عبد الرحيم العطري
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 13:01
المحور:
مقابلات و حوارات
• الاستقلالية تسمح للجامعة بالتكيف مع متطلبات سوق الشغل والتحولات السوسيو اقتصادية
• لا يمكن أن يمارس العنف تحت مظلة "الحرم الجامعي" والحل هو إطار مؤسساتي طلابي متعدد
• البحث العلمي هو القطاع الوحيد الذي نقترح فيه المركزية وليس اللامركزية
أجرى الحوار : عبد الرحيم العطري
يعد التعليم العالي من أكثر القطاعات التي تثار بصددها أسئلة خانقة. نظرا لما يعتمل في رحابه من قضايا مفرزة للجدل والخلاف أيضا، فالتعليم العالي أو الجامعة تحديدا يبدي جميع الفرقاء انشغالا زائدا براهنها ومستقبلها، لأنها تلعب دورا حيويا في مشاريع التنمية المستديمة. فهي تعتبر جسرا فريدا نحو الانعتاق من ويلات التخلف والتبعية، بفتحها لآفاق البحث والتواصل وانفتاحها على إمكانيات الرقي والنهوض. إلا أنه – وللأسف الشديد- ظل هذا الدور الاستراتيجي، ولزمن طويل "مسروقا" منها، الشيء الذي عمق مشاكلها وزاد من حدتها.
وجدير بالذكر بأن البحث العلمي نفسه لا يقل أهمية عن التعليم العالي بحكم الترابط العضوي بينهما، كما لا يختلف عنه في حدة المشاكل التي يجابهها، والتي جعلته مغيبا من دائرة الانشغالات المركزية والأولويات الاستعجالية.
ولهذا يقول الدكتور نجيب الزروالي بأن ورش التعليم العالي والبحث العلمي شائك بامتياز، ويستدعي تعبئة شاملة وإصلاحا نموذجيا يشارك في صنعه الجميع.
فعلى هذا الورش الشائك وما يطرحه من صعوبات متصلة بالدور المفقود للجامعة المغربية, وتكسير الجدران البرلمانية, و العطالة والتشغيل, والعنف العاصف بالحرم الجامعي, ينفتح هذا اللقاء, والذي يبشر أيضا برفع الحظر عن الدرس الفلسفي, وتحقيق التعارف بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي انطلاقا من مبادئ الإصلاح المرتقب، دون أن يغفل مركزية البحث العلمي المطلوب. حول هذه الهموم والآمال دار هذا الحوار الذي جمعنا بالوزير الذي مازال وفيا لمهنة الطب!
الجامعة والدور المجهول
- السيد الوزير المحترم، تعلمون أن التعليم العالي والبحث العلمي يحتلان مكانة مركزية في أي مشروع تنموي، وأنتم حاليا في حكومة التناوب تتحملون مسؤولية هذا القطاع فهل ترون بأن وضعيتهما الراهنة تبعث على الارتياح أم أنها تدعو إلى القلق؟
في الحقيقة وكما جاء في السؤال، فالتعليم العالي والبحث العلمي هو أساس التنمية والتطور، بل هو المحور –ربما- الوحيد الذي تدور حوله كل مستقبليات الدول, فيما يخص التكوين والتطور التكنولوجي والعلمي والمعرفي في كل بلد, غير أن هذا الدور الذي تضطلع به الجامعة لم يكن معترفا به من ذي قبل. فالجامعة أسست لمغربة الإدارة المغربية, ولتزويدها بالأطر الكفأة غداة الاستقلال وقامت الجامعة بهذا الدور على أحسن وجه حتى حدود سنة 1975 أو أواخر السبعينات، لكن منذ ذلك الوقت لم تعط للجامعة المهمة الجديدة, المتمثلة أساسا في تطوير البلد والإسهام في تنميته الشاملة. فالجامعة لم تعرف مهمتها الحقيقية.. وقد آن الأوان لجعلها تقوم بهذا الدور التنموي بكل فعالية.
