فرهاد ملا ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4437 - 2014 / 4 / 28 - 01:51
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تحت وطأة "اللاحل" وتداعياته المتشابكة المربكة ليس من الغريب من شيء أن يكون ناقصاً أي وصف أو وصفة { روشتة } حول الراهن السوري بمجمل مناحيه وجزئيات مأساته . بل من الطبيعي أن يكون كذلك طالما في دمشق نظام جاثم على الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد . يمارس عليها التعنيف بأشد الوسائل فتكاً من أقصاها لأقصاها ! حيث بات الافتقار لمقومات الحياة اليومية من الملامح البديهية للبيت السوري ! يوازيه في الشقّ السياسي – الدبلوماسي ضيق في الآفاق وتقلبات التعاطي الدولي والإقليمي مع الملف السوري وعدم سيره على خط بياني بشكل منتظم النبضات والخطوات , بما يعرقل ويصعب علميات الاستنباط والتكهن ! وطالما أنه كذلك , أي النظام , فمن الطبيعي أيضاً , والحال هذه , أن يكون منحاه السياسي العام تجاه المتغيرات السياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد منحى أقل ما يمكن أن يتصف به أنه محاولات العودة بالبلاد إلى الصراط البعثي المستقيم الذي لا يستوعب في كينونته أي انحناء نحو التعددية والشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة .
وفي تفاصيل أخرى تقول قاعدة بيانات الحراك الميداني وتقارير المنظمات الحقوقية والمنظمة الأممية والمفرزات اليومية للتفاعل مع الصراع الداخلي أن لا مستجد سوى التحول من سيء لأسوأ ولاسيما إنسانياً . فأكثر من مئة وخمسين ألف قتيل ونصف مليون جريح وربع مليون سجين ومختفي قسرياً وما يزيد عن تسع ملايين نازح ولاجئ ومهجر , كما أن ما يفوق عن خمسين في المئة من السوريين يرزحون تحت خط الفقر المدقع ومصارع الأمراض والمجاعات , زدْ على كل ما سلف انهيار أزيد من ستين في المئة من البنية التحتية والفوقية للبلاد . وكل ذلك نتيجة غير نهائية للصراع الطويل بطول بمعاناة ضحاياه .
في ضوء هذا المناخ المتأزم لحد الكارثة الإنسانية , لم يبق في الشارع السوري { وعلى رصيفيه النظامي والمعارض } موطئ قدم للأمان والسلام لما احتله العنف وديمومة اللااستقرار السياسي والاجتماعي وتفشي السلاح وثقافته بكثافة في المشهد الوطني , أدى كل ذلك إلى تعميق البُعد العسكري والاعتماد عليه بصورة شبه كلية . حيث باتت العسكرة تحتل موقع القلب في القضية السورية , قلبٌ أُصيب بآفة الحرب , تلك الحرب التي تدفق معها نهم العسكري السوري , النظامي والمعارض , نحو امتلاك القوة وبالتالي تكريس العنف والعنف المضاد . ولاسيما أنه , أي العنف , يعيش خارج نطاق قولبة مؤسساتية وطنية . وهو ما ينذر بديمومته . وبكلام آخر ديمومته حالة "اللاحل" , طالما يشكل السبيل العسكري غير المروي بالعقلانية والانتظام سبيلاً مسدوداً أمام الجميع والخواء يلف امتلائهم بالعنف . وقد أفضى هذا الأخير بدوره إلى أن يصبح الواقع المعاش أبعد أميالاً عن الخطوط الحرجة للسياسات الدولية وما تحملها "نظرياً" من خطاب إنساني مشبع بالقيم والمثل العليا !
