|
الثورة والتغيير من قلب أوروبا
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 20 - 19:27
المحور:
كتابات ساخرة
الثورة والتغيير من قلب أوروبا " لن تتمتع الشجرة بحريةٍ أكبر حين تنعتق من رق التراب " رابندرانات طاغور ماجد ع محمد بخلاف العادة الاستهلالية اللائقة بموضوعٍ جديرٍ بالتقديم، لعلنا في المرة هذهِ سننتهك حُرمة الأصول ونقضِمُ من هيكل المقدمة، وقد نلوي رقاب القاعدة التي كان يُفضل السير على هُداها، فنستفتح نصنا هذا بالسبحلات، لا تقرباً من أصحاب اللِحى، ولا طمعاً باستدرار العطف السماوي أو المزايا المرجوة من لدن المهيمن على الخارطة الكونية، إذ لا صلة قرابةٍ وثيقة تجمعنا بالخيالات الثيوقراطية التي تعوِّل على تحقيق المُتع والرغبات الماورائية هنا أو هناك، ومن باب الدهشة والاستغراب ربما نقول: سبُحان مَن بارك بموضِع مداسِ بعض الشعوب وقدَّسَ سُر أناسها وواءم فيها بكل ترحابٍ بين الكائن والأماكن، بكونه الوحيد القادر على ختم المواقِع بعَرفِ طيبه وطهارته حسب الزمان والمكان، بما أنه وَهَب كل خِصاله الحميدة وجمالياتَه لتلك البقعة من تضاريس بسيطته لأسبابٍ يَعرفها هو، ويبدو أن لا رغبةً لديه حتى الآن لإعلام المدلهين بتلك الجهة المحروسة بالعناية الربانية، عن السر الذي يجعلها مقصد الجميع ومحط تعظيمٍ بالنسبة للشرقيين على اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية والعرقية، بما أن ما من أحدٍ في بلادنا إلا وتُراوده أحلامَ الوصولِ إلى الضفة الأخرى من العالم المأمول، العالم القادر على انتشالهم من الجحيم الذي هم ربما من بعض أو أهمِ صُناعه، إذ يبقى الهم الأول لدى معظمهم هو الحصول على صك جواز الانتقال الى تلك القارة المُشتهاة، كأنثى جميلة خارجة لتوها من حمَّامها الإلهي، حيث لم تزل قطرات الرغبة تتدحرج على الهِضاب والخلجان مع كل لفتةٍ من لفتاتها، ولا يهمُ كيفية التعلق بأذيال حِبال نجاتها المصنوعة من شراشيب الخلاص، تهرباً أولاً وأخيراً من استحقاقات واقعٍ لم يسعى أغلبهم لتحسينه طوال بقائهم فيه، بدعوى أن التربة عاقرة تماماً وغير مهيئة لإنبات الجمال، واكتفوا طوال مكوثهم هناك بسرد المرويات واستيراد ما كان جاهزاً لدى الآخرين لتسويقه سماعياً في أذهان البلاد والعباد، منذ أن تعرف واحدهم على الغربِ والفكر الغربي، وذلك فقط من خلال الكتب والإعلام والصور الذهنية القادمة من هناك مع نسائم الفضاء الحر، وبما أن واحدهم فشل فشلاً ذريعاً في تسويق الأفكار التي كان يَقرُ بأهميتها في بلاده، فتقهقر إلى حيث يُقيم المتخلفون، واعتقد تالياً وقرَّرَ بأن أفضل حلٍ له هو أن يعمد الى تسويق نفسه هو ككائن حي في شوارع الاغتراب بدل أفكاره، ولا يهمه متى يصل ويطأ قِبلة أشواقه الحارقة، المهم أن تطأ قدماه تلك الديار المباركة حسب تصوره اللاهب، لذا نرى أفواج من يمثلون البنية الفوقية لمجتمعاتنا تتطلعُ ليل نهار لشم رائحة خصلات أوربا عن قُرب، والتمرغ ربما على أديم سخافاتها وهم بكامل قيمهم، بما أن لكلٍ مجتمعٍ إضافة لكل مزاياه رواسبٌ وتفاهاتْ، تاركاً خلفه كل مشاريعه الثورية والتغييرية في عُهدة خراب النُظم والأصوليات الدينية، لعلهُ يبدأ جولتهُ التغييرية