أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع الدكتور علي المرهج















المزيد.....


حوار مع الدكتور علي المرهج


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 4442 - 2014 / 5 / 3 - 15:46
المحور: مقابلات و حوارات
    


د.علي عبد الهادي
"يقاس تقدم الأوطان بمقدار ما تقدمه لشعوبها من حرية"
حاوره:سعدون هليل
الدكتورعلي عبدالهادي عبدالله المرهج، أستاذ الفلسفة المساعد في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية مواليد1970 قلعة سكر محافظة ذي قارـ حاصل على البكالوريوس في الفلسفة / جامعة بغداد /ماجستير في الفلسفة المعاصرة/ دكتوراه في الفلسفة الإسلامية والفكر العربي. مقرر قسم الفلسفة في كلية الآداب ـ الجامعة المستنصرية. مقرر قسم الدراسات الفلسفية وعضو الهيئة الإستشارية في بيت الحكمة ببغداد.رئيس قسم الفلسفة في كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية حاليا. عضو الهيئة الاستشارية لمجلة دراسات فلسفية، مجلة محكمة صادرة من بيت الحكمة، عضو جمعية العراق الفلسفية. عضو الجمعية الفلسفية العربية في عمان. رئيس قسمي الدراسات الفلسفية والدراسات الشرقية ـ الغربية في مؤسسة الأبحاث والتنمية الحضارية .مدير تحرير مجلة الفلسفة،الجامعة المستنصرية، حائز على جائزة الإبداع في الفلسفة من وزارة الثقافة للعام؟؟؟. ناقش وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والبحثية في العراق وخارجه، وله من الكتب: "النص الرشدي في القراءة الفلسفية العربية المعاصرة". "والفلسفة البرجمانية ومبادئها، مع دراسة تحليلية في فلسفة مؤسسها تشارلس ساندرس بيرس". وعلي الوردي وراؤه المنهجية والفكرية. عشرات المقالات والبحوث في المجلات الثقافية والعلمية المتخصصة، وكذلك في العديد من الجرائد العراقية والدولية. في حوارنا معه يسلط الدكتور المرهج الضوء على أهم المعضلات التي تصادف دارسي الفلسفة.
* أرجو في مستهل هذا الحديث أن تعطينا صورة عن وضع الفلسفة في المجتمعات العراقية، وكيف هي في الجامعات العراقية؟
لا أخفيكم سراً إن قلت: إن وضع الفلسفة في المجتمعات العربية والاسلامية منذ الوعي بأهميتها مع الخليفة المأمون، مازالت تعاني الإقصاء والنقد بوصفها وافدة لا مكان لها في العقلية العربية (الأصيلة)، تلك العقلية التي تسلم بما جاء به النص. أما إعمال العقل فمن الممكن أن يعيق الإيمان بما جاءت به الأديان، على قاعدة من (تمنطق فقد تزندق) لأن الفلسفة تؤمن بالقدرة التأملية والبرهانية للإنسان بوصفها منهجاً للوصول للحقيقة، وإن قلت: ماذا تقول بوجود فلسفة اسلامية؟ أقول لك: إن هذه الفلسفة لم تكن مشاعة للجميع،وعانت من أشكال الاضطهاد الفكري ما لم يعان منه فكر آخر، بسبب نزعتها التشكيكية، وأضرب لك مثلا، ما عاناه ابن رشد في حرق كتبه واقصاء دوره الفكري في الحياة الثقافية العربية والاسلامية، بوصفه فيلسوفاً أراد الدفاع عن العقل، كونه لا يناقض الشرع الذي جاء ليخاطب العقل، ولكن هذا الأمر لم يرق لـ (وعاظ السلاطين) ولا لخليفتهم الذي ناغمهم للحصول على تأييد العامة الذين يحركهم الفقهاء وهم طوع أمرهم، لأن الخطاب الديني خطاب وعظي يخاطب العاطفة والوجدان، لايجهد العقل بالتفكير، خطاب سلس يختار صاحبه ألفاظاً بسيطة حتى يستقبلها الجميع، ولا تخفى عليكم