|
بداياتُ الديمقراطيةِ وتصحيحها
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4437 - 2014 / 4 / 28 - 08:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت بعضُ البلدان العربية انتخابات بشكلٍ متقاربٍ في مشهد يوحي بأن عملية الديمقراطية تزدهر في عالمنا الذي تكلس طويلاً. لكن ترافق هذا مع مشكلاتٍ وصراعاتٍ حادة بل مع عنف لم تعرفه بعض هذه البلدان أثناء الحياة السلمية الهادئة الطويلة. شهدنا تراجعات في نسبِ المشاركين وحدث ذلك بشكلٍ مقلق، فالفرحُ القديمُ والانتعاشُ السياسي الجماهيري اختفى، وغدتْ العملياتُ روتينية، وكأنها أجزاءٌ من سيرِ الآلةِ البيروقراطية، وذهبت جماهير غفيرةٌ في بعض البلدان إلى السياحة والإجازة مستفيدة من (العرس) الديمقراطي للسياحة والنزهة! من الواضح إن ثمة أحساساً بالخيبة لدى هذه الجماهير العربية وكأنها تصورتْ أن صناديقَ الانتخابات صناديقٌ سحريةٌ تقوم بالتغيير وإنتاج مطر صناعي سياسي يغدق عليها الخيرات. لا شك أن الدعايات المصاحبة لهذه الانتخابات المصَّورة لها كإنقاذٍ شعبي، وكعمليةٍ خيرية مجانية، أو كأنها إحسان سياسي يُقدم لها على طبق من ذهب لعبت دوراً كبيراً في ذلك، ولم تدرك أن المسألةَ محفوفةٌ بصراعاتٍ هائلة وأن الوعي المتكلس لدى هذه الجماهير هو السببُ الرئيسي في ضياع الأصوات، وفي جمود الديمقراطيات الأولية، وعدم حصول تقدم معيشي لها. هناك عدم دراية بالكتل وجذورها، وعدم وعي بالأحزاب، وعدم فهم طبيعة العصرين الديني والحديث، وعدم معرفة لما تعنيه كلمة كتلة أو مجموعة من دور متعدد مركب، فالناخب الذي يتقدم لا يعرف السياسة ومطلوب منه أن يشارك في عمليةٍ سياسيةٍ معقدة صعبة. ولهذا فإن الناخبين يغدون أدوات لكتلٍ وجماعات تخدرها وتقودها لمصالحها. أغلبية الناس تريد قوى قريبة لجذورها العقدية والمذهبية ولمصالحها متصورة الوحدة بينها، ولا تعرف طبيعة هذه المذهبية أو القبلية التي عاشت عليها طوال حياتها. فلم تقم العمليات السياسية الفكرية بتنوير وتغيير حال الجماهير فجأة مطلوب منها أن تقرر! في حين أن المسألة السياسية مختلفة ومرتبطة بمصالح اقتصادية، وبعيش الجمهور وأجوره ومؤسساته الاقتصادية وحين يخيب أمله في هذه الجماعات يرجعها لعدم تطبيق المذهبية الأمينة أو لعدم مراعاة الذمة لدى قادة العشائر. لكن المسألة تعود لتقليدية الوعي السياسي لدى هؤلاء الناخبين ولدى هؤلاء المنتخبين وتمثيلهم شرائح ضيقة في المجتمع وعدم تعبيرهم عن القوى الاجتماعية الأساسية في كل بلد، ولهذا فهم ليست لهم دراية بالاقتصاد الحديث، ويتركز انشغالهم بالروحانيات أو بالحياة العادية السطحية وليس لهم معرفة بالعلوم المدعمة لتطور السياسة، أي بعلوم كشف الإفقار وبأسباب تدهور الأرياف الاقتصادي وعجز البوادي عن التنمية وكيفية تكوين المدن الحديثة الصناعية التجارية في عصر العولمة واقتصاديات السوق الكونية الآن. إن الجمهور البسيط الذي لم يُستوعب ثقافة سياسية يُجر لمهمات فوق مستوى وعيه، لأغراض سياسية عديدة مختلفة ومتداخلة، وتُقدم له كتل في حدود شعائره الدينية وانتمائاته القبلية، ويجد أن من واجبه الديني أن يصوت، وأن من واجبه الوطني أن يدعم التطور السياسي السائد بين قبيلته ومذهبه، وهذا وعي مغايرٌ تماماً للديمقراطية! اتضح ان الانتماءات القبلية والعائلية المتنفذة والطبقية الاستغلالية والمذهبية السياسية هي السائدة الناجحة