|
ذكرياتي مع أغنيات أم كلثوم
قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4440 - 2014 / 5 / 1 - 23:17
المحور:
الادب والفن
لن أُعرّفُ بأم كلثوم فهي أشهر من أن تُعَرّف، إنها كوكب الشرق، ولكني -ورب أن مثلي الكثير ممن لهم ذكريات مع أغاني السيدة أم كلثوم-سأكتب عن تلك الذكريات، لأن أغنياتها كانت معبرة عن العلاقات الإنسانية وأسماها الحب، الذي جسدته لنا بأرق وأعذب صوره كلمات، والحانا، وأداءً.
عشت، وعاش معي جيل القرن الماضي، منذ عشريناته حتى وفاتها في 3/شباط/ 1975زمن الغناء الأصيل؛ وكانت لنا مع كل أغنية ذكريات لا تنسى. وأول ما أتذكره هو اختيار منظمي الاستعراض الرياضي في هيت في عام 1964 أغنية انت عمري التي جمعت فيما عُرف بلقاء السحاب بين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وام كلثوم، تلك الأغنية التي غنتها في ليل 6/شباط/ 1964، أي قبل الاستعراض المذكور بشهرين. ومع أن كل كلمات الأغنية ولحنها المتميز قد أثرا فيّ ولكن مازال يتردد في ذاكرتي المقطع الذي يقول:
ابتديــت دلوقــت بس أحـــب عمـري ابتديت دلوقت اخاف لا العمر يجري
ومع الصبر وحدوده لي ذكرىً جميلة لا تنسى، حيث كانت بمدينتنا معلمة فاضلة من الموصل، وكانت تحب هذه الغنية كثيرا، وذات يوم وكما جرت عليه العادة في أيام الجمع حيث تخصص إذاعة بغداد في برامجها ساعة كاملة من الساعة الواحدة حتى الثانية بعد الظهر لإذاعة أغنية من أغاني أم كلثوم، استمعت معها الى هذه الأغنية ولم أدرك معناها كوني كنت طالبا في المرحلة المتوسطة فأحببت هذه الأغنية.
وقبل هذه الأغنية ، وفي كانون الثاني العام 1964 غنّت ام كلثوم رائعة الفنان بليغ حمدي (سيرة الحب) ولي مع هذه الاغنية ذكرى جمعتني بثلاثة هم: شقيقي المرحوم عدنان، والمرحوم رافع محمد شهاب والصديق صبحي احمد سعودي، وكانوا في مرحلة السادس الادبي في العام الدراسي 1964/ 1965اقول جمعتني بهم ليلة من ليالي ذلك العام في بساتين الدوارة ،وبالتحديد في الطريق العام ،وأمام بستان المرحوم ناجي الذي كان مشهورا بزراعة الخس وكان عندنا راديو ترانستور صغير، وكنا نستمع الى هذه الأغنية وقد علقوا بفكاهة على المقطع الذي تقول فيه:
العيب فيكم يا ف حبايبكم اما الحب يا روحي عليه
وما علق بذهني وأطربني وما زال يطربني من هذه الاغنية هو:
طول عمري باقول لا انا ئد الشوق .. وليالي الشوق .... ولا قلبي ئد عذابه.
وسرتُ في مسيرة الحب، وعشت ليالي الشوق، وكان قلبي على قدر عذابه، فكتبت اول قصائدي، وأنا أستمع الى أغاني كوكب الشرق.
ومع يا ظالمني التي غنتها ام كلثوم في عام 1954 لي ذكرى خالدة في قلبي ووجداني، فكلما سمعتها أتذكر صديقي وجاري العزيز المرحوم رميض سحاب مطر، الذي كان يغني مطلع هذه الأغنية باستمرار، وقد اسمعني إياه ذات يوم حينما كنا نقرأ في بساتين الدوارة وبالتحديد قرب قنطرة ساقية الدوارة التي كان يمر عبرها ماء نواعير الدوارة الى البساتين مارا من فوق وادي الدوارة.
