|
الخبيث
سمير هزيم
الحوار المتمدن-العدد: 4427 - 2014 / 4 / 17 - 10:36
المحور:
الادب والفن
قصة اليوم ... الخبيث -------- كنا اخوة في البيت خمسة شباب وبنتين .. وكنت قبل الأخير ... الشاب الثاني .. وفي السنة الاخيرة من الجامعة .. أصابه مرض .. لم يشف منه .. وبدا جسمه بالنحول .. دكتور متخصص ونبيه ولماح .. قال من دون ان ارى التحليل .. مع شقيقكم cancer .. وبعدها مخبر التشريح المرضي أكد ذلك ياالهي ...انه يضرب المعدة والأمعاء .. وقد امتد الى الكبد .. بدأت رحلة العذاب .. لم نخبر شفيقتا بالحقيقة .. وقلنا له ان فيروسا فتاكا وشديدا قد أصاب جهازك الهضمي .. وبالدواء ستشفى .. كانت الآلام تكبر والشاب ذو الخامسة والعشرون من العمر مستمر في النحف .. مع انتفاخ بمنطقة البطن .. ياالهي على تلك المصيبة .. شاب جميل ابيض الوجه اسود الشعر .. متفوق دراسيا .. بدا بالتغير .. وبدأت عظام خدوده بالبروز .. وعيناه أصبحتا غائرتين ... احد أشقائي كان جريئا .. وقال : ان أفضل حل هو القتل الرحيم .. لانه سيتعذب كثيرا ولا أمل بشفائه .. في كل ليلة .. يبدأ بالصراخ من شدة الألم .. كنا تستدعي الإسعاف فيعطونه إبرة مهدئة .. مفعولها يمتد لساعتين فقط .. ويعود ليتالم من جديد .. كنت انا قد نجحت في البكالوريا ..؟وسجلت في كلية الزراعة التي كانت في خرابو .. قبل مطار دمشق الدولي بقليل .. كان للكلية باص يأخذنا من ساحة السبع بحرات ويرجعنا بعد انتهاء الدوام .. مصاريف العلاج كانت كبيرة .... تفوق قدرة والدي .. دخل والدي ذهب كله لعلاج اخي .. فتوقفنا جميعا عن أخذ أية نقود ( الخرجية ) .. وأصبح طعامنا مقترا .. ولم نعد نشتري الملابس .. فلا يوجد المال الكافي .. حتى أزهار ونباتات حديقة المنزل .. يبست .. لأننا جميعا وخاصة امي انصرفت بكامل وقتها للعناية بأخي المريض .... في احدى الأيام .. قطعني الباص عند الرجوع من الكلية .. وليس بجيبي قرش واحد .. وانا جائع ومتعب من دوام الكلية الذي استمر من الثامنة صباحا حتى الرابعة بعد الضهر .. والمكان يبعد عن بيتنا بدمشق حوالي 30 كم .. فتشت عن احد ما.. معه وسيلة نقل يقربني بها الى دمشق .. لكني عبثاً حاولت .... فما كان مني الا ان أخذت الطريق مشيا على الأقدام .. قطعت المسافة بست ساعات ... القهر والجوع والتعب ... وألمي على امي وأبي الذين عجزا عن تأمين المزيد من المال لمعالجة اخي ... وآلام اخي المرضية ..كان يؤرقني .. وصلت الى البيت .. لم اجد طعاما معدا لنا سوى بقايا شوربة عملتها امي لأخي المريض .. قالت لي امي : حبيبي بعرفك جائع .. عندي علبة سردين رح افتحلك ياها .. دبر حالك فيها وبوعدك بكرة اطبخلك أطيب طبخة .. عرفت ان امي عاجزة .. عن تحقيق ما يجب ان تفعله ... كان والدي دائم الصمت .. يذهب الى عمله كل صباح ... ليس لديه اي مورد سوى راتبه الشهري .. وقد بدأ يرزح تحت ضغط الديون .. شقيقي الكبير .. كان ضابطا في الجيش وضع مرتبه كله في خدمة اخي المريض .. شقيقي الاخر ترك جامعته وتقدم الى الكلية الحربية كونه اقرب طريق للوظيفة والراتب .. امي ارادتني ان اكمل الجامعة باي ثمن .. قلت لها سأكمل ..ولن اخذلك .. ولاني من نشطاء الحزب .. قلت لامين شعبة الحزب .. انا بحاجة لعمل ان احوالي سيئة جداً .. اتصل بأمين فرع الحزب .. واصدروا لي قبولا استثنائيا بمعهد أعداد المدرسين كذبت على امي ولم اقل لها .. والتحقت بالمعهد وصار لي راتب يكفيني كمصروف شخصي .. وقدمت طلب اعادة البكالوريا مع الأحرار ... كي أعيد تسجيلي بإحدى الكليات النظرية .. وتحققت خطتي فأخذت شهادة ثانية سجلت بها بكلية الحقوق .. فلن آخذل امي التي ارادتني ان اكمل دراستي في الجامعة .. كل شباب قريتنا يذهبون بعد البكالوريا الى الكليات