أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمزة رستناوي - أرغون و القراءة التاريخية للنص القرآني















المزيد.....

أرغون و القراءة التاريخية للنص القرآني


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 1258 - 2005 / 7 / 17 - 04:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن قراءة الخطاب النبوي " القرآن " و فق المنهج التاريخي لم يقم بها حتى الأن سوى المستشرقين ، حيث طبّقوا المنهجية الفيلوجية – التاريخية على القرآن ، مثلما طبق أسلافهم ذات المنهجية على الإنجيل .
أما الباحثون المسلمون فلم يتجرؤوا حتى أمد قريب على فعل ذلك آخذين بالاعتبار ما حصل لنصر حامد أبي زيد عندما حاول ذلك .
فقد كانت الأرثوذكسية الإسلامية تضغط دائماً بالمحرمات على الدراسات القرآنية و تمنع الاقتراب منها ، و قد سهل على المستشرقين أن ينتهكوا هذه المحرمات أكثر مما يسهل علينا اليوم .
و لكن لماذا ؟
لأن العقل العلمي آنذاك كان في أوج انتصاره في أوربا إضافة إلى دعمه من قبل الهيمنة الاستعمارية التي رافقته.
و لكن هؤلاء المستشرقون أخذوا فيما بعد بالتراخي و التراجع كرد فعل لصعود الأصولية الإسلامية المتشددة ، و من مبدأ أن هذه المعركة يجب أن يخوضوها المسلمون أنفسهم و لن نقوم بخوضها عنهم بالوكالة .

بالوقوف عند القراءة التاريخية للنص القرآني يمكننا تلمس محورين :

1- إنجاز تصنيف كرونولوجي " أي زمني " للسور و الآيات " :
من أجل العثور على الوحدات الغوية الأولى للنص الشفوي حيث كشفت المدرسة الاستشراقية اي مدرسة العالم "نولدكه و جماعته" أن الترتيب التاريخي المتسلسل للقرآن عموماً يتم بعكس تاريخ النزول ، و حاولوا جاهدين أن يتوصلوا إلى التسلسل التاريخي – الحقيقي للآيات و السور، و لاحظوا أن آيات بعض السور محشورة في سور أخرى ، فحاولوا إعادتها إلى سياقها السابق .
و يمكننا تناول سورة الفاتحة و سورة العلق كمثالين .
فالسورة الأولى في المدونة الرسمية المغلقة للقرآن هي سورة الفاتحة
و هو اسم خلع عليها فيما بعد , و هي تحتل في الترتيب الكرونولوجي الرقم 46 ، و لذا يمكن القول بأنه من المفيد على الأقل تاريخياً أن نقرأ الفاتحة من خلال السياق الممتد من السورة رقم (1) إلى السورة رقم (46) و لكن بشرط أن يكون هذا الترتيب التاريخي لسور القرآن صحيحاً بشكل قاطع . ثم على الأخص ، بشرط أن لا تكون السورة غائبة عن مدونة ابن مسعود و مدونة ابن عباس .
أما بالنسبة لسورة العلق فهي تحتل رقم 96 في المصحف و هي في الواقع أول و حي نقل إلى محمد /ص/ في جبل حراء . و لكن ما الفائدة التي يمكن أن نحصل عليها من إعادة الترتيب الكرونولوجي " الزمني " للسور و الآيات .؟!
1- حسم قضية الناسخ و المنسوخ في القرآن , مما يساعد على خلخلة الأنظمة الفقهية التي قامت على مصادرة الشرط التاريخي و أسباب النزول , و سحب البساط من تحت أقدام الفقهاء و أصحاب الفتاوى المرتبطين سياسياً و اجتماعياً و نفسياً بخلفية مسبقة
2- تكوين فكرة أقرب إلى الحقيقة عن تطور الخطاب النبوي على الصعيد اللغوي و الفكري و السياسي و القيمي
3- تقديم سيرة نصية قرآنية موازية للسيرة النبوية الشخصية مما يساعد على إضاءة كلا السيرتين
4- تسليط الأضواء على الفاعلين الاجتماعيين في القرن الأول و الثاني المستفيدين من تكريس المدونة النصية الرسمية المغلقة للقرآن " المصحف" و استعادة الصورة الأقرب عن الواقع
5- كشف العلاقة و ملابسات الانتقال من النص القرآني المفتوح إلى النص القرآني المغلق .