طبيعة الخطاب الفلسفي ذي المفاهيم الاصطلاحية التي لا يفقهها العامة، والتي تراها تعقيدا لما يريده الانسان الاعتيادي وتدفعه للتشكيك بمعتقداته التي سلم بها بوصفها حقائق نهائية. فضلا عن ذلك نحن نعرف ما تعرضت له الفلسفة في المشرق العربي بعد تكفير الغزالي للفلاسفة (الفارابي وابن سينا) الذي كان سببا في غيابها في المشرق العربي وحضورها في مغربه. أنا جلت كثيراً في التأريخ وعذري في ذلك أن الفلسفة هي تأريخها، لأن أغلب موضوعات الفلسفة وأسئلتها لا تسقط بمرور الزمن كما هو الحال مع باقي العلوم لا سيما الطبيعية منها. أعود للاجابة عن السؤال فأقول: إن حال الفلسفة في الجامعات العراقية ـ شبيه الى حد ماـ بمثيلاتها الجامعات العربية، وهو أن مجتمع الفلسفة مجتمع محدود وقراؤها محدودون، وإن كانت في حال أفضل في المغرب العربي بين النخبة أفضل منه في العراق وباقي الدول العربية بما فيها مصر التي بدأت الفلسفة فيها بالخريف، ويبدو أن ربيعها اليوم في جامعات المغرب العربي، أما نحن في العراق، فعلى الرغم من وجود خريجين كثر من أقسام الفلسفة ووجود أساتذة كفوئين، إلا أن حال الفلسفة مازال ليس بخير،. ربما الأمر مرتبط بأساتذتها المرتبطين فقط بالدرس الفلسفي من دون محاولة نقل الفلسفة وعرضها في أماكن اخرى، أو أن الأمر مرتبط بطبيعة القبول في أقسام الفلسفة من قبل الوزارة التي تقبل أعداداً كبيرة من الطلبة في كل عام من دون الأخذ بنظر الاعتبار رغبتهم التي هي عادة ما تكون ليس في الفلسفة التي يدرك اغلب طلبتها وأَهلوهم أن خريج الفلسفة لا يجد له عملاَ بعد تخرجه، وهذا الأمر مرتبط بوزارة التربية التي الى الآن تطلب من غير خريجي الفلسفة ممن لا يعرفون ألف بائها كي يدرسوها، وربما يكون هؤلاء هم أحد أسباب عزوف الطلبة عن الفلسفة.
* في ضوء هذا الفهم الموضوعي كيف تنظر الى مستقبل الفلسفة في الوطن العربي؟
إن حاضر الفلسفة اليوم لا يختلف كثيرا عن ماضيها، وأفضل دليل على قولنا هذا هي الموجة السلفية التي تجتاح الوطن العربي وحولت ربيعه خريفا، أما مستقبلها فهو مرتبط بمدى التحول السياسي الذي تشهده الساحة العربية وقربه وبعده من الديمقراطية، فالفلسفة لا تعيش في المجتمعات المنغلقة، وكلما كانت المجتمعات تؤمن بالتعددية الفكرية والعقائدية التي تنتعش في الدول التي تتبنى الديمقراطية والانتخاب طريقة لوصول من يريد أن يحكم الى دفة القيادة، كانت الفلسفة أوفر حظا، والفلسفة أحد تعاريفها: أنها البحث عن الحقيقة، وهذا التعريف يحمل ضمناً الاعتراف بالتنوع واختلاف طرق الوصول للحقيقة، فالفلسفة هي المرادف المعرفي للديمقراطية أو أن قبول الفلسفة يتيح القبول بالديمقراطية. أعود فأجيب بطريقة مباشرة على سؤالك، فأقول: لا أجد أن للفلسفة مستقبلاً مشرقاً في العالم العربي بسبب سيادة نزعة الاستبداد في الماضي القريب على المستوى السياسي والاجتماعي، وهذه النزعة إن بدأت تغيب بعض الشيء، فهي حاضرة بقوة في الحياة الاجتماعية والسياسية اليوم، وأصحاب الحكم في دولنا العربية اليوم قبلوا الانتخاب ليس لأنهم مؤمنون بالديمقراطية كنظام حكم، بل لان ضغط الشارع يدفع باتجاه قبول هذا الشكل من الحكم، أما طبيعة المنظومة الثقافية والفكرية التي تؤمن بها الاحزاب السياسية التي وصلت الى الحكم في أغلب بلدان التغيير العربي هي أحزاب أحادية الرؤية.