- إذن لا يمكن أن نقول بأن الجامعة المغربية والبحث العلمي بخير، فالمشاكل المتوارثة كثيرة. لكن لا يمكن أن تظل الحكومة مكتوفة الأيدي، ولهذا انخرطت في مجموعة من الأوراش الكبرى: حقوق الإنسان، العالم القروي، الإصلاح الإداري.. لكن ماذا عن ورش التعليم والبحث العلمي؟ ماهي استراتيجية النهوض بهذا القطاع؟
ورش التعليم العالي والبحث العلمي شائك وكبير جدا لهذا يتطلب النهوض به استراتيجية واضحة يشارك في صنعها الجميع ولابد من التأكيد على ضرورة وضع التشخيص الشمولي لما يعرفه هذا القطاع من مشاكل, من أجل تنفيذ إصلاح جامعي في مستوى الطموحات والتطلعات, ولهذا قمنا في البداية بالاستشارة مع كل العاملين في هذا القطاع, من أساتذة وإداريين ونقابات, ورؤساء شعب, ومسؤولين وقيدومين وعمداء, حتى ينخرط الجميع في هذا المنظور الجديد لإصلاح التعليم العالي. كما قمنا بتقديم الخطوط العريضة للإصلاح الجامعي المرتقب إلى الأساتذة والنقابات. هذا الإصلاح الذي ينبني على أربعة مبادئ:
أولا: الشراكة مع القطاعين الخاص والعام، ثانيا: الجهوية يعني لابد للجامعة أن تتأقلم وتتجاوب مع حاجيات الجهة دون أن تغفل دورها الوطني أو التكوينات الوطنية، ولكن تعطى الأولوية للتكوينات المطابقة للجهة ولامكانيات الجهة وفعالياتها، ثالثا: التقييم، المؤسساتي والتنظيمي، وتقييم البرامج والمناهج، رابعا: التنافسية، داخل المؤسسات الجامعية وما بين المؤسسات وما بين الجامعات حتى ترقى الجامعة بالطبع إلى جودة أكثر.
فهذه المبادئ الأربعة تصب في مبدأ خامس أصبح ضروريا ألا وهو الاستقلالية الإدارية والمالية والبيداغوجية, وهذه الأخيرة تعد من الأهمية بمكان، حيث ان الاستقلالية البيداغوجية تسمح للجامعة أن تتكيف في أي وقت مع متطلبات سوق الشغل أو التحولات السوسيواقتصادية, فالجامعة لا يمكنها أن تفتح أو تغلق شعبة ما إلا بمرسوم، وهذا شيء غير طبيعي، ولهذا كان من الضروري أن نعطي للجامعة هذه الاستقلالية, بالطبع مع المراقبة والضوابط حتى لا تقع الانحرافات. ولكن في إطار استقلالية الجامعة دون تسلط أو سلطوية. حتى تتمكن من التعامل مع المجتمع بصفة مرنة وأكثر جدوى ونجاعة.
- لكن سيادة الوزير فهذا الإصلاح المرتقب، والذي أثير الحديث عنه بحدة في حكومات سابقة, لم يحظ لحد الآن بتوافق وطني شامل، فمجموعة من الفعاليات تشكو من أنها غيبت في صنع هذا الإصلاح: فالطالب مثلا كان ومازال غائبا عن هذا النقاش، ألا ترون بأننا في حاجة إلى مصالحة وطنية وإجماع حول هذا المشروع؟
كما أسلفت الذكر، فقد عملنا على إشراك جميع الفعاليات، وهذه خطوة لم تكن في الإصلاحات السابقة, فحينئذ كانت تقدم الإصلاحات من طرف النقابات أو من طرف المسؤولين، ولكن لم يسبق للنقابات والأساتذة والمسؤولين الجلوس على مائدة الحوار لبلورة هذا المشروع. إذن كانت البادرة الأولى التي قمنا بها هي الاستشارة والمشورة مع جميع الفاعلين كيفما كان موقعهم.
