|
هَذا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ..!
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 4437 - 2014 / 4 / 28 - 16:29
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سامي فريدي هَذا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ..! في أواخر عهد القضاة، وحين تمكنت الشيخوخة من صموئيل رئيس كهنة اليهود يومئذ، قال له الشعب: " 5 هُوَذَا أَنْتَ قَدْ شِخْتَ، وَابْنَاكَ لَمْ يَسِيرَا فِي طَرِيقِكَ. فَالآنَ اجْعَلْ لَنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا كَسَائِرِ الشُّعُوبِ!. 6 فَسَاءَ الأَمْرُ فِي عَيْنَيْ صَمُوئِيلَ إِذْ قَالُوا: أَعْطِنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا!. وَصَلَّى صَمُوئِيلُ إِلَى الرَّبِّ. 7 فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: اسْمَعْ لِصَوْتِ الشَّعْبِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ لَكَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْفُضُوكَ أَنْتَ بَلْ إِيَّايَ رَفَضُوا حَتَّى لاَ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ."- (صموئيل الأول8) وبعد أن رسم لهم ملكاً هو شاول البنياميني، أول ملوك اليهود، عاد صموئيل الكاهن وخاطبهم أيضاً بهذه الكلمات الوداعيّة ليختم بها عهد خدمته.. 1صم:12: " 2 وَالآنَ هُوَذَا الْمَلِكُ يَمْشِي أَمَامَكُمْ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شِخْتُ وَشِبْتُ، وَهُوَذَا أَبْنَائِي مَعَكُمْ. وَأَنَا قَدْ سِرْتُ أَمَامَكُمْ مُنْذُ صِبَايَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 3 هأَنَذَا فَاشْهَدُوا عَلَيَّ قُدَّامَ الرَّبِّ وَقُدَّامَ مَسِيحِهِ: ثَوْرَ مَنْ أَخَذْتُ؟ وَحِمَارَ مَنْ أَخَذْتُ؟ وَمَنْ ظَلَمْتُ؟ وَمَنْ سَحَقْتُ؟ وَمِنْ يَدِ مَنْ أَخَذْتُ فِدْيَةً لأُغْضِيَ عَيْنَيَّ عَنْهُ، فَأَرُدَّ لَكُمْ؟. 4 فَقَالُوا: لَمْ تَظْلِمْنَا وَلاَ سَحَقْتَنَا وَلاَ أَخَذْتَ مِنْ يَدِ أَحَدٍ شَيْئًا!. 5 فَقَالَ لَهُمْ: شَاهِدٌ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ وَشَاهِدٌ مَسِيحُهُ الْيَوْمَ هذَا، أَنَّكُمْ لَمْ تَجِدُوا بِيَدِي شَيْئًا!. فَقَالُوا: شَاهِدٌ!. 6 وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: الرَّبُّ الَّذِي أَقَامَ مُوسَى وَهَارُونَ، وَأَصْعَدَ آبَاءَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. 7 فَالآنَ امْثُلُوا فَأُحَاكِمَكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ بِجَمِيعِ حُقُوقِ الرَّبِّ الَّتِي صَنَعَهَا مَعَكُمْ وَمَعَ آبَائِكُمْ. 8 لَمَّا جَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ وَصَرَخَ آبَاؤُكُمْ إِلَى الرَّبِّ، أَرْسَلَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ فَأَخْرَجَا آبَاءَكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَسْكَنَاهُمْ فِي هذَا الْمَكَانِ. 9 فَلَمَّا نَسُوا الرَّبَّ إِلهَهُمْ، بَاعَهُمْ لِيَدِ سِيسَرَا رَئِيسِ جَيْشِ حَاصُورَ، وَلِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَلِيَدِ مَلِكِ مُوآبَ فَحَارَبُوهُمْ. 10 فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ وَقَالُوا: أَخْطَأْنَا لأَنَّنَا تَرَكْنَا الرَّبَّ وَعَبَدْنَا الْبَعْلِيمَ وَالْعَشْتَارُوثَ. فَالآنَ أَنْقِذْنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا فَنَعْبُدَكَ. 