أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - وَسائِلُ خَسِيسَةْ 3














المزيد.....

وَسائِلُ خَسِيسَةْ 3


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 12:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مع إشادتنا ، فى المقالتين السابقتين ، بحملة (مركز الأمل) السودانى لمناصرة المناهضة للتعذيب فى خلفيَّة ما رتبته وما تزال ترتبه المادة القانونيَّة الدوليَّة ، إلا أننا شدَّدنا على ضرورة انفتاح خطاب الحركة المدنيَّة ، عموماً ، على المواقف الأخلاقيَّة الحاسمة من هذه الظاهرة ، فى ثقافات مختلف مفردات التنوِّع السودانى. فالأعمق أثراً من القانون هو الواعز الذاتى الذى يتشكل على منظومات نضيدة من شتى ترميزات (القيم الدينيَّة) الخيِّرة والمثل المتأصِّلة فى صميم (الفطرة الانسانيَّة) السليمة.
من ثمَّ ، وكما سبق أن نوَّهنا ، يجئ تركيزنا ، فى الجزء التالى ، على موقف (الاسلام) من هذه الممارسة البشعة ، لا باعتباره ، فحسب ، دين الجماعة المستعربة المسلمة ، بثقلها المعلوم فى بلادنا ، والمصدر الرئيس لثقافتها وثرائها الروحى ، بل ولكونه أيضاً دين مجموعات معتبرة مِمَّن ينتمون إلى تكوينات إثنيَّة مغايرة ، فيتداخل فى نسيج ثقافاتها ، يؤثر فيها ويتأثر بها.
مقاربة مضمون (الرافعة) العقديَّة لاحترام (حقوق الانسان) عموماً ، ومناهضة (التعذيب) خصوصاً ، من زاوية النظر الاسلاميَّة ، تستلزم ابتداءً مقاربة المفهوم القرآنى (للانسان) نفسه من حيث هو كذلك. وهو مفهوم يقوم ، كما سبق أن أشرنا فى أكثر من مناسبة ، على جملة شعَب أساسيَّة: (فالانسان) هو المخلوق الوحيد المُكرَّم بالتفضيل "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيِّبات وفضلناهم على كثير مِمَّن خلقنا تفضيلا" (70 ؛ الاسراء) ، والمرفوع درجة حتى على الملائكة "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم" (116 ؛ طه) ، والمُكرَّم بالأمانة "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولا" (73 ؛ الأحزاب) ، والمُكرَّم بالاستخلاف "وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة" (30 ؛ البقرة) ، والمُكرَّم بالعقل والفطرة السليمة "ثم سوَّاه ونفخ فيه من روحه" (9 ؛ السجدة) ـ "فطـرة الله التى فطـر الناس عليها" (30 ؛ الروم).
وروى عن النبى (ص) أنه قال: "أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له أدبر فأدبر ، ثم قال الله عزَّ وجلَّ: وعزتى وجلالى ما خلقت خلقا أكرم علىَّ منك ، بك آخذ ، وبك أعطى ، وبك أثيب ، وبك أعاقب" (أخرجه الطبرانى فى الأوسط). و(العقل) هو ".. أشرف صفات الإنسان .. إذ به تقبل أمانة الله" (أبو حامد الغزالى ؛ إحياء علوم الدين ، ج 1 ، ص 12 ـ 13). ويؤكد أئمة التنوير أن هداية الدين ذاتها تأتى فى مرتبة ".. الهداية الرابعة بعد هداية الحواس ، والوجدان ، والعقل" (محمد عبده ؛ الأعمال الكاملة ، ص 293).
وتبعاً لهذا التكريم (بالعقل) ، كرِّم الانسان أيضاً (بالحرية) و(الاختيار) فلم يُقسَر حتى على الإيمان: "لا إكراه فى الدين" (256 ؛ البقرة) ـ "ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (99 ؛ يونس) ـ "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (29 ؛ الكهف). وبقدر كسب الانسان المُكرَّم (بالعقل) و(الحريَّة) فى (التدبُّر) و(الاختيار) ، يكون حسابه: "وأن ليس للانسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يُرى. ثم يُجزاه الجزاء الأوفى" (39 ، 40 ، 41 ؛ النجم) ، فمدار هذا العدل الإلهى هو فقط كسب الانسان بمحض (إرادته الحُرَّة) و(عقله المختار).