* ما هي أهم اهتماماتكم الفلسفية التي تجدون أنها مهمة لبناء وعي فلسفي في المجتمع العراقي؟
بدأت قراءاتي الفلسفية مهتماً بالفلسفة المعاصرة، وكتبت في الماجستير عن الفلسفة البراجماتية ممثلة بمؤسسها تشارلس ساندرس بيرس، وقد وجدت أننا كمجتمع عراقي من الممكن الإفادة من الكثير مما جاءت به البراجماتية من آراء ومقولات فلسفية، فأهم مقولة للفلسفة البراجماتية هو تأكيدها على أن قيمة تبنينا لأية قضية هو ما نجنيه نحن من ثمار متأتية من تبنينا لها، بمعنى أدق، أن قيمة الفكرة وتبنيها تكمن في نتائجها، وهذا يعني أنها فلسفة مستقبلية تهتم بالماضي والحاضر، بقدر ما يكون خادمين للمستقبل. هذا يعني أن قيمة الإنسان ومواطنيته تقاس في ضوء خدمته للمجتمع والوطن، والوطن هو وطن الجميع طالما تكون حكومته حامية وخادمة لجميع أفراده لأن قيمة الوطن هي من قيمة مواطنيه، لذلك نجد أن فوكوياما يدافع عن أمريكا وينظر للدفاع عن آيديولجيتها وهو من أصل ياباني، وايهاب حسن أحد أهم منظري مابعد الحداثة هو من أصل مصري، وأحمد زويل الأمريكي الجنسية المصري الأصل الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، يفخر بما قدمته له امريكا ويفخر بما قدمه هو لأمريكا. في ضوء ذلك، خلصت الفلسفة البراجاماتية المجتمع الأمريكي من الأثنية والعرقية لأن مقياس تقدم الشعوب عند فلاسفتها ليس الماضي وليس الأصل، وإنما تقاس الشعوب بمقدار ما تقدمه لأوطانها من تحضر وتقدم، ويقاس تقدم الأوطان بمقدار ما تقدمه لشعوبها من حرية، في المعتقد والرأي والإعلام.... الخ. هكذا بنى الأمريكيون مجتمعهم المتكون من عدة شعوب لا يجمعها غير الولاء لأمريكا. حتى أصبحت هذه الدولة " أمة فوق تل وأنظار جميع الناس مصوبة نحوها" كما أراد لها لنكولن أن تكون.