و نعود الآن إلى المدرسة الاستشراقية الألمانية حيث اكتشفت هذه المدرسة عدة مراحل مكية متسلسلة , و عدة مراحل مدنية متسلسلة أيضاً , و قد قام بلاشير بنقل هذه النتائج إلى الفرنسية " أنظر كتاب ريجس بلاشير مقدمة للقرآن " "Regis Blachere : Introduction aucran , paris , maiso , nneuveet larese 1991"
و ما كان هذا العمل الفيلوجي "اللغوي" ممكناً لولا التقدم الذي حققته المنهجية الألمانية في القرن التاسع عشر , و من المعلوم أن هذه المنهجية قد أثبتت نجاحها و فعاليتها أولاً عندما طبقت على التراث المسيحي , و بالتالي ينبغي أن يكف الايديلوجيون العرب عن اتهام الاستشراق و القول بأنه يحاول تهديم الإسلام إذ يطبق المنهج التاريخي عليه طالما أنهم لم ينتجوا علماء بحجم نولدكه , بل إنهم لم يقوموا بنقل هذا الكم من الدراسات القرآنية إلى اللغة العربية و ترجمته , و ذلك أضعف الإيمان
إننا نعاني من مشكلة مضاعفة
الأولى : أننا لا ننتج أفكار جديدة.
الثانية : أننا نرفض و نخشى ترجمة الدراسات القرآنية المكتوبة بالغات الألمانية و الفرنسية و الإنكليزية .
فالمسلمون اليوم يعارضون حتى إمكانية ترتيب القرآن طبقاًُ للتسلسل الزمني الكرونولوجي للوحدات النصية التي يصعب بالطبع تحديد تواريخها و بالتالي ترتيبها , إن مجرد التفكير بهذه الاحتمالية مرفوض من قبل جمهور المسلمين , أما النص المكتوب "المصحف" فهو مقروء من قبل جميع المسلمين من خلال برتوكولات الإيمان الذي لا يناقش أو يجادل من خلال ما يدعوه كبار المفسرين على غرار الخوئي " بالمقدمة التمهيدية للقرآن " . و نلاحظ أن المفسرين المسلمين المعاصرين يعتمدون جميعهم في طريقة تفسيرهم و خياراتهم العقائدية على المفسريين القدامى و لن يحاول أي واحد منهم أن يفكك تاريخاً و فلسفياً نظام المسلمات أو البداهات المؤيدة منذ قرون عديدة بصفتها موقفاً دوغمائياً مقدساً و مفهوماً
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه أننا إلى أي مدى نستطيع التوصل إلى قراءة تاريخية ذات مصداقية , أي قراءة أقل اعتماداً على الظنون و الفرضيات و البحث عن الاحتمالات ؟‍!
حيث أننا أمام حالة لا رجوع عنها نتجت عن التدمير المنظم لكل الوثائق الثمينة الخاصة بالقرآن , اللهم إلا إذا عثرنا على مخطوطات جديدة توضح لنا تاريخ النص و كيفية تشكيله بشكل أفضل , و لكنها على كل حال احتمالية مستبعدة جداً الآن , و إن لم تكن مستحيلة , و قد تكون هذه الحالة نتجت عن قلة اهتمام المعاصرين , حيث أن المعاصرين لزمن القرآن "الصحابة" لم تكن المعرفة التاريخية هي شغلهم الشاغل كما هو حاصل الآن , فقد كانت المعرفة الأسطورية أو الخيالية القائمة على حب التضخيم و المبالغة هي المسيطرة على وعي الناس والشعوب التي لم تدخل في مرحلة العلم والحداثه والتكنلوجيا حتى الأن .
