أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - مخطط ماكنزي وصيرورة المسألة الزراعية في المغرب















المزيد.....



مخطط ماكنزي وصيرورة المسألة الزراعية في المغرب


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 4434 - 2014 / 4 / 25 - 16:58
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


قدمت وزارة الفلاحة والصيد البحري سنة 2008 مخططها الجديد حول المغرب الأخضر، وهو المخطط الذي تمت بلورته من طرف مكتب الدراسات الدولي ماكنزي. ولم نعثر في الموقع الالكتروني لوزارة الفلاحة سوى على عدد من اللوحات والبيانات والارقام التي تشير إلى التوجهات العامة للمخطط وتعتبرها استراتيجيتها الفلاحية في أفق 2020. وإذا كانت واجهة الصفحات الأولى لهذه اللوحات تحمل اسم وزارة الفلاحة والصيد البحري الا أن بعض صفحاتها مديلة برمز مكتب الدراسات ماكنزي، وهو ما يعني أن حقوق التأليف تبقى محفوظة للمكتب الدولي، لذلك اعتبرنا هذا المخطط مخطط مكتب ماكنزي الدولي للدراسات وليس مخططا مغربيا لوزارة الفلاحة والصيد البحري. ويشكل الرسم البياني التالي ملخص مخطط ماكنزي للاستراتيجية الفلاحية للفترة المذكورة وتعتبر هذه السنة (2014) منتصف الفترة التي تغطيها وقد ارتفعت فيها دينامية وزارة الفلاحة والصيد البحري للتأكيد على نجاعتها وقد عقدت مؤخرا بمدينة الصخيرات ندوتين (نونبر 2013 ومارس 2014) بشأن تقييم منتصف المرحلة :

الشكل رقم 1: مخطط ماكنزي حول استراتيجية المغرب الأخضر لسنوات 2008 - 2020

المصدر: الموقع الالكتروني لوزارة الفلاحة والصيد البحري

ولا يختلف مخطط ماكنزي في العمق والمقدم للرأي العام سنة 2008 عن مخططات أخرى مشابهة ومتزامنة معه في توقيت الاعلان عنها مما يستدعي القول بأنها موضوعة من طرف نفس المصدر، كما هو الشأن بالنسبة للمخطط الأزرق السياحي (يونيو 2009)، ومخطط انبثاق الصناعي (2005)، ومخطط رواج التجاري (2008)، ومخطط هاليوتيس للصيد البحري (29 شتنبر 2009).

فهل المغاربة أصبحوا عقيمين الى هذه الدرجة عن تقديم أي مخطط استراتيجي لتدبير واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ولكي يبحثوا عن مكاتب دراسات أجنبية؟ وأين ذهبت كل تلك الأبحاث والدراسات التي تمت بلورتها خلال العقود السابقة وظلت حبيسة الرفوف؟ ثم ما هي حقيقة هذا المخطط؟ وما مدى تطابقه مع الحقيقة السوسيولوجية للبادية المغربية؟ وهل يختلف كثيرا عن السياسات الفلاحية المعتمدة في بلادنا منذ بداية الستينات والتي أبانت هي أيضا عن محدوديتها على مختلف الواجهات؟

حتى نضع مخطط ماكنزي في سياق المسألة الزراعية في المغرب ككل، أفضل أن أتناول الموضوع ولو بإيجاز من خلال المحاور الثلاثة التالية وذلك حتى استفز النقاش حول عمق اشكالية المسألة الزراعية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا في فترة يعرف فيها المغاربة مرحلة تحلل تدريجية مشابهة لمراحل التفكك التي عاشها المغرب قبل عهد الحماية:

1 – المسألة الزراعية في قلب الصراع السياسي والاقتصادي

2 – رسملة القطاع الزراعي من دون تنمية

3 –مخطط ماكنزي أبعاده وحدوده

المحور الأول: المسألة الزراعية في قلب الصراع السياسي والاقتصادي

أولا: المسألة الزراعية تاريخيا كمصدر للقوة المادية لأنظمة الحكم المتعاقبة

ظلت الطبيعة المصدر الأساسي لاستخلاص القوت اليومي للإنسان المغربي(1)، فهي تحمل في ذاتها قيمتها الاستعمالية حيث لا يمكن الاستغناء عنها. وقد رافقت الزراعة والعمل الزراعي المسيرة الانسانية منذ اكتشافها في عصور بدائية. ومع ظهور الانقسام الطبقي في المجتمعات المختلفة، أصبح الاستغلال الزراعي جزءا من حياة الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح التحكم في وسائل الانتاج الزراعي يحدد طبيعة العلاقات الانسانية انطلاقا من طبيعة علاقات الانتاج السائدة.

ونظرا للموقع الجغرافي المتوسطي المتميز للمغرب، بنى الانسان الامازيغي المغربي حضارات مغرقة في التاريخ(2). وقد ظل الانتاج الزراعي يشكل قاعدة مادية لبناء قوة حضارات بلاد تامزغا قديما. لكن الصراع السياسي وطموحات التوسع والهيمنة المنغرسة لدى الشعوب المنظمة والمتطلعة باستمرار للحفاظ على ذاتها والهيمنة على أراضي وشعوب أخرى، جعل سكان المغرب الأولون الأمازيغ يتعرضون على مر العصور لغزو شعوب وحضارات الأخرى، وكانت جبال الريف والاطلس والصحراء ملاذا حصينا للشعوب الامازيغية تلجأ اليها عند تعرضها للغزو الخارجي للاحتماء بها من القوات المستعمرة(3) ، وعندما يتمكنون من اعادة تنظيم أنفسهم يعودون نحو السهول للإغارة وطرد الغزاة واسترجاع أراضيهم وزراعاتهم ومصادر عيشهم.
وقد أشاع الغزاة الفنيقيين والرومان في بلاد المغرب أنظمتهم العقارية ورسخوها في الثقافة المحلية(4) ، حيث أصبحت السلطة المركزية هي المالكة الفعلية للأراضي بينما يظل المستغلون لها مجرد منتفعين منها مقابل أداء إتاوات وضرائب. وستتبنى هذه الثقافة أيضا الشعوب العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية الغازية للمنطقة انطلاقا من القرن السابع الميلادي، وخصوصا مع تزايد تدفق عدد متزايد من القبائل العربية على المغرب انطلاقا من القرن الحادي عشر الميلادي.

لكن العمل الزراعي كمصدر اساسي لمعيشة الساكنة سيتعرض لتحولات تتراوح بين القوة والضعف بحسب مد وجزر القوى السياسية الغازية للمنطقة. فإذا كانت الشعوب الامازيغية تتميز بخبرة كبيرة وطويلة في مجال الانتاج الزراعي نظرا لاستقرارها الطويل فوق أراضي خصبة(5)، كما كان الأمر بالنسبة لشعوب بورغواطة الامازيغية التي استوطنت طويلا سهول منطقة تامسنا ما بين نهر ابي رقراق ونهر ام الربيع(6). لكن هذه الخبرة الزراعية الكبيرة والطويلة ستتحطم بالكامل من طرف القبائل العربية الغازية للمنطقة والممتهنة أساسا للرعي والترحال كما هو الشأن بالنسبة لبنو هلال وبنو سليم، وحيث ستغرق المنطقة بسبب ذلك في مرحلة جديدة وطويلة من التخلف.

ويذكر المؤرخون أن أوج ازدهار المغرب حدث ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي في عهد المرابطين والموحدين والمرينيين الأوائل(7) ، وقد ارتكز هذا الازدهار على ازدهار مادي اقتصادي وفره أولا استقرار السكان وامتهان الانتاج الزراعي وثانيا نمو التجارة البعيدة المدى حيث شكل المغاربة وسائط تجارية بين منتوجات البلدان المتوسطية كالخشب والحبوب والمنتجات المصنعة المستوردة من اسبانيا وايطاليا والمنتوجات القادمة من بلدان جنوب الصحراء كالتمور والعاج والذهب والتوابل والعبيد.
وقد دأب سلاطين الانظمة السياسية المتعاقبة على حكم المغرب منذ عهد المرابطين والى غاية السعديين والعلويين على اللجوء الى خدمات أفراد هذه القبائل الرحل وادماجهم في الجيش وبالتالي منحهم مقابل تلك الخدمات اقطاعيات واسعة في عدد من المناطق الخصبة سميت بأراضي الكيش الى جانب اراضي الجموع وهي أماكن استيطان القبائل العربية الوافدة على المنطقة. وعلى العموم أدى انتقال حق استغلال الارض من يد الامازيغ الممتهنين للعمل الزراعي الى يد القبائل العربية الممتهنة للترحال والرعي(8) إلى تدمير الاساس المادي لقوة الانظمة السياسية القائمة نظرا لتدهور الانتاج الزراعي وبالتالي إلى تراجع حصة الضرائب المقتطعة لفائدة السلطة المركزية.

ونظرا للانقسام السياسي وازدواجية النفوذ السياسي بين منطقتين جغرافيتين تقع الأولى في المناطق السهلية الغربية وتدعى ببلاد المخزن وتقع الثانية في المناطق الجبلية بالريف والأطلس والمناطق الصحراوية سميت ببلاد السيبة، فان طبيعة العمل الزراعي واساليب استغلال الاراضي وعلاقات الانتاج السائدة واشكال توزيع الخيرات المنتجة اختلفت ايضا بحسب اماكن تواجد هذا الاستغلال. ففي بلاد المخزن الممتدة على الخصوص في المناطق السهلية تطور العمل الزراعي في ظل صيرورة شبه اقطاعية طبقية انطلاقا من القرن السادس عشر، وحيث برزت اقطاعيات تابعة لما يسمى بالشرفاء والزوايا الدينية أو للولاة والقياد والباشوات، أو لكبار الاعيان لقاء خدماتهم المقدمة للسلطة المركزية وحيث كان الفلاحون الفقراء فوق هذه الاقطاعيات يكدحون مقابل حصص عينية هزيلة تمثل أشهرها في خمس المحصول وحيث انتشرت وتطورت مهنة الخماسة وسط الساكنة الفلاحية الفقيرة.

وبينما كانت العلاقات الزراعية طبقية جامدة في بلاد المخزن كانت علاقات الانتاج البدائية السائدة في المناطق الجبلية المحصنة والمنتمية لما كان يعرف ببلاد السيبة والمستقلة سياسيا عن السلطة المركزية تعيش في ظل نظام أقل طبقية مما هو سائد في بلاد المخزن وتتسم بتسيير جماعي، حيث كان تدبير ما يسمى بالاخس أي الوحدة الانتاجية العائلية القبلية الامازيغية يسند في الغالب للأخ الأكبر(9) والذي يسهر على ضمان تقسيم العمل الزراعي واعمال الرعي والصناعات التقليدية البدائية بين الجميع وحسب الكفاءات وحسب الجنس، كما كان يسهر على ولوج الجميع الى مختلف وسائل العيش الضرورية دون تمييز.

لكن الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قسمت المغرب خلال خمسة قرون وصيرورة فساد علاقات الانتاج منذ القرن السادس عشر والى غاية القرن التاسع عشر، تسببت في هزات اجتماعية قوية وتمردات وانهيارات تدريجية عمقتها موجات المجاعات(10) والأمراض الفتاكة كالجذري مثلا، الشيء الذي قاد الى تراجع ديموغرافي قوي، فالتاريخ يذكر ان عدد ساكنة المغرب في القرن السادس عشر كان يصل الى خمسة ملايين نسمة، ونتيجة الانهيار العام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تراجع عدد ساكنة المغرب بقوة بحيث بلغ في نهاية القرن التاسع عشر الى ثلاثة ملايين نسمة فقط(11). فهذا المستوى العام من الضعف السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيفتح المجال واسعا أمام التدخل الاجنبي وبالتالي الى الاستعمار الفرنسي عن طريق ابرام اتفاقية الحماية، والتي هي في التحليل الأخير حماية بلاد المخزن من تعاظم القوة السياسية لبلاد السيبة، ومن أجل المحافظة على شكل النظام ونخبه.

ثانيا: المسألة الزراعية خلال عهد الحماية

في ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمغرب نهاية القرن التاسع عشر حدث إذن التغلغل الاجنبي وتم فرض الهيمنة الاقتصادية أولا أواخر القرن التاسع عشر والذي رسمته معاهدة الجزيرة الخضراء ثم فرض الهيمنة السياسية المطلقة انطلاقا من سنة 1912. لكن هذا التدخل الاجنبي لم يمر بسلام، حيث نمت مقاومة سياسية مسلحة شرسة التي قادتها زعامات أمازيغية ظل تاريخ المغرب يذكرها باعتزاز كونها كانت تنتمي لما كان يعرف ببلاد السيبة ونذكر من بين هؤلاء الأبطال موحا أو حمو الزياني في جبال الأطلس وعسو أوبسلام في المنطقة الشرقية والهيبة ماء العينين في الصحراء ومحمد بن عبد الكريم الخطابي في جبال الريف.

وعندما تمكنت سلطات الحماية الفرنسية والاسبانية من كبح المقاومة المسلحة شرعت في ادخال نمط الانتاج الرأسمالي عبر المعمرين الاجانب المتدفقين على المغرب، عبر رسملة الاستغلال الزراعي الموجه الى السوق وأيضا عبر اقامة منشآت صناعية غذائية في المدن الساحلية على الخصوص. وقد أدت هيمنة الاستعمار الفرنسي على أجود الأراضي وتشجيع المعمرين على استغلالها عن طريق ادخال التقنيات الحديثة وعبر تحويل الفلاحين الفقراء الى عمال زراعيين. إلى جانب ذلك عرفت البادية المغربية تزايد الهجرة القروية للفلاحين الفقراء نحو المدن هروبا من ظروف الفقر والاستغلال للاشتغال كبروليتاريا المدن في وحدات الانتاج الصناعية الناشئة.

وبخصوص تملك الأراضي الفلاحية الخصبة من طرف المستعمرين يشير البير عياش في مؤلفه حول المغرب والاستعمار الفرنسي الى ما يلي: "في سنة 1913 كان الأوروبيون قد امتلكوا أكثر من 100.000 هكتار في المغرب تقع في المناطق الأكثر خصوبة، حصلوا عليها بطرق مشبوهة خلال السنوات الماضية، وكانت تتوزع كالتالي: 6.000 هكتار في الشاوية بين أيدي مائة من المعمرين، و 400.000 هكتار في منطقة الرباط والغرب، وكان يتقاسمها مائة من المعمرين وشركة كانت تملك من 10 إلى 15.000 هكتار، و10.000 هكتار بدكالة وعبدة يتقاسمها عشرة من الأفراد والشركات، وأخيرا 45.000 هكتار في المغرب الشرقي، من بينها 7.000 هكتار في مطروح و16.000 هكتار بسهل أنكاد و20.000 هكتار بسهل طريفة بجانب قريتي بركان وأحفير التي بنيت حديثا"(12).

وفي سنة 1953 بينت الاحصائيات وجود 1.017.000 هكتار موزعة إلى 5.903 استغلالية من النسب المتتالية التالية:

الجدول رقم 1: توزيع اراضي الاستعمار خلال عهد الحماية

الاستغلاليات المساحة
الاستعمار الرسمي 1.634 289.000
الاستعمار الخاص 4.269 728.000
المجموع 5.903 1.017.000
المصدر: ألبير عياش، المغرب والاستعمار، الصفحة 176

ولقد أدى انشاء مكتب القمح سنة 1936 وتحديد ثمن القمح، إلى تحسين وضعية الاستعمار الفلاحي، كما أن ارتفاع أثمان المنتجات خلال الحرب العالمية الثانية وتنوع الانتاج في نفس الوقت، أديا إلى اغتناء هذا الاستعمار، فاستطاع المعمرون أداء ديونهم وتشكيل احتياطي هام، مكنهم من تجديد آلاتهم، ومن توسيع الأراضي والمساحات المزروعة(13). ومن جهة أخرى، قام رأسماليون جزائريون وفرنسيون، ولأجل توظيف رساميلهم، بشراء أراضي واسعة وخاصة في سوس.