* هل اقتصرت اهتماماتك على قراءة الفلسفة الغربية فقط، أم كان للفلسفة العربية والاسلامية نصيب من هذه القراءة؟
ثاني اهتماماتي كانت الفلسفة الإسلامية، كنت راغباَ في قراءة كيفية تشكل العقل العربي الإسلامي، متأثراَ بأطروحات محمد آركون ومحمد عابد الجابري الذي أهتم بتشكل العقل العربي القومي، بعيداَ عن تاثره بالروح العرفانية الفارسية، فيما وجدنا آركون مهتماً بإظهار النزعة الإنسانية في الفكر الإسلامي وليس العربي فحسب، غير مستبعد لا للعقل العرفاني ولا للبياني ولا العقلاني، الذي يهمه هو مقدار ماتطرحه هذه العقول مجتمعة أو متفرقة في الدفاع عن الإنسان بوصفه القيمة العليا، لكننا وجدنا أن الأثنين قد أهتما بفلسفة ابن رشد العقلانية كونها كانت أحد أسباب بناء النزعة العقلانية الأوربية، فأصبحنا فيما بعد من المهتمين بالفلسفة الرشدية وأثرها في الفكر العربي المعاصر. وجدنا في فلسفة ابن رشد ما لم نجده عند كثير من الفلاسفة العرب والمسلمين على مستوى الـتأثير بالفكر الفلسفي العربي المعاصر، ربما لايضاهيه في هذا التأثير سوى ابن خلدون. اهتم أغلب مفكري النهضة في الفكر العربي الحديث، أهمهم فرح أنطون ومحمد عبده، الأول يمثل النزعة العلمية العلمانية والثاني يمثل النزعة المثالية الدينية، وعلى مابين هذين المفكرين من اختلاف أعطانا صورة لطبيعة الصراع الفكري في تلك المرحلة، إلا أنهما اتفقا على أن الإقتداء بابن رشد، يمهد لبناء وعي نهضوي جديد، على الرغم من أن أنطون فهمه على أنه يمثل النزعة العلمية التي تقتدي بالعقل اليوناني البرهاني الأرسطي، وعبده وجده يمثل الخيار الإسلامي العقلاني الذي يوفق بين العقل والدين. وهكذا تطور الصراع بين المفكرين العرب المعاصرين، منهم من طور آراء أنطون مثل طيب تيزيني ومحمد عابد الجابري وآخرون على ما بينمها من إختلاف، ومنهم من طور آراء محمد عبده مثل محمد عمارة وحسن حنفي، أيضاً على مابينهما من اختلاف، كون المفكرين حاولا توظيف أطروحات اليسار لصالح منظومة التفكير الإسلامي، بينما نجد تيزيني يوظف المنظومة الفكرية الإسلامية لصالح اليسار، فيما نجد محمد عابد الجابري يستفيد في بداية حياته من آراء اليسار الماركسي ولكنه فيما بعد، يستفيد من آراء الفلاسفة البنيويين في قراءته للفكر الإسلامي بما يجعله منسجما مع أطروحات العقل الحداثي الأوربي. أما آركو فإنه يستفيد من مناهج الأنثروبولوجيا واللسانيات المعاصرة والتفكيكية والسيميائية في قراءة (الظاهرة القرآنية) ومن ثم الفكر الإسلامي، لكن جميع هؤلاء المفكرين يجمعهم ابن رشد الذي وجدوا فيه ممثل القلانية العربية الإسلامية التي غابت عنا اليوم وحلت محلها الأرثوذكسية الدينية ونزعات التطرف السلفية بجميع تنوعاتها.
* نحن نعرف أنك من المهتمين بالفكر العراقي، نريد منك أن تعطينا تصوراً عن تحولات الخطاب الفلسفي العراقي؟
كنا في بداية الحوار قد تحدثنا عن غياب تأثير الخطاب الفلسفي في المجتمع العراقي، ولكن هذا لا يمنع من وجود رؤى فلسفية، حاول أصحابها صناعة خطاب فلسفي عراقي يستمد تشكله من تاريخ هذا المجتمع بجميع تنوعاته، ومن رؤى الفلسفة الغربية وتنوع اتجاهاتها، لذلك كان اهتمامنا منصباً على آراء عبدالفتاح ابراهيم وعلي الوردي، كونهما كما نعتقد خاطبا المجتمع العراقي بوصفه مجتمعاً متنوعاً، فيه العربي والكردي، المسلم والمسيحي، الشيعي والسني، وكل أطياف المجتمع الأخرى، لذلك وجدناهم ميالين للعلمانية بوصفها نظاماً للحكم يقوم