إن القراء ه التاريخية للنص القرآني سوف تظل ناقصة ما لم نتوصل إلى نسخة محققة تماماً وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها الاستشراق منذ نولدكه و بلاشير و حتى باحثه معاصره كجاكلين شابي فإن تحقيق القرآن لا يزال يعاني من ثغرات مهمة , و يبدو أن هذه الحالة لا مرجوع عنها أتت على كل النسخ التي كانت معاصرة للمصحف و دمرت إلا نسخة واحدة هي النسخة الأرثوذكسية التي فرضتها السلطة الرسمية و لو بقيت نسخ آخرى معاصرة لهذه النسخة كمصحف أبن مسعود و غيره لاستطعنا التوصل إلى صورة أكثر تاريخية أو أكثر حقيقة للنص و كيفية ترتيبه .
فالقرآن لم يثبت كلياً أو نهائياً في عهد عثمان على عكس ما نظن و إنما ظل الصراع حوله محتدماً حتى القرن الرابع الهجري حيث أغلق نهائياً باتفاق ضمني بين السنة و الشيعة . وذلك لأن استمرارية الصراع كانت ستضر بكلا الطرفين , حيث تم اعتباره نص نهائي لا يمكن أن نضيف إليه أي شيء , و أصبحوا يعاملونه كعمل متكامل على الرغم من تنوع سوره و اختلافها فيما بينها من حيث الموضوعات و الأساليب .
و لمزيد من هذه المعلومات يمكننا تصفح ثلاث كتب نشرت مؤخراً حول هذه النقطة " و للأسف لم يجرؤ أحد على ترجمتها "
- مقاربات لدراسة تاريخ تفسير القرآن
" نشر أندريوريبتن , مطبوعات جامعة أوكسفورد 1988 "
- مقاربات لدراسة القرآن
" نشر ج. هاوتنغ و عبد القادر أشرف , روتليدج لندن 1993 "
- القرآن بصفة نصاً
" دراسة جوزيف فان ايس ضمن كتاب جماعتي بإشراف ستيفان ويلد عام 1996 "
لم يعد ممكناً اليوم أن نتكلم عن الاستشراق و المستشرقين كما كنا نفعل حتى السبعينات من القرن العشرين , و ذلك من أجل رفضهم و إدانتهم و الأعراض عن إنتاجهم العلمي , بل يجب علينا أن نقوم بترجمة أهم الأعمال المتخصصة للدراسات الإسلامية , و التي ينتجها هؤلاء المستشرقون الأكاديميون بالذات , و ذلك لكي نتمكن من مناقشتها على أسس علمية موضوعية , لا على أسس ايديولوجيه عقائدية .
و من الأمثلة المهمة لشرح مفهوم اللامفكّر فيه في الفكر الإسلامي المعاصر كتاب الأستاذ يوسف فان إيس Yosoph vanes و هو كتاب مكرّس لدراسة فترة التكوين الأولى للفكر الإسلامي و يلقي عليها أضواء ساطعة , و قد اتخذ الأستاذ يوسف فان إيس العنوان التالي " اللاهوت و المجتمع في القرون الثلاث الأولى للهجرة "
و يكفي لتقييم الثروة العلمية لهذا الكتاب أن يتصفح المرء الفهارس و قائمة المراجع القديمة و الحديثة التي أعتمد عليها المؤلف و حللها أدق تحليل , و هو تحليل علمي اشتهرت به المدرسة الفيلوجيه الألمانية القرن التاسع عشر و السؤال الذي يفرض نفسه على كل باحث مسلم مهتم بالفكر الإسلامي أو كل مسؤول عربي أو إيراني أو تركي عن قضية اللغة و الفكر هو التالي , لماذا لم يترجم هذا الكتاب إلى اللغات الإسلامية الأساسية كالعربية و الفرنسية و التركية ؟!
