كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 12:16
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يحلو لي أن أشبه المرحلة الحالية التي يمر بها الجنس البشري بمرحلة – المراهقة – هذه المرحلة معروفة على مستوى تطور الفرد , فهي فترة زمنية معينة من النمو تحدث أثناءها تغيرات فيزيولوجية عميقة , تكون مصحوبة عادة بهزات وانقلابات مفاجئة في السلوك تتميز بالطيش والنزق , واذا كانت مراهقة الفرد شديدة فقد تقتله , ولكن بعد وصوله الى سن النضج تستقر ملامحه الشخصية وتخف انفعالاته العاطفية وتترك مكانا للتعقل والحكمة .
وللنوع كما للفرد مسيرة تطور خاصة به , من الطفولة الى المراهقة الى النضج أيضا , والنوع البشري نوع فتي نسبيا فلا يتجاوز عمره مليوني سنة , ولم يصل بعد الى مرحلة النضج , وهو في مرحلة المراهقة اذا صح التعبير .
مراهقة النوع البشري في هذه اللحظة من تطوره متعددة الجوانب , يهمني منها في حدود هذا المقال , الارهاب الذي يهدد العالم في الشرق والغرب هذه الأيام .
أي حضارة وصلنا اليها !! تجعل المسافرين سواء كانوا اطفالا ام شيوخا , اناثا ام ذكورا يتحولون الى اشلاء مبعثرة يتم جمع اعضاؤهم وحطامها من بين الحافلات ! لماذا نوظف كل منجزات العقل البشري العلمية كي نستعمل مواد شديدة التفجر يتم التحكم بها عن بعد , حتى نغتال احلام المسافرين الذين هم على موعد للقاء احبتهم ؟!.
ماحدث ويحدث الان في نيويورك ولندن والشيشان وافغانستان والعراق وفلسطين شيئ مروع , مايروع اكثر منه الا نفكر الا بالحل العسكري للارهاب كما يتوعد بوش في خطاباته الأسبوعية وهو ارهاب آخر سيغذي الأول ويجعله يتوهج اكثر . لا بد من التفتيش بجدية عن الاسباب البعيدة والقريبة التي تولد الارهاب , وفي مقدمتها تحكم فئة قليلة من الجنس البشري بخيرات هذا الكوكب , والذي يقود الى تركز الثروة في يد قلة قليلة جدا, في حين تعاني الكثرة من ابناء العالم , من الفقر والجهل والتخلف , بهذا المعنى فالارهاب الحالي يمت بصلة الى المقاومة المشروعة التي ظهرت في اماكن متعددة تاريخيا , وقام بها المستضعفون من الجنس البشري سواء كانت ضد مستغليهم من بني قومهم او غزاة طامعين بثروات بلادهم . ولكنها الان مقاومة مقلوبة اذا صح التعبير تذكرني بمقاومة الصوفيين الاسلاميين لأمرائهم الذين خرجوا عن تعاليم الاسلام كليا واستمرؤوا الفسق والمجون , والتي كانت مقلوبة هي الأخرى واعتمدت طريق القلب بدلا من طريق العقل . من لايرى جانب التضحية في ارهاب هؤلاء هو اعمى , او لايريد استعمال عينيه . فمن يذهب لتفجير نفسه بحزام ناسف سواء في فلسطين والعراق أو في أي مكان آخر هو في قمة التضحية والاستعداد لبذل الغالي والرخيص من اجل قضيته كما يعتقد هو , وليس الموضوع هو موضع يأس وانتحار وكفى ,
ذاد في الطين بلة الهيئات الدوية القائمة وازدواجية معاييرها , تطبق قرارت الشرعية الدولية بأيام في العراق , وتبقى عشرات السنين حبرا على ورق في فلسطين والجولان .
