أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - سِحر الطبيعة وأنغامُها في سمفونية بتهوفن السادسة














المزيد.....


سِحر الطبيعة وأنغامُها في سمفونية بتهوفن السادسة


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


السمفونية السادسة أو "السمفونية الرَعوية" هي مِن السمفونيات المُمَيّزة للموسيقار بتهوفن، فهي ترسُم لنا صورة ساحِرة عَن الطبيعة، وتصِف لنا في نفس الوقت مَشاعر الإنسان تجاهَها بأعذب الأنغام والألحان. هي تُعَد الى جانِب السمفونية الرينانية (نسبة الى نَهر الراين) للموسيقار شومان، وسمفونية (أحلام الشتاء) لجايكوفسكي مِن أروع المَقطوعات التي أولفت عَن الطبيعة وعَبّرَت بجمالية عَن صوَرها اللونية مِن سَماء وحُقول وأشجار باسِقة وزهور مُتفتحة زاهية، وعَن مَلامِحِها الجغرافية مِن سُهول ومياه وهِضاب وجبال، وعَن أصوتها كخرير الماء وزقزقة طيور السمان والوقواق والعَندليب وهَدير الرياح.
لقد عُـرف عَـن بتهوفن عِشقه للطبيعة وللتجوال في الهَـواء الطـلِق، وعِند تأليفه لهـذه السمفونية كان مُقيماً بأطراف فينا، ويَبدوا أن هذا العِشق بالإضافة لعَبقريته الأسطورية ساعَداه على تأليفها وإنجازها على أكمَل وَجه رَغم الصَمَم الذي كان قد أطبَق على سَمعِه بشَكل كامل قُبَيل بَدأه بتأليفها. "ذكريات وصوَر مِن حَياة الريف" هكذا وصَف بتهوفن سمفونيته السادسة وأضاف"سَعادتي لا توصَف وأنا أتجوّل بالحُقول والغابات وبَين أعشابها وصُخورها وأشجارَها، فهي تُعطي المَرء كل ما يَحتاجه مِـن مَصادر الإبداع". وفعـلاً جائته فكرة تأليف هذه القِطعة الساحرة مِن روح الطبيعة عام1803 خلال تجواله بضَواحي الريف المُحيط بفينا، وأنجزها عام1808، وهي لا تصِف الطبيعة بشَكلها المُجرد فقط بل وحياة الريف المُرتطبة بها وبأجوائها وبظروفها وتقلباتها. لذا لا يُمكن للمَرء أن يَستمع الى هذه السمفونية على أجزاء وبشَكل مُتقطِع، وإن فَعل فإنه لن يَستمتع بها كما يَجب وكما أراد لها مؤلفها أن تكون، فهي قِصة مُتكاملة لن نفهَمها اذا لم نستمِع الى كل فصولِها وأجزائِها لتبدوا لنا الصورة واضِحة ومُتكامِلة ومُمتِعة وذات قيمة وفائِدة.
في الحَركة الأولى مِن السمفونية يَصِف بتهوفن صَحوة مَشاعر البَهجة حينما يَصِل المَرء للريف ويُصبح بأحضان الطَبيعة التي يُصَورها لنا هنا برَوعة وإتقان عِبر حِوار لحني دافيء خَلاب، مُستخدماً الوتريات مِن جهة للتعبير عَن تمايل سَنابل حُقولها الخصبة وطرقها المَكسوة بالعُشب الأخضر وتِلالها التي تترائى سُفوحَها مِن بَعيد، والهوائيات مِن جهة أخرى خُصوصاً الأوبو والفلوت ليَسمِعُنا تغريد العَصافير وزقزقتِها وهَفيف الرياح ونَسائمُها الى دَرجة أنها تكاد تتجَسّد لدى المُستمِع للحَركة.
أما الحَركة الثانية فيَبدوا أن بتهوفن أرادَها أن تكون الهدوء الذي يَسبق العاصِفة التي تنتظرنا في الحَركة الرابعة ويُنذرنا بإقترابها، فهي صورة للحَظات إسترخاء عِند جَدول صَغير تعَود بتهوفن أن يَجلس على ضِفته مُتأملاً الطبيعة وأسرارَها ليَصوغها لنا أنغاماً ساحِرة، فهي تمتاز ببُطئِها وعُذوبة أنغامِها حَتى يُخيّل للمَرء أن بإمكانه أن يَستنشِق هَواء الريف العَليل ونسائِمه المُنعِشة المَصحوبة بأصوات الطيور.