أما بالنسبة للإنتاج فقد تمثل أساسا في المنتجات التجارية الخاصة لتلبية حاجيات الجالية الأوروبية وللتصدير(14). فكان المعمرون يزرعون القمح الطري الذي كانوا يصدرونه قبل الحرب، ثم منذ 1940 أصبحوا يسلمونه للهيئات المكلفة بالتخزين من أجل الاستهلاك المحلي. فإلى حدود 1952 كان يؤدي عن القمح المنعوت ب "قمح المعمر" 300 فرنك كزيادة بالنسبة لكل قنطار مقارنة مع القمح المغربي المتساوي معه كيفيا. بينما كان القمح الصلب المدعو ب "السميدي" يباع بفرنسا من أجل صناعة المعكرونة (الاطريات)، أما الخرطال والشعير فإنهما يصلحان لتغذية المواشي. وتجدر الإشارة إلى الانطلاقة التي عرفتها زراعة الأرز التي يفوق انتاجها حاجيات المغرب.

كانت الاستغلاليات الكبرى هي الغالبة في عهد الحماية، وكانت الشركات الزراعية قوية وقليلة ولكنها في تزايد. وقد مثلت حركة الرساميل في الشركات الزراعية 9 في المائة من المجموع من سنة 1932 إلى سنة 1939، و6 في المائة بين 1940 و1945 و5,5 في المائة إلى حدود سنة 1953. وبعض هذه الشركات كان قديما مثل "الشركة المغربية" و"وضعية بني عمار" و"الشركة المغربية للزراعة والمقاولات (بنك باريس والأراضي المنخفضة)، و"الاراضي الكبيرة" لمكناس حيث يشترك كاستون كراديس والبارون كوهن دانفر(15)، وكذلك الشركة الزراعية لأولاد دحو" التي تهتم بها مجموعات الهند الصينية، والرجل الذي كان موضع ثقة الكلاوي(16).

وقد أشارت المراجع التاريخية الى وجود 60.000 أجير مغربي يعملون مع عائلاتهم في حقول المعمرين وبأجور تتراوح بين 100 و200 فرنك فرنسي في اليوم إضافة إلى "امتيازات عينية" التي على العامل أن يشتريها ويؤدي ثمنها غاليا.
هل عمل المعمرون على الأقل على اشاعة الطرق العصرية في الفلاحة؟ بعد 44 سنة كانت 200.000 هكتار من الأراضي المغربية التي تستغلها الفلاحة، وهي مصلحة رسمية، أو يملكها الملاكون الكبار، تزرع حسب طرق عصرية(17). أما البقية، أي 4.500.000 هكتار فاستمر استغلالها من طرف الفلاحين المغاربة حسب الطرق القديمة نظرا لانعدام الموارد.

نستخلص من خلال هذه النظرة السريعة على تطور المسألة الزراعية خلال 44 سنة من الحماية أن تدخل السلطات الاستعمارية في المجال الزراعي كان محدودا مقارنة بالجزائر مثلا، لكنه كان كافيا لفرض نمط الانتاج الرأسمالي الشيء الذي نتج عنه مغربان مغرب يعتمد نمط الانتاج الرأسمالي في الزراعة ومغرب آخر ظل يشتغل في مجال الزراعة بوسائل تقليدية وموزع بين الاستهلاك المعيشي والانتاج من أجل السوق.

ولقد شكلت معاهدة اكس ليبان التي لم يطلع أحد على تفاصيلها، تفاهما بين المستعمرين القدامى والنخب الطبقية الجديدة التي تسلمت مفاتيح البلاد، والتي ستعمل على مواصلة مشروع رسملة القطاع الفلاحي.

أصول تشكل طبقة الملاكين الزراعيين الكبار

كثيرا ما نتحدث عن التحالف الطبقي الحاكم والملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية المغربية ذات الطابع الكومبرادوري. وكثيرا ما يتساءل المتتبع عن طبيعة هذه الطبقات الحاكمة والفئات البرجوازية المنبثقة عنها، وكيف استطاعت أن تستحوذ على أراضي زراعية شاسعة وممتلكات عقارية ووسائل انتاج هائلة تشكل قاعدة مادية لهيمنة ايديولوجية موازية تتملكها هذه الطبقات، وبعبارة أخرى ماهي اصول الهيمنة المادية والايديولوجية للطبقات الحاكمة؟

ان طرح هذه التساؤلات بالارتباط مع مسيرة المسألة الزراعية في المغرب، يكشف في الواقع عن من يمتلك فعلا سلطة القرار في المسألة الزراعية ومن يفرض السياسات الزراعية، ولصالح من سيعمل مخطط ماكنزي على فرض ما يسمى بمخطط المغرب الاخضر. ذلك ما سنحاول تناوله من خلال نقطتين تتعلق الأولى بالخلفية التاريخية للإقطاع الزراعي في المغرب، ثم في نقطة ثانية طبيعة النخب الحالية وأصولها.

1 – الخلفية التاريخية للإقطاع الزراعي في المغرب:

تذكرنا الشهادات التاريخية على ان ازمة القرن الخامس عشر، التي كانت مطبوعة بعدم استقرار السلطة المركزية وبتنامي الصراعات القبلية للهيمنة على الأراضي السهلية وبتراجع تجارة القوافل وما تبعها من ازمة اقتصادية ومحاولات القوى السياسية الايبيرية التغلغل في بعض الثغور المغربية، نتج عنها اختفاء الأنظمة العقارية لمغرب القرون الوسطى(18).

وقد أفرزت ردود الفعل على الازمة قيادات دينية وعسكرية جديدة تدعوا الى الحرب على الغزاة وتنشر نظام الشرفاء وفقهاء الزوايا والتي ستشكل أصل التحالف الطبقي المهيمن بدون شريك في العصر الحالي. وقد شكل صعود دولة السعديين قطيعة مع الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السابقة وتم استبدالها تدريجيا ببنيات اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة. حيث حتمت ضرورات السلطة على القوى السياسية الجديدة الارتكاز على تحالفات من بين القوى الصاعدة الجديدة (أي الشرفاء، وفقهاء الزوايا)، دافعة بذلك نحو تبني نظام الامتيازات كسياسة تستهدف تحفيز التضامن وخلق المساندين السياسيين.

وستشكل الاراضي الموزعة على الأعيان مراكز اقتصادية تابعة يحصل اصحابها على ريوع على شكل إتاوات وغلل، وقد سهل ذلك بروز الاقطاعيات ونشوء الأراضي الزراعية الاقطاعية(19). وقد تمثل العنصر الثاني في سياسة السعديين الجديدة في فرض الضريبة التي ميزت بين ثلاث انواع من الاراضي: اراضي النايبة واراضي الكيش واراضي المخزن، والتي أخضعت للهيمنة الاقطاعية.

خلال القرن السادس عشر ستتكرس هيمنة الشرفاء وفقهاء الزوايا حيث تداخل ذلك مع السلوك الجديد للسلطة المركزية (المخزن)، ونظرا لدور الوساطة الذي لعبه الشرفاء وفقهاء الزوايا في معالجة الصراعات السياسية بين القبائل وبين هذه الاخيرة والسلطة المركزية تعاظم نفوذهم السياسي والاقتصادي. لذلك ظلت السياسة الداخلية للسعديين والعلويين مطبوعة بهيمنة الانشغال الدائم بعقد تحالفات أو تحييد المنافسين المحتملين المستعدين لتأهيل صعود شرفاء جدد أو سلطة سحرية جديدة لتبرير تطلعهم للامساك بالسلطة(20). وخلال الفترة الممتدة ما بين القرن السادس عشر والتاسع عشر، واصلت السلطة المركزية (المخزنية) اسلوب التحالفات والتوافقات مع هذه القوى معترفة بنفوذها الفعلي.

وستعمل الدولة القائمة (السعديين أولا ثم العلويين بعد ذلك) على الانعام على الزوايا (الوزانية، الادريسية، الناصرية، ... الخ) بأجزاء من الأراضي المخزنية. وعملت السلطة المركزية بهذه الطريقة على تذوب الشرفاء وفقهاء الزوايا داخلها وبالتالي تكسير سلطتهم السياسية. وكان أول عمل قام به سلاطين السعديين هو الاعتراف لهذه المؤسسات الطبقية بحقها على الأرض. ومعلوم أن جل الظهائر الأولى المتعلقة بمنح الأعازيب مؤرخة في تلك الحقبة.

لكن هذه الاجراءات ستكرس منذ ذلك الحين ولادة نظام الشرفاء: حيث أصبح جميع فقهاء الزوايا عبارة عن طبقة من الشرفاء. كما واصل العلويون خلفاء السعديين نفس السياسة، حيث عمل السلطان اسماعيل على الخصوص على توزيع عدد من الأعازيب على أفراد عائلته بتافيلالت وعلى الأدارسة وعلى زاوية الحوز وعلى الذين كان يسعى للحصول على مساندته. وهناك أمثلة تتيح توضيح هذه الصيرورة. ففي سنة 1578، توصلت زاوية لقناطرة أولا بامتيازات جبائية وعقارية تم توضيح طبيعتها بظهير أول لسلطان السعديين المنصور الذهبي، وتم تجديد هذا الظهير سنة 1586. وفي سنة 1673، أكد السلطان اسماعيل العلوي على ممتلكات الزاوية وفي سنة 1719، خول نفس السلطان هذه الزاوية "أراضي تمتد على مساحة 30 "جوجة" من أراضي المخزن يقتطعونها في أي مكان يرغبون فيه وعلى عشرة "جوجات" في ملكية الخصاص"، كما أكد على ذلك(21)G. Lazarev. ومعلوم أن هذه الأراضي لا تسند فارغة بل بكامل الفلاحين الفقراء العاملين فوقها، على اساس انهم خدام تلك الاراضي (اقنان الأرض).

أما بالنسبة لزاوية تامصلوحت، في ناحية مراكش، فيشكل مثال ذو دلالة فيما يخص تحويل هذه الأراضي وفلاحيها إلى إقطاعيات. وقد وصف بول باسكون هذا التطور كما يلي: "في وسط القرن السادس عشر قدرت مساحة مجموع أراضي الزاوية ب 100 هكتار، جزء صغير منها مسقي. وفي سنة 1569، قدم سلطان السعديين عبد الله بواسطة اقطاع التمليك، الى أحد ورثة الزاوية، الحق في توسيع ممتلكاته نحو الأراضي التي يستطيع ريها. وقد تم تسجيل توسيع جديد في العقار وفي السقي لدى الزاوية في سنة 1659، عن طريق الحاق صومعة الماء لساقية الباشية. في ظل حكم السلطان اسماعيل (1672 – 1727) سرعت الزاوية في توسيع أراضيها، وفي سنة 1801، وجدت نفسا بممتلكات تمتد على مساحة 25,00 هكتار قابلة للسقي".
أخيرا، تمكنت الزاوية الوزانية من التحكم في تطور اراضي طبقة الشرفاء، حيث حققت توسعا هائلا في هذا النوع من الممتلكات. فبينما كانت هذه الزاوية في بداية حكم الدولة العلوية، صغيرة ومحدودة، ولا تستطيع التخلى عن دعم السلطة، لكنها أصبحت في القرن الثامن عشر وخصوصا في القرن التاسع عشر قوية جدا حيث أصبحت السلطة نفسها غير قادرة على تجاوز مساندتها. وقد امتد نفوذ الزاوية الوزانية على امتداد كامل التراب المغربي، وبلغت حتى الواحات الصحراوية (كما استطاعت الانغراس حتى في الجزائر وتونس). وتتوفر الزاوية الوزانية كطبقة على أراضي شاسعة في شمال المغرب وتمتلك مدينة بكاملها، هي وزان.

فضلا عن ذلك، ظلت طبقة الشرفاء تبحث دائما عن كيفية الحاق الأراضي بواسطة العديد من الاساليب، حيث يتم ذلك اما عن طريق "الاغتصاب التلقائي للأراضي، كما أورد ذلك جاك بيرك، أوعن طريق الشراء الصوري، أو الحقيقي في عدد قليل من الحالات: وكان ذلك هو أصل العزيب"(22).

الأمثلة الثلاثة السابقة تبين كيف نشأت الاقطاعيات الزراعية وتطورت في المغرب وكيف كانت تمارس طبقة الاقطاعيين هيمنتها الاقطاعية، والتي ستشكل أصول الملاكين العقاريين الكبار في مغرب اليوم.

لكن هذا النوع من الامتيازات ومن تملك الاراضي لم يكن شكل التملك الاقطاعي الوحيد، بل كانت هناك أشكال اقطاعية أخرى من التملك سادت خلال تلك الحقبة.

ونظرا لكون السلطة السياسية ترتبط بشكل وثيق بالانتصارات المسلحة، فإن أسرة الدولة الحاكمة كانت في حاجة مستمرة الى الدعم والمساعدة وكانت تبحث عنها لدى قبائل الرحل العربية القادرة على منحها له. وكان أفضل أسلوب للحصول على هذا الدعم هو تخويل بعض القادة (القياد) "وقبائلهم" حق الانتفاع من الأراضي الزراعية المسندة لهم بسكانها من الفلاحين الفقراء. وانطلاقا من ذلك ظهر نوع جديد من الاراضي تسمى ب "أراضي الكيش". ونظرا لكون السلطة المركزية (المخزن) يوجد باستمرار في مواجهة حالات تمرد السكان الاصليين للأراضي المغتصبة والتحضير لمهاجمة المناطق المتمردة، فكانت في حاجة مستمرة لتجهيز الجيوش للقيام بذلك. كما أن مهمة الحفاظ على سيادة الدولة وفرضها على الجميع وبالتالي تحصيل الضرائب، كان يتطلب ضرورة التوفر على قوة الاكراه والقمع.

لأجل ذلك، كان السلاطين يمنحون الاراضي الزراعية المخزنية الى قبائل "الكيش" العربية أو الامازيغية المتعاونة (كمنطقة زمور مثلا) تشجيعا على دعمها وكمقابل لتحملها أعباء الخدمة العسكرية القمعية ضد المناطق المسمات بالسيبة. وهكذا أصبحت الأراضي الزراعية المخزنية تشكل نظاما عسكريا تابعا للسلطان تسمى ب"الكيش".

فأراضي الجيش في الواقع عبارة عن أراضي تابعة للدولة الحاكمة تخول الحق في الانتفاع منها للقادة العسكريين، وقايد الرحى، وقايد المائة بحكم تبعيتهم للسلطان. لكن حق الملكية يضل دائما بيد الدولة. أما طبقة الاقطاعيون الصغار أو المتوسطون والذين تمنح لهم حق استقطاع الضرائب من الفلاحين الفقراء وأمر تحديدها وتدبيرها، فكان عليهم في المقابل تحضير وتجهيز عدد من الفرسان انطلاقا من الفلاحين الفقراء انفسهم ساكنة تلك الاقطاعيات من أجل خدمة المخزن في اطار ما يسمى ب"الحركة".
وكانت هذه التنازلات في الغالب قابلة للمراجعة والتاريخ يزخر بالأمثلة عن استرجاع حقوق الانتفاع من الاراضي نتيجة تقاعس الاقطاعيين عن القيام بتلك المهام الموكولة لهم خدمة للسلطان.