وبالنسبة لغياب الطالب عن هذا النقاش فسببه – للأسف- هو عدم وجود إطار مؤسساتي يمثل هذا الطالب، والإطار الذي وضع للطالب هو في ظهير أكتوبر 1975 ولكن الطلبة لم ينخرطوا في هذا الإطار، وبالتالي لم توجد لحد الآن تمثيلية مؤسساتية لهم يمكن النقاش معها حول هذا الإصلاح. لأنه يتعذر جدا أن نفتح هذا النقاش مع 256 ألف طالب.
تكسير جدران برلين
- ما رأيكم لو انتقلنا اللحظة إلى الحرم الجامعي، فنحن حاليا نتوفر على عدد لا بأس به من الجامعات، لكن مشكل التجهيزات والطاقة الاستيعابية يظل قائما ومعترضا للسير الطبيعي للعملية التربوية, إذن هل من مخططات لتدعيم البنيات التحتية التعليمية أو خلق جامعات أخرى؟
لابد من الإشارة إلى أن الجامعات المغربية كانت تعرف أوضاعا غريبة, فكل مختبر كان منغلقا حول نفسه, وما بين الكليات كان ينعدم التنسيق, فمن خلال الزيارات التفقدية التي قمت بها أول ما تم تنصيبي، إلى الجامعات، كنت أردد دائما بأن حائط برلين سقط ولكن الحائط بين المختبرات والكليات لم يسقط بالمرة.
فعندما ننظر إلى واقع الجامعات من زاوية التجهيزات والموارد البشرية والبنيات التحتية, فسيبدو الأمر مختلفا. فلو وضع كل أستاذ التجهيزات التي يتوفر عليها رهن إشارة الكلية والجامعة ككل، لتحسنت الأحوال بكثير، بل أكثر من هذا فهناك تجهيزات، ربما تعد الجامعة هي الوحيدة التي تتوفر عليها كالميكروسكوب الالكتروني مثلا, وتجهيزات أخرى كلفت الملايين من الدراهم، نجدها سجينة بعض المختبرات, ولا تستعمل إلا من طرف شخص واحد مالك لها. فاحتكار التجهيزات ووصد الأبواب من أهم المشاكل التي تواجهها الجامعة المغربية آنا. وهو ما اعترضنا في البداية، وبالإضافة إلى ذلك فالجامعة لم تكن قد حددت قبلا أهداف توجهها. فحتى عندما نتكلم مع أستاذ حول الغايات المرجوة من تجهيز معين, والنهايات التي يريد الوصول إليها, فسيكون من الصعب أن يحدد لنا أهدافه الحقيقية والواضحة. ولهذا شددنا ومنذ البداية وقبل أن يثار الحديث عن الإصلاح الجامعي، على ضرورة وضع الأهداف المحددة لتدبير التجهيزات والموارد البشرية للوصول إلى تكوينات ما. وهذا ما يسمى بمشروع المؤسسة.
مشروع المؤسسة
- لكن مشكل الجامعة المغربية لا يقتصر فقط على التجهيز بل يتعداه أيضا إلى البرنامج البيداغوجي الذي يظل عقيما وجامدا في كثير من الشعب، ألا تفكرون السيد الوزير في بعث دماء جديدة في برامج مضى على العمل بها أكثر من عشرين سنة؟
إن مشروع المؤسسة ينبني على ترشيد استعمال التجهيزات والبنيات التحتية للوصول إلى إلى تكوينات تكون أكثر جدوى ونجاعة. ففي مشروع المؤسسة طلبنا من الأساتذة أن يضعوا على أنفسهم الأسئلة التالية: من أنا؟ ماذا أفعل؟ بأي وسيلة؟ ولماذا؟
فما موقع الأستاذ داخل الجامعة إزاء زملائه؟ وكيف يمكن أن يكون جميع الأساتذة متكاملين؟ فالأستاذ كان يلقي الدرس دون أن يعرف ما درسه زميل له أو يكون قد اطلع على أهدافه التربوية المحددة. يعني أن لكل أستاذ برنامجه الخاص في غياب التنسيق والتشاور. وبذلك فمن مزايا مشروع المؤسسة هذا، أنه سمح للأساتذة بالجلوس على مائدة الحوار، ومناقشة مشكل البرامج والمناهج, والتفكير في التعاون وتحديد الأهداف. فعلى كل واحد منا أن يطرح على نفسه مثل هذه الأسئلة.
