|
النظام الأسرى بين المساواة والقوامة .
كريم عامر
الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 12:41
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
" إن العنف هو السلاح الوحيد لمن لا يملك قوة الإقناع العقلى . ولا يمكن لعقل أن يقتنع أن الزوج ( وإن كان أغبى الأغبياء ) هو الوصى على زوجته ( وإن كانت أذكى الأذكياء ) ." د / نوال السعداوى - الرجل والجنس . تعد المساواة هى الركيزة الأساسية لبناء علاقة زوجية متكافئة سوية ، ويقصد بها قبول كل طرف من أطراف العلاقة الزوجية مبدأ التساوى التام مع الطرف الآخر فى الحقوق والواجبات بصرف النظر عن أى إعتبارات أخرى ، فالحقوق التى يستأهلها الزوج لا تختلف عن الحقوق التى تأخذها الزوجة ، والأعباء التى تقع على عاتق الأسرة يجب أن يتقاسمها طرفى العلاقة فيما بينهم ، فهى مشاركة بالتساوى التام - وليست تقسيم عمل - بحيث لا ينفرد أحد الطرفين بأداء عمل معين دون الآخر بل يشتركان معا فى إنجازه بعد الإتفاق على الكيفية التى يمكنهم إنجازه بها ، فالعلاقة السوية يفترض فيها أن يساهم كل طرف بتحمل شطر المسؤلية سواء من ناحية الإنفاق المالى على الأسرة أو القيام بأداء الأعمال المنزلية أو تربية الأطفال ، وما إلى ذالك من أعمال . فالمساواة على هذا النحو كفيلة بخلق علاقة زوجية سليمة من جميع النواحى تعمل على تدريب أطرافها على تحمل المسؤلية وتضعهم - إضافة إلى ذالك - موضع القدوة بالنسبة لأبنائهم ، وهذه العلاقة تكون خالية تماما من كافة العيوب والأمراض المزمنة التى تصيب العلاقات الإجتماعية الأخرى القائمة على السيطرة والخضوع ، إذ أن العلاقة المتكافئة لا يمكن أن تضم اليها أطرافا أخرى تؤثر فيها أو تتأثر بها ، وهى بالتالى تخلق جيلا حرا متفهما مسؤلا يقدر الحياة الزوجية ويؤمن بأنها ليست مباراة عبثية أو نمط فوضوى للحياة ، وإنما هى إحترام للذات وتقدير للآخر ومسؤلية . وإذا جلنا بأنظارنا بعيدا عن العلاقات الزوجية السوية ، فإننا سنجد علاقة أخرى تعتمد على مبدأ آخر بعيدا كل البعد عن المساواة التى هى عماد العلاقات السوية ، وهو قوامة أحد طرفى العلاقة - وهو فى الغالب الطرف المذكر - على الطرف الآخر بحيث يخضعه لإرادته ويدفعه قسرا للإمتثال لأوامره ، ويلزمه عنوة بالإبتعاد عن زواجره ، ويطلب منه إلغاء ذاتيته وخصوصيته الشخصية ليتطبع بطبعه ويصبح نسخة مطابقة له . وترجع الأصول الفكرية لهذه العلاقة السلطوية الشاذة إلى العصور البدائية عندما كانت القوة هى الحكم والفيصل فيما ينشب بين الناس من منازعات ، فكان الأقوى هو الأولى بالسيادة والأضعف هو الأولى بالتبعية ، ولا أعنى على الإطلاق أن ضعف المرأة فطرى وجد معها منذ وجودها على ظهر الأرض ، ولكن ماحدث هو أن فوجىء النساء فى مرحلة ما فى نهاية عهد الخيرية المطلقة ( الشيوعية التامة ) بإغتصاب الذكور لهن عنوة وإجبارهن على الخضوع لهم دون أن يكون لهن سابق علم بهذه المخططات الذكورية الخبيثة ، ونجح الذكور جيلا بعد جيل فى مسخ هوية الأنثى التى كانت فى عصر ما هى الإلهة القوية ( عشتار - إيزيس ) ، وجعلوها تتقبل هذا الأمر وتعتبره واقعا وقدرا لا مهرب منه وسنة حياة لا سبيل إلى تبديلها . ومن هنا نشأت القوامة كأساس لقيام علاقة زوجية بسيطرة الطرف القوى إجتماعيا ( الرجل ) على الطرف المضطهد إجتماعيا ( المرأة ) وتطور هذا النظام بتطور المجتمعات وظهور الشرائع الدينية من نظام عبودى قائم على إمتلاك الزوج لزوجته ملكية تامة تتيح له المتاجرة فيها بيعا وشراءا وهبة ورهنا إلى نظام أقل عبودية قائم على منح المرأة جزءا ضئيلا من حقوقها ، وإن كان المشرع الدينى - نظرا للظروف الإجتماعية بالغة الحساسية - لم يستطع أن يصل بحقوق المراة إلى أبعد من هذا إلا أنه شدد فى نصوصه الدينية على المساواة التامة بين البشر التى يفهم منها ضمنا عدم إعتراف الدين بالتفاوت الإجتماعى بين الرجل والمرأة . إذن فالقوامة ماهى إلا نظام رق مقنع ومغطى بغطاء الزواج حيث يمتلك فيه أحد الطرفين الطرف الآخر ملكية تامة يخضعه من خلالها لسلطانه وإرادته ويجبره على أداء الأعمال الخدمية له ، إضافة إلى إستخدامه كأداة للمتعة الجنسية بإعتباره مجرد آلة لإنتاج أفراد جدد يعيدون دورة الحياة دون ادنى حس أو شعور إنسانى يذكر . وتكمن أضرار هذه العلاقة فى الإرتباطات المريضة التى تنشأ بين أفراد الأسرة الواحدة ، حيث لا تجد الأم مهربا من الضغوط الممارسة عليها من قبل زوجها سوى اللجوء إلى أبنائها والإلتصاق التام بهم ، ويجد الأبناء أنفسهم - فى الوقت ذاته - بحاجة إلى خلق رابطة متينة مع أحد أطراف العلاقة الذى يشعرون تجاهه بالحب والود والألفة على حساب الطرف الآخر ، وتنشأ من هنا علاقات مريضة أخرى تتجلى مظاهرها بوضوح فى علاقة الأم بإبنها ( الذكر ) خلال مراحل حياته المختلفة ، فهى تعمل على توفير كافة وسائل الراحة والرفاهية له دون أن تتركه يتعلم كيف يتحمل المسؤلية ويعتمد على نفسه فى الحياة ، وعندما يرتبط جنسيا تحاول التدخل فى شئون أسرته الناشئة بمحاولتها الدؤبة فرض سيطرتها على زوجة إبنها فى رابطة سادومازوكية متجددة . وفى المقابل تنظر الأم إلى إبنتها بعين الشفقة خوفا عليها من المستقبل المظلم الذى ينتظرها فى مجتمع لا يقدر النساء ، وسرعان ماتتحول هذه الشفقة إلى عداوة عندما تطلب الأم من إبنتها القيام بالأعمال المنزلية وخدمة إخوتها من الذكور ، وتتطور هذه العلاقة بتطور حياة الإبنة عندما تتزوج حيث نجد الأم بصورة تلقائية تعقد تحالفا مع زوج إبنتها غايته إجبارها على الخضوع لزوجها ومنعها من التفكير فى الإنفصال عنه ، وتلعب الأم بذالك دورا بالغ السوء فى حياة الإبنة يؤثر بالضرورة على صحتها النفسية ويحولها إلى إنسانة سلبية تتقبل الواقع المر ولا تحاول إنتقاده أو التمرد عليه وتنتقل العدوى منها بعد الزواج والإنجاب ومرور الأيام وتكرار المآسى إلى أبنائها . مما سبق يتضح أن هناك فروقا جوهرية بين هاتين العلاقتين المتباينتين اللتين تمثلان النظامان الوحيدان للروابط الجنسية البشرية من عدة جوانب : - أولا :- التساوى التام بين أطراف العلاقة الأولى يقابله خضوع أحد طرفى العلاقة الثانية للطرف الآخر الذى يسيطر عليه . ثانيا :- بساطة التكوين الإجتماعى الذى يميز العلاقة الأولى القائمة بين طرفين غير قابلين لإحتمالات الزيادة بالتأثير أو التأثر ، يقابله تشابك وتعقيد العلاقة الثانية التى تضم إليها أطرافا أخرى تخضع وتسيطر . ثالثا :- من النتائج الإيجابية للعلاقة الأولى أنها تدرب أطرافها على تحمل المسؤلية فى الحياة وتجعلهم قدوة لأبنائهم فى هذه الأمور الهامة ، ويقابل هذه النتيجة الإيجابية نتيجة أخرى سيئة جدا فى العلاقة