لاأريد لأحد ان يفهمني خطأ , ويظنني اروج لحل سحري اشتراكي تطبق فيه الديمقراطية الاجتماعية . على العكس تماما فانا ارى ان الاشتراكيين وحكمهم في الفترة السابقة هو الذي ولد الارهاب , فالراسماليون الكلاسيكيون بذلوا جهدا مهما كان متواضعا حتى راكموا ثرواتهم, في حين أثرى قادة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية بدون تعب وبفترة جد قصيرة على حساب لقمة فقراء بلدانهم . ان الحل ممكن وفي ظل الظروف الحالية من خلال مؤسسات دولية مستقلة لا تخضع لنفوذ الدول الكبرى كما هو الحال في المؤسسات القائمة الان أذا تم اعتماد شرعة الانسان وحقوقه ومنع الاتجار بها , لتتحول الى تجارة رابحة كما تحول النضال ضد الامبريالية في السابق الى تجارة رابحة . ان ماقدمه العلم والتطور وما راكم من خبرة في اسالبب الانتاج يجعل من السهل تطبيق حقوق الانسان التي تترجم في الظروف الحالية على انها حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية وفي مقدمتها حد ادنى من ضمان صحي واجتماعي وتامين فرص عمل تتيح لكل انسان الحصول على لقمة عيشه بدون اذلال . بالطبع يسبقها اطفاء البؤر الملتهبة والتي تولد الارهاب وفي مقدمتها فلسطين والشرق الأوسط
.................................................................................................
سوريا بلدي الحبيب عانت وتعاني وستعاني من الارهاب الذي يضرب العالم الآن , ان مجزرة المدفعية, ومجزرة الأزبكية. ومجزرة السبع بحرات, ومجزرة تدمر ومجازر حماه وحلب روعت الآمنين والمسافرين في الثمانينات, والنار لاتزال كامدة تحت الرماد , ومن يظن ان السلطة الحالية وطريقة ادارتها للازمات وحدها مسؤولة عن الارهاب واهم جدا , ان الارهاب يتغذى من بنية متخلفة موروثة تعود الى القرون الوسطى , ارى ان احسن من شخصها بشكل صحيح في سوريا هو البيان الأخير لجمعية حقوق الانسان في سوريا والذي حرضني على كتابة هذا المقال , فألف تحية وشكر على هذه الانطلاقة الجديدة المهتمة بحقوق الانسان السورية قولا وعملا . افتتح البيان كما يلي ( تتابع المنظمة السـورية لحقوق الإنسـان بقلق بالغ الأوضاع اللانسانية التي تتعامل بها إدارة سجن دمشق المركزي مع المعتقلين السياسيين والتي مردها فيما يبدو النظرة المتخلفة للمعتقل السـياسي على أنه عدو الله والوطن تلك النظرة التي لم تتطور مع رياح التغير التي إجتاحت العالم بأسره منذ بداية عصر التنوير في أوربا والتي إجتاحت العالم بأسره تقريباً في حين أنها ما زالت وللأسف الشديد في عالمنا العربي تعود لجذورها التاريخية في العصور الوسـطى نتيجة الخلط ما بين مفهومي الوطن والسـلطة وإستمرار النظر للمختلفين بالرأي على أنهم أعداء الله والتاريخ و الوطن 0) ومما جاء فيه ايضا في معرض المقارنة بين حقوق السجين السياسي والسجين الجنائي قي سوريا ما يلي
(ان المفاهيم والقيم التي تحكم السجون كانت قد تطورت بفعل الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر وقد أرخى ذلك بظلاله على التشـريعات العقابية لاسيما منها المتعلقة بمعاملة المعتقل السياسي والتي أوصت بمعاملته بطريقة حسـنة بإعتباره صاحب عقيدة ووجدان ، وأفضل من تلك المعاملة المخصصة للسـجين الجنائي الذي غالباً ما يكون باعثه لإرتكاب الجريمة نوازع غير كريمة 0
غير أنه في الواقع العملي فما زالت تفرض على المعتقل السياسي في سـجوننا معاملة إنتقامية أسـوء بكثير من المعاملة المفروضة على السجين الجنائي بهدف إخضاعه لظروف مشددة في السجن مما يزيد القسوة عليه بطريقة تنفيذه للعقوبة مما لا يليق والموقف الرسـمي والمعلن من التطوير و التحديث وترسـيخ دولة القانون والمؤسـسـات 0)
