أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - قصّة الحب من مصر














المزيد.....

قصّة الحب من مصر


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 4425 - 2014 / 4 / 15 - 19:25
المحور: الادب والفن
    


قصة الحبّ من مصر
ترجمة حسيب شحادة
جامعة هسنكي


في شارع مزدحم في القاهرة، ينظر الركّاب الذين على متن الحافلة بتعاطف نحو امرأة شابّة جميلة بيدها عصا صغيرة تشقّ طريقَها بعناية حتى دخول الحافلة. تدفع لمحصّل الحافلة، تتحسّس بيديها ظهورالمقاعد، تخطو في الممرّ وتعثر على مقعد قيل لها إنه شاغر. تستقرّ في مقعدها، تضع حقيبتَها على حضنها والعصا قبالة ساقيها. مرّت سنة على فقدان ليلى لنعمة البصر نتيجةَ تشخيص طبي خاطىء، وهكذا زُجّت على حين غفلة في عالم من الظلام والغضب والإحباط والشفقة على النفس . “كيف يمكن أن يحدث هذا لي؟ إنها قد تتضرع، معقود قلبها مع الغضب. ولكن لا يهمّ كم بكت أو تحدثت بصخب أو صلّت، إنها عرفتِ الحقيقة المؤلمة، بصرُها لن يعودَ إليها ثانيةً. سحابة من الكآبة تخيّم على روح ليلى التي كانت متفائلة ذات يوم. كل ما بقي لها للتشبث به كان زوجها هشام .

هشام كان ضابطاً عسكرياً وأحبّ ليلى من كل قلبه. عندما فقَدتْ بصرَها شاهد هشام كيف غطست في اليأس وكان حازماً في إعانة زوجته لاسترجاع القوة التي تؤهّلها إلى أن تصبح مستقلةً مرّة أخرى. أخيرا، شعرت ليلى أنها مستعدةٌ لاستئناف عملها، ولكن كيف تصل إلى مكان العمل؟ من قبلُ اعتادتِ السفرَ بالحافلة إلا أنّها الآن تشعُر بالرعب والهلع إزاءَ التدبّر بنفسها في المدينة. تطوّع هشام ليوصلها إلى مكان العمل كلّ يوم، على الرغم من أن مكاني عمليهما كانا في طرفي المدينة.

في البداية، شعرت ليلى بالارتياح وقام هشام بحماية زوجته الكفيفة التي كانت متقلقلةً حيال أداء أدنى مهمّة. ولكن سرعان ما أدرك هشام أن هذا الترتيب غيرُ عمليّ من حيث الوقتُ والتكلفة. اقتنع هشام بأنه على ليلى السفر في الحافلة مرّة أخرى. ولكن مجرّد التفكير في ذلك جعله ينكمش خوفا وذلا. إنّها ما زالت هشّة جدا ومغتاظة جدا. ماذا سيكون ردّ فعلِها ؟

تماماً كما تكهّن هشام، ذُعرت ليلى عند سماع فكرة استقلال الحافلة مرّة أخرى. “ أنا ضريرة ! ” ردّت بمرارة . “كيف لي أن أعرفَ إلى أين أنا ذاهبة؟ أشعُر كأنكَ تتخلّى عنّي”. تقطّع قلبُ هشام ولكنّه عرف ما كان ينبغي له القيام به. وعد ليلى أن يصاحبَها كلَّ يوم إلى الحافلة حتى تعتادَ ذلك المسار. وهذا بالضبط ما حصل. لمدة أسبوعين بالتمام والكمال اصطحب هشام بزيّه العسكريّ ليلى يومياً ذهابا وإيابا. إنّه علَّمها الاعتمادَ على حواسّها الأخرى لتحديد مكان تواجدها و كيفيّة التكيّف مع بيئتها الجديدة. إنّه ساعدها على إقامة علاقات صداقة مع سائقي الحافلات فأخذوا يولوها عناية ما ويحجزون لها مقعدا .

