|
!من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1256 - 2005 / 7 / 15 - 05:09
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
خميس لندن الدامى ، الذى يعيد الى الذاكرة تسونامى 11 سبتمبر ، يحمل وجهين متلازمين تلازم وجهى العملة . ولا يجدر النظر الى أحدهما دون الثانى . الوجه الأول يحمل صورة الإرهابيين , وهى صورة يمكن اختزال ملامحها الأساسية فى القسوة والوحشية والاستهتار بأرواح البشر والاستهانة بقيمة الحياة ذاتها فضلاً عن الجهل النشيط والعمى السياسى المطلق . فإذا كانت حساباتهم الكامنة خلف هذه التفجيرات التى اجتاحت العاصمة البريطانية ، لندن ، قائمة على فرضية عقاب حكومة تونى بلير على تورطها فى الحرب العدوانية على العراق , ومن قبلها أفغانستان، وتحملها مسئولية إزهاق أرواح آلاف مؤلفة من العرب والمسلمين فى هذين البلدين ، فإن العقاب لم يكن موجها ضد بلير وحكومته . بل انه استهدف المدنيين ، أي الناس العاديين ، مثلى ومثلك ، الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، ولا ذنب لهم فى المسألة من قريب أو من بعيد . بل إن هذه التفجيرات لم تستهدف المدنيين فقط ، بل استهدفت " الغلابة " منهم على وجه التحديد ، فهؤلاء الذين يستخدمون وسائل النقل العامة من مترو أنفاق الى أتوبيسات هم فى الأغلب الأعم من أبناء الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا المطحونة الذين لا يمكن تحميلهم وزر سياسة حكومتهم ، فضلاً عن أن المناطق التى وقعت فيها التفجيرات مأهولة بأبناء الجاليات الأجنبية ومنها جاليات عربية وإسلامية لم يكن ممكنا للقنابل أن تفرق بينهم وبين الإنجليز . ويتضح مدى هذا العمى السياسى إذا وضعنا فى الاعتبار ان العاصمة البريطانية ، لندن ، كانت – ولا تزال – أحد اكبر معاقل الحركات الشعبية المناهضة للحرب العدوانية الأنجلو أمريكية ضد العراق ( ومن قبلها أفغانستان ) . بل إن المظاهرات التى شهدتها شوارع وميادين لندن لم ينطلق عشر معشارها فى كل العواصم العربية والإسلامية ، مجتمعة . فهل يكافئ الإرهابيون الشعب الإنجليزي على تضامنه معنا ضد العدوان بهذه التفجيرات التى راح ضحيتها مدنيون أبرياء لعلهم جميعهم – أو أغلبهم – من المتعاطفين معنا ومع قضايانا؟! وهل فكر من دبروا هذه التفجيرات فى تأثيرها السلبى على الحركة الشعبية العارمة التى تدفقت – كالطوفان – على أدنبره حيث تنعقد قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى فى منتجع " جلين إيجلز " ، لتمارس ضغوطاً شديدة على قادة الدول مجموعة الثمانية لحثهم على اتخاذ خطوات جادة على طريق إسقاط ديون البلدان الأكثر فقراً فى أفريقيا وتقديم دعم حقيقي لتك البلدان التى يموت فيها الملايين سنوياً من جراء النظام الاقتصادى العالمى المفتقر للعدالة ، والمسخر لخدمة المصالح الأنانية لحفنة من الدول الغنية على حساب السواد الأعظم من البشرية؟ هل فكرت العقول المدبرة لهذه التفجيرات فى تداعياتها وتأثيراتها على تلك الجهود الشعبية المساندة لنا ولقضايانا السياسية والاقتصادية المشروعة؟! لعل شيئاً من ذلك لم يرد إلى ذهن هؤلاء لأن أجندتهم مختلفة جذرياً ، حيث لا تحفل بالحياة بقدر ما تحرص على الموت ، ولا تأبه بالبناء بقدر ما تتلمظ للهدم والدمار انطلاقاً من أفكار متزمتة ومتعصبة ضيقة الأفق لا ترى خارج دوائرها المغلقة سوى الكفر والكفار والعياذ بالله ، ولا ترى فى التاريخ قاطرة إلى المستقبل بل دعوة للعودة إلى الوراء والماضى السحيق والفردوس المفقود . ولذلك .. لا تهمهم أى حسابات سياسية عقلانية وواقعية .. بل وحتى إنسانية . كل ما يهمهم – بالأحرى – هو إحداث الفوضى وإطلاق رياح الترويع والترهيب .. مهما كانت العواقب . ولذلك لم يكن من باب الصدفة أن استنتج بعض المحللين أن إدارة الرئيس بوش فى مقدمة المستفيدين من هذه التفجيرات التى أنقدتها من موقف حرج كان فان ينتظرها فى قمة مجموعة الثمانى المنعقدة