وكانت تلك الليلة ليلتي حين غنت أم كلثوم رائعة الشاعر جورج جرداق (هذه ليلتي وحلم حياتي) في يوم الخميس 6/ كانون الأول/ 1968، حيث سهرت معها لأكتب كلمات تلك الاغنية، وقد كتبتها كاملة وحفظتها وقرأتها على أصدقائي في مقهى شريف عبيد يوم الجمعة الذي تلا تلك الليلة ثم حملت كلماتها معي الى بغداد حيث كنت طالبا في الصف الثاني كلية التجارة.
وفي السنة التالية، وبالتحديد في يوم6/شباط/1969 غنت ام كلثوم اغنيتها (ألف ليلة وليلة) من الحان بليغ حمدي، ولي مع هذه الاغنية قصة، فقد استطعت توفير مبلغ سبعة دنانير واشتريت جهاز تسجيل صغير (أبو البكرة)، حيث كانت أجهزة تسجيل الكاسيت نادرة، فضلا عن غلاء ثمنها، وكان مع الجهاز الذي اشتريته (بكرة واحدة) مسجل عليها اغنية ألف ليلة وليلة، وبسبب عدم توفر (بكرات) تسجيل على حجم الجهاز الذي املكه، فلم يكن امامي الا الاستماع الى هذه الاغنية أكثر من مرة في اليوم الواحد.
لقد كنا نستمع الى أغنيات ام كلثوم من مصدرين: الراديو وأجهزة التسجيل في المقهى، ولم يكن المرحوم شريف عبيد يبخل علينا بتوفير أغاني ام كلثوم في ذلك الزمن الجميل. فاستمعنا الى أكثر أغاني ام كلثوم وطربنا هناك على الفرات أمام دالية الدوارة بنواعيرها السبعة، وبشدوها الذي يضاهي أعذب وارق الألحان.
لقد كنا نحن محبي ام كلثوم متفقين في حبنا لأغنياتها مختلفين في الأغنية التي يود بعضنا الاستماع اليها في الوقت الذي يريده ولا يرغب به صديق آخر، مما دفع بالمرحوم شريف عبيد وشقيقه خيري عبيد بمنعنا من الاختيار وأن يكون لهما فقط هذا الحق، وأيا يكون الاختيار فلابد من أن نستمع لأنها أم كلثوم.
أما أجمل أغاني أم كلثوم وأروعها، وأكثرها تأثيرا في قلبي ووجداني، وتعيدني الى ذلك المكان، وذلك الزمان فهي أغنية (الأطلال) التي غنتها في عام 1966تلك الأغنية الخالدة التي عدت أغنية القرن العشرين. كنت حينها طالبا في الصف الخامس العلمي، وكان من عادتنا في الليل ان نجعل (تخوت المقهى) على جرف النهر وغربي دالية الدوارة بأمتار قليلة ، ومع سكون الليل وانين النواعير استمعت الى اغنية الأطلال اكثر من مرة ، ومع اكثر من صديق ولكن ما بقي في ذكرياتي هي تلك الليلة التي استمعت فيها الى الأغنية مع صديقي الحبيب المرحوم هوبي سبتي الديري ،حيث كنا نشرح ابيات القصيدة بيتا بيتا ، وحيث انني تعلمت بعض اوزان الشعر في ذلك الوقت ،فقد قلت له ، وأكدت له بان الأغنية مأخوذة من اكثر من قصيدة، وهذه هي الحقيقة .كما ذكرنا بان شاعرها المرحوم إبراهيم ناجي كان يحلم ان تغني له ام كلثوم هذه القصيدة ،ولكنها لم تحقق حلمه حيث غنتها بعد وفاته.
إن أغنية الاطلال رائعة بكل كلماتها ولكن الأجمل والأروع فيها هو نهايتها التي تحكي قصة الحب الذي ينتهي بمشيئة القدر.