في الحَركة الثالثة أراد بتهوفن أن يُعبّر لنا عن أفراح أهل الريف وإحتفالاتهم بمَواسِم الحَصاد، بَل وأرادَنا أن نشعُر بسَعادتهم، حَتى أنه أبدَع لحنا شَعبياً قصيراً يُمكننا أن نمَيزه وسط أنغام الرَقص والغناء التي تمَيّز هذه الحَركة. لكن وعلى غِرار سمفونيات بتهوفن التي تدخل حَركاتها الأخيرة على التي تسبقها بدون وقفة، تُطبِق العَواصف الرَعدية على طقوس الإحتفال ومَظاهِر الفرَح قبل نهايتها لتقاطعَها بشَكل درامي مٌفاجيء مُنذرة بحدوث ما ليسَ مُتوقعاً، يَتبَعها بَرق ودَوامات رياح يُبدع بتهوفن بتصويرها صُعوداً ونزولاً بإيقاع قوي يُشعِرنا أننا بقلب العاصِفة نسمَع هفيفها وتتقاذفنا رياحَها التي يُخيّل للسامِع أنها سَتأخذه مَعَها. لذا فهي تعَبّر أيضاً عَن تلك العِلاقة الأزلية الشائكة بَين الإنسان والطبيعة، وعن ذلك الخوف الكامِن داخله تجاهَها، وعَجزه عَن مواجَهة نزواتها مُنذ بَدء الخليقة حَتى يَومنا هذا.
لكن كما إن بَعد كل شِدّة فرَج، فإن بَعد كل عاصِفة سَكينة وسَماء صافية وشَمس تُشرق على الأرض لتُعيد أليها جَمالها ونَضارَتها، ولتعيد لأهلها إبتساماتهم وأفراحَهُم وأمَلهُم بغَـد أجمَل، وهذا ما تعَبّر عَنه الحَركة الخامِسة والأخيرة للسمفونية، فهي تبدأ بلحن هاديء رَقيق يعَكِس لنا مَشاعِر الراحة والإمتنان التي يَشعُر بها المَرء بَعد تلاشي العاصِفة وعودة الطيور والحيوانات والناس الى الظُهور تدريجياً بَعد أن زال خوفها وحَل بَدلاً عَنه أمان وطمأنينة تعكسُها هذه الحَركة التي تنحى أنغامَها في النهاية مَنحاً أكثر سُرعة وبَهجة وفرَحاً تنتهي به هذه التُحفة الموسيقية التي ترَكها لنا أسطورة الموسيقى العالمية بتهوفن.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُجتمع العراقي بَين رَبع ما قبل 9 نيسان 2003 ورَبع ما بَعد ...
- قناة (mbc action) من التألق والريادة الى السطحية والإعادة!
- نواعم شوستاكوفتش.. الموسيقار الموسوعة
- دَولة العِراق الحَديثة وعَهد التأسيس الذي كان إعجازاً وحُلما ...
- شارلي شابلن.. وللموسيقى مِن عَبقريّته حُصّة
- ذهَب القائد المُناضِل الضَرورة وجائنا القادة المُجاهِدون الض ...
- جَنّة جَنّة جَنّة .. تمَنّينا تصير يا وَطَنّا
- جعفر باشا العسكري أبو الجيش العراقي.. سيرة عطرة
- الموسيقى الكلاسيكية اليونانية.. نغم راقص وعَبَق مِن سِحر أفر ...
- الإسلام السياسي وأحلام السُلطة
- آلوندرا دي لا بارا وآرتورو ماركيز.. قيثارتان مِن بلاد السِحر ...
- العراقيون و (جين) عبادة الفرد وتأليه الزعماء
- الدَعوَجي والفِصام بَين شَخصيّة رَجل الدولة وشَخصيّة الرَوزخ ...
- هل الدول العربية وشعوبها نامية أم نايمة ؟
- أيها العِراقيون.. إن أعدتم الإعتِبار لمِلوكِكُم فحينها سَتعي ...
- انقِلاب 14 تموز 1958 ومَحكمَته الثورية الهَزلية
- ثورات الربيع العربي تنهش أبنائها
- عَزف نسائي.. وعَودة الألق الى المَسرح العراقي
- الرَوزَخون خضير الخزاعي وإعادة تشكيل الوَعي العراقي
- أحزاب الإسلام السياسي نَباتات سامة أتلفت تُربة مُجتمعاتِنا


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - سِحر الطبيعة وأنغامُها في سمفونية بتهوفن السادسة