هناك نماذج أخرى من التنازلات تم تطبيقها من طرف السلطة المركزية (المخزن) من قبيل:

- التنازلات لفائدة عدد من القادة العسكريين و"لقبائلهم" لقاء مشاركتهم في المجهود الحربي: وهو التطبيق الذي سيصبح سائدا عقب كل معركة : تلك كانت هي حالة الريسولي وقبيلة بني عروس عقب معركة الملوك الثلاثة، وحالة محمد الريفي وقبيلة الفحصيين، (جيش المجاهدين في القرن الثامن عشر، حيث قدموا أهم المجموعات المقاتلة في المعركة ضد الانجليز الذين نظموا انزالا في الساحل الشمال الغربي من المغرب ... الخ).

- الامتيازات المقدمة للسلطات ولكبار موظفي الدولة (الباشا، العامل، القائد) والتي تكتسي طابع "الاكرامية" أو "الانعام".

2 – صيرورة النخب الحاكمة وفروعها التي استحودت على أجود الاراضي:

انطلاقا من الخلفية التاريخية المادية السابقة برزت العديد من الاسماء التي ستتوارث كبريات الاراضي العقارية وتشكل مصدرا لثروات الطبقة البرجوازية والارستقراطية المغربية، والتي ستهيمن بدون منازع على الأجهزة الاقتصادية والبيروقراطية والسياسية. فعائلة بنجلون مثلا كانت في خدمة الدولة منذ حكم السلطان الحسن الأول. وعائلة بنونة استطاعت غداة التدخل الفرنسي في الجزائر سنة 1830 أن تقتطع لنفسها امارة تلمسان. كما أن عائلة بنيس أصبحت مشهورة لكون أحد أفرادها والمدعوا بالمدني بنيس وزيرا للمالية سنة 1873، وكان وراء انتفاضة الدباغين بفاس (عيطة بنيس) عندما فرض عليهم ضريبة في سوق الجلود بعدما حصلوا على وعد بالإعفاء منها مقابل مبايعة السلطان آنذاك. ثم عائلة بنسليمان والتازي وبنشقرون وبناني، حيث كان بعض هؤلاء وزراء والبعض الآخر مكلفون باستغلال الأملاك العقارية وجزئيا مسؤولون عن تدبير الخزينة العمومية. ثم عائلات أخرى، مثل عائلات الشرايبي وبنكيران وكسوس وبرادة(23)، والذين سبق لهم أن احتلوا مواقع مهمة في أجهزة السلطة، خصوصا في مجال التفاوض والمالية والدبلوماسية والادارة الجبائية.

يقول دويستوفسكي، "ان ما هو أهم في الأموال، هو كونها تتيح حتى الخبرة"(24). لذلك شكلت الثروات، والحذلقة ودهاء طبقات النخب وتملك الاراضي، جعلتهم مرغوب فيهم من طرف الجميع. وذلك بدءا من القوى الأجنبية والذين تعاونوا معهم طويلا من أجل حماية مصالحهم من اعتداءات السلطة المركزية ومن الانتفاضات الشعبية، فأصبح العديد منهم محميين بصكوك ديبلوماسية من طرف القنصليات الاجنبية. وكانوا في نفس الوقت يتشبثون بخدمة السلطان مصدر امتيازاتهم، والذي كان هو الآخر في حاجة ماسة إلى مساندتهم، إما من أجل التفاخر، أو من أجل ضمان ثرواتهم المكتسبة أو التغطية على طريقة اكتسابها بواسطة اغتصاب محتمل(25).

كتب جون لويس مييج، "بإن التقاء القوى الاجتماعية والسياسية، التي اكتسبت القوة هي على خلاف القوى التي اكتسبت ثرواتها نتيجة وظائفها الدينية، حيث برز بوضوح مدى التركيز الاقتصادي المحمي من طرف الخارج. فهيلمان الطبقة البرجوازية المغربية اليوم، الاجتماعي والسياسي ، كان منشأه خلال القرن التاسع عشر(26). ومنذ سنة 1956، احتل أحفاد هذه النخب المكانة الأولى في الحكومات المتعاقبة وعلى رأس الأحزاب (...) منحدرين من عائلات حليفة، تلقت نفس التعليم، وشكلت جزءا من المحظوظين الحاصلين على تعليم جامعي، وقد ناضلت في الحركة الوطنية، وهم، حاليا يحكمون البلاد"(27).

أما العلماء فيشكلون هم أنفسهم طبقة ارستقراطية تقوم على قاعدة عائلية. فهم من يمنح الشرعية للسلطة السياسية عن طريق تزويدها بطبقة النخب الأساسية وبمكونات ايديولوجيتها. فمن جهة، يعتبر نفوذهم غريب عن السلطة، ومن جهة ثانية، هم في حاجة الى وجود تلك السلطة السياسية للحفاظ على طبقتهم واستمراريتها وبالتالي تحقيق ذواتهم وعلى الخصوص تحقيق انتشارهم. ففي المدن الكبرى يفرزون طبقة الأعيان؛ وفي الجامعات الاسلامية يفرزون طبقة الأساتذة المبرزون؛ ثم طبقة القناصل والكتاب العامون للوزارات، وفي الأحزاب المحافظة طبقة الزعماء السياسيون. انهم يشكلون جسر العبور نحو منظومة طبقية حضرية، حيث يجتمع الدهاء السياسي والدفاع عن العائلة وعن الأصولية الدينية. فباسم طبقة جماعة المؤمنين، يعلن هؤلاء بيعة السلطان الشريف، رئيس الدولة وأمير المؤمنين على شعبه. ومنذ ظهور هذه الطبقة خلال القرن السابع عشر، لم تتوقف عن توسيع نفوذها حتى أصبحت اليوم الضامن للتقاليد السياسية والثقافية الرسمية ذات الطابع المخزني.

ان سلطة طبقة العلماء ولدت مع أجدادها. وهنا أيضا، توارثت هذه الطبقة احتكار الوظائف العليا من عائلة إلى أخرى، بشكل لا نهائي. فمثلا، ظهرت عائلة الفاسي في القرن السابع عشر في فاس كقلعة للثقافة الاسلامية. ولا أحد يتجاهل مكانة علال الفاسي. فمنذ نعومة أظافره، أصبح استاذا في الجامعة الاسلامية، كما كان والده بطبيعة الحال. وبشكل مبكر خلال سنوات العشرينات، انخرط في العمل السياسي كزعيم وطني وفي الحياة الثقافية كمنظر للإصلاح الاسلامي. وأخيرا، من أجل استعارة تعبير عبد الله العروي الذي حلل الفكر الفلسفي للرجل، انه مثل مرحلة من الثقافة العصرية وصيرورة الهيكلة الاجتماعية المغربية(28).

هذه الهيكلة الطبقية الاجتماعية تتلاءم بشكل قوي مع التحديدات الانتربولوجية، التي، انطلاقا من التناسل العصبوي، مصدر كل شرعية، انتج باستمرار رجالا سياسيون ذوي ابعاد طبقية وطنية. ويمكن أن نذكر من بين ممثليها، عبد الله الفاسي الفهري، خريج كلية العلوم، وزير الشؤون الاقتصادية والتعاون سنة 1972، والذي تحمل بعد ذلك منصب رئيس مجموعة المقاولات الوطنية، ونائب رئيس الباطرونا المغربية؛ ثم عباس الفاسي، وزير السكنى واعداد التراب الوطني سنة 1977 الذي أصبح وزيرا للصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية سنة 1981، ثم عضوا نافذ في حكومة التناوب سنة 1998 وأخيرا، وزير أولا منذ الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007. وحيث لا يعدوا أن يكون وزير خارجية في نفس الحكومة سوى ابن عمه الطيب الفاسي الفهري(29). كل هؤلاء منبثقون من رحم عائلة علال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال، وأيضا ابن عمه جيرمان، محمد الفاسي الفهري، رائد الثقافة الطبقية الوطنية، والتعليم الأصيل والتعريب، وحيث ظل وزيرا ضروريا في جميع حكومات محمد الخامس والحسن الثاني.

فكم من رجال هذه الطبقة "العظماء"، مثل علال الفاسي، اكتسبوا شهرة، ليس بالاسم فقط الذي ورثوه عن آبائهم، وانما أيضا من خلال بعض انجازاتهم التاريخية. فعائلة بنسودة انبثقت في القرن الثامن عشر خلال مبايعة السلطان محمد بن عبد الله سنة 1758. كما أن عائلة كنون عرفت نجاحا كبيرا خلال القرن التاسع عشر، حينما جلب أحد أجدادهم "محمد المدني كنون"، الانتباه اليه عندما فرض اصلاح التعليم الاسلامي سنة 1883. ثم عائلة القادري وعائلة بالخياط والمرنيسي، كانوا من بين طبقة المحافظين الاساسيين على تعليم الشريعة الاسلامية. ثم عائلة التادلي التي كانت في أوج ازدهارها سنة 1894، وهي السنة التي أسس فيها جدهم مدرسة الرباط. ولقد أصبح أحفاد هذه العائلة اليوم يتربعون في مجلس الوصاية، رمز استمراريتهم ودوامهم، وآخرون، حاصلون على دبلومات المدارس العليا، في الادارات المركزية. وبفضل اعادة الانتاج الاجتماعي الطبقي، تقلبوا في جميع مناصب المسؤولية الحساسة.

طبقة الشرفاء كانت تتمتع بحرية كبرى، غير أن هذه الصفة كانت تمنع عنهم ممارسة أغلب الوظائف العمومية. لكن في مقابل ذلك كان أفراد هذه الطبقة ينجحون في الأماكن التي يفشل فيها الجميع. وحيث لا زال يعتقد الكثير من المغاربة البسطاء، اليوم أيضا، انهم يتوفرون على قدرة خارقة. تتحقق بفضلها المعجزات. فهم يطردون اللعنة عن الناس. ويعالجون الأمراض العضوية والعقلية. ويباركون الولادات والزيجات. ويسقطون المطر خلال الجفاف. وبفضل اصلهم "الصالح"، يمتلكون مفتاح الجنة. فهم يستطيعون ادخال واخراج من يشاؤون منها. فالله وليهم والدولة (اليد الخفية) كذلك أداة في خدمتهم.

في الماضي، على المستوى السياسي على الخصوص، كانت طبقة الشرفاء تعتبر كرموز للوحدة الوطنية، وللتحرر القبلي والاصرار على مقاومة الغزوات الخارجية التي تهدد المغرب وايمانه. "السلطات التي يعترف بها لهم لا تعود لهم أبدا، وانما تتأتي لهم دائما من عند الله (...) وغالبا ما يلجأ الجنود، والخدام، والموظفون الذين يرتكبون أخطاء الى الشريف لكي يلتمس العفو عنهم، والسلطان نفسه، عندما يرغب في الحل السلمي لتمرد مدينة أو قبيلة، يستعملهم كوسطاء"(30).

التحالف مع أحد شرفاء هذه الطبقة، ظل يعني الى اليوم، الاستفادة في نفس الوقت من مزايا القداسة والتمايز السياسي. ولا يمكن اكتساب ذلك الا عن طريق التناسل أو عن طريق مؤسسة الزواج. ويمكننا تعداد مجموعتين رئيسيتين من شرفاء هذه الطبقة. فطبقة الشرفاء العلويين تهيمن سياسيا واقتصاديا بدون منازع منذ سنة 1668، حيث ترتبط بالدولة الحاكمة أما طبقة الشرفاء الأدارسة فتنحدر من أول دولة عربية حكمت المغرب. ونجد أيضا طبقة "الشرفاء"، الخارجيين، والتي جاء بعض أفرادها من جزيرة صقيلية بينما جاء البعض الآخر من بلاد الرافدين، العراق، من أمثال عائلة الصقلي، وعائلة العراقي، وهناك عائلات طبقة شرفاء آخرون عديدون، جاؤوا من تلمسان، ومسكارة، وفكيك. وقبل المرور الى قيادة الشؤون العمومية والسياسية الكبرى، كانوا يتوصلون بأراضي وإعانات من طرف الدولة؛ وقد استفادوا من امتيازات عقارية وهدايا منحت لهم على سبيل الرعاية العمومية. ولا تطالهم أية ضريبة، كما لا تطالهم أية تكاليف تنزل على الباقي من طبقة البرجوازيين. ومن أجل تمييز أفراد هذه الطبقة تتم المناداة على الرجل "بسيدي" و"مولاي" وعلى الأنثى "بلالة". النعوت الطبقية لهؤلاء "كسيدي" و "مولاي" و"لالة" تعني في المخيال الشعبي البسيط أن هؤلاء يملكون "قدرات" خارقة. وبعبارة أخرى، أن رجال ونساء هذه الطبقة قد بوأهم الله مكانة وحضوة فوق الجميع، منذ ولادتهم لذلك هم يمتلكون الكثير من نقود ويعتلون أرفع الوظائف.

وتتميز طبقة العائلات البرجوازية الكبرى بالضرورة في ملكيتها للأراضي الزراعية الشاسعة. فحوالي 40.000 هكتار التي تمت اعادة تمليكها لطبقة العائلات الشريفة، كتابة أو تجارة سنة 1968، كانت ممتلكة لهم من قبل في بداية القرن العشرين. وفي سنة 1973، تم تفويت 500.000 هكتار من اراضي المعمرين الخاصة أو الرسمية إلى ملكية ممثلي طبقة النخب السياسية المحتلة للمناصب الحكومة. بالإضافة الى اسناد ملكية 1.800.000 هكتار مزروعة (31) ل 7500 باشا وقائد وشيخ كانوا يستحوذون عليها منذ عقد الثلاثينات في عز فترة الحماية، وتشكل ربع الاراضي المغربية.

ويشير كريكوري لازاريف المتخصص في السوسيولوجيا القروية، والأستاذ الجامعي ، الى اشكال تكوين الاملاك المخزنية ، فيقول أنه يمكن ان تكون الأملاك المخزنية قد تشكلت نتيجة حماية عسكرية أو نتيجة غزوها أو تم منحها من طرف شخصية سياسية عليا مقابل خدمة. أو أنها قدمت للسلطات السياسية بمبرر ديني(32). إن ثروات القرن الكبرى تأسست على أساس ملكية الأراضي، وتؤرخ أيضا للمضاربة على القمح، خلال المجاعات الكبرى: 1868-1878-1882. فخلال هذه السنوات، تم التنازل على العديد من الأراضي في مقابل منح كيس قمح فقط.