سافرا كلّ صباح معاً إلى عملها ومن هناك استقلّ هشام سيارة أجرة للوصول إلى مكتبه. على الرغم من أن هذا الروتين كان اكثرَ كلفةً وإرهاقاً من سابقه، عرف هشام أن ذلك ما هو إلا مسألة وقت، ريثما تُصبح ليلى قادرةً على السفر بالحافلة لوحدها. أخيراً قررت ليلى أنّها مستعدة للقيام بالسفر لوحدها. حلّ صباح يوم الاثنين، وقبيل مغادرتها البيتَ، عانقت هشام رفيقَها المؤقت في ركوب الحافلة، وزوجها، وأفضلَ صديق لها . اغرورقت عيناها بدموع العِرفان والامتنان لولائه، لصبره، لحبّه. قالت إلى اللقاء، وللمرّة الأولى، سار كلٌّ منهما في طريقه. حلّت أيامُ الاثنين، الثلاثاء، الاربعاء، الخميس .... وفي كل نهار جرى كل شيء على ما يرام ولم تشعر ليلى بأفضلَ من ذلك.

في صباح يوم الجمعة، استقلت ليلى الحافلة متوجهةً إلى مكان عملها كالمعتاد. بينما كانت تدفع أجرة السفر وتهمّ بالخروج من الحافلة، قال السائق: " يا فتى ، إنّي أحسدك حقّا”. ليلى لم تكن متأكدة فيما اذا كان السائق يخاطبُها أم لا. على كل حال، مَن مِن على وجه الأرض قد يحسُد امرأة عمياءَ كافحت لمجرّد التحلي بالشجاعة للعيش في السنة الفائتة؟ “لماذا تحسُدني؟ ”، ردّ السائق: “يجب أن تشعري برضا كامل لهذه العناية والحماية”. لم تكن لليلى أية فكرة عمّا كان السائق يتحدّث “ماذا تقصِد؟” قال السائق : "أنت تعرفين، في كلّ صباح من صباحات الأسبوع الماضي، كان يقف رجُل وسيم ودمِث بزيّ عسكري في ذلك الركن يراقبُك عند نزولك من الحافلة. انّه يتأكد من عبورك الشارع بأمان ويراقبُك حتى دخولك بنايةَ مكتبِك. ثمّ ينفخ لك قبلة في الهواء، يؤدّي لك تحيّة عجلى وينصرف. إنّك سيّدة محظوظة. دموع السعادة انهمرت على وجنتي ليلى . فبالرغم من أنّها لم تكن قادرةً على رؤيته بالعين إلا انها أحسّت دائما بوجود هشام . كانت مبارَكةً لدرجة أنه قد منحها عطيةً أقوى من البصر، عطية لا حاجة للنظر كي تصدقها - عطية الحبّ الذي يستطيع أن يجلب النور حيث كان الظلام .



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو الفقير؟
- قصّة الشعْر المجّانية
- هذه ليست خرافة، إنها الحقيقة التي لا مفر منها والجميع يفهمها
- أُطروحة عن الزمن، التاريخ، المنفى والفداء عند أبراهام بار حي ...
- الملك والرجل الفقير - قصة مذهلة!
- أهذا تراث يهودي أم عربي؟
- الزوج التعيس وزوجته المطيعة
- تفسير سامري مجهول على سفر التكوين ١-;-: ٢-;- ...
- عَقْد بيع وشراء بستان بين سامريين دمشقيين في أواخر القرن الس ...
- السيارة المسروقة
- قصّتان للأطفال، ٢-;-) يا برهان، يلا قوام
- الطامة الكبرى
- قصّتان للأطفال ١-;-) بُرهان، مجرّد عُقَد
- قصيدة ورسالة عمران بن سلامة بن غزال لفيركوفتش
- الكلب المدهش- قصّة محفّزة
- حول علم اللغة النفسي
- النافذة الوسخة ---- قصة تطهير الفؤاد
- البديل من العبرية، كلمات عربية مقترَحة لألفاظ عبرية شائعة
- ماذا يجب أن يكون السؤال التالي؟
- قطرات من الحكمة


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسيب شحادة - قصّة الحب من مصر