الحربية او الجوية. .. امي أرادتني ان اكون مميزاً وان اكون خريج جامعة .. اخي الأصغر مني ما يزال في الإعدادية .. في البيت .. اخي الصغير تعلم كيف يبزل ماء الاستسقاء من بطن اخي المريض .. الذي يسمونه ( حبن ) .. كان شجاعا جدا .. في البيت بقينا شابين انا ًوشقيقي الأصغر .. شقيقاتي البنات متزوجات ولكنهن بقيتا بجانب اخي وأمي .. في الشهر الأخير من مرض اخي .. لم أعد ادخل الى غرفته .. في احد الأيام .. قرع جرس الباب .. فوجئت بفتاة في أواسط العشرينات من عمرها سألتني : .. هل هذا بيت حسن ..؟ قلت لها نعم .. قالت .. هل تسمح ان تناديه .. قلت لها : من انتي .. . قالت انا رحاب صديقته بالجامعة .. انتظره كل يوم وهو لم يأتي ... ما قصته ...؟ وأريد ان اعرف لماذا يغيب عن المحاضرات منذ اكثر من ستة أشهر .. قلت لها : لن اناديه .. ادخلي معي الى عنده .. دخلنا الى غرفته التي جهزتها امي بان تكون غرفة الجلوس بجانب سرير اخي المريض .. جلست الفتاة وساد الصمت .. وبعد قرابة خمس دقائق .. قالت رحاب : اين حسن .. ؟ فوجئنا جميعاً بالسؤال .. أشرت لها يتعجب !!!!!! وقلت لها .. هو بجانبك .. نظرت اليه .. وأصابها انهيار ..ولم تعد تعرف ماذا تفعل .. ضربت يدها على وجهها .. صارخة .. حسسسسسن .. ؟؟؟؟؟؟؟ وبكت وبكينا معها ... وذهبت فورا .. عند الباب قالت لي : لماذا لم تنبهني .. ؟ قلت : لم يخطر ببالي انك لن تتعرفي اليه .. سألتْ عن مرضه .. قلت لها .. الحقيقة وانضمت الىينا بان تركت الجامعة وبقيت تداوم معظم وقتها في بيتنا .. في هذه الفترة وبما ان رحاب صديقة اخي أصبحت شبه مقيمة عندنا .. قللت كثيرا من دخولي الى الغرفة .. التي بها اخي وكنت اجلس في غرفة النوم المشتركة مع اخوتي .. مضى اسبوع ولم ارى اخي .. تلبدت مشاعري .. لم أعد أقوى على رؤية صورته الجديدة .. فانا اريد الاحتفاظ في عيوني بصورة اخي ايام كان بعافيته ... وكانت امي تلومني ... لآني لا اجلس مع اخي .. في نهاية الأسبوع كان يأتي اخوتي الضابط الذي كان في الجبهة مع اسرائيل .. وأخي الاخر الطالب الضابط في الكلية الحربية .. وكنا نجلس احيانا بعيدا عن اخي المريض ونتحدث عن أحواله التي تتدهور يوميا وقد اصبح مثل الهيكل العظمي تغطي جسده قشرة رقيقة من الجلد .. كان اخي الطالب الضابط جريئا في طرح فكرة .. طرحها سابقا عن القتل الرحيم وأعادها مرة ثانية .. قال : لو كنت مكانه لطلبت منكم ان تعطوني إبرة مميتة تريحوني من عذابي .. طالما لايوجد أمل بالشفاء ... قلنا له ويحك .. فالاعمار بيد الله .. هو يهبها وهو يأخذها ... لكنه كان متحمساً لهذه الفكرة .. ثم قال انا لا افعلها ولا اطلبها لغيري .. ولكني لو أصابني هذا المرض فاني اطلبها لنفسي ... في الأسبوع الأخير .. الآلام لم يعد اي دواء يوقفها والصراخ مستمر .. وقد أصيب بالعجز التام عن الحركة .. ثم ذهب بصره .. ولم يعد يرى نهائيا .. استسلمنا جميعا .. وبتنا ننتظر ان يأخذ الله أمانته .. كان شعوراً حقيرا .. فقد بتنا جميعا نطلب رحمة الاله وتدخله بوقف معاناة اخي .. في ظهيرة احد الأيام .. كانت امي لوحدها مع اخي المريض .. وكنا مستلقين على اربعة أسرة في غرفة واحدة . ساكتون من دون أية همسة .. دخلت امي إلينا .. وقالت : اخوكم عطاكم عمرو .. وذهبت .. غطينا وجوهنا واخفينا دموعناد .. ولم يري احد منا وجهه للآخرين ... بعد اسبوع عاد كل واحد منا الى حياته الطبيعية .. ولم يعد يجمعنا يوميا ذلك المرض الخبيث الذي حل بجسد اخي .. وعادت امي تعتني بأزهار الحديقة ... وترتيب غرف البيت من جديد ..
#سمير_هزيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قبل أن يكون عندنا موبايل
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|