طبقة رجال الدين والقانون والنقود، يعتقدون أنهم قد وجدوا من أجل هدف أسمى. فهم مقتنعون أنهم منتخبون من طرف "الرعاية الالهية"، ويعتبرون انفسهم "مبدعو الأمة"، المدافعون عن الايمان وعن النقود وعن المدنية. وهم يخلطون تاريخ اجداد عائلاتهم بأجداد البلاد. ويعرفون انفسهم بالتاريخ وبالأمة وبالسلطة بجميع أشكالها. ويطابقون تاريخهم مع تاريخ الدولة عن طريق اضفاء "كرامته وسلطته" على اشخاصهم. الهوية الطبقية الوراثية، القائمة على سلسلة من الروابط التي لا تنقطع ما بين الأصول والفروع، عبارة عن اعتراف طبقي ضروري لاكتساب الشرعية الزمنية. واليوم أيضا، لا زالت هذه الهوية الطبقية تفيد كوسيلة للتعريف بالروابط الامتيازية. وأكثر من ذلك، تفيد كمرجع للأعمال الكبرى المنجزة من طرف القدماء والذين يعود لهم الفضل في مكانتهم الطبقية. وفي نفس الوقت، يباركون الخصائل وكفاءات الجدد. ويحصل افراد هذه الطبقة بفضل الاسم الذي توصلوا به من آبائهم، على أعلى الوظائف حتى من دون الحاجة الى إثبات كفاءتهم لولوجها، وهكذا يتعجب اليوم أفراد الطبقة الشعبية كيف يحتل افراد الطبقات المهيمنة بسرعة مثيرة اعلى الوظائف من دون الحاجة للتفوق في أي شيء. فمن بين 285 شخصية والتي تدير اليوم الشؤون الادارية والسياسية والتقنوقراطية والاقتصادية، هناك 53 % منهم منبثقين عن الشرائح المتعاطية للتجارة، و 47 % من بينها منحدرة من أصول طبقية شريفية وعالمة(33).

دراسة التاريخ الطبقي للعائلات المهيمنة يبين أن أباء هؤلاء، وأجدادهم وأجداد أجدادهم، والذين، قد ظلوا يمنحون للدولة الشريفية بدون انقطاع منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وزرائها، وكتابها العامون، ودبلوماسييها، وقضاتها وايديولوجييها الدينيين والسياسيين. فالاعتقاد اليوم في ظل هذا النموذج الطبقي المغربي الجامد بوجود طرق متعددة للولوج الى السلطة، وتعدد التوظيفات الاجتماعية للنخب، هو مجرد وهم خالص. وإذا ما نظرنا إلى طبقة المتحكمين في الشؤون الكبرى للبلاد، سنلاحظ أن الامر يقتصر على اقلية طبقية عائلية فاعلة، فهي لم تفقد أبدا نفوذها القديم، حيث تتحكم بسهولة في نفس الوظائف التي كانت ترتبط بها منذ نحو قرنين من الزمن.

واذا نظرنا الى هذه الطبقة من الخارج، فسنلاحظ وجود تغيرات عديدة تؤثر في نفس الوقت على البنيات الاجتماعية وعلى البنيات الذهنية لهذه الطبقة الحاكمة، لكنهم في الواقع هم نفس الأشخاص، المنبثقين عن نفس العائلات، والذين يلعبون نفس الأدوار تحت عدة أشكال لا تختلف كثيرا. ان ما يفعلونه، وما يفكرون فيه وما يقولونه يتنافى بشكل كامل مع النهج المدرسي، والسياسي وحتى العقلاني. ومع ذلك يحملون ديبلومات، بعضها محصل عليها من مدارس علمية عليا، وبعضها الآخر من جامعات فرنسية وأمريكية وكندية(34).

ان وراثة النظام والوظائف والمهن ظلت تشكل قاعدة التحالف الطبقي الحاكم، ولا دخل للكفاءة فيها. ولأنه لم تحدث أية ثورة اجتماعية أو سياسية أو صناعية أو ثقافية، ولأن التقدم لم يستطع أن يكسر الروابط الوراثية أو الزوجية والتي استمرت في انتاج الطوائف والطبقات المهيمنة، فإن ارث الماضي الطبقي سيضل مهيمنا على الحاضر.

تلك هي اذن أصول النخب الطبقية المهيمنة والتي حصلت على ثروات ضخمة وأراضي زراعية شاسعة أغلبها تم اغتصابا في ظروف تاريخية استثنائية وقد حظيت بحماية القناصل الاجانب وعملت على استقدام القوات الاستعمارية لحماية ممتلكاتها وثرواتها من الانتفاضات الجماهيرية وتمرد القبائل الامازيغية، هي نفسها التي لعبت أدوارا وطنية لاكتساب الشرعية الشعبية، بعدما لاحظت ان الطبقات الشعبية ستنتصر لا محالة على المستعمر، وبالتالي ضمان استمرارها في الحكم والسلطة بعدما استلام مفاتيح البلاد من جديد بمقتضى معاهدة اكس ليبان.

ثالثا: المسألة الزراعية كمصدر للتراكم البدائي في عهد الاستقلال

عقب خروج الاستعمار الفرنسي المباشر ورثت السلطات المغربية البنيات الانتاجية الرأسمالية في البوادي والمدن. ورغم محاولات التيار التقدمي بقيادة حكومة عبد الله ابراهيم تضمين أول مخطط اقتصادي (1960 – 1964) تصوراته التقدمية للتنمية متطلعا الى بناء استراتيجية صناعية تعتمد على استغلال الامكانيات الذاتية وخاصة الانتاج الفلاحي. وقد تم وضع هذا المخطط في فترة كانت تعرف هروبا لرؤوس الأموال الأجنبية وتراجع في النشاط الاقتصادي. وكان واضعي المخطط يعتبرون ان الاستقلال السياسي يجب ان يبدأ بالاستقلال عن التمويلات الخارجية(35).

لكن التحولات السياسية السريعة عجلت بتغيير الحكومة والتخلي عن المخطط الخماسي في السنة الثانية من تطبيقه وبالتالي انطلق مسلسل جديد يعتمد على دعم الاعيان من الملاكين الكبار على المستوى المحلي(36) لبناء شرعية الدولة وهي نفس الاستراتيجية التي تمت تجربتها خلال الاستعمار الفرنسي كما تعتمد على التمويل الخارجي لتمويل المشاريع التنموية(ثلثي مصادر التمويل أصبحت ذات مصدر خارجي) كما أصبحت هذه المشاريع تتضمن نسب متزايدة من المكونات الخارجية(37). وقد تم الشروع بناء على ذلك في تعبئة كافة الامكانيات المادية المتاحة وخاصة القروض والمساعدات الخارجية من أجل استصلاح الاراضي واستثمارها وعصرنة تقنيات الانتاج والري واحداث مناطق الري الكبير والمتوسط والصغير من أجل تكثيف الانتاج ومحاولة استبدال الواردات من المنتجات الغذائية بتطوير إنتاجها محليا خاصة في مجال انتاج الحبوب والسكر والارتقاء بعدد من المنتجات الفلاحية القابلة للتصدير كالبواكر والحوامض وزيت الزيتون(38).

ورغم المحاولة الجادة لعدد من الديموقراطيين الاجتماعيين المغاربة نقد استراتيجية النمو الزراعي المعتمدة ومحاولة اعادة توجيهها نحو تنمية فلاحية مندمجة تستهدف عقلنة علاقات الانتاج الرأسمالية البدائية والنهوض بتنمية متكافئة شاملة تهتم بالفلاحين الفقراء وبالبنيات التحتية القروية(39)، الا أن السلطات الفلاحية كانت لا ترى في المسألة الزراعية سوى جانبها الكمي والتراكم الرأسمالي البدائي في أيدي التحالف الطبقي الحاكم عبر استهداف الرفع من مستوى المردودية والزيادة في الصادرات في اتجاه أوروبا على الخصوص والحفاظ من جهة أخرى على الوضع الاجتماعي القائم في البادية بشكله البدائي، تفاديا لأية كلفة اضافية قد تنتقص من فوائض القيمة المحققة.

وبطبيعة الحال ستنعكس الخطط المنبثقة عن هذه الرؤية "الثنائية" الضيقة لنمط الانتاج الرأسمالي في المسألة الزراعية وبالا على البادية وسكانها وعلى الانتاجية والمردودية أيضا، نظرا للتناقض الحاد الذي حدث فيما بين قوى الانتاج المتطورة جدا وعلاقات الانتاج المتدهورة والتي تجلت في عمق وضعية الفقر المتفاقمة في البوادي المغربية، بالاضافة الى انفجار أزمة اقتصادية ومالية عنيفة استدعت قدوم بعثات البنك الدولي لاملاء السياسات الفلاحية التي ترتضيها وتتطابق مع طموحات النخب الحاكمة.

رابعا: تطور بنيات زراعية مزدوجة في العالم القروي

عرفت البادية المغربية والانتاج الزراعي المغربي منذ حدث الاستعمار الفرنسي سنة 1912 والى اليوم صيرورة متصاعدة من التقاطب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أفرز مجتمعين مغربيين متباعدين(40) ، الأول يحكمه اقتصاد رأسمالي عصري موجه بالكامل نحو الخارج ويعتمد على احدث وسائل وتقنيات الانتاج والتكنولوجيات ويتوفر على أسواق تصريف منتجاته داخليا وخارجيا، وتهيمن عليه عائلات مغربية معروفة استفادت خلال عهد الحماية من تعاونها مع المستعمر الفرنسي كما استفادت خلال عهد الاستقلال من اعادة تحكمها في اراضي الاستعمار وعمليات اعادة توزيع اراضي المعمرين(41)، وبحكم تواجدها في قلب السلطة فقد استفادت من السياسات التمييزية المخصصة لعصرنة الانتاج الزراعي ودعم الاستثمار في مناطق الري الكبير على الخصوص.

من جهة أخرى انعكس المجهود المالي الكبير للدولة بواسطة الميزانيات العامة والتمويل الخارجي ايجابيا على رسملة الضيعات الزراعية الكبرى في مناطق الري الكبير، وسلبيا على شكل اهمال ونقص حادين في مجال الاهتمام بالمناطق البورية الشاسعة والتي تقطنها أغلبية الفلاحين الفقراء وهي المناطق التي ستشهد افقارا متواصلا، نظرا لتخلف التقنيات الزراعية وغياب البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية والامكانيات التمويلية وعدم قيام الدولة اتجاهها باي مجهود خصوصا وان الازمة الاقتصادية والمالية ما فتئت تتعمق منذ سنة 1964. فيما يلي تطور حصة الفلاحة ضمن الناتج الداخلي الاجمالي منذ سنة 1960، وحيث يظهر تراجع هذه الحصة انطلاقا من أواسط عقد الستينات.

الشكل رقم 2

في ظل هذه الازدواجية للبنيات الفلاحية التي ما فتئت تتعمق لم تعد مجهودات العصرنة والتحديث في القطاع الزراعي المتطور تظهر على مستوى نمو الناتج الداخلي الاجمالي ولا على مستوى التخلص من ارتباط نسب النمو بالتقلبات الجوية. فمن جهة تراجعت حصة الناتج الداخلي الاجمالي الزراعي نحو 15 في المائة فقط مع بلوغ عقد الثمانينات، ومن جهة أخرى ترتفع نسب النمو وتنخفض مع سقوط الامطار خلال السنة أو عدم سقوطها. فيما يلي رسم بياني يبين العلاقة الطردية القائمة بين الناتج الداخلي الاجمالي والناتج الداخلي الاجمالي الفلاحي:

الشكل رقم 3

المحور الثاني: رسملة القطاع الزراعي من دون تنمية

على مستوى السياسات الزراعية المعتمدة منذ عقد الستينات والتي دشنتها توصيات البنك الدولي خلال سنة 1964 عقب الازمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالمغرب آنذاك، يمكن تتبع تموجات هذه السياسات بين المد والجزر من دون أن تخرج عن مسارها العام الذي انطلق منذ عهد الحماية واعيد اطلاقها بداية عقد الستينات بنفس المواصفات. وفي ما يلي تقديم عام لتقلبات هذه السياسات خلال صيرورتها منذ عقد الستينات.

أولا: المرحلة الاستغلالية الأولى ومؤشرات الانتاج المطابقة

بحكم تبعية المغرب لدوائر الرأسمال العالمي فإن أطروحات التنمية التي اعتمدت تنطلق من نظرة بلدان الشمال الى دول الجنوب والتي تحكمها نوع من الداروينية الاجتماعية. فنظريات روستو حول مراحل اللحاق بالنموذج الصناعي الرأسمالي كانت تنظر للفلاحة على أنها مجرد وسيلة فقط وليس هدفا بحد ذاته. فهذه الوسيلة التي يجب أن تعتمد عليها النخب الحاكمة لتحقيق التراكم الرأسمالي البدائي كمعبر ضروري نحو التصنيع، تتجاهل تماما حقوق العالم القروي المغربي الذي كان يضم في بداية عقد الستينات أزيد من 70 في المائة من سكان المغرب (حوالي 7 ملايين ونصف نسمة) وتحرمه من أخذ نصيبه من التنمية ومن البنيات التحتية الضرورية لتأهيل الساكنة القروية سيتحول تدريجيا الى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة وتعرقل كافة طموحات النخب الحاكمة بدون شريك حتى في استكمال تراكمها الرأسمالي البدائي.
الجدول رقم 2: تطور السكان حسب مكان الاقامة، 1960 – 2004


السنوات سكان المدن سكان البادية

نسبة التمدن %
العدد بالمليون نسمة معدل التزايد السنوي في المتوسط % العدد بالمليون نسمة معدل التزايد السنوي في المتوسط %
1960 3,4 - 8,2 - 29
1971 5,4 4,3 10,0 1,8 35
1982 8,7 4,5 11,7 1,4 43
1994 13,4 3,6 12,7 0,7 51
2004 16,5 2,1 13,4 0,6 55
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط، الاحصائيات العامة للسكان سنوات 1960-1971-1982-1994-2004

وقد تجسدت أساليب التخفيف من حدة الاخفاق الاجتماعي في البادية في عمليات الهجرة القروية نحو المدن الكبرى بحيث تحولت ضواحي العديد من هذه المدن كمدينة الدار البيضاء الكبرى الى مدن صفيح مترامية الأطراف، تمتهن أغلبية ساكنتها مختلف الحرف الهامشية بينما ادمج جزء منها ضمن البروليتاريا الصناعية. كما عمل جزء من الساكنة القروية الفقيرة على البحث عن اشكال الهجرة الى الخارج.

الشكل رقم 4


ارتكزت السياسة الفلاحية إذن منذ بداية عقد الستينات على مرتكزات ليبرالية اعتمدت على القطاع الخاص كمحرك أساسي للإنتاج والتصدير من خلال الانفتاح على الخارج. وقد احجمت السلطات الفلاحية عن المساس مباشرة بالأنظمة القانونية المتعددة الموروثة منذ ما قبل الحماية والتي تحدثنا عن أشكال تشكلها في المحور الأول، والعمل مقابل ذلك على تفويت مئات الآلاف من الأراضي الفلاحية المسترجعة من المعمرين الى عدد من الأعيان المغاربة. كما تم استبدال ضريبة الترتيب التي كانت مطبقة في عهد الحماية بالضريبة الفلاحية(42) والتي ستطبق بمعدلات ضعيفة جدا مما سيجعل القطاع الفلاحي معفى عمليا من هذه الضريبة الى ان يتم توقيفها سنة 1984 الى غاية سنة 2000 وبعد ذلك الى غاية 2020 وفي اطار القانون المالي لسنة 2014 تم اعتمادها لكي لا تطبق الا سنة 2015.

استندت مخططات العصرنة التقنية والمردودية على توصيات بعثة البنك الدولي لسنة 1965. ونظرا لضخامة المتطلبات المالية لتحديث حقيقي للعالم القروي، ارتأت السلطات الفلاحية ترتيب سلم الأولويات والذي ينطلق من الاستثمار في مجال الري بالدرجة الأولى ثم مكننة الأشغال وتكثيف شروط الانتاج وادماج الاستغلال الفلاحي في السوق، واستهداف الزراعات المكثفة ذات المردودية المرتفعة أو القيمة المضافة المرتفعة عند التصدير كالمزروعات الصناعية والفواكه والخضراوات والحليب ... الخ. أما على مستوى التمويل فقد تم استهداف تمويل الاستثمارات الثقيلة عن طريق الاستدانة الخارجية، الشيء الذي سيعمق مع الزمن فاتورة المديونية الخارجية والبحث عن مصادر النقد الاجنبي لتسديد هذه المديونية.