على قاعدة فصل الدين عن الدولة، والنظر للانسان لا على أساس قوميته أو دينه أو مذهبه، بل على أساس كونه مواطناً، فالمواطنون جميعاً متساوون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات. استمد كلاهما هذه الآراء من دراستهما في أمريكا أولاً ومن تأثرهما بالفلسفة الماركسية ثانياَ، لاسيما ما كتبه عبدالفتاح ابراهيم الذي تأثر كثيراً بالفلسفة الماركسية عامة، وبالماركسية الفابية خاصة، وقد حاول أن يجعلها مقبولة في المجتمع العراقي حينما سماها بـ (الديمقراطية الشعبية) باحثاً عن جذور لها في التراث العربي الاسلامي، ولم يبتعد عن ذلك كثيراَ علي الوردي المتأثر على المستوى الفلسفي بالفلسفة البراجماتية ومن ثم الماركسية التي بحثت عن جذور لها في التراث العربي الاسلامي لا سيما دفاعه عن شخصية أبي ذر الغفاري الذي قضى سني عمره في ذم الأغنياء والدفاع عن حقوق الفقراء. هذا كان محور اهتمامنا في بداية تشكل الدولة العراقية لأواسط القرن العشرين، بعد ذلك كان اهتمامنا منصباً على الدرس الفلسفي في العراق المعاصر، فكان تركيزنا الأساس على كتابات مدني صالح وحسام الآلوسي، اللذين يمثلان بشكل أو بآخر استمراراُ للخط الفكري الذي سار عليه عبدالفتاح ابراهيم وعلي الوردي، فالآلوسي هو أقرب لإتجاه عبدالفتاح ابراهيم ومدني صالح أقرب لإتجاه علي الوردي وجميعهم يثفقون في أن العلمانية التي تمنح الحرية للفرد في ممارسة عقائده وآرائه السياسية والفكرية هي التي تصلح كنظام لحكم بلد متنوع مثل العراق.
* هل تتوقع أن يكون للفلسفة مستقبل في العراق في قادم الأيام؟
في بداية حوارك كنت قد سألتني عن وضع الفلسفة في العراق ومن ثم عن مستقبل الفلسفة في الوطن العربي، وهنا تسألني عن مستقبل الفلسفة في العراق، والذي أجده أثر ضبابية من مستقبل الفلسفة في الوطن العربي، لأن مستقبلها مرتبط بالتحولات السياسية التي تمهد للديمقراطية ونشوء مجتمع مدني، ولا أرى على المدى القريب ما يدفع بهذا الإتجاه، لأن طبيعة الأحزاب التي في السلطة الآن وفي المعارضة هي أحزاب أحادية وشمولية، طبيعة آيديولوجيتها إقصائية، والفلسفة لا تنتعش إلا في الدول والمجتمعات التي تؤمن بالتعددية الفكرية والثقافية وهي لا تنسجم مع، بل وبالضد من أي فكر يدعي إمتلاكه للحقيقة. وهي ضد أي فكر يحاول أن يوظف الدين لصالح السياسة ويحاول أن يجعل منه نظرية في الحكم، ليس الغرض الإعتراض على الدين في أنه غير صالح للحكم، بل لأن الدين يمكن أن يكون صالحاً للجماعة التي تعتقد به وليس لزاماً على الجماعة المغايرة له ديناً أو عقيدة أن تعتقد به كنظام للحكم، بل وحتى الجماعة التي تعتقد به بوصفه ديناً وعقيدة فيها فئات مجتمعية لا تعتقد به في أن يكون نظاماً للحكم، لذلك نجد الفلسفة تدفع بإتجاه التنوع والاختلاف والمغايرة، لا بإتجاه التطابق والتشابه والاتفاق، على قاعدة دينية يستفيد منها الفلاسفة " اختلاف أمتي رحمة ". ملخص القول: أن مستقبل الفلسفة عندنا مجهول إذا لم نقل معدوماَ، إلا إذا تنبهت الأطراف السياسية إلى ضرورة بناء مجتمع مدني يتيح التنوع والاختلاف، لأن مصير بقاء الفكر الديني الذي تدافع عنه جميع أطراف المعادلة السياسية في العراق، السلطة والمعارضة مرتبط بنمو هذا المجتمع، لأن صعود أي فكر متطرف للسلطة يدفع بالضرورة الى إلغاء الآخر المختلف، أما في حال نشر الوعي الفلسفي المدني، فللجميع الحق بالتنوع الفكري، طالما كان أصحاب هذا الفكر ليس من عقيدتهم إقصاء المختلف.