الجامعة... والعطالة... والتشغيل
- مشكل الأهداف الغائبة هذا يجرنا السيد الوزير إلى قضية أخرى تنضاف إلى قائمة قضايا التعليم العالي. فقد اختصت الجامعة ولزمن طويل في تفريخ وإنتاج المعطلين، فالأرقام حاليا تشير إلى وجود حوالي 200 ألف معطل من حاملي الشهادات، إذن كيف السبيل للخروج من هذه الوضعية المأزقية؟
أولا لابد من التوضيح.. فالجامعة لا تكون المعطلين بل تكون حامل شهادة، فهي لم تكن بالمرة مسؤولة عن التشغيل وبذلك لا يمكن أن تكون مسؤولة عن العطالة, ولكن التساؤل الضروري طرحه في هذا الإطار، يتمحور حول النسيج الاقتصادي المغربي, فإلى أين وصل هذا الأخير؟ وهل هو على أتم الاستعداد لاستيعاب حامل شهادة بغض النظر عن طبيعة التكوين؟ فما هي القدرة الاستيعابية لهذا النسيج الاقتصادي؟
ولا أظن أن المستثمر الوطني أو الأجنبي يضع هيكلة تسمح للمقاولة باستيعاب حاملي الشهادات, ففي أغلب الأحيان نجد أن المقاولة مسيرة من مدير لا غير، بحيث ليس فيها أي إطار مسؤول عن الموارد البشرية أو آخر عن الشؤون المالية أو الماركوتينغ أو الاتصال والإعلام.. هناك فقط المدير أولا وأخيرا.
لكن بالرغم من ذلك فلا يمكن أن نقول بأن الجامعة بيضاء تماما.. لماذا؟ لأن البرامج والمناهج التي وضعت من ذي قبل لم تسلح الخريجين لاقتحام سوق الشغل بالمبادرة. وهذا لا يعني أن كل متخرج عليه أن يفتح مقاولة, ولكنه ينبغي أن يكون صاحب مبادرة وليس طالب شغل. أن يقدم إلى سوق الشغل باقتراح مبادرة على المشغل لتحسين الإنتاج.
إذن لابد من وضع مناهج وبرامج تسمح للطلبة بالتشبع بروح المقاولة. فخريجو الجامعات ينظرون إلى الشغل من خلال الوظيفة العمومية, وكما جاء في خطاب صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح الندوة الوطنية للتشغيل فإن الوظيفة العمومية لا يمكنها أن تستوعب جميع الخريجين, إذن لابد من وضع تكوينات تعتمد على آليات جديدة تسلح الطالب بالتفكير المقاولاتي فمثلا في مدارس المهندسين لابد من إدخال مواد جديدة كالتجارة والتدبير والمركوتينغ, حتى لا يظل المهندس تقنيا فقط بل يتحول إلى صاحب مبادرة. إذن لابد من تسليح الطلبة بهذا النوع من التكوينات.
