عصام عابدين
الحوار المتمدن-العدد: 4432 - 2014 / 4 / 23 - 21:47
المحور:
الادب والفن
وحيث أن الصراع من أبرز القوانين المُسيطره على حيز الوجود , فلَم تدوم لحظات الوحدة المُمتعة كثيراً , حتي حانت اللحظة الفارقة بـ حُكم الفَصل بين عناصر الجُزيء الواحد , ونثر كل اجزاء مادة الوجود , فى مساحة شاسعة من الزمان , لا يمكن إدراك حدودها المكانية , مساحةُ كانت كفيلة للقضاء على أرواح معُظم جُزيئات الوجود وتحويله الى مواد مُتصلده بعد ان كانت تتوهج حُباً وتشع حياة , لم يكُن أستأصال تلك المساحة للأرواح المواد بالامر العسير عليها , هي فقط حالت بين عنصر واخر , كانا فى احد اللحظات السالفه مكونات جُزيء واحد سعيد بوجوده , لكن فى الحقيقة لم تكُن المساحة الزمكانية سيئة لهذا الحد , فبرغم انها خامده صلده شديدة البرود , فمازلت تنبُض ببعض الحب والحرارة , دفعُهُا لان تجمع بعض العناصر فى شريحة وجودية واحده ضيقة بالمُقارنة مع ما أصاب باقي العناصر والمواد من تشتُت وتفتُت , يُمكنني أن ابتسم الان كأرهاصة تعبُر عن السعادة التي ستُصيبني من بهجة هذان العُنصران بعد ان يعودا لوضع السكون سوياً داخل جزيء واحد من جديد , ويبادروا فى نشر إشعاعاتهم من جديد لتُضيء الكون البارد من حولهم , إشعاعاتهِم التي ربما تكون فوتونات الحب مكونِه لها سبب كافي لإنعاش قلب احد المواد على وشك الموت تجمُداً , ربما تمنحُة بعض الحرارة والدفيء للحظات يبتسم فيها قبل أن ينقرض . لكن قبل ان يبتسم هذا الاخير لابد لِكلا العُنصرين ان يقطع بعض المسافة الزمنية ويخترق بعض العوائق الوجودية البسيطة التي صنعها أسلافهُم فى الهيئة الوجودية الجديدة التي استقلوها على تلك الرقعة الزرقاء الباهته داخل الشريحة السوداء المُمتدة .
بعض العوائق عظيمة التعقيدة , هكذا توصف إن نظرنا لها من أعيُن كائنات عاقلة تمتلك عضو مُفكر على قدر بسيط من التعقيد , أما ان نظرنا لها من اعيُن العُنصر المنفي على احد اطراف الكون الواسع , على بُعد مسافة عجزت الارقام عن حسابها , تفصلُه عن العُنصر المُتمم له على الضفة الاخري من الكون , فلا سوف نتَطرق للتفكير في تلك العوائق الاولة , قبل أن نوصمها بالتفاهه والسخافه .
لكننا لن نفعل ذلك , ولن نُهمل عظمة العوائق , لا لتحيُزنا لأنفُسنا كما نفعل دائماً , والاعتقاد فى أزماتنا التافهه على انها الاعظم , بل لأننا ولحُسن الحظ لا نتحدث من اقصي الضفة الغربية للكون , انما نحن على النقطة الزرقاء المُبهته بالاخضر الان . نتأمل بإمعان فى امان الاختلاف الظاهر بين اعتقاد أحد العُنصران العاقلان , الفكري المُتمثل فى الإيمان التام بسيطرة كيان عظيم على الكون بأكملُة , ليس عظيم بالحجم ولا بالقوة ولكنة عظيم بضعف الكائنات البشرية المؤمنة فيه , وخضوعها التام له , الذي يمُده بقدر عظيم من الطاقة النفسية والبدنيه , فتجعلة يَمرح برشاقة امام أعيُنهُم وهو يُصدر تلك النباحات الصوتية القوية فى ارجاء المكان , لتُرعب عبادة الصلاحيين من عذابِ قادم , او ربما تكون صيحات جوع وطلب الطعام , لا أعلم في الحقيقة ماذا تعني تلك الصياحات ربُما لا تعني شيء بالاسس , لكن الكلبيين واحدهم من يعلمواً ماذا تعني , هُم اقرب لإلههُم مني , هُم اعلم بأمورهم .
اما العُنصر الاخر , فكان يُمثل طبقة التقدُميين , لا اعني ذلك تحديداً , وانا اود الترميز لمدي منطقيتُه وعقلانيتُه عن الاخر الراجعي بنظرهُم , فجماعة هذا العُنصر لم تكُن تؤمن بالكلاب وعظمتها , وكثيرا ما كانوا يسخرون من اصوات الكلاب المُزعجة ولا احتياجنا اليها , انها كائنات لا فائدة ولا غاية منها , انهم فقط وموجودين لإزعاج كل ما هو موجود بحيز الوجود الصغير . هذا كان جُزء بسيط القدر من آراءهم في "الكلبيين" وآلههُم العظيم الذي تم الإستعاضة عنُه بآله اخر فى تلك الجماعة , اكثر عظمة وقدر مِنه , ينفع البشرية ويحميها من الموت جوعاً , يروي اطفالها بحليبُه وكبارها كذلك , لا يرغب فى شيء اكثر من عبادة فى صورة رعاية بسيطة من البشر - له , ومِن بعد سيُكافئهُم على ذلك حق مُكافأة , سيمنحهُم الحياة من أثداءهُ .