فلو كانت المعلومات و المناقشات و التحليلات المتضمنة في كتاب فان إيس حول الفكر الإسلامي معروفة بالنسبة للجمهور الإسلامي و العربي لاختلاف الأمر كلياً , لو كانت منشورة و متداولة بين الطلبة و الباحثين و المثقفين لكان النشاط الإبداعي و الجو الثقافي و الاجتماعي و الأنظمة السياسية غير ما هي عليه الآن من قمع لحرية الفكر و النشر , و لما كنا نشهد الآن هيمنة العنف الاجتماعي و السياسي و انتشار الجهل المعمم و الشامل بماضي الإسلام كدين و نمط من أنماط التفكير و الاعتناء بأنسنة الإنسان
مما سبق نستطيع فهم إصرار أرغون على استخدام مصطلحات مثل " المدونة الرسمية المغلقة " بدلاً من المصحف . و تركيزه على نقد العقلية الأرثوذكسية المسجونة داخل النظام العقائدي و نعتها بمصطلح " السياج الدغمائي المغلق "
2- ربط النص القرآني بشريطه التاريخي و الاجتماعي :
االنصوص الدينية عموماً و النص القرآني خصوصاً , يتعالى على التاريخ من وجه نظر الوعي الاسلامي التقليدي , فالنصوص الدينية تتعالى على التاريخ في نظره . ولكن البحث التاريخي الحديث يثبت لنا أن القرآن مرتبط بظروف عصره و بيئته أي بشبه الجزيرة العربية – و بخاصة منطقة الحجاز – في القرن السابع الميلادي.فألفاظه ومرجعياته الجغرافية و التاريخية تدل على ذلك . يضاف إلى ذلك أن حياة النبي و تبشيره بالدعوة , و معارضة أهل مكة له ، وما حصل من أحداث و حروب ، كل ذلك نجد أصداءه واضحة في القرآن ، و هذا لا ينفي أنه كتاب موحى من قبل الله أو مستلهم منه ، و لكن الوحي يتخذ في كل مرة صيغة اللغة و القوم الذين وجّه إليهم هذا الوحي .
إن القراءة التاريخية تعني أساساً أن حدثاً ما قد حصل بالفعل و ليس مجرد تصور ذهني كما هو الحال في الأساطير ، أو القصص الخيالية أو التركيبات الإيديولوجية ، و إن سورة التوبة توفر لنا أفضل مناسبة كي نعيد تقييم مفهوم الوحي عن طريق أخذ بعده التاريخي بعين الاعتبار ، و ليس فقط كشيء متعالٍ جوهراني أزلي أبدي يقف عالياً فوق التاريخ البشري ، و تبين لنا السورة كيف أن الطائفة الجديدة الوليدة قد انخرطت بعد فتح مكة في عملية بناء المؤسسات ، و هي تستطيع أن تنقض العقود و الاتفاقات الموقعة سابقاً مع الفئات المعارضة و تفرض عليها شروطها الجديدة تحت التهديد بإشعال الحرب ضد كل هؤلاء المشركين الذين يرفضون شرع الله و رسوله " انظر الآيات الخمس الأولى من السورة علماً بأن الآية الخامسة تدعى أية السيف "
أما البدو الذين يرفضون المشاركة بالحرب العادلة " أي الجهاد " فقد أدينوا بقسوة في تلك السورة ، و أما أهل الكتاب فقد أجبروا على دفع الجزية ، وهكذا تم تصنيف الفئات الاجتماعية سياسياً و لاهوتياً , فالأصوليين الجدد لا يهتمون بزمن الأحداث و من هنا تكمن خطورة القراءة اللاتاريخية لهذه السورة ، فالأحداث التي حصلت و التي تتحدث عنها سورة التوبة بشكل تلمحي أو تصريحي هي أحداث تاريخية أرضية حصلت بالفعل ، و لكن بعد أن خلع الخطاب القرآني عليها صيغة التعالي و رفعها من المستوى الأرضي إلى المستوى الفوقي عن طريق ربطها بإرادة الله و مشيئته فأصبحت مقدسة و فقدت طابعها الأرضي و التاريخي ، و بخاصة بعد أن مر عليها الزمن ، بل و تراكمت عليها أكداسه إذا جاز التعبير ، و لم نعد نبصر تاريخيتها ، أو نقدر على لمّها نحن المتأخرين .