فى نفس اليوم . وليس هذا الاستنتاج مجرد انسياق وراء التفسير التآمرى للتاريخ فحتى لو ثبت وجود أصابع " القاعدة " وراء هذه التفجيرات فان هذا التوافق فى المصالح بين المحافظين الجدد الممسكين بزمام صنع القرار فى واشنطن وبين الأصوليين المتعصبين المتحصنين بالكهوف وأستار الظلام يبقى مثيرا للتساؤل . أما الوجه الثانى الملازم لوجه الإرهاب القبيح والجهول ، فهو العمى السياسى لـ " أهل القمة " المتربعين على عرش النظام العالمى الأحادي القطب . فالسياسات التى يتبعها هؤلاء – وفى مقدمتهم الإدارة الأمريكية وذيلها الإنجليزي – اذا لم تكن هى التى أعطت للإرهاب شهادة ميلاده فإنها – على الأقل – هى التى أعطته مبرر وجوده واستمراره ووفرت له مسوغات استشرائه منذ رفع الرئيس الأمريكي جورج بوش رايات الحرب على ما يسمى بالإرهاب . فهذه الحرب التى شنتها الإدارة الأمريكية – بعد ان اختطف المحافظون الجدد مراكز صنع القرار فى الولايات المتحدة – لم تستهدف الإرهابيين بقدر ما استهدفت شعوبا مسالمة ، وراح ضحيتها آلاف مؤلفة من المدنيين الأبرياء فى أفغانستان والعراق . ثم إن هذه السياسات الإمبراطورية – التى تهاوت كل مبرراتها التى تذرعت بها الولايات المتحدة وتساقطت كأوراق الخريف واحدة بعد أخرى – ويثبت أنها مبررات كاذبة – كانت هى التى أعادت ضخ دماء جديدة فى شرايين الجماعات الإرهابية وأعطتها حياة جديدة وأرضاً جديدة . ولعل أحد دلائل ذلك أن العراق كان أبعد مكان على ظهر الكرة الأرضية عن الإرهاب، والذى كان محصنا ضد الإرهابيين والأصوليين من قبل، أصبح مرتعاً لهذه الجماعات فى ظل الاحتلال الأنجلو – أمريكى. كما أن العمائم التى كان دورها هامشياً فى المجتمع العراقى من قبل أصبحت "مرجعيات" أساسية ملء السمع والبصر، ولها السمع والطاعة، فى العراق الجديد، أى "عراق أمريكا". وغنى عن البيان أنه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك انه لم تكن هناك أى علاقة من أى نوع بين تنظيم "القاعدة" والنظام العراقى الذى أسقطه الاحتلال الأنجلو – أمريكى. وبالتالى .. فانه هناك ما يسوغ اتهام السياسة ضيقة الأفق التى روج لها الرئيس جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، والتى تذرعت بمحاربة الإرهاب، بأنها وسعت دائرة الإرهاب وقوت شوكة الإرهابيين. والدليل على ذلك أن الإرهاب مازال قادرا على أن يضرب .. ويهرب. كما أن هناك ما يسوغ تسفيه "نظرية" الرئيس جورج بوش التى تبناها منذ أيام وزعم فيها أن حربه ضد العراق حصرت الحرب على الإرهاب فى بلاد الرافدين وتكفلت بحماية بقية العالم "المتحضر" من ويلاته. وقبل أن يجف المداد الذى كتب به بوش "نظريته" السطحية كانت التفجيرات فى عقر دار أكبر وأهم حلفائه، تونى بلير، توجه لطمة موجعة للرئيس الأمريكى وذيله البريطانى. وإذا كان من السابق لأوانه التنبؤ بالتأثيرات السياسية لأحداث الخميس الدامى، وما إذا كانت ستزيد سخط الشعب البريطانى على حكومته التى دفعته إلى حرب العراق دون مبرر وجلبت عليه المصائب وأحضرت الإرهاب إلى داخل حدود المملكة، أم ستؤدى بالعكس إلى التفاف الانجليز حول حكومتهم فى مواجهة عدو مشترك لا يفرق بين مؤيد ومعارض للحرب العدوانية على العراق. فإنه ليس من الحكمة الاكتفاء بـ "التنابذ" بالمسئولية عن الارهاب .. "نحن" أو "هم" .. فالواضح أن المسئولية مشتركة والكل متورط فيها. "نحن" .. مسئولون . بأن بلداننا العربية والإسلامية تحولت إلى مزارع للإرهاب ولإرهابيين يحملون شهادة منشأ عربية وإسلامية. وبالتالى .. فان علينا واجبات كثيرة لاقتلاع جذور هذا الإرهاب، أو على الأقل محاولة تجفيف منابعه الرئيسية.