وإذن فالانسان ".. قد اكتسب بمقتضى ذلك التكريم حقوقا لا سلطان لأحد عليها" (راشد الغنوشى ؛ محاور إسلامية ، ص 68). لكن أصحاب (السلطان) عبر التاريخ ، منذ الفراعنة والأكاسرة والقياصرة ، مروراً بحلف الاقطاع والاكليروس الكنسى فى التاريخ القروسطى الأوربى ، وحتى أنظمة هتلر وموسلينى وستالين ونميرى وصدَّام ، ما انفكوا يزعمون أنهم ظلال الله فى أرضه ، لا فرق بين حاكم فرد أو نخبة مسيطرة أو أقليَّة اجتماعيَّة سائدة اقتصادياً وسياسياً ، اللهم إلا فى أسلوب (التديَّن) بالاستبداد وادِّعاء (العصمة) و(القداسة). وقد ذمَّ القرآن الاستبداد عموماً ، سائقاً العبرة من نموذج (فرعون) بصورة مخصوصة: "وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى" (38 ؛ القصص) ، "قال فرعون ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" (29 ؛ غافر).
ولئن كان الخوارج ، مثلاً ، هم أول من تخندق تحت شعار (الحاكميَّة لله) فى تاريخ الفكر السياسى الاسلامى ، فقد استخدم ذات الشعار لاحقاً ، وبمختلف الأساليب ، كسلطة معنوية لتبرير القهر حتى ".. تربع على مقاعد الحكم خلفاء لا تسندهم سوى شرعية السيف .. و .. انتشر الاستبداد .. ملجماً الفكر واللسان" (ص. المهدى ؛ أحاديث الغربة ، ص 30 ـ 31). ويفسِّر بعض المفكرين ذلك بالاغواء الذى يدفع المستبدين لدعم قدرتهم البشريَّة المحدودة بطاقة (الدين) التأثيريَّة الفائقة كى يتيسَّر لهم أن يسترهبوا الناس "بالتعالى الشخصى ، والتشامخ الحِسِّى ، ويذللونهم بالقهر .. حتى يجعلوهم خاضعين لهم" (ع. الكواكبى ؛ طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ، ص 36 و 37).
من هذه الوضعيَّة القرآنيَّة (للتكريم بالعقل والفطرة) ، أو (المسئوليَّة) المؤسَّسة على (حريَّة الاختيار) ، يمكننا استخلاص جوهر الموقف الاسلامى من (الاستبداد) و(القهر) اللذين يمارَس (التعذيب) فى سياقهما ، قبل أن ننفذ إلى الصورة المخصوصة التى وردت بشأنه فى الخطاب القرآنى. لكن ما يهمنا التأكيد عليه هنا هو أن هذه الوضعيَّة لم تنسرب فى تاريخ (الفكر الاسلامى) بذات السلاسة التى هى عليها فى (النصِّ المقدَّس). والسبب واضح بلا شك ، (فالقرآن) هو كلمة الله فى عليائه المطلق ، بينما (الفكر) إنعكاس لصراعات البشر النسبيَّة حول مصالح دنيويَّة محدَّدة. بعبارة أخرى فإن القرآن لا ينطق ، بل تنطق به ألسنة البشر الذين يسبغون عليه من تأويلاتهم وتفاسيرهم ورؤاهم ما يخالط مصالحهم الخاصة. وفى هذا تمظهُرٌ جلىٌّ لوجه أساسىٍّ من وجوه الفارق بين (الدين) و(التديُّن) ، بين (الاسلام) وبين (تاريخ الدولة الاسلاميَّة)!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَسائِلُ خَسِيسَةْ - 2
- التَّجَمُّعْ: هَلْ يَنسَدلُ السِّتارُ؟
- وَسِيلَةٌ خَسِيسَةْ 1
- مَحْجُوبٌ .. الذَّهَبِىْ!
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ3ـ3
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 2ـ3
- شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2
- جَنَازَةُ البَحْرْ!
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 2ـ2
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 1ـ2
- الحَرَكَةْ: مِن الثَّوْرَةِ إلى .. الدَّوْلَةْ!
- لَيْسُوا -رِجَالاً-؟!
- اللُّغَةُ .. فِى صِرَاعِ الدَّيَكَةْ
- للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. ...
- مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا ...
- القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا ...
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ ...
- حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - وَسائِلُ خَسِيسَةْ 3