ومضـــى كــل الــى غايته لا تقل شئنا فإن الحظ شاء
ولي مع أغنية حسيبك للزمن ذكرى جميلة جدا حين استمعت اليها في تشرين ثاني 1988 في خلال تواجد وحدتي في راوندوز قرب جبل كورك للمشاركة فيما عرف بالأنفال، استمعت اليها دون قصد مني ولكن ربما هي مشيئة الله لأن نقول نحن من استمعنا اليها للحاكم الظالم (ح أسيبك للزمن)، وهكذا كان حكم الزمن، انتهت الأنفال وعدت الى البصرة ومن هناك تسرحت وعدت الى هيت وأنا استمع الى أغنية أم كلثوم (هجرتك) يا جيش ولكني لن أنسى أيامك بحلوها ومرها. ومن عشقي وحبي لأغنيات أم كلثوم فقد جمعت أغلب أغانيها وكتبت على كل (كاسيت) اسم الأغنية واسم المؤلف واسم الملحن وما زلت أحتفظ بالكثير منها. وقد ازداد اهتمامي بهذا الأمر حينما قضيت أحد عشر شهرا في خدمتي الإلزامية في أربيل للفترة من 24/7/1974 إلى11/5/1975. وزاد اهتمامي بهذا الأمر في فترة خدمة الاحتياط الثانية في السليمانية للفترة من 22/4/1980 الى 2/3/1989.
لقد أحببت جميع أغنيتها، ومن حبي لذلك فقد قلت في قصيدتي إيمان:
إيمانُ كلثومٌ تغـنـّي للهوى حبي وشعري ستغني (سيرة َالحبِّ) و(أنت الحبُّ) لكنْ ... لن تغنـّي لي (هجرتك) بل تغني (أنت عمري) ستغني (دارت الأيام) لو دارت وراح الحبُّ يجري
ففي هذا المقطع ذكرت خمس أغانٍ لأم كلثوم، لن أطيل فالذكريات كثيرة لا تسعها صفحات، فهل لي أن انسى ذكرياتي مع ( ثورة الشك) و (البردة) ،( وولد الهدى) و( سلو قلبي)، و(غلبت أصالح)،و(رباعيات الخيام)، و( الحب كده)، (وأراك عصي الدمع)،و(هوه صحيح الهوى غلاب)،و( سهران لوحدي) ،و(سهران لوحدي)، (ولسه فاكر).
هذه هي قصة حبي لأغنيات أم كلثوم التي جسدته في أغنيتها (قصة حبي)، وبها أختم هذه القصة، ولكن الذكريات ستبقى ناقوسا يقرع في عالم النسيان ،ولا بد أن أغني لكم هذا المقطع من هذه الأغنية:
كيف أنسى ذكرياتي ** وهي أحلام حياتي إنها صـورة أيامـــي ** علـى مــرآة ذاتـي
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيفية توزيع المقاعد النيابية المخصصة على المرشحين الفائزين
-
أكلة المقلوبة
-
مناضل من مدينتي -كامل سعد صالح الهيتي
-
دروس في اللغة – الحروف الشمسية والحروف القمرية
-
دروس في اللغة - حروف المعاني
-
مذكرات جندي
-
المنتخب الشيعي والمنتخب السني
-
التغذية المدرسية من الزعيم الى محمد تميم
-
المرأة بين الضرب والهجر
-
النارجيلة
-
قولي أحُبك يا حبيبي
-
المسبحة تاريخا وصناعة وشرعا
-
مَن مع مَن في مصيبة الأنبار؟
-
الشاعر والصحفي والأستاذ
-
هذا مو انصاف منك
-
عبد الغفور جاسم محمد عبيد
-
حقيقة أمينة العاصمة سعاد العمري
-
الليلة التي لم تنطق بها شهرزاد
-
الراشدي
-
بشرى
المزيد.....
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
-
فنانو وكتاب سوريا يتوافدون على وطنهم.. الناطور ورضوان معا في
...
-
” إنقاذ غازي ” عرض مسلسل عثمان الحلقة 178 كاملة ومترجمة بالع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|