التعارف المؤجل
- إذن الحل يكمن في إدماج الجامعة في محيطها الاقتصادي والاجتماعي.. ولكن مع ذلك فهذا الإدماج لم يتحقق بعد, فما هي العوائق الداخلية والخارجية التي تعترضه؟ وكيف يمكن تفعيل هذا الإدماج؟
أعتقد أن هناك نوعا من عدم التعارف بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي، يعني أن الجامعة لا تعرف العالم الاقتصادي, وهذا الأخير بدوره لا يعرف شيئا عن الجامعة. وبالإضافة إلى ذلك فأفكار كل طرف عن الآخر مغلوطة وغامضة, فالجامعة ترى في محيطها الاقتصادي أنه المقاول صاحب المال، والاقتصادي يرى في الجامعة على أنها نظرية تكون النظريين. ولهذا فالاستراتيجية الأولى التي نشتغل عليها هي إحداث التعارف السليم بين هذه الأطراف.. فلابد أن نسقط هذا الجدار أيضا.. فالمغرب كله جدران نسعى إلى إطاحتها عن طريق هذه الأوراش الكبرى, فمن الضروري أن يحدث التعارف، وأن يطلع كل طرف على حاجيات وإمكانيات الطرف الآخر. فالجامعة مثلا تتوفر على إمكانيات وخبرات هائلة ولكنها أحيانا لا تستعمل بطريقة ذات جدوى, والعالم الاقتصادي يتوفر هو الآخر على إمكانيات مهمة ويمكنه أن يساعد جيدا في التكوين الجامعي باستقبال الطلبة لإجراء التداريب أو الباحثين لإنجاز بحوث سوف يستفيد منها المقاول لتحسين منتوجه وصولا إلى الجودة التي تسمح بولوج ميدان التنافسية.
فهذه كلها آليات تهدف إلى الإدماج الفعلي للجامعة في محيطها السوسيواقتصادي، فهناك مراسيم موازية للإصلاح، وتدابير تسمح للجامعة بالتعامل مع العالم الاقتصادي بمزيد من الانفتاح. وارتباطا بهذا السياق ننشغل حاليا بإنجاز رصيد بحث التنمية الذي سيمكن المقاولة من تطوير بحثها ومنتوجها.
عنف الحرم الجامعي
- السيد الوزير من حين لآخر – وللأسف- تتناهى إلى أسماعنا وتنصدم أعيننا أيضا بأحداث عنف تكون الجامعة المغربية مسرحا لها.. ما رأيكم إذن في هذا العنف الذي يصطدم بالحرم الجامعي؟
الجامعة أحيانا تستعمل لخلفيات لا جامعية ولا طلابية, ومستعملو الجامعة في هذا الإطار يحاولون تبرير حركاتهم من خلال كلمة "حرمة الجامعة" أو "الحرم الجامعي" فاحترام هذا الحرم هو على جميع الأطراف: من أساتذة وإداريين وطلبة, وكل واحد يمس بالقانون أو بأمن الآلاف من الطلبة, يخل بحرمة الجامعة. فلا يمكن أن نقوم تحت هذه المظلة بما يحلو لنا..فمن غير المعقول أن تتم إزالة الكراسي والميكروفون وإخراج الأستاذ من المدرج، و لربما في بعض الأحيان رميه خارجا, لقد وقعت محاكمات داخل الكليات ومورس العنف ضد الموظفين ومنعت بعض التظاهرات العلمية والثقافية داخل الكليات, هناك أيضا طلبة تعرضوا للعنف وجرحوا بالسلاح الأبيض.. واللائحة طويلة. إذن لا يمكن أن نقوم تحت مظلة حرمة الجامعة بهذه الأعمال، فهذا استعمال خاطئ للجامعة ولتحقيق أغراض تحكمها خلفيات معينة. والحل بطبيعة الحال هو الإطار المؤسساتي، الطلابي المتعدد (من التعددية). وكل هذا لا يمكن أن نصل إليه بدون مشاركة تامة لكل الفعاليات السياسية من أحزاب ونقابات، حتى تصبح الحركة الطلابية حركة طلابية فعلا وليست شيئا آخر.