هكذا إذن يمكن الحديث عن حالة "اللاحل" وتبعاتها العسكرية وآثارها السلبية الشاخصة على الفرد والمجتمع بوصفها تجريداً للأخير من مقومات الثقافة المدنية والسلم الاجتماعي وأي إرهاص مدني يصب في صالح تأسيس "الدولة الوطنية" لسائر السوريين الذين ولسوء حظهم { وهو حظ سالاو بامتياز , كما في العجوز والبحر } أن التاريخ راح يمشي في وطنهم حافياً على دماءهم وعارياً من أية اعتبارات إنسانية !! وإلّا لما كل هذا التشبث بسياسات "ترك الحبل على الغارب" حيال معاناة الشعب السوري وقضيته في الخلاص من الطغيان وقمع ماكينة النظام العسكرية ؟؟
أقول , وقد ذبلت الصورة الوردية لحراكنا الثوري , أن التعاطي السلبي معه من قبل النظام وعدم الاعتراف به وبما يحملها من رياح التغيير , بل وتلويثها بعدم الالتفات إليه والاستمرار في سياسات أمنية وعسكرية وتدمير وحشي ممنهج للبناء المجتمعي وتحريف الحراك عن مساره عبر استدراجه إلى خانة العسكرة وحق الدفاع عن النفس , ومن ثم دعم ثقافة التطرف والأصولية الدينية . كل ذلك إلى جانب أمور أخرى ساهمت في رسم ملامح مجتمع دولي جديد بقطبين أو أكثر , حيث لم يعد من الموضوعية ونحن نقبع تحت وطأة "اللاحل" القائم على انقسام دولي حاد التوجه نحو إعطاء التساؤل السالف عن ذاك التشبث تفسيراً سطحياً مؤداه مقتضيات السياسات الانكفائية المرحلية للإدارات الغربية ولاسيما الأمريكية , بل نحو مزيد من التعمق الإيديولوجي والجيوسياسي والتاريخي له ماض ساخن من الحرب الباردة وتجاذباتها وآثارها .
كما انه تحت وطأة "اللاحل" يشكل الصراع الدائر حلقة وصل طويلة نسبياً بين الاستلاب السياسي والاجتماعي من جهة , والإرهاصات الهوياتية الثانوية { ما دون الوطنية } من جهة أخرى . ما يصبغ نضال السوريين , بمختلف مستوياته , بضرورات المضي قدماً في فك مادة الواقع عن مسارها وتحويلها في سبيكة وطنية إلى مشروع عقلاني شامل يؤسس لمتحد وطني وثيق الصلة بـ "الثورة" / الحدث التاريخي السوري .
وتحت وطأة "اللاحل" , ونتيجة لما وصلت إليه الحال السورية , لا يمكن لعقل بشري المضي بسهولة نحو تصديق ما تراه العين من مجتمع يتداعى يوماً تلو يوم إلى حضيض التفكك الاجتماعي والانهيار الاقتصادي والدمار البنيوي وما سيُخلف من ركام لأجيال سترث روح "الثورة" وجسدها المثقل بالانحلال والانحطاط على مختلف الأصعدة , دون الأخذ بنظر الاعتبار أن خلفيات هذه الحال أسست لفكرة "الحدث التاريخي" الذي تجاوز ما هو "سوري فقط" , حدث لامس التاريخ والجغرافية والسياسة والاقتصاد ... وعلى المستوى العالمي .
تقودنا السياسات الدولية بأبعادها المختلفة والمسببة للراهن السوري , منها ما درجنا عليها , إلى نعت "اللاحل" المترتب عليها بأنه عار على جبين الإنسانية . أفرز وطأة ثقيلة من ثقل الهموم والمآسي والويلات التي أُفرغت على كاهل الشعب السوري الذي لم تدب الرأفة به في الضمير العالمي لحد الآن وبعد كل هذا "اللاحل" . لذا صار من المنطقي , وقد اختلطت الأشكال الثورية بالألوان الإرهابية , القول أن جهوداً للخروج من تحت هذه الوطأة , وستكون عبر منافذ ضيقة , تقتضي بادئ ذي بدء فهم ثوري جديد للكفاح المسلح يرسم آليات عمل عسكري مؤسساتي ويطبعها بالطابع الوطني الموحد { بفتح الحاء وثم كسره } . فهم نابع من فهم آخر مزدوج , فهم وطني "للثورة" وثوري للوطن , على حدٍ سواء ! وتالياً إعادة تجنيد العمل السياسي – الدبلوماسي كشرط أساسي نحو اختراق إرادة المجتمع الدولي وتدويل أكبر وأكبر للقضية السورية بكل مضامينها وتراكيبها بما يُسرّع عجلة الخلاص ويمهّد الطريق لتركيع صعاب الظروف وتقريب الرؤى المختلفة وتذليل العقبات أمام حوار مجتمعي مفتوح لإرساء أولى لبنات "الدولة الوطنية" .. المشروع الحلم , الحلم المشروع !
#فرهاد_ملا_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