ورغم ضيق افق الاختيارات المعتمدة الا انها حاولت مع ذلك احلال الواردات من خلال العمل على الارتقاء بمنتجات القمح الطري والزراعات السكرية والزيتية والحليب واللحوم. وعلى مستوى الصادرات تم استهداف تنمية منتجات الفواكه والخضراوات وهي المنتجات التي تتصدرها الحوامض والبواكر بشكل واسع، وتتوفر فيها البلاد على مزايا تنافسية مقارنة مهمة، كشروط التربة والمناخ الملائمين، والأيدي العاملة الوفيرة وغير مكلفة، والقرب من الأسواق الأوروبية المستوعبة، وعلاقات تجارية امتيازيه مع الدولة الاستعمارية السابقة...

أما على مستوى سقي الضيعات الفلاحية فقد استهدفت هذه السياسة سقي مليون هكتار في افق سنة 2000، وبلوغ هذا الهدف تم التركيز على منطقة الري الكبير، والتي حظيت ببناء منشآت ضخمة لحبس المياه وتجهيز الضيعات الفلاحية في سافلتها لجعلها مناطق التنمية الفلاحية التي تحظى بدعم ميزانية الدولة(43). وقد ضاعفت الدولة أدوات تدخلها، المباشرة وغير المباشرة، من خلال تكثيف الاستثمارات العمومية، ومنح المعونات للفلاحين، والاعفاء من التضريب، وتقديم القروض بسخاء، وضبط سياسة الاسعار، والتأطير، وايجاد منافذ تصريف المنتجات...الخ. قيما يلي تطور حصة الاعتمادات المخصصة للري ضمن ميزانية وزارة الفلاحة والصيد البحري، ويبين الرسم البياني مدى أهمية الموارد المالية التي تخصص للري الكبير.

الشكل رقم 5

ومن النتائج الايجابية لهذه السياسات انه منذ منتصف عقد السبعينات تضاعف عدد السدود والاراضي المجهزة خاصة في مناطق الري الكبير. أما على مستوى الانتاجية فقد تم تطوير انتاج الشمندر السكري الى مستوى 50 في المائة من الاكتفاء الذاتي بينما كان يساوي هذا الانتاج صفرا في بداية الستينات. كما تضاعف انتاج الزيوت النباتية وتضاعف انتاج الخضراوات والفواكه والحليب واللحوم.

لكن الجوانب السلبية الكثيرة المتعددة لهذه السياسة والناجمة عن الاستغلال المفرط واهمال التنمية البشرية والمجالية مما تمخض عن تعمق مؤشرات الفقر والتهميش وارتفاع حدة الهجرة القروية ستكون له ارتدادات قوية على شكل اضطرابات سياسية عنيفة وهيجان اجتماعي واسع كرد فعل على الطبيعة الطبقية لتلك السياسات. وكان ابرز هذه الانعكاسات السياسية المحاولتين الانقلابيتين سنتي 1971 و1972 والشروع في تمرد مسلح سنة 1973.

ثانيا: أزمة السياسة الفلاحية لعقد السبعينات ومحاولات التجاوز

انطلاقا من الأزمات السياسية والاجتماعية الناجمة عن السياسات الطبقية المعتمدة منذ بداية عقد الستينات وخاصة منها السياسة الفلاحية الطبقية التي استهدفت التحديث والمردودية على حساب التنمية الاجتماعية القروية، ستقود السلطات العمومية الى محاولة التخفيف من وقع السياسات السابقة دون الخروج عن سياقها. وستتمثل هذه المحاولات في التخطط الخماسي الطموح لسنوات 1973 – 1977، وايضا اعتماد قانون المغربة للإصلاح الزراعي الذي استهداف توزيع عدد من الاراضي المسترجعة على عدد من الفلاحين في البادية، وتشكيل شركتي صوديا وسوجيطا(44). وستهم عملية توزيع الاراضي مساحة 320.000 هكتار لفائدة 24.000 مستفيد يشكلون 2 في المائة فقط من ساكنة الضيعات الفلاحية المحصاة(45).

لكن المخطط الاقتصادي الطموح سيصطدم ابتداء من سنة 1975 بتراجع اسعار الفوسفاط في السوق الدولية وظهور البوادر الاولى لازمة المديونية مما سيجعل السلطات العمومية تتراجع عن هذا المخطط(46). اما فيما يتعلق بتوزيع الاراضي الفلاحية فسرعان ما تبين للعديد من الفلاحين ان العملية سيتم الالتفاف عليها من قبل العديد من الاعيان الذين استطاعوا بوسائلهم الخاصة استعادة عدد من الاراضي الموزعة لوضعها تحت تصرفهم.

لكن أهم ما ميز عقد السبعينات هو النقاش الواسع حول نجاعة السياسات الفلاحية المعتمدة باهظة التكلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد تم وضع الأصبع على الخصوص على الانحرافات الخطيرة التي واكبت تلك السياسات ومنها على الخصوص تفضيل منطقة الري الكبير على حساب مناطق الري المتوسط والصغير(47). ثم طرح التساؤل حول مدى امكانية احلال نوع من التوازن بين الاثنين، وهو التوازن الذي يجب أن يتحقق على أساس تخصيص التمويلات. كما تم وضع علامات استفهام حول الفوارق المجالية الهائلة والفوارق الثقافية، حيث يتم تفضيل بعض المنتجات واهمال أخرى: كالقمح الصلب والشعير والخضراوات والزيتون والتمور وتربية المواشي ... ثم الفوارق الاجتماعية كالانعكاسات السلبية التمييزية التي تحدثها المشاريع الهيدرو فلاحية.

وقد ظهر انطلاقا من سنة 1974 ان المجهود المالي الضخم لفائدة المشاريع الاستثمارية الفلاحية في منطقة الري الكبير والذي انتج انعكاسات اجتماعية وخيمة لم يكن كافيا لبلوغ النتائج المستهدفة وخاصة منها الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد من خلال احلال الواردات(48)، فقد سجل الميزان التجاري على مستوى المنتوجات الغذائية عجزا بدلا من أن يحقق فائضا للتغطية على العجوزات التي تطبع المجالات الأخرى. وهنا بدأت تطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي والذي اصبح صعب المنال؟ ومن أهم الاطروحات التي طرحت كأجوبة على هذا التساؤل تمثل في مدى قدرة توسيع الاستثمار في المناطق البورية وايلاء هذه المناطق أهمية خاصة جديدة؟. ألا يمكن تغيير العقلية التي حكمت المسؤولين سابقا والمقتصرة على عمليات تقنية خالصة كعملية الحرث فيما بين 1957 – 1962، وعملية السماد بين 1966 و1973 ... الخ(49) ، من أجل اعتماد مقترب أكثر شمولية يهتم أكثر بالقطاعات الانتاجية وبالتنمية المندمجة؟.

لقد قادت مختلف التقييمات الى التفكير من جهة في بلورة المخططات الكفيلة بتحقيق اشباع الحاجيات الاساسية للبلاد من المنتجات الغذائية ومن جهة أخرى في تقليص الاختلال العميق القائم بين مناطق الري الكبير والري الصغير والمتوسط والمناطق البورية. وفي محاولة من السلطات العمومية تجسيد هذه الافكار على أرض الواقع تمت بلورة عدد من البرامج الخاصة بالمناطق البورية والجافة واعادة النظر في تركيب تنموي اكثر توازنا.

ثالثا: برامج التقويم الهيكلي والعودة الى نقطة الصفر

إن النوايا والبرامج المتولدة عن فشل السياسات الفلاحية السابقة والتي كانت تستهدف تجاوزها، ستتوقف بسبب تعمق أزمة المديونية الخارجية وسنوات الجفاف والزيارات المكوكية لبعثات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الى المغرب لإيجاد الوصفات الكفيلة بإعادة جدولة الديون الخارجية المتفاقمة. ومع اعتماد برامج التقويم الهيكلي سنة 1983 ستتراجع مختلف طموحات تغيير السياسات الفلاحية المعتمدة، بل سيتم تكريس السياسات السابقة مع اعتماد بعض البرامج التقويمية التي استهدفت تصفية مكتب التسويق والتصدير وتحرير اسعار بعض المنتجات الفلاحية(50). وقد انضافت الانعكاسات السلبية لهذه البرامج الى ازمة السياسات الفلاحية السابقة لكي تعمق تناقضات الوضع الاجتماعي القائم.

فسياسات الأسعار المعتمدة خلال عقدي الستينات والسبعينات تمت مراجعتها بسرعة عنيفة من خلال زيادات متوالية قوية في الاسعار عند استهلاك المواد الغذائية الأساسية التي كانت مدعمة من طرف الدولة. ورغم عدم شعبيتها سيتواصل رفع الاسعار طيلة عقد الثمانينات. وستواكب هذه الزيادات في الاسعار هزات اجتماعية قوية سنوات 1981 و1984 و1990.

فالطبقة الشعبية تحملت عواقب السياسات الفلاحية الطبقية لعقد الستينات بشكل مزدوج، فقد تحملتها من جهة نتيجة تمويلها لتلك السياسات وحرمانها من التنمية ومن البنيات الاجتماعية التحتية وهو ما تحملته في فقرها وقوت يومها، ثم من جهة أخرى تحملها لفاتورة مديونيتها ولسياسات التقشف المعتمدة بسببها.

رابعا: أزمة عقد التسعينات ودخول السياسة الفلاحية مرحلة الانتظارية

صيرورة ازمات سياسات عقد الستينات والانعكاسات الاجتماعية لسياسات تدبير الازمة وبرامج التقويم الهيكلي التي ستستمر الى غاية سنة 1993، وأيضا بحث التحالف الطبقي الحاكم عن اسس جديدة كفيلة بإحلال الاستقرار السياسي والاقتصادي لمواصلة نفس السياسات الطبقية السابقة، سيجعل من عقد التسعينات عقدا مليئا بالتناقضات وبالأوهام. الا أن تلك الأوهام لم تتمكن من إخفاء معالم الأزمة المتفاقمة، بل ومن الاشراف على السكتة القلبية. فطيلة عقد التسعينات كان النقاش جاريا حول تدشين مرحلة سياسية جديدة تشارك فيها المعارضة الاتحادية في الحكومة وهو ما سيتم سنة 1998 في اطار ما يسمى بحكومة التناوب. لكن في نفس الآن كانت اتفاقية منظمة التجارة العالمية لسنة 1994، واتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وما سيتلوها من اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الامريكية والعديد من الاتفاقيات الاخرى، تلتف حول عنق السياسات الحكومية وتفرض عليه الدخول في دوامة جديدة من التيهان في مجال السياسة الفلاحية.

الجدول رقم 3: وضعية الاستغلاليات الفلاحية سنة 1998 بحسب وضعيتها القانونية وأهمية مساحاتها(51):

التصنيف بحسب المساحة أراضي الملك وأشباهها أراضي الجموع أراضي الأحباس أراضي الكيش أراضي الدولة

أقل من هكتار واحد 151.709 13.531 1.619 1,12 2.375
من 1 الى 3 هكتارات 766.545 101.683 5.939 11.491 19.067
من 3 إلى 5 هكتارات 819.721 137.427 6.428 26.464 21.045
من 5 الى 10 هكتارات 1.497.068 304.111 12.221 46.278 35.011
من 10 الى 20 هكتار 1.398.024 381.770 12.314 54.725 33.670
من 20 الى 50 هكتار 1.055.520 369.227 9.101 61.536 30.922
من 50 الى 100 هكتار 406.787 131.067 4.590 24.780 17.934
أكثر من 100 هكتار 522.756 105.840 6.631 14.041 110.129
المجموع 6.618.130 1.544.656 58.843 240.441 270.153
المصدر: وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، 1996

لقد اعترف تقرير البنك الدولي لسنة 1995، بالكلفة الاجتماعية الوخيمة التي تحملتها الطبقة الشعبية طيلة سنوات تطبيق سياسة التقويم الهيكلي. كما أن تقرير التنمية البشرية أخذ يصنف المغرب منذ سنة 1991 في مراتب جد متخلفة حيث تم تصنيفه في تلك السنة في المرتبة 108 من بين 160 دولة خلف دول مماثلة مثل الجزائر وتونس والاردن. وقد أشار هذا التقرير الى أن 37 في المائة من مجموع السكان يعيشون تحت عتبة الفقر، لكن هناك 45 في المائة من هذه النسبة تعيش في البادية.

التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتحولات المحلية والعالمية جعلت السلطات الفلاحية تضع العديد من التصورات بخصوص السياسة الفلاحية دون القدرة فعلا على تطبيق أي منها وذلك طيلة عقدي التسعينات والعقد الاول من الالفية الثالثة.
لكن تقلبات الأزمة العالمية وتسارعها وتقلص الفترات الزمنية فيما بينها (أزمات 1993 – 1997 – 2001 – 2007) دفع الرأسمال المالي العالمي بمعية المؤسسات المالية والتجارية العالمية الى اعادة التفكير في اساليب تدبيرها لتلك الازمات من أجل الالتفاف على الازمات وخلق مجالات جديدة من التراكم. من هنا بدأت تظهر ميولات جديدة لدى الرأسمال المالي العالمي نحو الانتاج الفلاحي والعالم القروي، ومما حفز على هذا الاتجاه دخول عدد من البورصات العالمية خاصة في الولايات المتحدة الامريكية الى مجال المضاربة على المواد الغذائية خاصة منذ سنة 2005. وهو الأمر الذي أدى الى تزايد أسعار المواد الغذائية في الاسواق العالمية وكان لها انعكاسات اجتماعية وخيمة خاصة في بلدان العالم الثالث والتي شهدت انتفاضات الخبز.

تحول انظار الرأسمال المالي الدولي نحو الانتاج الزراعي والعالم القروي سيترجم من خلال تزايد اهتمام المؤسسات المالية الدولية بالقطاع الفلاحي في بلدان العالم الثالث ومحاولة بلورة مخططات فلاحية جديدة تفتح فيها المجال واسعا امام الاستثمار الخاص، الاجنبي على الخصوص. لكن للتغطية على نوايا الرأسمال المالي العالمي تلجأ تقارير المؤسسات المالية الدولية والخبراء الأجانب الى الحديث كثيرا عن محاربة الجوع وتنمية الفلاحين الصغار والارتقاء بهم الى مقاولات خاصة منتجة(52). تلك إذن هي الموضة الجديدة التي ستوقظ السلطات الفلاحية من سباتها، حيث ستلجأ الى خدمات مكتب ماكنزي الدولي لتضع لها مخططا على مقاسها تستطيع من خلاله جذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة. لكن قبل ذلك يجب اعداد البنيات التحتية الضرورية لذلك وتحديد حزمة من الدعامات والمشاريع والارقام ومساحات الاراضي التي سيشملها مخطط المغرب الاخضر والذي سيستقبل قريبا الاستثمارات الاجنبية الخاصة.


المحور الثالث: مخطط ماكنزي أبعاده وحدوده

أولا: منجزات خمس سنوات من حياة المخطط (2009 – 2014)

تؤكد الوثائق الرسمية لوزارة الفلاحة والصيد البحري على أن مخطط المغرب الأخضر يستهدف رفع الاكراهات التي تعيق تنمية فلاحية تنافسية وعصرية ومندمجة وذات قيمة مضافة عالية(53)، قادرة على مواجهة تحديات العولمة والانفتاح من خلال الزيادة في حصة القطاع الفلاحي في الناتج الداخلي الخام من 74 مليار درهم في المتوسط إلى مستوى يبلغ ما بين 144 و174 مليار درهم وخلق 1.500.000 منصب شغل جديد في أفق سنة 2020.