في المجالس المنتخبة يأتي بعدها تجارٌ وسياسيون مغايرون قليلون. وتعكس هذه التقسيمات استمرار التخلف الاجتماعي السياسي، وسيطرة الأرياف والبوادي على المدن المُهَّمشة والقليلة التصويت واليائسة من هذه المجالس المحددة سلفاً بتقاسم السلطة التشريعية بين ممثلي القبائل والمذاهب! أي أن القضايا الكبرى من تطوير الاقتصاد ومن نشر التحديث والعلاقات الديمقراطية في المؤسسات والحياة الأسرية وفي الثقافة سوف تُجمدُ لوقتٍ لاحق. أي أن عمليات الحشد القبلية والطائفية هي الآلياتُ الكبرى في مثل هذه الديمقراطية، والجمهورُ ينتخبُ للزعيم القبلي وللقائد الديني وليس للنواب. قد تكون إحدى المشكلات الكبيرة الناتجة من ذلك هي تهديد الخرائط الوطنية، وتكوين قوى متضادة، تنزعُ للاهتمام بمناطقها وعزلها عن خريطةِ الإصلاحات الديمقراطية الوطنية العامة، ومن أجلِ تكريسِ نفوذِ تلك القيادات السالفة الذكر، وبالتالي لن يكون لهؤلاء النواب من قدرةٍ تحليلية سياسية على الاهتمام بقضايا الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أي أن المشكلةَ المحورية من هذه الديمقراطية الأولية العربية هي تكثيرُ السلطاتِ وتنازعُ إختصاصاتها، وتوجهها لما هو ثانوي ومناطقي، وعدم قدرتها على مقاربة مصالح الطبقة الوسطى وظروف الطبقة العاملة لتشكيلِ عملية التحديث الديمقراطية في الاقتصاد وفي الحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وهي المهمات العالمية الديمقراطية الموحدة وما عداها ضياع وخراب، وهي العمليةُ التي تسهمُ في تعميقِِ الديمقراطية بينما تشتيتُ السلطاتِ على قوى قبائلية وطائفية ليس من شأنه سوى تضييع الأموال العامة وتحول الإقطاعيين الكثيرين إلى أصحابِ نفوذٍ معرقل لتقدم الديمقراطية مستقبلاً والعودة للوراء. إنه صراعُ الفسيفساء الأهلية العربية المتخلفة، وهذا هو مستوى أغلبية الجمهور العربي الذي يصوتُ مدفوعاً ومنجراً والورقة الانتخابية لم تصلْ بعد إلى قرارهِ الحر وتطوره العقلاني الديمقراطي التحديثي.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنتاجُ الفكري وضياعُهُ
-
إنتاجُ وعيٍ نفعي مُسيَّس
-
لا يمكن العثور على الصندوق الأسود!
-
الأدب العجائبي في الخليج
-
ذكرياتٌ سياسية
-
من ثمارِ معرضِ الكتاب
-
عجزٌ سياسي
-
مؤشرٌ سلبي
-
هل فشلَ الربيعُ العربي؟
-
انتهازية التحديثيين
-
ارتباك قومي
-
الوعي التحديثي وتجاوز التقليدية
-
رأسماليةُ دولةٍ وعجز عن التطور
-
رياضُ الأطفالِ والتعليم
-
الأزمةُ مرةً أخرى
-
معرضُ الكتابِ وأزهاره
-
الدينيون والحداثة (4)
-
الدينيون والحداثة (3)
-
التحديثيون الدينيون 2 - 2
-
التحديثيون الدينيون (1)
المزيد.....
-
فيديو لحافلات تقل مرضى وجرحى فلسطينيين تصل إلى معبر رفح في ط
...
-
قصف روسي لبلدة دوبروبيليا الأوكرانية يخلف جرحى وخسائر مادية
...
-
مقتل عشرة في قرية سورية سكانها علويون والسلطات تبحث عن الجنا
...
-
لمن سيصوت الألمان من أصول عربية خلال الانتخابات المقبلة؟
-
للمرة الأولى منذ 12 عاما.. أسير أردني يلتقي بطفله الوليد من
...
-
مجموعة لاهاي تكتل دولي لمحاسبة إسرائيل
-
حماس: حالة أسرى العدو تثبت قيم وأخلاق المقاومة
-
كاتب تركي: ترامب حوّل -الحلم الأميركي- إلى كابوس
-
الجميع متعبون والمزاج تغير.. الغارديان تلقي الضوء على أزمة ف
...
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|