* إنشغل الفكر العربي الحديث في مشكلة (النهضة) وكيفية تحقيقها، هل لإشكالية (الأصالة والمعاصرة) في الفكر العربي المعاصر علاقة بسؤال النهضة؟ لماذا تقدم الآخر وتأخرنا نحن؟
ربما برؤية بسيطة نجد: أن العلاقة وثيقة بين مفكري العرب النهضويين وبين المفكرين العرب المعاصرين، ولكن من خلال رؤية متفحصة يتبين لنا: أن مفكري عصر النهضة يخاطبون الناس بخطاب اصلاحي يقترب من اللغة الوعظية والأدبية البيانية، بينما نجد: أن الخطاب العربي المعاصر، أكثر قربأ للخطاب النقدي الفلسفي، وإن كان لا يخلو من نزوع آيديولوجي يدفع بإتجاه التركيز على جماعة بعينها هي الأمة العربية، والخطاب العاطفي والوجداني هو سلاح الآيديولوجيا، لكن المتفلسفة العرب المعاصرين حاولوا تبني الخطاب الفلسفي ومحاولة الكشف عن إيجابيات وسلبيات المجتمع العربي عبر تبني مناهج فلسفية معاصرة في قراءة التراث العربي الإسلامي ومحاولة الفصل والوصل مع هذا التراث ـ بعبارة الجابري ـ الفصل من خلال الإنفصال عن التراث ومحاولة فصل الذات عن الموضوع، وهنا يكون القارىء باحثاً في التراث ناقداً له، أما الوصل فيكون بعد استيعاب ذلك التراث ومحاولة نقده وهضمه على قاعدة (الذئب مجموعة خراف مهضومة)، وهنا لا يكون القارىء مستنسخاً لتجربة بعينها بقدر ما يكون ذاتاً متفردة تعرف ماضيها ومدركة لحاضرها وتشارك في صياغة الحدث الثقافي والعلمي الوطني والعالمي. الأمر الذي لم يهتم به مفكرو النهضة بقدر ما اهتموا إما باستنساخ تجربة ماضي (الأنا) المتقدمة أو تجربة (الآخر) المتطورة، وكأن الإنسان العربي لا يبدع، ومصير وجوده مرتبط بتقليد الآخرين.
* هنا أسألك عن حجم تأثير كل خطاب منهما، خطاب مفكري الإصلاح النهضويين في مقابل مفكرينا العرب المعاصرين اليوم؟
لا يخفى على المهتم: أن حجم تأثير مفكري خطاب الأصلاح والنهضة هو أكثر فاعلية وتأثيراً من خطاب مفكرينا العرب المعاصرين على المستويين الاجتماعي والسياسي، وذلك لأن مفكري الاصلاح لم يطرحوا أنفسهم على أنهم فلاسفة، بل مصلحين والمصلح يستخدكدم لغة يستوعبها الأنسان الاعتيادي، حتى تكون مؤثرة، لأن المصلح يبحث عن جماهير تساعده في تحقيق هدفه الاصلاحي، والجماهير غالباً ما لا تستطيع التواصل مع الخطاب الفلسفي لنخبويته وبنيته الاصطلاحية، وهذا الخطاب هو الأكثر حضوراً في كتابات مفكرينا العرب المعاصرين، أمثال محمد آركون ومحمد عابد الجابري وطيب تيزيني وصادق جلال العظم ونصر حامد أبو زيد وأمثالهم كثر على اختلاف مشاربهم.
* ماهي الآراء الفلسفية التي نحتاج لتعريف مجتمعنا بها، والتي سعى لها فلاسفة الغرب ومفكرونا أصحاب الرؤى الفلسفية في الفكر العربي المعاصر؟
أعتقد أننا بحاجة لمعرفة الفلسفة نفسها، كونها تنظر الى الأنسان أي إنسان كقيمة عليا، و اليوم في زمن الثورات العربية، نحن أحوج ما نكون لنشر هذا الوعي بقيمة الانسان التي يبدو أننا نسيناها في خضم الصراعات والتنازعات، وعلينا ألا ننسى أن الحاجة للحرية لا تعني إقصاء حريات الآخرين وألا نجعل من الثورات التي هدفها تحرير الإنسان وتحقيق المساواة وبالاً على المجتمع وتمييزاً لبعضه على بعض.