لقد طمست تاريخيتها كلياً عن طريق هيبة الخطاب الديني التأسيسي أي الخطاب النبوي "القرآن", و الأن ماذا يفعل المؤرخ المحترف ؟!
إنه يقوم بحركة معاكسة ، و يرجع في الزمن عميقاً إلى الوراء لكي يتموضع في لحظة القرآن ، و لكي يكشف عن تاريخيته بعد أن فقدها و أصبح متعالياً بشكل كلي ، و هنا تكمن القيمة التحررية لأعمال المؤرخ و بخاصة إذا كان يسيطر تماماً على منهجية الحفر الأركيولوجي في الأعماق
في سورة التوبة نجد الدنيوي و المعياري و السياسي و الظرفي العابر بحيث يتقلص التدخل الإلهي إلى مجرد تنبيهات و أوامر قاطعة ، و لكن يبقى مع ذلك صحيحاً القول إن التاريخية المتجسدة في السورة تشكل بالضبط العلاقة الكائنة بين كل حقيقة و الزمن .
يمكننا اليوم التحدث عن نوع من التفسير الفوضوي السائد للقرآن ، و أدل على ذلك بقيام الأصوليين بقتل الرهبان المسيحيين المقيمين في منطقة تريبهيرن في الجزائر ، حيث استشهد هؤلاء الأصوليون بالآية التاسعة و العشرين في سورة التوبة من أجل إطفاء المشروعية على ذلك العمل الإجرامي المضاد لكل ما علمنا إياه القرآن عن أهل الكتاب " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون "
و كذلك قتلة الرئيس السادات قد فعلوا الشيء نفسه ، و هذا يعني أنه لا نستطيع أن نهمل هذا التفسير الفوضوي لنريح أنفسنا و نتخلص من الانحرافات ، و ما يدعم هذا التفسير هو المباركة الشعبية الواسعة و تأيد هكذا أعمال ، و اعتبارها جزءاً من الحروب الصليبية الجديدة بين الإسلام و المسيحية .
تقول أية السيف " فإذا انسلخ الأشهر الحرم ، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، و خذوهم ، و احصروهم ، و اقعدوا لهم كل مرصد ، فإن تابوا و أقاموا الصلاة ، و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، إن الله غفور رحيم "
بعد الانتهاء من قراءة هذه الآية نفهم فوراً سبب الحماسة المغالية و المتهورة للمؤمنين الحرفيين الذين يعتنقون عقيدة السيف و يرفعون لواء الحرب " الجهاد " من دون أي تفكير ، و كذلك نفهم سر الانزعاج الذي تسببه هذه الآية لأولئك المسلمين الليبرالين الذين يعتنقون المفاهيم الحديثة لحقوق الإنسان و الحرية الدينية و التسامح و حرية التفكير و التفحص النقدي ، فهم يحاولون التحايل عليها أو التخفيف منها و جعلها نسبية عن طريق الاستشهاد بآيات أخرى أكثر مسالمة و تحبيذاً للكلام التبجيلي التكراري عن حقوق الإنسان في القرآن .
إن الخطاب القرآني في سورة التوبة يحيلنا إلى خضوعين ديني و دنيوي ، أي الخضوع للسلطة الجديدة سياسياً , و الخضوع لله دينياً .
يمكننا استنطاق سورة التوبة على شكل إنذار سياسي يتضمن :
أولاً : الاستسلام دون شروط
ثانياً : يمكنكم أن تصبحوا مسلمين و مناضلين بالانضمام إلينا و إعلان إسلامكم
ثالثاً : علامات الإسلام ممارسة الشخص للزكاة و قيامه بالصلاة و بقية الشعائر .
إن أي مقاربة جادة لسورة التوبة تمر عبر بوابة تاريخية مشروطة اجتماعياً .