11 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ يَرُبَّعَلَ وَبَدَانَ وَيَفْتَاحَ وَصَمُوئِيلَ، وَأَنْقَذَكُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ فَسَكَنْتُمْ آمِنِينَ. 12 وَلَمَّا رَأَيْتُمْ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ آتِيًا عَلَيْكُمْ، قُلْتُمْ لِي: لاَ بَلْ يَمْلِكُ عَلَيْنَا مَلِكٌ!. وَالرَّبُّ إِلهُكُمْ مَلِكُكُمْ!. 13 فَالآنَ هُوَذَا الْمَلِكُ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ، الَّذِي طَلَبْتُمُوهُ، وَهُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ مَلِكًا!. 14 إِنِ اتَّقَيْتُمُ الرَّبَّ وَعَبَدْتُمُوهُ وَسَمِعْتُمْ صَوْتَهُ وَلَمْ تَعْصُوا قَوْلَ الرَّبِّ، وَكُنْتُمْ أَنْتُمْ وَالْمَلِكُ أَيْضًا الَّذِي يَمْلِكُ عَلَيْكُمْ وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ. 15 وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَ الرَّبِّ بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ الرَّبِّ، تَكُنْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ كَمَا عَلَى آبَائِكُمْ. 16 فَالآنَ امْثُلُوا أَيْضًا وَانْظُرُوا هذَا الأَمْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَفْعَلُهُ الرَّبُّ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ!. 17 أَمَا هُوَ حَصَادُ الْحِنْطَةِ الْيَوْمَ؟ فَإِنِّي أَدْعُو الرَّبَّ فَيُعْطِي رُعُودًا وَمَطَرًا!، فَتَعْلَمُونَ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ عَظِيمٌ شَرُّكُمُ الَّذِي عَمِلْتُمُوهُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ بِطَلَبِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ مَلِكًا!. 18 فَدَعَا صَمُوئِيلُ الرَّبَّ فَأَعْطَى رُعُودًا وَمَطَرًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ!. وَخَافَ جَمِيعُ الشَّعْبِ الرَّبَّ وَصَمُوئِيلَ جِدًّا. 19 وَقَالَ جَمِيعُ الشَّعْبِ لِصَمُوئِيلَ: صَلِّ عَنْ عَبِيدِكَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ حَتَّى لاَ نَمُوتَ!، لأَنَّنَا قَدْ أَضَفْنَا إِلَى جَمِيعِ خَطَايَانَا شَرًّا بِطَلَبِنَا لأَنْفُسِنَا مَلِكًا!. 20 فَقَالَ صَمُوئِيلُ لِلشَّعْبِ: لاَ تَخَافُوا. إِنَّكُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ كُلَّ هذَا الشَّرِّ، وَلكِنْ لاَ تَحِيدُوا عَنِ الرَّبِّ، بَلِ اعْبُدُوا الرَّبَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، 21 وَلاَ تَحِيدُوا. لأَنَّ ذلِكَ وَرَاءَ الأَبَاطِيلِ الَّتِي لاَ تُفِيدُ وَلاَ تُنْقِذُ، لأَنَّهَا بَاطِلَةٌ!. 22 لأَنَّهُ لاَ يَتْرُكُ الرَّبُّ شَعْبَهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ!. لأَنَّهُ قَدْ شَاءَ الرَّبُّ أَنْ يَجْعَلَكُمْ لَهُ شَعْبًا!. 23 وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى الرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ الصَّلاَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، بَلْ أُعَلِّمُكُمُ الطَّرِيقَ الصَّالِحَ الْمُسْتَقِيمَ. 24 إِنَّمَا اتَّقُوا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِالأَمَانَةِ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ، بَلِ انْظُرُوا فِعْلَهُ الَّذِي عَظَّمَهُ مَعَكُمْ. 25 وَإِنْ فَعَلْتُمْ شَرًّا فَإِنَّكُمْ تَهْلِكُونَ أَنْتُمْ وَمَلِكُكُمْ جَمِيعًا".