ومن يظن ان حقوق السجين السياسي في سوريا فقط ادنى من حقوق السجين الجنائي واهم ايضا , انها كذلك في كل البلدان العربية والاسلامية والبلدان المتخلفة عموما . فالسجين السياسي في تلك البلدان ينظر اليه بوصفه اخطر انواع المجرمين, فهو يهدد ويتطاول على الذات الاهية المجسدة على الأرض بالذات الملكية في البلدان ذات الأنظمة الملكية . وخطر على السلم الاجتماعي في البلدان التي تحكم جمهوريا ويتم التوريث فيها باسم الاستقرار والاستمرار . في حين يبقى المجرم الجنائي مجرما فرديا لا ترقى جريمته لجريمة الخطر على أمن الدولة ,
ما يلفت الانتباه في سوريا هذه الأيام تلك المعارك الجانبية التي يفتعلها مثقفوها بين بعضهم والتي تتجسد فيها امراض المثقفين في الماضي والحاضر , منها على سبيل المثال لا الحصر الحملات التي تشن على من يسمونهم الليراليين الجدد في سوريا
- ذاك يصفهم بانهم عملاء ماجورون للبرالية جديدة يقودها بوش وشارون
- وآخر يرى أن وصفهم بالمفرزات الوسخة لاتكفي, انهم برأيه أسوأ من ذلك
- وأخر يطالب بالتعامل معهم على انهم مجرمون جنائيون وليسوا سياسيين
- وآخر يرى انهم انقلبوا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي نحو امريكا انطلاقا من انتهازيتهم اليسارية
- وآخر يرى انهم باحسن الأحوال انقلبوا بسبب خيبة امل بالاشتراكية والمفروض فصل الديمقراطية عن الفلسفة الليبرالية
شخصيا ارى في انتقالي لهذا الموقع ارتقاء في وعيي , واحمد الله على انني لم اعد ارى في امريكا الشيطان الأكبر كما كنت ايام الحرب الباردة , ولا ادعو لمقاطعة قناتها الحرة , بل ارى فيها بلدا حضاريا وله مصالح في منطقتنا وهذه المصالح تتقاطع مع مصلحة شعوب المنطقة الآن في دفعها الى الامام خطوة على طريق الديمقراطية من اجل تجفيف منابع الارها ب وتامين منطقة هادئة صالحة لاستثمار رؤؤس أموالها , وليس حبا بنا ورغبة بمساعدتنا .
من يخالفني الرأي احترم رايه , واقول ان عقلي منفتح يتغير حسب المعطيات ولكنني مصر الآن , ان بامكاننا جميعا من لا يزال يرى المهمة الأساسية هي النضال ضد الامبريالية ومن يرى بان المهمة الأساسية هي ضد الاستبداد, ان نجتمع لنناضل من اجل ان تصبح حقوق السجين السياسي في سوريا مثل حقوق المجرم الجنائي , ان يعامل عارف دليلة ومحمد رعدون, ونزار رستناوي وعبد العزيز الخير ومحمد ديب وحسن زينو, والآكراد المضربين عن الطعام , وآخرون سيعتقلون حديثا معاملة الجنائيين, ويكون لهم نفس حقوقهم في التنفس او الوقوف مرفوعي الرأس اما م السجان والا يفرض عليهم كما يفرض على علي العبدالله ان يقف ووجهه الى الحائط عندما يمر سجانه .
ما اضيفه , ان تحقيق ذلك لا يكفي مناشدة وزارة الداخلية , انه يحتاج الى تضحيات مركبة ومعقدة وتتداخل مع تضحيات كثيرين ومع نتسيق مع ساحات عربية وشرق اوسطية ولا اعتقد ان امريكا ستكون هي من سيتصدى لهذا النوع من النضال , واذا كان دعاة المقاومة الشاملة لمخططات الامبريالية والصهيونية يعتقدون ان امريكا والصهيونية العالمية هي التي ستقف وراء عرقلة نضالنا ليصبح السجين السياسي له حقوق مشابهة للسجين والمجرم العادي كون تلك الخطوة تساعد حركة التحرر العربية وتقويها في نضالها , ونضالها يتمحور حول التناقض الآساسي ضد الامبريالية والصهيونية , لهذا السبب يجب ان يكونوا في طليعة من يضحي من اجل حقوق السجين السياسية
لماذا لانفتش عن التقاطعات فيما بيننا بدلا من خوض المعارك الدينكوشوتية
ان خطوة عملية على ارضية بيان منظمة حقوق الانسان الاخير خير من دزينة برامج
وخطوات مشابهة كتلك في كل مكان من هذا العالم هو الذي سيساعد لكي تنتصر شرعة حقوق الانسان على الارهاب على ما اعتقد .
خلق الله الانسان في احسن تكوين , فلماذا نصر بمراهقتنا وحماقاتنا أن نرده الى اسفل السافلين !!
كامل عباس - اللاذقية
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