- هذا العنف الذي نأسف له يرد أحيانا إلى المذكرة الثلاثية التي يقال بأنها أدت إلى عسكرة الحرم الجامعي، ما رأيكم الأخ الوزير في هذه النقطة بالذات؟
اسمحوا لي في البداية بالقول بأن الناس يتكلمون عن المذكرات والقوانين دون أن يطلعوا عليها، وهذه المذكرة التي تسمى بالثلاثية هي من جملة ما لم يقرأ. وهي أولا لم تأت بأي قانون جديد، بل أبرزت بندا أو بندين من القوانين المنظمة للجامعة ومن القانون العام, يعني لم تأت بجديد، ولم تعسكر ولم تتحدث عن أية عسكرة أو عنف، فقط ذكرت بأن هناك قوانين وأنه على كل الأطراف احترامها. كما حثت مسؤولي الكليات على إحداث أنشطة ثقافية ورياضية واجتماعية لصالح الطلبة.
- ظروف التحصيل المعرفي الجيد لا يمكن أن تستقيم ما لم يتم الاعتناء بأحوال الطالب باعتباره عنصرا فاعلا في العملية التعليمية, ما هو موقع الطالب المغربي والذي يشكو من تردي أوضاعه في مخططات وزارتكم؟
لقد كان هناك فراغ مهول في جانب الأنشطة الاجتماعية والرياضية, فما يسمى بالوقت الفارغ كان يملأ ببعض الأنشطة, وهذا بالطبع يساهم في خلق جو من الإحباط والتذمر لدى الطلبة, ولهذا فقد تبلورت لدينا الآن فكرة إنشاء مكاتب وطنية للأعمال الجامعية الاجتماعية والرياضية، يكون دورها الأساسي هو الاهتمام بكل القضايا التي تخص الطالب سواء تعلق الأمر بمشكل السكنى, أو المطاعم أو التغطية الصحية والتمريض والتطبيب، أو المنح أو ما له صلة بالشأن الثقافي والرياضي. فكل هذه المشاكل تسند مهمة حلها إلى هذه المكاتب حتى تتمكن من وضع استراتيجية وطنية. وهذه المكاتب بإمكانها إنشاء مؤسسات جهوية بإشراك الجهة والمنتخبين والخواص. وبذلك يكون دور هذه المؤسسات الجهوية هو التنشيط الجهوي سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي، طبعا مع فتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة, وفي هذا الإطار فنحن بصدد تهييء مشاريع قوانين لإعطاء بعض الامتيازات للقطاع الخاص في حالة إنشائه مثلا لحي جامعي تحترم فيه كل معايير الجودة والأمن. فهذه كلها تدابير تتخذ لصالح الطالب.
نهاية حالة الاستثناء
- الفلسفة وكما تعلمون السيد الوزير تعيش حالة استثناء ثقافي داخل الجامعة المغربية, فهي تدرس فقط في الرباط وفاس، ويعاني طلبتها وأساتذتها من مشاكل عدة, وقد أعلنتم أخيرا بمراكش عن عزمكم على إعادة الاعتبار للدرس الفلسفي كيف يكون ذلك إذن؟
نحن نعتقد بأن الفلسفة لابد وأن تعود لمدرجات الجامعات، لأنها تكون الشخصية والمنطق, اللذين يعدان بمثابة العمود الأساسي لتكوين شخص المستقبل الفاعل صاحب المبادرة, فلدينا قناعة أكيدة بضرورة الفلسفة في التعليم المغربي. ففي العلوم الدقيقة كالطب والصيدلة مثلا لابد من إدراج مواد فلسفية ضمن برامجها البيداغوجية, فالطبيب له قيمة إنسانية كبيرة يجب أن تتدعم بالأخلاقيات واحترام الرأي الآخر والنقاش والمنطق وهذه كلها من مزايا الفلسفة والتي لابد من جعل الطبيب يتشبع بها عن طريق إدراج مواد فلسفية في برنامجه الدراسي. فلدينا قناعة لكي نعيد للفلسفة أوراق اعتمادها.