- القراءة الاجتماعية.. من حقّ أيّ جماعة بشرية، إذ تبلغ درجة جديرة من التطور الاجتماعي والحضارة المدنية أن يكون لها كيان سياسي يمثلها وتتمثل به؛ يستجيب لاحتياجاتها وتلتزم بمقتضياته. والملك هنا يرمز للدولة والقوة والقانون. والدولة هي إطار للخدمة والتنظيم والقيادة. وبحسب المفهوم العلماني والعالمي، تلك هي حاجة اجتماعية مدنية ودالة تطوّرية للأمام. والمفترض أنّ الربّ يعمل لما فيه خير البشر، ولا يعترض على طلباتهم. ولذلك سمح للشعب بتلك الفرصة عسى أن يحسنوا استخدامها!. والأب يسمح لأبنائه أن يستقلوا بإدارة حياتهم الخاصة وتحقيق كيانهم الخاص، رغم محبته لهم وشوقه أن لا يبعدوا عنه أو يتناسوه. التسلسل التاريخي لتطور العبرانيين كجماعة ومجتمع يسجّل نموّهم وتطوّرهم من مرحلة الفرد "أبرام/ ابراهيم" – (تك11: 27) إلى نواة العائلة (تك11: 29) إلى العائلة الروحية الأم بولادة الابن "اسحق" (تك21: 2- 3) الذي أنجب يعقوب وعيسو (تك25: 25، 26) ويعقوب هذا هو الذي سوف يُدعَى اسمه "اسرائيل" (تك32: 29) ويكون له من الذريّة أثنا عشر أبناً (تك35: 23- 26) هم أسباط اسرائيل الأثنا عشر الذين تنحدر منهم القبائل اليهودية الأصلية. ابراهيم ابن تارح هو الأب الروحي الأكبر للعبرانيين. وكلمة العَبْرَانيين جمع لفظة (عَبْري) المشتقّة من كلمة (عَبْرَ- النهر) والنهر هو الفرات الفسيح. والمعنى يشير الى الرؤية (عَبْرَ- الفرات) أو عبور الفرات من أرض أور باتجاه أرض فلسطين. أما يعقوب فهو الأب الروحي لبني اسرائيل أي اليهود كما عُرِفوا لاحقا. ابراهيم العَبْرَاني هو أب لأمم (تك17: 5) أو "جمهور من الأمم"، فيما يعقوب هو أب للاسرائيليين أو اليهود أو المنضوين تحت كلا الاسمين – طبقا لأسماء المملكة المنقسمة إلى (اليهودية وإسرائيل)- لاحقا. أبناء القبائل الأثنا عشر هم الذين دخلوا أرض فلسطين بقيادة يشوع بن نون، واستقروا في نمط من الحياة القبلية (العشائرية) يتولى إدارة أمورها وتنظيم تفاصيلها مجلس يضم رؤوس القبائل والعشائر، تحت رئاسة القاضي الأكبر. وقد تعاقب حكم هذه المرحلة أربعة عشر قاضيا بينهم (امرأة)، وكان صموئيل النبيّ والكاهن هو آخر القضاة. [سفر القضاة، صموئيل الأول] كما تعاقب على بني اسرائيل ثلاثة ملوك ثم انقسمت المملكة الى دولتين، قبل أن تنقرضا في القرن الخامس قبل الميلاد. عادت بعدها حالة أقرب لحكم القضاة قبل ظهور تمرّد المكابيين على الحكم الروماني الذين نجحوا في تشكيل حكم ملكي ديني [142- 64 ق. م.] لم يستمرّ طويلا، ولم يحقق عوامل الاستقرار والمنعة. هذا العرض السريع لحاجة بني اسرائيل إلى "ملك" وظروف ظهورها وتطورها وانقراضها، يقدّم إضاءة ضرورية لمغزى اتهام الكهنة ليسوع بادعاء الملوكية، عندما خذل تطلّعاتهم في بناء كيان سياسي مستقل يضمن استقرارهم وسيادتهم على المنطقة. وتهمة الملوكية الموجهة للبار يسوع هي كيديّة مركّبة، ذات وجهين، تعبر عن تناقض وجهتي نظر الطرفين.