بُحلة جديدة من قلب العواصم الشقراء، لذلك نرى بأن الفنان لدينا لا يزال يتصور بأنه لن يجد في حياته المُقبلة راحةً لحِبالهِ الصوتيةِ إلا إذا تناغت حُنجرته في ربوع أوروبا، وكذلك حال الناشط الإعلامي ( الإعلاني) ذلك المختص بنشر الإعلانات الثورية، فلا يزالُ يتنقل بين منظمة وأخرى، علهُ يتعلقُ بأثير إحدى تلك المنظمات كي يتسلق عبرها ويلتف على الخصر الضامر من الجانب الآخر للكرة الأرضية، وبما أن انتظار بعضهم طال في الوصول الى رياضها، راح يتعاطى حشيشة الكيف في أزقة تركيا علَّه يصل بخياله الى هناك قبل انتقال جسده المدموغ بحلم أوروبا، لكي يتمم رحلة طوافه الثوري من هناك، لأن الثورة عبر الهواء تبقى سلسة وأقل كلفة وأكثر جاذبية، بينما السياسي السوري فلم يفارقه الاعتقاد بُرهةً منذ أن عرف نفسه وعرفه الناس سياسياً، بأن لا ملعب يُناسب أشواطه ومناوراته الديبلوماسية غير المساحة الواسعة من فضاءات أوروبا، طالما حُلمهُ كان أصلاً بجعل وطنهِ نسخةً جميلة عن أوروبا، وكذلك الحال مع لصوص المعارضة كحرامية النظام الأسدي، فتوقهم لا يزال شديداً للاستمتاع بما تبقى من أيامهم مع ما نهشوه من جَسد الوطن والثورة وحُصَصَ المواطن، أولئك الذين ادعوا بأنهم انتفضوا لتحرير البلد من النظام الفاسد، فبعضهم الآن صار من بطارقة الفساد المالي تعُكزاً على اسم الثورة والمعارضة، وبما أن النضال أرهقهم ههنا، لذا هم بحاجة ماسة لفترة راحة واستجمام في منتجعات أوروبا، في ظل الغياب الكلي لما يسمونه بالضمير والرقابة الاجتماعية في تلك المضارب بعيداً عما يُعكر صفو ملذاتهم من صور الموت والجوع والدمار، حيث لا أثر لعيون الراصدين التي قد تُعيق تحركاتهم الاستمتاعية على ظهور وبطون أوروبا، وعساهُم يُسددوا على ما تبقى من أهدافهم المتعلقة بقلب وتغيير النظام بشكلٍ مباشر وعلى الهواء من سماء أوروبا، فيما الرسام المغموم برسم أوجاع الوطن ومآسيه، يرى بأن لا موضعاً جديراً بقامته كفالقٍ للمُعجزات الخلقية، ولا مكاناً يستأهل بأن يُحرك ريشته لأجله غير عُري تضاريس أوروبا، أما الكاتب فيرى بأن سُر نجاحه المُبهر هو موجودٌ في مكانٍ ما في تلك المضارب المحاكية تماماً للفردوس الإلهي المفترض، فيما الشاعر يَصُر على أن لا موضعَ أجدر بملكاته الاستشرافية وبذرة إبداعاته الكامنة في قاع كينونته غير تُربة أوروبا، وفيما يتعلق بالمُتطرف المُساهم الفعلي في صياغة الخراب العالمي، فلا يزال يعتقد هو الآخر بأن أفضل الأمكنة لتحقيق مآربه اللاحقة والتقرب فيه من إلهه الحاضر الغائب، هي عينها تلك المقاطعات الغربية الكافرة، التي يتدفق من تحتها أنهار الفلاح وجميع الكنوز المذكورة في جنة الآخرة، وأن أخصب مرتعٍ لأمنياته الماورائية هي منثورة على سفوح جبالِ وسهولِ أوروبا، طبعاً بعد محاربته الطويلة في دياره لكل من يؤمن بالعلوم والأفكار والنظريات القادمة من نواحِ أوروبا، بل وحتى المُجرم والقاتل في بلادنا لا يحلُمان غير بالانتقال والسكن في أوروبا، كمحطةٍ أخيرة للراحة الأبدية بعد اقتراف وتقديم كل مسلسلات الانتهاك والجور والسفك والقذارة هنا في مرتع الأحلام لمن هم أصلاً من أوروبا.
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|