كيف سيكون ذلك؟ فالجامعات بإمكانها فتح شعب وإنجاز بحوث وإقحام التكوين الفلسفي في كليات الطب وغيرها، ونحن ننكب حاليا مع رؤساء الشعب والجمعية الفلسفية المغربية على تهييء استراتيجية للنهوض بالتعليم الفلسفي بالمغرب, وما نشدد عليه بإلحاح هو أن يشهد الموسم الجامعي المقبل تصفية نهائية لمشاكل الفلسفة.
- وهذا ما نتمناه فعلا.. أن يرفع "الحظر" عن الفلسفة ويعاد لها الاعتبار..
لقد رفع "الحظر"
البحث العلمي
- إذن هنيئا للفلسفة بذلك.. السيد الوزير البحث العلمي خصصت له حكومة التغيير كتابة دولة خاصة له تحت إشرافكم, فهذه سابقة من نوعها واعتراف أكيد بأهمية البحث العلمي, لكن بالرغم من ذلك تبقى الميزانية المخصصة لهذا القطاع متواضعة جدا أليس كذلك؟
فعلا لقد أولت حكومة التناوب اهتماما خاصا للبحث العلمي بإنشاء كتابة الدولة لدى وزير التعليم العالي المكلفة بالبحث العلمي. وفي الوقت الذي كنا نعد فيه القانون المالي تبين على أن البحث العلمي لم يكن له ولا بند مالي واحد, إذ كان يمول عن طريق ميزانية التسيير, وبذلك كان انشغالنا الأولي هو خلق هذا البند, وبذلك خصصت ميزانية للبحث العلمي في القانون المالي الحالي, وهي متواضعة ولكنها إشارة أولية على مدى اهتمام الوزارة والحكومة بالبحث العلمي. لقد تم تخصيص غلاف يقدر ب 45 مليون درهم وهو غلاف ضئيل. ومن جهة أخرى فالتصريح الحكومي الذي تقدم به السيد عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول أعلن فيه عن إنشاء الصندوق الوطني للبحث العلمي، ونحن الآن بتعاون مع وزارة المالية بصدد وضع كل الآليات التي ستسمح بتمويل هذا الصندوق، لأننا نبحث عن تمويل دائم.
وبالإضافة إلى ذلك فقد وضعنا باتفاق مع كتابة الدولة في البحث العلمي – طبعا- ما يمكن أن نسميه بالقانون التوجيهي/الإطار للبحث العلمي. فهذا القطاع لم يكن منظما بالمرة, فمن يريد إنجاز بحث ما فإنه يقوم بذلك، وأحيانا بدون تحديد الأهداف أو التفكير في تطبيق النتائج على أرض الواقع، كما أن العديد من القطاعات كانت تمارس البحث العلمي في غياب أي تنسيق أو تعاون وهذا ما نتج عنه في بعض الأحايين أن تقوم قطاعات عدة بإنجاز نفس البحث، وفي ذلك ضياع للوقت وتبذير للأموال العمومية وإهدار للموارد البشرية. ويمكن أن نقول اليوم بأن القطاع الوحيد الذي نقترح فيه المركزية وليس اللامركزية هو قطاع البحث العلمي, علينا أن نلم شتات البحث العلمي ونضع التصورات الاستراتيجية والآليات وكيفية التقييم والتطبيق والتمويل، فالبحث العلمي يعد أيضا من الأوراش الكبرى التي انخرطنا فيها. وعندما نصل إلى مستوى عال من التنظيم يمكن أن ننتقل من المركزية إلى اللامركزية.