وهذا يضعنا فى مواجهة أجندة متشعبة ولها عناوين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ولحسن الحظ أنها نفس الأجندة التى تحتاجها شعوبنا العربية والإسلامية بإلحاح والتى بدأت فتح ملفاتها فى الآونة الأخيرة، نعنى أجندة "الإصلاح"، لأن الإرهاب هو أحد "الآثار الجانبية" الناجمة عن التلكؤ طويلا عن دفع استحقاقات التغيير ونفض غبار التخلف. و"هم" .. مسئولون" .. بأن سياساتهم الامبراطورية والاستعمارية ، وبخاصة فى فلسطين والعراق، لم تتوقف عن إعطاء الإرهاب شهادة صلاحية جديدة، وتوفير المناخ المواتى لاستشرائه على حساب القوى العلمانية والعقلانية ومنظمات المجتمع المدنى الحية. ولذلك .. فإنه لا ينبغى أن نتبنى "خطابا اعتذارياً" تجاه الغرب عن مثل هذه العمليات الإرهابية . بل يجب بالعكس – أن نتصدى للخطاب الاستعلائى الذى يحاول أهل القمة ترويجه هذه الأيام ، والذى عبر عنه تونى بلير نفسه بأن المسألة صراع بين "العالم المتمدن" و بين "البرابرة". فى مقابل هذا الكلام السطحى يجب ألا ندافع عن "البرابرة" الذين يحملون شهادة منشأ عربية وإسلامية، وفى نفس الوقت ألا نخضع للابتزاز "الامبراطورى" الذى فضح به خطاب بوش فى قمة "جلين إيجلز" حيث عقد مقارنة بين نواياه الحسنة حيال حقوق الانسان والحرية الإنسانية والاهتمام بمحاربة الفقر والمرض وحماية البيئة وبين "قتلة الأبرياء". فهذا الخطاب ينطوى على تزوير صريح ومكشوف لحقيقة ما يجرى على أرض الواقع. ويكفى أن نتذكر قصف المدن العراقية والأفغانية بالطائرات والإبادة الجماعية للمدنيين والوحشية التى شهدتها معتقلات أبو غريب وغيرها، لندرك أن الصراع بين بن لادن والزرقاوى والظواهرى من جهة وبين جورج بوش من ناحية ثانية ليس بين "برابرة" و"متمدنين"، وإنما هو بين برابرة وبرابرة. الفارق الوحيد أن الأول إرهاب "قطاع خاص" والثانى " إرهاب دولة" ، الأول ضحاياه بالعشرات أو المئات من المدنيين. وبالتالى فإنه ليس من النزاهة فى شئ ذرف الدموع على عشرات المدنيين الذين يذهبون ضحية الإرهاب فى واشنطن ونيويورك ولندن وإدارة الظهر لآلاف المدنيين الذين يدفعون حياتهم ثمناً لإرهاب الدولة فى الفلوجة والرمادى والقائم وبغداد وتكريت وسامراء وقندهار وتورا بورا. وبلاد تركب الافيال . فالمعيار يجب أن يكون واحداً فى كل الأحوال. لذلك .. أظن أنه قد آن الآوان لكسر هذه الدائرة المغلقة وأن تنطلق مبادرة جديدة تدعو إلى التصدى الجاد للإرهاب – عندنا وعندهم – ولن يكون هذا بالشعارات وترديد العبارات سابقة التجهيز لاجتثاث بذور هذا المرض السرطانى الذى يولد فى ظلام الجهل والتعصب والتخلف ، ويتغذى بالمظالم والإحباطات وشتى أنواع الاضطهاد، وينمو فى ظل ثقافة احتضار الحياة واحتكار الحقيقة المطلقة وادعاء العصمة وانتحال الوصاية على عقول وضمائر ومصائر خلق الله. ولا فرق فى ذلك بين تقسيم "بن لادن" العالم إلى فسطاطين.. أحدهما للفكر وثانيهما للإيمان، وبين تقسيم "بوش" العالم إلى محورين : محور للخير ومحور للشر. فالإثنان يتساندان وظيفياً .. وكل منهما يعيد إنتاج الآخر والأبرياء هم الذين يدفعون الثمن .. مرة فى نيويورك ولندن ومرات فى بلدان الشرق الأوسط .. والأقصى .. والأدنى.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
-
إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
-
مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم
...
-
إنقاذ السفير المصري المختطف.. كيف؟!
-
تقرير الأرقام القياسية للفساد يدق أجراس الخطر
-
طوارئ.. في دارفور فقط
-
الهموم الأكاديمية في حوار ساخن بالتليفزيون المصري
-
»إبن الحداد« أطاح بــ »شاه إيران «الجديد
-
مستقبل الصحافة.. أولي بالرعاية
-
مصر والسودان
-
نعم.. »ك« وريا.. وليست »س« وريا
-
مبادرة هيكل
-
الانتماء للوطن.. أهم من النوم في سرير الحكومة
-
العالم يضبط البيت الأبيض متلبساً بالنصب علي القارة السوداء
-
! الأجانب يمتنعون
-
مبادرة من أجل بناء الثقة.. المفقودة
-
اعتذار.. لفنان محترم
-
السياسة المصرية خرجت من غرفة الإنعاش.. وهذا هو المهم
-
مبادرات علي الهواء
-
!الحقونا : لماذا يبيع المصريون أعضاءهم؟
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|