ويتمحور مخطط العمل الموضوع لهذا الغرض للفترة 2009 – 2015، على أساس مقاربة التنمية المندمجة، حول الدعامتين التاليتين:

1 – الدعامة الأولى: وتھدف إلى تطوير فلاحة ذات قيمة مضافة وإنتاجية عاليتين، موجھة بالأساس نحو التصدير، عبر إنجاز ما يناھز 960 مشروعا موزعا على 560.000 ضيعة مستھدفة باستثمار إجمالي يقدر بحوالي 75 مليار درھم؛
2 – الدعامة الثانية: وترمي إلى تأھيل تضامني للنسيج الإنتاجي لصغار الفلاحين الموجودين بمناطق ھشة لفائدة ما يناھز 840.000 فلاح مستھدف من خلال إنجاز 545 مشروعا. ويقدر الغلاف الاجمالي للاستثمار ما يقارب 20 مليار درھم.
وقد ھمت الإنجازات الرئيسية لھذه الاستراتيجية حتى عام 2013 ، المجالات التالية:
1 - المجال المؤسساتي: تم في هذا المجال إنجازت عدة عمليات لخلق بيئة ملائمة لتنفيذ مخطط المغرب الأخضر، من أھمھا:

أ - التوقيع على 16 عقد فلاحي جھوي تمثل التفعيل الذاتي لكل جھة لمخطط المغرب الأخضر من حيث المشاريع، الاستثمارات، التشغيل والتصدير، وكذا إبرام 19عقد برنامج لكل سلسلة الإنتاج بين الدولة والمھنيين، فضلا عن إنشاء 17 جمعية بيمھنية تضم جميع الفاعلين في سلاسل الإنتاج؛

ب - إنشاء وكالة التنمية الفلاحية والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان ومركز الموارد للدعامة الثانية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية وفي سنة 2013 ، كما تم إحداث المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية والمديرية المركزية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية؛

2 - المجال التحفيزي: إصلاح نظام التحفيز الفلاحي الرامي إلى رفع الاستثمارات الفلاحية الخاصة من خلال إنشاء مساعدات جديدة مبرمجة في إطار عقود البرامج السالفة الذكر، وتعزيز المساعدات الممنوحة وكذا التشجيع على التجميع. مع ھذا الإصلاح، ارتفع المبلغ الإجمالي للمساعدات الممنوحة من طرف الدولة عبر صندوق التنمية الفلاحية من 1.585 مليون درھم سنة 2009 إلى 2.570 مليون درھم سنة 2012 ويمكن أن يصل إلى ما يربو من 2.800 مليون درھم سنة 2013. ھذه المساعدات ساھمت في خلق إستثمار إجمالي يقدر بحوالي 30 مليار درھم خلال الفترة 2008 – 2012.

3 - مجال السقي واقتصاد المياه المستعملة في الفلاحة: في ھذا الإطار تجدر الإشارة
إلى:

أ - مواصلة دراسات الجدوى والتنفيذ للتحويل الجماعي لمساحة 95.355 ھكتارا، مما سيمكن من الرفع من المساحة الإجمالية التي تمت دراستھا إلى 175.196 ھكتارا أي 80 في المائة من مجمل المساحة المتوقعة للتحويل الجماعي في إطار البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه الري؛

ب - مواصلة وإطلاق أشغال عصرنة شبكات الري على مساحة 61.955 ھكتار مما سيمكن من الرفع من المساحة الإجمالية للأشغال إلى 26 في المائة من مجمل المساحة المتوقعة للتحويل الجماعي في إطار البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه الري؛

ج - مضاعفة المساحة المجھزة بالتقنيات الحديثة لاقتصاد الماء من 160.000 ھكتار سنة 2007 إلى أكثر من 330.000 ھكتار سنة 2013؛

د - إطلاق الدراسات المتعلقة ببرنامج توسيع الري في سافلة السدود على مساحة 157.550 ھكتار منھا 75.680 ھكتار ستكون جاھزة في أواخر سنة 2013، أي 48 في المائة من مجموع البرنامج. بالإضافة إلى ذلك، سوف تستمر الأشغال على مساحة 40.350 ھكتار حتى أواخر سنة 2013.

4 - مجال الفلاحة التضامنية: تتمحور إنجازات مشاريع الدعامة الثانية بالأساس حول:

أ - وضع اللمسات الأخيرة على 292 اتفاقية بين الھيئات الحاملة للمشاريع والدولة حول ما يناھز 76 في المائة من المشاريع الموجودة في طور الإنجاز؛

ب - زراعة، إلى نھاية غشت 2013 ، مساحة تصل إلى 93.250 ھكتار، أي ما يقارب من 80 % من البرنامج المتوقع حتى أواخر سنة 2012 و 50 % من البرنامج المتوقع سنة 2013 . ويشكل شجر الزيتون جزءا مھما من المساحة المغروسة بحوالي 54.053 ھكتارا ؛

ج - التھيئةٍ الھيدروفلاحية على مساحة 14.053 أي ما يعادل مسافة تصل إلى 566 كلم.

5 - مجال الفلاحة ذات القيمة المضافة والإنتاجية العاليتين:

على مستوى مشاريع الدعامة الأولى، تجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع بنھاية سنة 2013 ، انطلاق 134 مشروعا للتجميع يتضمن:

أ - 106 مشروعا تم التوقيع على اتفاقيات التجميع الخاصة بھم باستثمار يناھز 21,6 مليار درھم لفائدة 161.000 فلاحا مجمعا؛

ب - 28 مشروع والتي توجد اتفاقيات التجميع الخاصة بھا في طور التوقيع، باستثمار يقدر بحوالي 6,9 مليار درھم لفائدة 80.000 مجمعا.

6 - مجال عوامل الإنتاج: أدت الإجراءات المتخذة في مجال تحسين استخدام عوامل الإنتاج إلى تحقيق النتائج التالية:

أ - تعزيز المكننة من خلال الزيادة في عدد الجرارات الذي ارتفع من 5 لكل 1.000 هكتار في 2007 – 2008 إلى 6,8 لكل 1.000 هكتار في 2012 – 2013؛


ب - الزيادة في استخدام البذور المختارة المعتمدة للحبوب حيث بلغ حجم التسويق 1.3 مليون قنطار خلال الموسم الفلاحي 2012 – 2013، مقابل 700.000 قنطارا خلال موسم 2007 - 2008

ج - تحسين معدل استخدام الأسمدة التي وصلت إلى 95 كلغ للھكتار خلال موسم 2012 – 2013، أي ما يمثل زيادة قدرھا 36 % مقارنة بموسم 2007 - 2008؛

لقد كان للإجراءات المذكورة أعلاه أثر إيجابي من حيث الإنتاج والتصدير على أھم : السلاسل الفلاحية كما يتضح ذلك من خلال النتائج التي تحققت سنة 2013:

أ - بلغ إنتاج الحبوب حوالي 97 مليون قنطار، مع إنتاج قياسي وصل إلى 52 مليون قنطار بالنسبة للقمح الطري؛

ب - بلغ إنتاج الزيتون 1,15 مليون طن بينما ظلت صادرات زيت الزيتون مستقرة 2012 أي 10.500 طن بزيادة في القيمة وصلت إلى - مقارنة بالموسم 2011 %18؛

ج - تم تصدير ما يقارب 771.000 طن من الخضروات حتى نھاية يونيو 2013 بزيادة قدرھا 5 % مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية؛

د - شھد إنتاج الحمضيات انخفاضا ب 25 % بعد موجة البرد التي سجلت خلال شھري فبراير ومارس 2012 والحرارة التي حصلت في شھري ماي ويونيو 2012 . وقد أدى ھذا الوضع إلى انخفاض في الصادرات بنسبة 21 % وزيادة في أسعار الحمضيات في السوق الوطنية؛

ه - بلغ الإنتاج الحيواني 490.000 طن من اللحوم الحمراء، بزيادة قدرھا 5 % بالنسبة لموسم 2011 – 2012. ويقدر إنتاج اللحوم البيضاء ب 560.000 طن، مسجلا ركودا مقارنة بالفترة 2011 - 2012 في حين وصل إنتاج البيض إلى 5,7 مليار وحدة. وعلاوة على ذلك، سجل إنتاج الحليب نموا بنسبة 8% مقارنة بالموسم الفارط.

ترتكز الإجراءات المبرمجة لسنة 2014 أساسا على المحاور التالية:

1 - مشاريع الدعامة الثانية: الفلاحة التضامنية

يھدف برنامج العمل مواصلة إنجاز 322 مشروع وإطلاق 57 مشروعا جديدا. وتھم ھذه المشاريع الجديدة سلاسل الإنتاج الحيواني والنباتي الأساسية، وسيغطي 13 جھة على مساحة تقارب 60.000 ھكتارا باستثمار إجمالي يفوق 1,5 مليار درھم.

2 - دعم الاستثمار الخاص

في ھذا الصدد، من المتوقع استمرار الدولة في عملية التحفيز على الاستثمار الخاص في القطاع الفلاحي وفقا للالتزامات التي اتخذتھا الحكومة. وتمنح المساعدات المالية لھذا الغرض في إطار صندوق التنمية الفلاحية من أجل تجھيز الأراضي الفلاحية بمعدات الري والمعدات الفلاحية وتثمين الإنتاج النباتي والحيواني وتنويع الأسواق وتشجيع الصادرات وكذا استخدام البذور المختارة للحبوب والتأمين المتعدد المخاطر للحبوب والقطاني.

3 - تطوير الري وتھيئة المجال الفلاحي

سوف يرتكز برنامج العمل برسم سنة 2014 على استكمال إنجاز البرامج المھيكلة لتطوير الري خاصة البرنامج الوطني لاقتصاد ماء السقي وبرنامج استدراك التفاوت في سافلة السدود.

4 - البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه الري:

ستعرف سنة 2014 مواصلة وإنھاء دراسات الجدوى والتنفيذ لعملية التحويل الجماعي، فضلا عن مواصلة إطلاق أشغال عصرنة الشبكات لتصل إلى 32 % من المساحة المتوقعة من البرنامج المذكور.

5 - برنامج توسيع السقي بسافلة السدود
يخص ھذا البرنامج توسيع الري على مساحة إجمالية قدرھا 157.550 ھكتارا باستثمار 20,17 مليار درھم. وھكذا من المنتظر برسم 2014 ، مواصلة دراسات التنفيذ على مساحة 82.870 ھكتار لتصل إلى 100 % من إجمالي المساحة المعنية بالدراسات، ومواصلة الأشغال على مساحة تصل إلى 40.350 ھكتار، والشروع في الأشغال المتعلقة ب 2.000 ھكتار لتصل المساحة الإجمالية المزمع إنجازھا إلى 42.350 ھكتار، أي 26 % من المساحة الإجمالية.

ويركز برنامج العمل أيضا على إنجاز مشاريع التنمية المندمجة على مستوى التراب الوطني، وكذا برامج تنمية المراعي. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع تحقيق البرامج الدائمة والمتعلقة بتحسين خدمة مياه الري والعمليات المتفرقة للري الصغير والمتوسط في جميع أنحاء البلاد.

6 - برامج أخرى أفقية:

أ - إعداد الأقطاب الفلاحية من خلال إنھاء بناء وتجھيز القطبين الفلاحيين لمكناس وبركان، ومواصلة بناء القطب الفلاحي لتادلة وانطلاق أشغال بناء قطب سوس ماسة ومواصلة الدراسات لإنجاز القطبين الفلاحيين للغرب والحوز؛

ب - الترويج للمنتجات المحلية ووضع العلامات التجارية من خلال مواصلة برنامج التأھيل ومواكبة المنتجين، وإنجاز برنامج دعم ومواكبة المنتجين المستفيدين من ھذا البرنامج في 14 جھة من جھات البلاد، والانتھاء من بناء وتجھيز أرضيتين لوجيستيكيتين لتسويق المنتجات المحلية بكل من مكناس والحسيمة، فضلا عن تقديم الدعم للفلاحين للنھوض بوضع العلامات التجارية؛

ج - تنفيذ استراتيجية جديدة للاستشارة الفلاحية من خلال الانطلاقة الفعلية لتدخل المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، وذلك من أجل دعم الفلاحين وتمثيلياتھم المھنية في مجال من استعمال التقنيات التجارية والتدبيرية الحديثة.

ثانيا: المصادر الخارجية لتمويل مخطط ماكنزي

1 – تمويل الفترة 2008 - 2013

هناك 14 مؤسسة مالية مساهمة في تمويل مخطط ماكنزي منذ انطلاقه سنة 2008 الى سنة 2013. وقد بلغت مبالغ القروض والمعونات المقدمة 15,1 مليار درهم تم السحب منها 9,8 مليار درهم (65 في المائة).
ومن بين 31 برنامج ممول، هناك أكثر من نصف هذه البرامج استوعبت 80 في المائة من التمويل، وتعرف تقدما ملموسا من حيث التنفيذ.

وهناك فقط تسعة برامج تمثل 10 في المائة من المساعدات الممنوحة سجلت تأخرا في التنفيذ: حوالي نصف هذه البرامج يهم التنمية القروية وانطلقت قبل اطلاق مخطط ماكنزي.

البرامج الممولة من طرف المؤسسات المالية الدولية تغطي مجموع مواضيع مخطط ماكنزي وخمسة عشرة من الجهات من بين 16 جهة. ومع ذلك فإن:

- جهات الجنوب، والرباط والشاوية والدار البيضاء الكبرى ليست معنية بأي برنامج تمويلي.

- برامج التكوين والبحث تستفيد من مساعدة محدودة

مصالح وزارة الفلاحة تحضر غلافا جديدا بقيمة 1,4 مليار درهم مخصصة لبرامج سيتم اطلاقها سنوات 2014-2015. نصف هذه البرامج تهم الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر.

2 – تمويل الفترة 2015 – 2020

تتوقع وزارة الفلاحة استثمارات عمومية بقيمة 72 مليار درهم بالنسبة للفترة 2015 – 2020 وهو ما يمثل 58 في المائة من الحاجيات الكلية للتمويل. أما الاستثمارات الخاصة خلال نفس الفترة فيتوقع ان تصل الى 52,32 مليار درهم بمعنى 42 في المائة من الحاجيات الكلية. وسيتم تخصيص حوالي 34 مليار درهم لتنمية القطاعات الانتاجية وحوالي 25 ملير درهم للري و6 مليار للتنمية القروية وحوالي 4 مليار درهم للتكوين والبحث وحوالي 2 مليار درهم للوقاية الصحية وحوالي 1,4 مليار درهم للوجستيك والخدمات المتعددة.

