|
البحث عن الله بين أنقاض الأديان الفضائية
علي الخليفي
الحوار المتمدن-العدد: 4436 - 2014 / 4 / 27 - 08:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كل الأديان أرضية ولا وجود لدين سماوي المصدر لأنه ببساطة لا وجود لذلك السقف المرفوع الذي إصطلح القدماء على تسميته بـ سماء ، وإن جاز لنا إعادة تسمية تلك الأديان من حيت أنها هابطة إلينا من مصدر علوي فعلينا تسميتها بالأديان الفضائية لأن ذلك العلو الذي يعلونا ليس سوى فضاءات لامتناهية البعد.
لسنا هنا بصدد البحث في مصدر تلك الأديان التي يصطلح العوام على تسميتها بالسماوية ، ولكن نحن بصدد البحث عن التصدعات التي أحدثها في الفكر الإنساني مما شوه ثم دمر تلك الفكرة الفاضلة التي نسميها الله.
فكرة وجود كائن مثالي علوي المنزلة يختزل كل القيم الفاضلة هي فكرة حضاريه نتجت عن شعور الإنسان المتحضر الساعي للكمال بعجزه عن بلوغ الكمال ، فجسد ذلك الكمال في فكرة الإله وأنتسب إليه ومنحه كل السلطات القاهرة ، وحدد له إستعمال تلك السلطات فقط في زرع الفضائل ورعايتها والقيام على حماية الداعين لها والسائرين على درب بلوغها.
من المضحك المبكي أن تجد قبيلة لاتزال في أطوار التوحش ولم تبلغ حتى الحد الأدنى مما بلغه الإنسان المتحضر في تقديس الفضائل ،من المضحك المبكي أن تجد هذه القبيلة تدعي أن عقول أبنائها أنتجت فكرة وجود الإله ، بل تتمادى في إدعائها بحيث تقصر على نفسها وتحتكر المعرفة بهذا الإله وهو ما أنتج هذه الصورة البشعة والقبيحة لفكرة الإله التي نراها اليوم تتجسد في أكل الأكباد والقلوب وتقطيع الأوصال والإنتحار لأجل دخول فردوس دعارة الحور العين الذي جهزه ذلك الإله المشوه لمتبعي وصاياه المشوهة.
ما يحدث في هذه المنطقة التي تدعي إحتكار معرفة الله أسقط نهائياً ذلك الإله من عقول وقلوب كل من له عقل أو قلب ، فذلك الإله المتوحش المخضب بدماء الأبرياء ،ذلك الإله الذي يدير حديقة للدعارة والخمور يكافئ بها القتلة والإرهابيين ، ذلك الإله الذي يستمتع باهات المهجرين والمعذبين لايوجد إنسان سوي العقل يؤمن بـ ألوهيته ، ولم يتبقى له من المؤمنين سوى المرضى النفسيين وأصحاب العاهات العقلية وطائفة من المتوحشين الذين لم يتأنسنو بعد . ما جعل السقوط يكون مريعاْ هذه المرة ليس هو بشاعة ما يُرتكب وما يقترف بأسم هذا الإله ومن جراء إتباع أوامره الشريرة ، فهذه الأحداث تكررت على مدى التاريخ وربما بصورة أبشع مما نرى ، ولكن التوثيق هو الذي كان غائباْ ،فكل كل البشاعات جرت بعيداْ عن أعين العالمين ،أما في هذه المرة فهي تجري على رؤس الأشهاد موثقة بالصوت والصورة وليس بإمكان أحد التنصل أو التبرؤ منها حتى أن تلك الطائفة التي تحاول تبرئة ذلك الإله مما يجري وتسعى لنفي كل تلك البشاعات عنه وتنفي عمن يقومون بها صفة الإنتساب لهذا الإله لم يعد لها ما تدفع به للإنتصار لدعواها المزورة تلك ، فسهولة تداول المعرفة طرحت كل الوصايا التي يوصي بها هذا الإله لكل من يرغب الوصول إليها وصار بإمكان كل صاحب عقل أن يقارن تلك الوصايا بما ينفد على الأرض ممن ينتسبون لهذا الإله ليجد أنهم يطبقونها بكل أمانة بل إنهم في أحيان كثيرة يتساهلون في تطبيقها .