صارت الثورات اليوم وقبل، النقمة لاسيما على شعوب العالم الثالث،الذي أصبح ثواره الذين يسعون لتحقيق الحرية لشعوبهم،دعاة لإقصاء التنوع والاختلاف وسيادة سلطة الحزب الواحد،بل القائد الأوحد (الضرورة)!!
نجد: إن الفكرالأوربي قد تنبه الى امكانية حصول مثل هذه التحولات،أي سيادة الآيديلوجيات الكبرى بوصفها الحلول النهائية المستمدة من فكرة الخلاص الديني،ولم يكن تنبهاً فقط بقدر ماجاءعلى شكل أطروحات قوضت ما يسمى بفكر الحداثة الذي كان ينظّر أصحابه باتجاه التعويل على قدرة الإنسان على امتلاك اليقين المعرفي المعتمد على الايمان بالحلول الشمولية التي يضعها مذهب اواتجاه ما. لذلك جاءت نزعات مابعد الحداثة للخلاص من فكرة اليقين والتحول الى النسبي والمتغير وان الحقيقة التي يمتلكها انسان ما،هي غيرالحقيقة التي يمتلكها انسان آخر. هكذا نستطيع العيش سوية وذلك ما تهدف إليه الفلسفة المقصاة عندنا دائماً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آهم المؤلفات :
1ـ النص الرشدي في القراءة الفلسفية العربية المعاصرة، دار الهادي بيروت، ومركز دراسات فلسفة الدين، بغداد2003.
2ـ الفلسفة البراجماتية، أصولها ومبادئها، مع دراسة تحليلية في فلسفة مؤسسها تشارلس ساندرس بيرس، دارالطليعة، بيروت 2008.
3ـ علي الوردي وآراؤه المنهجية والفكرية ـ مشترك ـ دار العارف، بيروت، بالإشتراك مع مؤسسة الأبحاث والتنمية الحضارية، بغداد 2008.
ـ كتب أخرى إما محرراً وباحثاً أو باحثاً مشاركاً فيها، أهمها :
1ـ الشرق والغرب من الإستشراق الى العولمة، (محرراً وباحثاً) دار العارف، بيروت، بالإشتراك مع مؤسسة الأبحاث والتنمية الحضارية، بغداد 2008.
2ـ الإصلاح والنهضة، دراسة في إمكانات ومعوقات الإصلاح في الواقع العراقي، (محرراً وباحثاً) دار العارف، بيروت، بالإشتراك مع مؤسسة الأبحاث والتنمية الحضارية، بغداد 2008.
3ـ الفلسفة الغربية المعاصرة: اشراف/ د. علي عبود المحمداوي (باحث مشارك)، الدار العربية الأكاديمية للفلسفة، منشورات الاختلاف، بيروت ــ لبنان، 2013.
4ـ الفلسفة العربية المعاصرة: اشراف/ د. إسماعيل مهنانه



#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الاكاديمي سمير الشيخ
- حوار مع الدكتور فاضل التميمي
- التغيرات المجتمعية
- حوار مع القاص والناقد المسرحي حسب الله يحيى
- حوار مع الناقد والشاعر فاروق مصطفى
- حوار مع القاص محمدخضير
- حوار مع الدكتور أسعد الامارة
- حوار مع الاستاذ الدكتور صاحب أبو جناح
- حوار مع الدكتور الناقد والتشكيلي جواد الزيدي
- حوار مع الدكتور صالح زامل
- حوار مع الدكتور عبدالقادر جبار
- حوار مع الشاعر والناقد جمال جاسم أمين
- حوار مع الدكتور علي عبود المحمداوي
- حوار مع الدكتور حسام الآلوسي
- أطروحة الاستبداد النفطي حوار مع الدكتور سليم الوردي
- حوار مع الاستاذ الدكتور سليم الوردي
- الفلسفات الآسيوية
- حوار مع المفكر محمود شمال
- اسماعيل ابراهيم العبد ورصيد التحولات
- اليوتوبيا معيارا نقديا


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع الدكتور علي المرهج