كل هذه العوامل كانت كافية لإعتقاد "البقريين" وبتعصُب فى إُلهية هذا الكائن , انه عظيم حقاً, أنظر كيف يُعطينا من رَوحِه و حياتُه لنعيش وكأننا أبناءه او اكثر من ذلك فى سلم القرابة اليه . تأمل رحمتة , تأمل كيف يمنح الحياة حتي لمن لا يستحقوها من الكافرين به , والزنادقة , مَن فَضلوا المُزعج عديم الفائدة عن الرحيم - علة وجودهم . يالغباءهم , يا ليتك جردتهم من عقولهم المُعطله تلك يالهي حتي لا يُقدموا على مثل هذا الإجرام بلا مُبرر .
بيد لنا ان العائق بينهم عظيم بالفعل , عظيم لدرجة عجز عن ادراكها هذا العُنصر الخالد على طرف الكون , عظيم لانه غير موجود سوي بعقولهم , بداخلهم , هُم من يعوقون أنفسهُم عن بعضها , ولذلك , لابد لإحد العُنصرين إن يتخلص من جزء منه , يتخلص من جزء من تلك المُعتقدات التي تتملكُه ,حتي يتسني له الحصول على قدر لا بأس به من مُتعة التوحد بالذات المُحرمه فى الحياة الدُنيا , ويتجه الى طريق الضلال بعيداً عن رحمة ورعاية آلهُه , كما فعل صديقنا "الكلبي" وترك آلهه واهلُه وأنطلق نحو صديقتُه "البقرية" القاطنه اعلى الجبل المجاور , أخذ يحاول الوصول اليها بلا عون لاول مره , بظهر خالى من حماية انسان او اله , كل ما كان يملُكة ويسيطر علية داخل هالة مَضددة للخوف من المخاطر كان أمل الوحدة من جديد مع صديقتُه فى جُزيء نجمي واحد .
ولحُسن حظه كان اخر , وكل ما يملُك , كافياً لدفعة اعلى قمُة الجبل حيث يقُطن العنصر الاخر , ويلاقيها فيجهر لها بما يُكن من رغبات , ويبوح لها بما يكبت من اسرار حول تمرُده على قواعد الدُنيا وديونها , ورفضه نعيم الاخرة لإجلها ..
- انا على استعداد لتبادل الحب معكي الان دون اي عائق او مانع , فقط كل ما عليكي هو الموافقه , لا تُضيعي تلك الفرصة , لقد مرت مليارات من السنين ونحن فى غُربه عن بعضنا البعض , انا غير واثق تماماً بأن مثل هذه اللحظات يمكن أن تتكرر إلا بعد مليارات اخري من السنين , او ربما لا تتكرر ونكتفي بذِكرة الوحِده الاولة , والوحيده , لنذهب بها الى الجحيم فى تفرُد وعُزلة عن بعض ...
لم تملُك البقريه سوي ان تقبل بعرض صديقها الكلبي , لكنها اشترطة علية اولاً ان يذهب الى الكاهن البقري العظيم ويطلب منه الالتحاق بدينهُم , كما فعل بالفعل , ورفضه الكاهن مُعلاناً فى وجهه احد قواعد الديانة البقرية القوية , التي تنُص على تجنُب الكلبيين ومن يأتي منهم زاعماً انه كان على ضلال , والان قد رأي النور فى الاعتقاد البقري , هذا تحذير آلهي من وقوع الفتنه لا يمكن التغاضي عنه كما قال الكاهن , ولابد للكبي ان يقفز الان رحيلاً مَن قمة جَبَلِنا العظيم , الى السفح بالاسفل مع امثاله من المدعيين والكافريين .
- انها فُرصتنا الاخيره للحياة ايتها البقرية الرحيمه , أستقبعين هُنا مع عشيرتك فى خدمة الهِك الصامت , ام ستقفزين معي من قمة هذا الجبل الان الى قلب الجحيم الموعود , بعد ان نحظي ببعض لحظات الحُب المُضيئة .....
احد العناصر اليتيمه المُطرفة فى ظلام الكون الواسع يلتقط اخر أنفسُه وهو يتجمد برداً , وهو يتأمل المشهد الواقع بين البقريه والكلبي على تلك الرقعة الباهته , وكلُه أمل فى حياة لدقائق أضفية اكثر ستُصيبة بعد ان تُصيبة فوتونات الحُب المنُبعثة منهم , إن تمكنوا من دحض وتدمير تلك العوائق الوهمية التي تحول بين بعضهم البعض , وحياة البعض . ..
#عصام_عابدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