ولو طبقوها بحذافيرها لأفنو من حولهم.
سقط هذا الإله وتشظت قطعه المرعبة بين أنقاض الأديان التي حملت وصاياه وتعاليمه ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل سقوط هذا الإله يعني سقوط فكرة الإله التي أنتجها الإنسان المتحضر؟ . إذا ما رجحنا هذا الرأي فهذا يعني وببساطة سقوط فكرة الفضيلة كقيمة إنسانية سامية وهو ما سيعود بالإنسان إلى عصور التوحش الأولى.
لكن الفضيلة كقيمة إنسانية لا يمكن لها أن تسقط لأنها فطرة متأصلة في طبيعة الإنسان السوي ،ومادامت الأرحام تنجب أسويا فستظل الفضيلة قيمة سامية ، وسيظل الإنسان الساعي للكمال يسعى لبلوغها ، وكلما حالت طبيعته الإنسانيه الناقصة بطبيعتها بينه وبين بلوغ ذلك الكمال فهو سينتج فكرة الإله .
الذي تشظى وتهاوى في خضم الأحداث الاخيرة هو إله التوحش ،إله القبائل التي لم تعرف الحضارة الإنسانية ، هذا هو الإله الذي نرى شظاياه متناثرة في كل الساحات التي إجتاحها ما عرف بالربيع العربي . أما فكرة الإله ذات المنشأ الحضاري والتي تفتق عنها عقل الإنسان المتحضر فستظل قائمة ما قامت الحضارات ، والحضارات ولاشك ستظل قائمة ما ظل الإنسان متمسكا ًبإنسانيته.
ربما آن الأوان الآن لنبحث بهدؤ وفي رؤية عن إلهنا الضائع ونعيد ترميم صورته الجميلة بأنامل إنسان متحضر صقلته الحضارة والتمدن .
آن الأوان لنُزيل كل التشوهات التي ألحقتها القبائل المُتوحشة بهذه الفكرة الجميلة .
آن الأوان لنجمع أنقاض إلهنا المُتحضر المسكين الذي جعلته طبيعته المُتحضرة يكون فريسة سهلة لـإله التوحش والعنف . ففضل أن يكون القتيل على أن يكون القاتل.
آن الأوان لنفعل ذلك لأن حياة الإنسان بدون وجود إله لايمكن لها أبداً أن تستقيم ، لأن الله هو الفضائل المُثلى والحياة لايمكن لها أن تكون متمدنة ومُتحضرة بدون أن تكون الفضائل المُثلى هي النبراس العلوي المُقدس الذي تكون رسالة الإنسان الوحيدة في هذه الحياة هي بلوغه أو مقاربته في أقل الأحوال.
#علي_الخليفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سرطاناتنا الحميدة
-
عذرا معشر الكلاب
-
من يتآمر على من في مصر؟
-
الثورة لا تخرج من جامع
-
دعوة إلى التشيع
-
ما الذي تبقى من إسلامكم؟!!
-
ديمقراطية الولي الفقيه
-
قراءة شيطانيه في ثقافة شيطنة العقل 2/2
-
قراءة شيطانيه في ثقافة شيطنة العقل 1/2
-
الربيع الفرعوني .. هل يفعلها الفراعنة ؟
-
حتى لا تحكمنا موزة
-
الجُموع ليست مُقدسة
-
لماذا لا للإسلامجيه
-
الدولة المدنية الدينيه
-
الله يتضور جوعاً
-
تضحيات الكفار يحصد ثمارها المؤمنون
-
بين المدنية والتدين 3/3
-
بين المدنيه والتدين 2
-
بين المدنيه والتدين 1
-
سيدي الرئيس
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|