فالأشهر الحرم " الواردة في السورة " هي تعبير لغوي و اجتماعي خاص بالعرب الجاهلين و الغزوات المتبادلة بينهم ، إنه تعبير ينسجم مع الثقافة الرعوية شبه الزراعية في القرن السابع الهجري و القرون الوسطى و لا يمت بصلة إلى فضاء العصور الحديثة . و كذلك كلمات : الأعراب – قو م – عشيرة – سيد – عبد – الأنصاب – الأزلام .....الخ , فهي مفردات تنتمي إلى فضاء قرن وسطي لم نستطع تجاوزه معرفياً في البلاد العربية و الإسلامية حتى الأن .
و مقابل هذه المفردات هناك كلمات : دولة – مواطنة – ديمقراطية – علمانية – حقوق إنسان .......
و هي مفردات تنتمي إلى فضاء حداثوي ، حداثة أنجزها الفكر الغربي أساساً عبر مسيرته التنويرية النقدية المتلاحقة ، و تلك هي المعضلة الكبرى ؟!
كيف يوفق الإسلاميون التنويريون الليبراليون بينهما .
بعد الانتهاء من دراسة البعد التاريخي للنص القرآني في إطار المنظور الأرغوني المتعدد المتكامل لا بد من أخذ ما يلي بعين الاعتبار :
1- يمكن اعتبار المشروع الأرغوني "دراسات – كتب- ندوات – محاضرات " كمجموعة نصوص ثانوية تعنى بالنص القرآني الأساسي . هذه النصوص تعبر عن نفسها عبر وسيط "مترجم" كونها كتبت باللغة الفرنسية و هذه نقطة ضعفها و نقطة قوتها في الوقت ذاته , ضعفها كونها تخاطب الغير مهتمين إلى حدٍ ما , و بالتالي تتم إعاقة استخدام مهمة لها مما يحدد من إمكانية دخولها في الجدل الدائر حول النص و المقدس في المجتمعات العربية و الإسلامية , و قد قام الدكتور هاشم صالح بالتصدي لهذه المهمة ترجمة و تعليقاً و شرحاً للمشروع الأرغوني إلى حد يمكن اعتباره الكاشف و المتمم لهذا المشروع , و نقطة قوتها لأن اللغة الفرنسة أتاحت عبر صيرورتها الحداثية المنفتحة إمكانيات للأسف تفتقر إليها اللغة العربية المتداولة حالياً
2- لنتساءل عن المعنيّ بالمشروع الأرغوني ؟!
إن الجواب بداهة هو مجموعة الفاعلين الاجتماعين في المجتمعات العربية والإسلامية , و هؤلاء الفاعلين في وضع مأزوم كما نرى , تحيط بهم دوائر الخوف و العنف و الفقر و القهر و التقديس , و من هنا يجب أن نطرح سؤال الحداثة العربي على المحك و ما علاقته بالمشروع الأرغوني , و هل بإمكان أرغون أن يؤثر سلباً أم إيجاباً في مجتمعات دينية مغلقة مزدهرة في بلاد العرب و الإسلام .
و من هنا نطرح سؤال الحقيقة المعقدة و علاقتها بالعقل الاختزالي الذي يمد مسيّري أمور المقدسين بكل ما يحتاجونه من لوازم .



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من سلطة العشيرة الى عشيرة السلطة
- الشيطان وطلب اللجوء السياسي
- تخلف دوت كوم
- الرجل القائد للجماعة و صلاة الجمعة
- خدمة بلا علم
- التيار الفلسفي في وحدة الوجود
- المعري وبيداغوجيا المريدين الفاشلين
- حقوق الانسان بين الفاعل والمفعول به
- الفكر الاصولي واستحالة التأصيل
- الجامعات السورية ..منارات تجهيل
- رأس مالي... ورأس فقهي
- الشاعر السوري عباس حيروقة : يسقط في مدار نهد
- نانسي عجرم ..... والفقه الافتراضي
- العرب وشيطان اللغة الابتر


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمزة رستناوي - أرغون و القراءة التاريخية للنص القرآني