يسوع ملك اليهود.. متى27: 1 "وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، 2 فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي. 11 فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلاً: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ. 12 وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. 13 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟. 14 فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا. 27 فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، 28 فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، 29 وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!. 30 وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. 31 وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ. 37 وَجَعَلُوا فَوْقَ رَأْسِهِ عِلَّتَهُ مَكْتُوبَةً: هذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ!. 39 وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ 40 قَائِلِينَ: يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!. 41 وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ الْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ قَالُوا: 42 خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِهِ!.". لا يوجد ذكر واضح لنوع تهمة يسوع في مستهلّ الاصحاح السابع والعشرين، الذي على أساسه قام الكهنة وأعضاء المجلس اليهوديّ بتسليمه للحاكم الروماني وطلبوا منه أن يصلبه. ولكنهم منذ اجتماعهم الأول في بيت قيافا كانوا يتوسّلون تهمة تحكمه بالموت " كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ."- (متى26: 59). لكنه بالامكان استشفاف التهمة من أول سؤال يوجّهه بيلاطس للمتهم: "أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟." وهي العبارة التي سوف تتكرر ثلاث مرات إضافية فيكون مجموع التكرارات أربع مرّات [متى27: 11، 29، 37، 42]– الشهادة (الرباعيّة) الموثوقة عند اليهود-، كافيا لاستشفاف نوع التهمة التي ألصقها الكهنة بيسوع لقتله. وهو ما يؤكده لوقا بوضوح أكثر.. لوقا23: 1 فَقَامَ كُلُّ جُمْهُورِهِمْ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِيلاَطُسَ، 2 وَابْتَدَأُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ!. 3 فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ قِائِلاً: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟. فَأَجَابَهُ وَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ!. 4 فَقَالَ بِيلاَطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ: إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَانِ!. 36 وَالْجُنْدُ أَيْضًا اسْتَهْزَأُوا بِهِ وَهُمْ يَأْتُونَ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاُ، 37 قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!.. 38 وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ بِأَحْرُفٍ يُونَانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ: هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ!". فالتهمة المرفوعة للحاكم بحقّ يسوع تهمة مركّبة ثلاثية الأبعاد، تكاد تنصبّ كلّها ضدّ القيصر. وينقل يوحنّا اللاهوتي مجريات الحوار بين الكهنة ويسوع والحاكم مع المتهم.. يوحنا18: 19 فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. 20 أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. 21لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا!. 33 ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ 34 أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟. 35 أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟. 