ثالثا: حدود مخطط ماكنزي

يركز مخطط ماكنزي من الناحية الكمية على رفع مستوى الانتاجية من خلال غزارة المشاريع الاستثمارية أولا ومن خلال ادخال التقنيات الحديثة على اساليب الانتاج وتعدد العمليات الاستثمارية. لكن ما هو الفرق بين ما تم اعتماده خلال السياسات الزراعية لعقد الستينات وما يتبناه حاليا مخطط ماكنزي؟ ثم ماهي المنتجات ذات القيمة المضافة المرتفعة التي سيتم تفضيلها في اطار هذا النموذج التنموي؟ وما هي هذه التقنيات الحديثة التي سيتم اعتمادها وما مدى احترامه للتربة وللمحيط البيئي ولصحة الانسان والحيوان؟ وما مدى احترام هذه المنتجات للتنوع الغذائي وتوازنه؟ ألا يمكن أن يقود فرض المنتوج الوحيد على أراضي شاسعة موجه نحو التصدير الى ضرب الامن الغذائي للفلاحين وللمغاربة ككل؟

ان المعطيات الطبيعية المتعلقة بالتربة وبمصادر المياه تضل محدودة. فما مدى واقعية الاستثمارات المعتمدة وتطابقها مع هذه المعطيات؟ فكل استنزاف مبالغ فيه للموارد الطبيعية يكون على حساب الساكنة والبيئة، فهل تمت دراسة انعكاسات طبيعة الاستثمارات المعتمدة على بيئتها؟ وهل تم استقراء تجارب دول اخرى سارت في نفس الطريق منذ عشرات السنين وتعرضت للفشل؟

الشكل رقم 6

ان مراهنة المخطط الواسعة على المنتوجات ذات القيمة المضافة المرتفعة والموجهة نحو التصدير كالبواكر والزيوت والقطنيات والفواكه، قد يكرر نموذج الطماطم، التي تقوم على الانتاج المكتف ويستعمل مواد مخربة بقوة للبيئة ومبدرة للمياه النادرة بغزارة، وكل ذلك من أجل ربح نقد أجنبي يكون في الغالب غير كاف.

المخطط لا يتحدث البتة عن كيفية مواجهة الامن الغذائي للمغاربة في وقت لوحظ فيه منذ سنة 2005، ارتفاع حدة المضاربة على المواد الغذائية مما جعل جميع الدول تتسابق حاليا لوضع مخططات حماية أمنها الغذائي. المخطط لا يحدد اي اختيارات بخصوص المنتجات الحيوية للامن الغذائي كالحبوب والسكر والزيوت والحليب واللحوم، فإهمال تدبير هذه المنتجات يهدد الامن الغذائي بقوة.

يبدوا واضحا ان مخطط ماكنزي يريد من خلال منهجية التجميع الالتفاف على تعدد الانظمة العقارية السائدة وتعقدها، واتاحة الهيمنة للفلاحين الكبار على حساب صغار الفلاحين الذين سيخضعون في نهاية المطاف لإرادة المجمع. ولا يخفى ان هذه السياسة سبق اعتمادها خلال عقدي الستينات والسبعينات وكذا الثمانينات فيما يخص انتاج الشمندر السكري والحليب وكذا في مجال التسويق والتصدير. وحيث وصل الامر بالفلاحين المتضررين من الاسعار المفروضة عليهم ومن اجبارية تقديم المنتوج الوحيد تحت طائلة الحرمان من المياه، درجة الغليان كرد فعل على علاقات الانتاج المختلة وعلى ارتفاع حدة الاستغلال نتيجة لذلك. لذلك يطرح التساؤل حول مدى نجاعة اسلوب التجميع وعلاقات الانتاج الجديدة والى أية درجة سيتقبلها الفلاحون الصغار بل وحتى العمال الزراعيون؟

كيف يمكن ضمان عقود التجميع من أجل توفير الاراضي التي تستهدفها استثمارات مخطط ماكنزي؟ وهل تلك العلاقات المختلة التي ستتولد عن هذه العقود ستضمن حقوق كافة الاطراف بشكل متوازن؟

الجدول رقم 4: تطور توزيع الحيازات الزراعية في المغرب(54) حسب الحجم

عدد الحائزين بالآلاف نسبتهم إلى جملة الحائزين (نسب مئوية) الأراضي القابلة للزراعة (بالآلاف الهكتارات) النصيب النسبي في المساحة الكلية للأراضي (نسب مئوية)

1974 1996 1974 1996 1974 1996 1974 1996
بدون أرض 450,2 64,7 23,36 - - - - -
من 0 إلى 1 هكتار 439,7 315,3 22,81 21,07 188,7 170,4 2,60 1,95
من 1 إلى 3 هكتار 431,6 446,7 22,39 29,84 759,9 904,
7 10,50 10,36
من 3 إلى 5 هكتار 217,8 237,7 11,30 15,88 823,3 1,011,1 11,38 11,57
من 5 إلى 10 هكتار 219,8 247,8 11,40 16,56 1,507,2 1,894,7 20,84 21,70
من 10 إلى 20 هكتار 114,1 125,2 5,9 8,36 1,525,2 1,880,5 21,09 21,53
من 20 إلى 50 هكتار 43,8 47,9 2,27 3,20 1,215,3 1,526,3 16,80 17,48
من 50 الى 100 هكتار 7,6 7,8 0,39 0,52 512,3 585,1 7,08 6,70
أكثر من 100 هكتار 2,5 3,2 0,12 0,21 699,5 759,4 9,67 8,69
المجموع 1.927,2 1,496,3 100 100 7.231,4 8,732,2 100 100
المصدر: الدورية الاحصائية للمغرب، مديرية الاحصائيات، وزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط، 1999، الصفحة: 69.

نوايا الباطرونا الزراعية اتجاه مستقبل التعامل مع مخطط ماكنزي يرتكز على استغلال الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين. ولا يخفي هؤلاء هذه النوايا بل يدافعون عنها كحق طبيعي لهم وهم يرفضون السماح لاي عمل نقابي وسط العمال الزراعيين في الضيعات الفلاحية التي يديرونها. وفي لقاء تقييمي لنصف مدة تطبيق مخطط ماكنزي انعقد بقصر المؤتمرات بالصخيرات يوم الأربعاء 19 مارس 2014، لم يتردد رئيس الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية (كومادير) أحمد أوعياش في التصريح لميديا 24 بما يلي: "يتعلق الأمر بتمدد الاضرابات نحو الاستغلاليات الفلاحية، وعلى الخصوص الأراضي القديمة التي كانت تديرها صوديا وسوجيتا. الحياة النقابية مطبوعة بالتنافس بين المركزيات. ونفس الشيء قائم في العالم القروي. أخطر من ذلك أن النقابات المحلية تتخلى في بعض الاحيان عن وصاية مركزياتهم وتتحول الى انويات حرة"

"الوضعية تتحول في بعض الأحيان الى كابوس بالنسبة للمستثمرين". "فللعمال المتمردين وسائل ضغط متفاوتة: فكيف يمكن التصرف عندما يندلع اضراب في فترة حرجة من الانتاج لتهديد كامل انتاجك، والقابل في كل لحظة للتدهور؟ العمال يطالبون، بل يفرضون، تطبيق مدونة الشغل وحيث لا يميزون بين العامل والعامل الزراعي. ما عدا في ما يتعلق بالتعويضات السميك هنا والسماك هناك".

هذا التصريح يؤكد على العقلية التي تستهدف انجاح مخطط ماكنزي، كما يؤكد على أن المسألة الزراعية لم تخرج عن دائرة الاغتصاب التي كانت سائدة خلال القرون السابقة للحماية والتي أوصلت الفلاحين الفقراء اليوم أيضا الى عتبة الفقر المطلق، ولم لا الدفع بهم نحو المجاعات والاوبئة الفتاكة من جديد.

بدلا من خاتمة

حاولت هذه الورقة المخصصة لمخطط ماكنزي والمسألة الزراعية تعمد التحليق أولا فوق المراحل التاريخية السابقة لعهد الحماية للتذكير بتاريخ الصراع على الاراضي الفلاحية المغربية، والذي تميز خلال القرون الأربعة السابقة بانهيار مريع سببه اغتصاب الاراضي من سكانها الاصليين واحلال علاقات اقطاعية في مواجهة ما تبقى من السكان بعد احتماء الاغلبية في بلاد ما كان يعرف بالسيبة. ثقافة الاغتصاب والهيمنة أضرت بالإنتاج الزراعي ورسخت ثقافة النخب في مواجهة جماهير الفلاحين والذين لا يصلحون حسب هذه الثقافة لشيء آخر سوى للاستغلال.

لقد افرز التدهور المتسارع للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهشاشة والقابلية للاختراق الاجنبي، ولجوء المستعمر الفرنسي الى حماية نخب بلاد المخزن في مواجهة أمازيغ بلاد السيبة الذين ظلوا يقاومون حتى فترة متقدمة من عهد الحماية وبعد سقوط آخر معاقل المقاومة المسلحة في الريف سنة 1926. ورغم الفترة القصيرة لسلطات الحماية في المغرب (44 سنة) فانها استطاعت ترسيخ بنيات نمط الانتاج الرأسمالي في مجال الانتاج الزراعي بنفس البعد النخبوي على حساب اكثرية جماهير الفلاحين.

بعد خروج المستعمر، حاول ثلة من القوى التقدمية توجيه البلاد من خلال أول مخطط اقتصادي نحو منظور تنموي بالاعتماد على الذات، لكن هذا المخطط سيتوقف منذ سنته الاولى مع الانقلاب السياسي الابيض لكي تتم العودة الى نفس نموذج التنمية الليبرالية الذي دشنته سلطات الحماية وبالاعتماد على الاعيان والنخب التي تمت تقويتها بتمليكها الاراضي المسترجعة وبضخ معدلات مرتفعة من اعتمادات الميزانية العامة والممولة من قبل اكثر من اثني عشرة دولة لبناء السدود الكبرى وتجهيز اراضي الري الكبير بمختلف التقنيات الزراعية الحديثة.

لقد قاد سوء توزيع الاستثمارات وتركيزها في مناطق الري الكبير مع ضعف الموارد المالية الى تهميش عميق ومؤلم للملايين من الفلاحين الفقراء الذين لم يجدوا امامهم سوى الهجرة المكثفة نحو المدن وأيضا نحو الخارج. ان التناقض الكبير الذي حدث بين قوى الانتاج المتقدمة جدا في مناطقة محدودة واهمال كلي لجل المناطق الاخرى مع اختلال كبير في علاقات الانتاج المتسمة بالإفراط في الاستغلال، ستكون من نتائجه ضعف وتأخر المسألة الزراعية وليس تقدمها.

ستضل السياسة الزراعية تراوح مكانها، وتراكم تراجعها ضمن الناتج الداخلي الاجمالي طيلة عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات والعقد الاول من الالفية الثالثة. لكن الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية المتسمة بتضخم الجمود، ظلت تمظهراتها في تصاعد مستمر، لكي تنفجر بقوة منذ ازمة 2001-2003 ثم انطلاقا من سنة 2007. فالرأسمال المالي العالمي الذي لم يتمكن من ايجاد مخارج ناجعة من ازمته الهيكلية بدأ يتطلع منذ سنة 2005 نحو العالم القروي والانتاج الزراعي كمجال قابل للمقاومة اكثر في مواجهة الازمة. من هنا بدأت أدبيات المؤسسات المالية الدولية تتغنى بتحرير القطاع الزراعي وبالثورة الخضراء وبمحاربة الجوع وبالتعاطف مع الفلاحين الفقراء وباقتراح مشاريع استثمارية هائلة يقودها القطاع الخاص الاجنبي على الخصوص للنهوض بالإنتاج الزراعي(55). إذن ففي خضم هذه الموضة الجديدة ستلجأ السلطات الفلاحية في المغرب الى مكتب ماكنزي الدولي لتطلب منه المساعدة في وضع استراتيجية فلاحية بالمواصفات التي تتحدث عنها المؤسسات المالية الدولية.

لكن مخطط ماكنزي والمدعو بمخطط المغرب الأخضر تعرض لانتقادات لاذعة من طرف عدد من الباحثين المغاربة الجادين(56) ، وطرح فعلا العديد من علامات الاستفهام: فكيف لمخطط ضعيف يجتر العديد من الأخطاء المنهجية الخطيرة سواء في إحصاءاته المغلوطة أو في استنتاجاته الخاطئة أو في تطلعاته غير الواقعية أن يحظى بسهولة بموافقة السلطات الفلاحية؟ فهل هو الانبهار وقوة تأثير هذا المكتب الدولي وباستعمالاته التقنية متعددة الوسائط، أم هي ضعف كفاءة المسؤولين؟ وهذا يذكرنا بانبهار السلطان عبد العزيز في بداية القرن العشرين بخردات الصناعة الأوروبية آنذاك. ثم الا يعدوا أن يكون الأمر مجرد مراهنة على مكتب دولي ذو مصداقية عالمية رغم الاخطاء التي قد يحتملها من أجل جذب راساميل دولية للاستثمار في المجال الفلاحي المغربي ودعمه للنخب المغربية المهيمنة على هذا القطاع التي بلغت الباب المسدود نتيجة التناقض بين قوى الانتاج المتطورة وعلاقات الانتاج المتخلفة جدا. وهو ما يعني أيضا نوع من الهروب الى الامام لإخفاء العجز الكامل عن تدبير هذا القطاع.

مهما يكون من شأن الاسباب التي دفعت السلطات الفلاحية الى اعتماد مخطط ماكنزي رغم عواهنه، الا أن هناك أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية أكيدة تقف خلفه. فالهجرة القروية والتحولات السريعة التي تطرأ على واقع الفلاحين الفقراء المعيشية والثقافية وارتباطهم العضوي بما يحدث في المدن وفي العالم من حولهم يحولهم تدريجيا الى طبقة ثورية باحثة عن تغيير واقعها البئيس بشتى الوسائل. وقد ظهر خلال انتخابات 2003 و2007 ان اعيان القرى لم تعد قادرة على تعبئة الرأي العام القروي وبالتالي التحكم في سلوكها السياسي، خصوصا وأنه طيلة عقدي التسعينات والعقد الأول من الالفية الثالثة باتت أهم الانفجارات الاجتماعية تحدث في البوادي نتيجة الافقار والتهميش: تالسينت، تاماسينت، البهاليل، صفرو، سيدي افني، أزيلال، بني تادجيت، بوعرفة، العرائش، بكارة، ميسور ...الخ. فهذا الواقع السياسي الجديد يثير في الواقع مخاوف حقيقية لدى النخب الحاكمة مما يجعلها تبحث بكافة الوسائل عن كيفية اعادة بناء شرعيتها وتحكمها المعهود في الوضع الاجتماعي المتفجر.