الثانية تكمن فى العجز النفسى الذى يصيب جميع أطراف هذه العلاقة ويعيقهم عن تحمل عن تحمل المسؤلية . رابعا :- من النتائج الإيجابية أيضا للعلاقة الأولى خلق الإنسان القادر على دخول وتفعيل علاقات إنسانية سوية وتكافئة ، ويقابل هذه النتيجة الإيجابية نتيجة أخرى أكثر سوءا وهى خلق مسخ بشرى مشوه نفسيا مريض إجتماعيا غير قادر على تحقيق التكافؤ والعدل فى العلاقات التى يصير طرفا فيها ، وإنما يكون هو المسيطر عندما يكون الطرف الآخر ضعيفا أو الخاضع عندما يكون الطرف الآخر قويا . مما سبق بيانه ندرك أن العلاقة الزوجية السوية يجب أن تقوم على التكافؤ والمساواة بين طرفيها وليس على سيطرة طرف واحد على كامل الكيان الأسرى مهما كانت الإعتبارات الدينية أو العرفية أو القبلية التى لا يمكن أن تحظى بإقتناع العقل بها لأنها تكرس إستخدام مبدأ القوة فى العلاقات الإنسانية ، وكذالك لا يمكن تدارك الأضرار التى تنشأ عن العلاقات المبنية على هذه الأسس المتداعية ، ولذا فإن مايعرف بحق الرجل فى القوامة على زوجته لا يمكن أن يتقبله عقل ولا أن يحظى بالشرعية الإنسانية لأنه لا يوجد - على الإطلاق - مبرر عقلانى لتمييز الرجل عن المرأة وإعطاؤه هذه المنزلة الفوقية بالنسبة لها ، بل إن إطلاق حق القوامة بالنسبة للرجل وعدم تقييده يعد خللا فظيعا فى هذا النظام اللاإنسانى ، لأن الرجل قد يكون أقل فى النضوج العقلى من المرأة فكيف يكون من العدل إعطاء الحق لذوى العقلية السطحية الباهتة فى القوامة والسيطرة على ذوى العقلية القوية الناضجة ؟! ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن التركيز على حق الرجل فى القوامة على زوجته يعد تأييدا وإستمرارا للمبدأ الذى قامت عليه شريعة الغاب من أن البقاء للأقوى فى البنيان الجسدى وعلى الأضعف بنيانا الخضوع لذوى القوة الجسدية المجردة من العقل الذى يفترض أن يكون هو المرجع الوحيد للفكر الإنسانى القائم على التفاهم والصراحة والإقناع وليس على القوة والعنف ولى الذراع. عبدالكريم نبيل سليمان 14 / 7 / 2005 الإسكندرية / مصر
#كريم_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من واقع رسالة طالب أزهرى : الأزهر والقاعدة ... وجهان لعملة و
...
-
إعدام الشريف إعلان حرب ضد مصر
-
صيفى ... ولكن حافظى على حجابك !
-
الزواج والبغاء ، إطلاقات متباينة لسلوك واحد !
-
ثورة العبيد .... ضد الحرية !
-
حركة كفاية ... ومواجهة الإستبداد
-
عفوا أختى الفاضلة ... لقد غيبوا وعيك
-
هل نحن ولدنا أحرار ؟؟!!
-
شبكة الإنترنت .... وتحطيم الأبواب المغلقة للمجتمع الذكورى ال
...
-
الصحف المصرية الصفراء تتهكم على رموز المجتمع المصرى - صحيفة
...
-
هند الحناوى : الفتاة التى أسقطت هيبة الذكور
-
فى يومها العالمى : تحية الى رمز النضال النسوى المصرى - د / ن
...
-
عزيزتى المرأة : قليل من العتاب - دعوة لتكوين جبهة عربية لموا
...
-
الباحثات عن الحرية : إيناس الدغيدى وعمل إبداعى بكل المقاييس
-
إلى كل أنثى : أنت الحياة !!!
-
الغزوات الفكريه : كيف نتعامل معها ؟
-
تساؤلات طفولية
-
تقرير سرى جدا من بلاد قمعستان للشاعر الراحل - نزار قبانى -.
-
الموديل الثائرة - شعر
-
جامعة الأزهر .... وسياسة الفصل العنصرى بين الطلبة والطالبات
...
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|