- سيادة الوزير تشاركون حاليا في صنع التغيير بتوليكم لمسؤولية هذا القطاع الحيوي المسؤول إلى حد كبير عن تحقيق عوامل الطفرة والتطور, فما الذي تودون قوله بهذه المناسبة للطالب والأستاذ والإداري وجميع فرقاء التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب؟
ما أريد قوله لا يهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بل يخص جميع القطاعات، وهو أن التغيير ليس فعل شخص، التغيير هو قبل كل شيء تغيير في الأنفس وفي السلوك وأخلاقيات التعامل بين أعضاء المجتمع فيما بينهم، وبينهم وبين الدولة. وكيفما كانت إرادة التغيير لدى المسؤولين, فإن هذا التغيير لا يمكن أن يتبلور على أرض الواقع ما لم يتغير السلم المجتمعي في عقليته وسلوكه. فإذا كان هناك من نداء يقدم للمواطن المغربي، هو أن يطلب منه التعبئة من أجل وطنه، من أجل السماح للمغرب بولوج القرن القادم وهو مسلح لمواجهة كل التحديات التي تقابله. فالمغرب ولله الحمد وتحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله يتوفر على كل الطاقات والإمكانيات للانطلاق في قاطرة التنمية بشيء من الإرادة, فمهمتنا هي أن نضع هذه القاطرة على سكتها، ونمضي في اتجاه ما خططه لنا صاحب الجلالة, لنصل بالمغرب إلى أوج التنمية, ولكن هذا يستوجب تعبئة شاملة.
وإن كان من نداء آخر أيضا، فهو أن المغرب الآن هو مكان ثقة واسعة على المستويين الدولي والوطني، وهذا الرصيد من الثقة لابد وأن يدفع المستثمر الوطني المغربي إلى الاستثمار في بلاده، فلابد من الاستثمار الوطني لجلب الاستثمار الأجنبي، فلا يمكن أن نتوقع أن يضع الأجنبي ثقته في بلاد لم يثق فيها أبناؤها. فإذا أردنا أن نخلق نسيجا اقتصاديا قويا ومتكاملا، وإذا أردنا أن نخلق مناصب شغل، وأن نوفر إمكانيات جديدة في إطار احترام كرامة المواطن المغربي فمن الضروري من تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي.
الألفية الثالثة
- ابتداء من يوم غد سوف لن تفصلنا إلا 365 يوما عن القرن الواحد والعشرين! فما الذي يتوقعه السيد الوزير للجامعة والمغرب عموما في فجر الألفية الثالثة؟
الجامعة المغربية ستدخل القرن المقبل إن شاء الله بإصلاحها، وهذا عهد قطعناه على أنفسنا، ستلج القرن القادم بإصلاح انطلقت خطواته، وهو إصلاح سيعطي للجامعة كل الإمكانيات حتى تصبح فعلا أداة للتطور والمحور الأساسي للتنمية, ومعنى ذلك أن الاعتبار سيعاد للجامعة والجامعيين، وستصبح الجامعة إذن في موقع يمكنها من المشاركة بصفة تامة وناجعة في دخول القرن المقبل من بابه الواسع.وبالنسبة للمغرب فأعتقد أن كل المؤشرات ابتعدت عن اللون الأحمر, فقد ينقصنا شيء واحد وهو المطر ولهذا نتضرع للباري عز وجل بأن يرحمنا بقطرات غيثه.
وما زلت طبيبا...
- نشكركم سعادة الوزير على تجشمكم عناء أو راحة الإجابة عن قلقنا التساؤلي، وفي الأخير نترك لكم مساحة حرة للتوقيع، فبماذا تودون ختم هذا اللقاء؟
أود أن أختم بكلمة شكر لكل آل الصحافة المغربية.
- شكرا سيادة الوزير، ما هو السؤال الذي كنتم تتوقعون أن أطرحه عليكم ولم أفعل؟
... هل مازلت أزاول الطب؟
- وما هو جوابكم عليه؟
أزاول الطب صباح كل جمعة، فمن الصعب أن ينقطع طبيب جراح عن مزاولة الطب، فلا يمكنني أبدا التخلي عن هذا العمل الإنساني.
#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