36 أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا!. 37 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟. أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي!". هنا تتأكد صيغة اتهام يسوع بادّعاء الملوكيّة، كما يتضح موقفه الواضح منها بتأكيده.. "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ!." وبذلك يفرز الخيوط بين رسالته الروحيّة السّماويّة، وبين الأطماع والمشاريع الدنيوية لمناوئيه. أنّ ما أغاض الكهنة في واقع الأمر، ليس مسعى يسوع للملوكيّة، وانما رفضه للملوكيّة –بحسب تصوّراتهم- التي كانوا – ما زالوا- يأملون في ظهور زعيم جديد يتنكّب بناء مملكتهم المنقرضة. والعقاب الذي حكموا به على يسوع البارّ، كان انتقاما لذواتهم وأحلامهم المخذولة. تهمة الملوكيّة المقدّمة للبلاط الروماني، ينبغي فهمها بالعلاقة القريبة مع المملكة الحشمونيّة المتمرّدة على الحكم السّلوقي ومن بعده الحكم الروماني، حيث لم يكن قد مضى زمن كثير على القضاء على تلك المملكة والمقاومة العنيفة التي واجهت بها الرومان، مما حدا بهم إلى محاصرة أورشليم ونقض الهيكل على رؤوسهم. ولما كانت ثمة خيوط غامضة بين حركة الشفائيين المعمدانيّة وبينهم من جهة، وبين شخصيّة يوحنا المعمدان وشخص المعلّم يسوع المتعمّد على يد السّابق. فأن صياغة تلك التهمة السياسيّة ضدّ يسوع لم تكن تخلو من دهاء، بل لم تكن تنقصُها المبرّرات. وغموض شخصيّة المعلّم ولغته الرمزيّة غير العاديّة، كانت تخدم واقع الاتهام والدسيسة، ليس عند رؤساء الكهنة فحسب، وانما لدى ولاة الرومان أيضا. هكذا وجد بيلاطس نفسه في حال لا يُحسَد عليه. وإذا كانت حركة يسوع لاحقة تاريخيا للتمرّد الحشموني الدينسياسي، فأنّ تمرّد اليهوديّة ضد روما (66- 70م) كان لاحقا لاغتيال النّاصري. وهذا هو السبب الحقيقي –ضمن دائرة الملابسات التاريخية للحدث- لاتهام روما لأتباع يسوع وتحميلهم مسؤوليّة التمرّد الجديد والذي انتهى هو الآخر بحرق أورشليم ونقض الهيكل مرّة أخرى عام 70م. ان ظهور يسوع الناصري وصلبه يشكّل – في التاريخ السياسي- نقطة وسط ومرحلة انتقالية ما بين نهاية الحكم المكابي الحشموني عام (64م) والتمرّد اليهودي الجديد ضدّ روما (66- 70)م. مما يعزّز جدول المبرّرات والادعاءات السياسية حول حركة يسوع الناصري، سواء من وجهة نظر علمانيّة أو لاهوتيّة. الأمر الذي ينعكس - كذلك- على زمن تدوين البشائر الإزائية [Synoptic Gospels] الثلاثة بنهجها التاريخي الحرفي، مما حدا بيوحنا إلى إعادة تأكيد الجوهر الروحاني اللاهوتي للرسالة اليسوعيّة في تدوين بشارته في تسعينيات القرن الأول الميلادي. وهذا يعني أن لائحة الاتهام السياسي التي قادت يسوع الناصري للصّلب، لم تنتهِ في واقع الحال، وانما استمرّت طائلة تلاميذه وأتباعه طيلة القرون الثلاثة الأولى للميلاد –العصر الذهبي للشهادة والاستشهاد- حتى عهد قسطنطين (313م). وقد وجد اليهود في أتباع يسوع قرابين بديلة على مذبح مشروعهم السياسي. فاستمرّوا في ملاحقة المسيحيّين تحت نفس العنوان كما يتضح في رسائل بولس. ان جانبا من المعضلة اليهوديّة، هو تمسكهم بالقراءة - الحرفيّة- للنصوص وتطبيقاتها الماديّة الدنيويّة المباشرة، الأمر الذي حسمه يسوع الناصري بتقديم المنهج الروحي للنصوص الكتابية والتعاملات السماوية. وقد أساء كثيرون فهم قول يسوع في موعظته على الجبل "«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ."- (متى5: 17)، فالعبارة الكاملة هي : مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ بَلْ لأُكَمِّلَ بِالرّوُحِ." والذي يتأكد بقوله " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ."- يوحنا18: 36. والجانب الآخر منها، - وهو أكثر خطورة-، هو استخدام (الدين) وسيلة وجسرا لتحقيق مطامحهم القومية والسياسية. وهو الأمر الذي وجد تطبيقه الثوريّ والمباشر في الاسلام لاحقا. وهو ما جعل منهما [اليهوديّة والاسلام] فكي كمّاشة ضدّ نهج يسوع الناصري وأفكاره الداعية للمحبة والسلام والتسامح، والفصل التامّ بين ما لله وما لقيصر!.
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسوع .. حبّة الحنطة!..
-
أعماله.. وأعمالهم..
-
قالوا.. وقال..
-
البارّ بين الأثَمَةِ
-
الصَّلِيبُ عَثْرَةُ لِلنّاظِرِ
-
خرستوس آنيستي.. آليسوس آنيستي
-
سايكولوجيا الحرف- 18
-
سايكولوجيا الحرف- 17
-
سايكولوجيا الحرف- 16
-
سايكولوجيا الحرف- 15
-
ساسكولوجيا الحرف- 14
-
سايكولوجيا الحرف- 13
-
سايكولوجيا الحرف- 12
-
سايكولوجيا الحرف-11
-
سايكولوجيا الحرف -10-
-
البنت.. البنت/ الولد.. الولد..
-
سايكولوجيا الحرف- 9
-
رسالة ثانية إلى مصر
-
رسالة إلى مصر..
-
الموقف من النصارى
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|