لكن هل يشكل فعلا مخطط ماكنزي وسيلة ناجعة للتحكم في الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور في البادية؟ وهل يكفي توزيع العديد من المشاريع الاستثمارية وضخ مبالغ هائلة متأتية أغلبها عبر القروض والمعونات الأجنبية بما تحتمله من قيود وشروط تزيد من حدة تبعية المغرب للخارج، على الجهات الستة عشرة، للقول بان تفاعلها سيمكن من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة المستهدفة؟ الا يشكل المخطط من جهة أولى مجالا لسيطرة طبقية جديدة للاعيان على أراضي الفلاحين الصغار ومن جهة أخرى تجميعا لأراضي شاسعة بما فيها ساكنتها القروية لتشكيل ضيعات يتم وضعها تحت تصرف المستثمرين الأجانب مستقبلا؟

الرابط التالي من أجل تنزيل المقال كاملا بأشكاله البيانية وجداوله ومراجعه:

http://www.4shared.com/account/home.jsp#--dir--=N-RO3rvD

ــــــــــــــــــــــــ
تبلغ المساحة الكلية القابلة للزراعة اليوم حوالي 9 مليون هكتار، بالإضافة الى 6 ملايين هكتار من الغابات و3 ملايين هكتار من نباتات الحلفاء و21 مليون هكتار من المسالك. ويتم تخصيص حوالي 60 في المائة من الاراضي الزراعية للحبوب (حوالي 5,2 مليون هكتار) بينما يتم تخصيص من 2 الى 5 في المائة من الاراضي القابلة للزراعة لإنتاج القطاني والخضراوات والاعلاف. أما الأشجار المثمرة والتي تأتي في مقدمتها اشجار الزيتون ويأتي بعدها أشجار اللوز والحوامض فتحتل حوالي 7 في المائة من مجموع المساحة. أنظر بخصوص المعطيات الطبيعية الجغرافية للمغرب المرجع التالي:
Akesbi(N), Benatya(D), El Aoufi(N), Dimensions structurelles de la libéralisation pour l’agriculture et le développement rural, Programme RuralStruc – Phase I, Février 2007, p : 5.
2 محمد شفيق، 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين، 1988، الصفحة 8 وما بعدها.
3 ألبير عياش، المغرب والاستعمار، حصيلة السيطرة الفرنسية، كتاب مترجم، 1985، الصفحة 21
4 Ben Ali (D), Le Maroc précapitaliste, Formation Economique et Sociale, Société Marocaine des Editeurs Réunis, p : 53 et suivant.
5 محمد شفيق، 33 قرن من تاريخ الأمازيغيين، المرجع السابق، الصفحة 37 وما بعدها، أنظر أيضا كتاب ادريس بنعلي، المغرب ما قبل الرأسمالية، المرجع باللغة الفرنسية والمشار اليه أعلاه، الصفحة
6 TERRASSE(H), Histoire du Maroc, Editions Atlantides, Casablanca, 1950. Ben Ali(D), ), Le Maroc précapitaliste, Formation Economique et Sociale, Société Marocaine des Editeurs Réunis, p : 26
7 ألبير عياش، المرجع السابق، الصفحة 31. أنظر أيضا مؤلف ادريس بنعلي حول المغرب ما قبل الرأسمالية، الصفحة 25.
8 BERQUE(J), Les Seksawa : recherche sur les structures du Haut-Atlas--;-- (Thèse es Lettres Paris, 1954 publiée par les P.U.F, Paris 1955). Histoire rurale maghrébine (Les éditions internationales. Tanger-Fès 1938). Al Youssi : problèmes de la culture marocaine au XVIIè siècle (paris-Mouton, La Haye, 1958). LACOSTE(Y), Ibn Khldoun : naissance de l histoire, passé du Tiers-monde. (Editions Maspéro, Textes à l appui, Paris, 1969). LAROUI (A), Histoire du Maghreb. (Editions Maspéro 1974). Ben Ali(D), ), Le Maroc précapitaliste, op cite, p : 26 et suivant.
9 يعرف جون بيرك الاخس بكونها ترابط عائلي قبلي تقوم على المجموعات وليس على الأفراد، انظر في هذا الصدد مؤلف ادريس بنعلي المرجع السابق الصفحات 34 و65.
10 تم تعداد أكثر من ستة موجات مجاعات فتاكة خلال التواريخ التالية: من 1719 الى 1724 ثم من 1736 الى 1737 ثم من 1776 -1782 ثم من 1816 الى 1822 ثم من 1825 الى 1828 ثم من 147 الى 1851 كما تم تعداد اربعة أوبئة فتاكة من 1742 الى 1744 ثم من 1747 الى 1751 ثم 1780 الى 1799 ثم سنة 1818. وقد سبق كل ذلك انطلاقا من القرن الخامس عشر العديد من الكوارث كما هو الشأن بالنسبة لمجاعة 1520 – 1521 والتي أعقبها انتشار مرض الطاعون. ثم انتشار مرض الطاعون مرة أخرى سنتي 1557-1558 حيث فقد المغرب ارواح 10 في المائة من سكانه ثم سنة 1580 وبعد ذلك اجتياح مرض الطاعون لمدة اثني عشرة سنة من 1597 الى 1610 . أنظر في هذا الصدد:
ROSENBERGER(B) et TRIKI(H) , Famines et épidémies au Maroc au XVI et XVIIè siècles. Ben Ali(D), op cite, p : 41.
11 B. ROSENBERGER et H.TRIKI , op cite.
12 ألبير عياش، المغرب والاستعمار، المرجع السابق، الصفحة 172.
13 البير عياش المرجع السابق، الصفحة 178.
14 بلغ انتاج القمح الطري سنة 1951: 1,393.700 قنطار، 40 في المائة من المجموع وبلغ في سنة 1952: 1.566.400 قنطار، 51 في المائة في المجموع. بينما بلغ انتاج القمح الصلب سنة 1951: 439.300 قنطار، 8 في المائة من المجموع. وفي سنة 1952: 469,000 قنطار، 9 في المائة من المجموع. أما انتاج الشعير فقد بلغ في سنة 1951: 597.400 قنطار، 2,5 في المائة من المجموع. وفي سنة 1952: 527 قنطار، 4 في المائة من المجموع. أما انتاج الأرز فقد بلغ سنة 1953: 300.000 قنطار، بفائض 100 الى 120.000 قنطار. المرجع السابق الصفحة 179.
15 الشركة المغربية لبني احسن وبني مطير وسيدي طيب
16 يضم المجلس الاداري: الدمناتي وب-برنار، وشركة "مطاط الهند الصينية" وبركونيان و SOPACOF. البير عياش المرجع السابق، الصفحة : 181
17 البير عياش، المرجع السابق، الصفحة 182.
18 Ben Ali(D), op cite, p : 56 et suivant.
19 Ibid
20 Ibid
21 G. LAZAREV, Les concessions foncières au Maroc. Etudes sociologiques sur le Maroc --;-- Publications du Bulletin Economique et sociale du Maroc. 1971). Ben Ali(D), p :57
22 J. BERQUE, Les Seksawa : recherche sur les structures du Haut-Atlas--;-- (Thèse es Lettres Paris, 1954 publiée par les P.U.F, Paris 1955). Ben Ali(D), op cite, p : 58.
23 Benhaddou (A), Les élites du royaume, Enquête sur l’organisation du pouvoir au Maroc, Edition Riveneuve, 2009, p : 17.
24 Laroui(A), Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain, Paris, Maspero, 1978, p. 90.
25 Ibid
26 Jean-Louis Miège, Le Maroc et l’Europe (1830-1894), Tome III, Les difficultés, Paris, PUF, 1962, p. 33.
27 Waterbury (J), Le cmmandeur des croyants, la monarchie marocaine et son élite, Paris, PUF, 1975, pM 131.
28 Laroui (A), L’idéologie arabe contemporaine, Paris, Maspero, 1977, p : 45.
29 Benhaddou (A), Les élites du royaume, op cité, p : 18.
30 Laroui(A), Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain, Paris, Maspero, 1978, p. 97
31 Benhaddou (A), Les élites du royaume, op cité, p : 20
32 Lazarev (G), Aspects du capitalisme agraire au Maroc avant le protectorat, in Annuaire de l’Afrique du Nord, Paris, Edition du CNRS, 1975.
33 Benhaddou (A), La formation des élites marocaines, Thése de doctorat, Université de Aix en Provence, Marseille I, p. 96, 1990.
34 Benhaddou (A), Les élites du royaume, op cité, p : 22.
35 Oualalou(F), L’assistance étrangère face au développement économique du maroc, Les éditions maghrébines, 1969, p : 27/
36 في اطار المفاهيم البرجوازية التي اعتمدت في بلادنا بخصوص تحديث العالم القروي نعثر على نموذج الثنائية Modèle dualiste: حيث يعتبر المجتمع التقليدي مكانا وسببا للتخلف. وهو ينطبق على العالم القروي وعلى جماهير الفلاحين. فهناك يوجد الفقر. وفي اطار عملية التحديث يعتبر العمل الزراعي مجرد شيء، أداة للتحديث بالنسبة للنخب. فعلاقة النخبة بجماهير الفلاحين لا تقرأ على أساس طبقي، بل تقرأ على أساس كون النخب عامل تحديث، بينما جماهير الفلاحين السلبيين فمجرد أداة هذا التحديث. وعلى أساس تعبئة قوة العمل التي تمثلها فانها تتيح تحقيق التحديث. وحيث يظهر بوضوح أن المحور هو النمو الاقتصادي وليس التنمية، وهو ما يتطلب الزيادة في الاستثمارات انطلاقا على الخصوص من فائض القيمة الفلاحي)، الزيادة في الارباح، الحفاظ على أجور في مستوى تأمين الحد الأدنى لتجديد قوة العمل، مع الزيادة في ساعات العملمن أجل دعم انطلاق التصنيع، وباختصار وصفة رأسمالية كونية من اجل انبثاق قطاع رأسمالي نشيط. أنظر في هذا الصدد:
Peemans(Jean-Philippe), Modernisation capitaliste et destruction de la paysannerie : quelle alternative pour le XXIème siècle ?, Communication pour les grpoupes 2 et 8, Rencontre Réseau Defensa Humanidad et Forum Mondial des Alternatives, Caracas, 13-19 octobre 2008, p : 2 et 3.
37 Oualalou(F), L’assistance étrangère face au développement économique du maroc, op cit p : 30 -31.
38 Akesbi(N), Benatya(D), El Aoufi(N), Dimensions structurelles de la libéralisation pour l’agriculture et le développement rural, Programme RuralStruc – Phase I, Février 2007, p : 45-46.
39 الصراع السياسي القوي الذي احتدم مباشرة عقب تغيير حكومة عبد الله ابراهيم وايقاف العمل بأول مخطط اقتصادي، وتواصل داخل أول برلمان مغربي والذي سينتهي الى حله سنة 1963 وفرض حالة الاستثناء، كان يعبر عن هذا النقاش الطبقي القائم بين من جهة التحالف الطبقي القائم والمكون أساسا من كبار الملاكين العقاريين والذين كانوا يتعاونون مع سلطات الحماية واستفادوا منذ سنة 1963 و1964 من اعادة توزيع أراضي الاستعمار المسترجعة، ومن جهة أخرى من قوى ديموقراطية اجتماعية تعكس نسبيا مصالح جماهير الفلاحين الفقراء وعمال المدن وتتكون أساسا من الطبقة الوسطى.
40 عبد السلام أديب، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، افريقيا الشرق، 1998، الصفحة 95-96. عبد السلام أديب، الصراع الطبقي والتحولات الاقتصادية والسياسية في المغرب، مطبعة الرباط نت، 2005، الصفحة 93-94.
41 أنظر بخصوص اعادة توزيع أراضي الاستعمار المسترجعة في بداية عقد الستينات وتفاهمات التي تمت مع فرنسا لتعويض المعمرين كتاب فتح الله ولعلو المشار اليه أعلاه الصفحة 92 – 93.
42 عبد السلام أديب، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، المرجع السابق، الصفحة 98.
43 Akesbi(N), Benatya(D), El Aoufi(N), L’agriculture marocaine à l’épreuve de la libéralisation, Economie critique, P : 43.
44 صوديا: شركة التنمية الفلاحية والتي عهد اليها الاراضي المغروسة المسترجعة، وسوجيطا: شركة تدبير الأراضي الفلاحية والتي عهد اليها تدبير الراضي غير المغروسة من اجل استصلاحها
45 Pascon P. (1977), « Le patrimoine de la colonisation privée en 1965 et dévolution des terres de colonisation de 1956 à 1976 », in « Question agraire 2 », Bulletin économique et social du Maroc, n° 133-134, Rabat, juillet.
46 El Malki(H), trente ans d’économie marocaine, 1960-1990, Edition du CNRS, p : 73.
47 Akesbi(N), Benatya(D), El Aoufi(N), L’agriculture marocaine à l’épreuve de la libération,Economia critique, 2008, P : 47-48.
48 Ibid,
49 Ibid.
50 El Malki(H), Trente ans d’économie marocaine, op cite, p : 150 et suivant.
51 - عبد السلام أديب، الصراع الطبقي والتحولات الاقتصادية والسياسية في المغرب، رباط نت، 2005، الصفحة: 95
52 Chantry(O), Le rôle de l’agriculture dans l’économie du capitalisme en crise, p : 1 et suivant.
53 أنظر بخصوص معطيات هذه الفقرة الوثائق المرفقة مع القوانين المالية السنوية والتي تستعرض المنجزات السنوية لمخطط ماكنزي.
54 عبد السلام أديب، المرجع السابق، الصفحة 92.
55 على اثر مفاوضات أجريت حول المعاملة التفضيلية التي منحت للمنتجات الفلاحية في 2003 و2005. تم التوقيع على اتفاقية جديدة في نهاية 2009. وتهدف هذه الاتفاقية إلى التحرير التدريجي داخل أجل يتراوح بين 5 و10 سنوات للمبادلات الخاصة بهذه المنتجات كما تنص على تخصيص معاملة مميزة للمنتجات الحساسة وعلى الاستفادة من مرافقة مالية وتقنية من لدن الاتحاد الأوروبي. إنظر في هذا الصدد تقرير بنك المغرب لسنة 2010، الصفحة 36.
56 Voir Akesbi(N), Une nouvelle stratégie pour l’agriculture marocaine: Le «Plan Maroc Vert», NEW MEDIT N. 2/2012

p



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستراتيجية الصناعية لبرنامج انبثاق وسياسة التشغيل في المغر ...
- من أين لك هذا؟
- الوهم الكبير
- الرهان الايديولوجي لحكومة بنكيران على الابناك التشاركية (الا ...
- قربلة في بيت حكومة بنكيران
- سياسة الغلاء والصراع الطبقي بالمغرب
- صيرورة التحولات الاقتصادية والسياسية العالمية سنة 2014
- النقابات، أدوات لتقسيم الطبقة العاملة وتكسير نضالاتها
- البنيات المادية للهيمنة الامبريالية في افريقيا
- توحش سياسة ميزانية الدولة البرجوازية
- بصدد انتقاد تيار البديل الجذري المغربي
- اغتراب الجماهير الكادحة في ظل هيمنة الاسلام السياسي
- اطلالة نقدية عامة حول سياسة الميزانية المعتمدة في اطار القان ...
- قوة الثورة المضادة في المغرب
- قراءة مادية موجزة في السياق الرأسمالي الدولي الحالي
- نداء لمشاركة الطبقة الشعبية في اليوم الوطني للمعطل
- نظام المقايسة وحقيقة الوضع الاقتصادي والسياسي في المغرب
- حقيقة منجزات الحكومة التي يتغنى بها لحسن الداودي
- لا للغلاء لا للإفقار
- هل هو الخوف أم مفعول تخدير حكومة بنكيران نصف ملتحية؟


المزيد.....




- الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد
- صندوق النقد يرحب بالإصلاحات المصرية
- مدفيديف: الغالبية العظمى من أسلحة العملية العسكرية الخاصة يت ...
- -كلاشينكوف- تنفذ خطة إنتاج رشاشات -آكا – 12- المطورة لعام 20 ...
- إيلون ماسك يحطم الرقم القياسي السابق لصافي ثروته.. كم بلغت ا ...
- اتهامات أميركية لمجموعة أداني الهندية بالرشوة تفقدها 27 مليا ...
- تونس.. توقف بطاقات -UnionPay- الصادرة عن بنك -غازبروم- الروس ...
- مصر.. بيان رسمي حول أزمة سفينة -التغويز- وتأثيرها محليا
- القنصل الأميركي لدى أربيل: العلاقات الأميركية العراقية توجه ...
- قفزة مفاجئة في سعر الذهب الان.. تحديث غير متوقع


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - مخطط ماكنزي وصيرورة المسألة الزراعية في المغرب