أصعب مما يتصور الأطفال، فليست مرحا، بل إن الحياة فوضى وشقاء، لهذا نتركهم يلعبون، حتى يحين دورهم ، في طفولتنا، لم يكن لدينا الحق في أن نلعب، ولم يشرحوا لنا سبب ذلك، كانوا يعتقلوننا بين القطعان، ولكن رغم ذلك كنا نسرق لحظات نلعب فيها، حتى لو كلفنا الأمر في أن نبيت في العراء متقلبين ذات اليمين وذات الشمال بين ركام التبن الذي يسمى محليا بالنادر .
ينسى الأهل أن حياتنا تتبلور في هذه اللحظة، وأن مستقبلنا ينسج في هذه الآونة، وأن عبر تلك التفاعلات التي بين الأطفال تتبلور أسمى القيم الإنسانية، كم كنت أتمنى أن يشاركنا الأهل فيما كنا نقوم به ذات يوم من الأيام، غير أن هذا لم يحصل، فالأهل يسكنهم الموت والعذاب والبؤس، غادروا حياتهم لما كانوا أطفالا، ذبلوا كما تذبل الزهور في الصيف، وتتحول إلى أشواك سامة، كانت تهديدات الأهل كالقيح الطافح التي تثيره تلك الأشواك فوق جلودنا .
لم يحضر أحد إلى عرسنا، حضر فقط أربعة شخوص، تقنع المهدي ولعب دور حميد الطعارجي ، بينما حنان لعبت دور الشعيبية العونية ، آوى العريسان تحت سقف الدار الحجرية، وفي الوقت الذي كنا نمضي فيه، كنت آخذ بيد حسناء، كانت تضحك ضحكة خجولة، أعجبني الأمر، فعلمت أنها تحبني، عرفت ذلك، وكانت وجنتاها تتورد من حين لآخر .
مضت ليلة جميلة سكنها المجون، اخترقتها أضواء من شموع، وصوت حنان الرخيم كان يعتلي شجرة ذات غصون، أما "طعريجة " المهدي فكانت كتغريد عصفور، كل الأحداث لفها ذلك الليل البهيم، وقذف بها في معسكرات الزمن السحيق، لمن تغني والضوء البهيج رحل إلى الأفق وحل هناك بعيدا بعيدا في البعيد ...
ذات صباح، سقطت الدار، ولم نعرف من الذي أسقطها، فبقينا في العراء، فقررت حسناء أن نسكن في منزل جدتي الحجري، وهناك قضينا شهر العسل .
عبد الله عنتار / الأحد 04 ماي ( أيار) 2014 / المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (45)
- منزلنا الريفي (44)
- هواجس ساخرة
- غدا سأولد من جديد
- الوداع
- مشاهد من المستشفى
- أريدها
- تمرد
- منزلنا الريفي (43)
- كلمات من دماء
- خوالجي الباكية
- شاعرة الافتراضي
- النافذة المغلقة
- منزلنا الريفي (42)
- منزلنا الريفي (41)
- منزلنا الريفي (40)
- منزلنا الريفي (39)
- منزلنا الريفي (38)
- منزلنا الريفي (37)
- عيد ميلادي


المزيد.....




- -الجوكر جنون مشترك- مغامرة سينمائية جريئة غارقة في الفوضى
- عالم اجتماع برتبة عسكري.. كيف تشرّع القتل بصياغة أكاديمية؟
- -لوكاندة بير الوطاويط-.. محمد رمضان يعلن عن تعاون سينمائي مع ...
- العرض الأول لفيلم -Rust- بعد 3 سنوات من مقتل مديرة تصويره ها ...
- معرض -الرياض تقرأ- بكل لغات العالم
- فنانة روسية مقيمة في الإمارات تحقق إنجازات عالمية في الأوبرا ...
- جنيف.. قطع أثرية من غزة في معرض فني
- مسرحية -عن بعد..- وسؤال التجريب في المسرح المغربي
- كاتبة هندية تشدد على أهمية جائزة -ليف تولستوي- الدولية للسلا ...
- الملك الفرنسي يستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني فما ا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (46)