ياسر خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 12:02
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يبدو بجلاء مدي الغضب المتصاعد الذي يجتاح قلوب نسبة كبيرة من المسلمين حول العالم تجاه الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية والعربية والإسلامية، خاصة بعد الحرب علي العراق، وهذا واضح في استطلاعات الرأي، ونستشعره من الواقع الذي نعيشه، وسيول الأنباء والتحليلات والآراء المتلاحقة.
وليس هذا دليلا علي أن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ضد المدنيين الأبرياء العزل، تحظي بقبول أو شرعية من قبل المجتمعات الإسلامية، أو أنها تعبر عن أخلاق الإسلام والمسلمين، لكن الواقع يكشف (وبكل صدق) أن هناك حالة من الرضاء تعلو وجوه الكثيرين حين يضرب "هدف" أميركي أو غربي أو تابع لدولة حليفة لواشنطن حتى وان كانت عربية أو إسلامية.
هذه الحالة الخطيرة - التي تجتاح قلوب نسبة غير قليلة من المسلمين - تعد كارثة حقيقية، فهي في جوهرها نتاج للغضب، والغضب يعمي الأبصار ويشل العقول. ويأتي الشعور بالرضاء تعبيرا عن الإحساس البشري ب"لذة الانتقام من العدو"، فليس لهذا الشعور أساس ديني أو أخلاقي، وتلك الحالة الكارثية هي التي تمد "آلة الإرهاب الأسود" بالوقود اللازم ( من زهور شبابنا) لتدمر العالم وتشوه صورة الإسلام والمسلمين.
يتمني الإرهابيون (عبر تلك الأعمال الإجرامية) أن تسقط أميركا والغرب وأنظمة الحكم العربية والإسلامية الحليفة لها، وربما يشاركهم في هذا التمني كثيرون من المسلمين الغاضبين من أميركا وحلفائها، غير أن أحدا منهم لم يفكر ماذا سيحدث لو سقطت أميركا!
ربما لو فكروا قليلا في حال العالم (المتوقع) لو سقطت أميركا، لوثقوا في أنه الآن أفضل بكثير من ما ينتظرهم، لكننا كما قلنا من قبل أن الغضب يعمي الأبصار ويشل العقول.
لو سقطت أميركا، فان "دولة الخلافة" التي ينشدونها لن تقوم في ظل بلدان إسلامية ضعيفة ومتفرقة، ودلائل عديدة تقول أن الصين ستقود العالم من بعدها، فهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1,3 مليار نسمة، قد انطلق بسرعة هائلة بعد أن كان في مؤخرة دول العالم النامية وقت إنشائه عام 1949، ليصبح صاحب اكبر معدل نمو اقتصادي في العالم، فبلغ ناتجه المحلي الإجمالي، العام الماضي 7,262 تريليون دولار أميركي، بمعدل نمو 9,1%، في حين أن دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة (25 دولة) حققت 11,650 تريليون بمعدل نمو 2,4% في نفس العام، أما اليابان فحققت 3,745 تريليون، بنمو 2,9%.
ما يرجح كفة الصين (كقطب بديل محتمل) مقارنة بالاتحاد الأوروبي واليابان، هي أنها قوة بشرية واقتصادية وعسكرية وسياسية ضخمة، إضافة إلي أنها قوة نووية، فيما يعاني الاتحاد الأوروبي من انشقاقات وخلافات داخلية واضحة (لا مجال لذكرها)، أما اليابان فهي قوة اقتصادية كبيرة، لكنها ليست قوة سياسية أو عسكرية لها ثقلها مثل الصين.
كثيرون يتمنون أن تحكم الصين العالم، وتسقط أميركا، لكن بالنظر إلي واقع وماضي هذا البلد يمكن إن تتنبأ بسهولة كيف سيكون مصير العالم اجمع والمسلمون بشكل خاص لو أضحت الصين هي القطب الأوحد في العالم.
يذكر كتاب "المعتقدات الدينية لدي الشعوب" الذي اشرف علي تحريره جفري بارندر: "كان الشعب الصيني في تراثه التقليدي، يعتبر نفسه مركزا للكون، وكلمة شنج – كيو Chung-Kuo، وهي الاسم الصيني للصين، تعني حرفيا "مملكة الوسط" فقد عد الصينيون أنفسهم، علي نحو ما فعل الإغريق، جزيرة من الثقافة وسط بحر من التوحش والهمجية".
ولا زال الصينيون يفكرون بنفس الطريقة القديمة إلي حد كبير، متأثرين بعزلتهم التاريخية والجغرافية، علي الرغم من انفتاحهم علي العالم مؤخرا، ويؤكد الكتاب الذي صدر عام 1971، علي أن اللغة الصينية متفردة، ولا تشبه غيرها، إضافة إلي انك تستطيع قراءة ما كتب بها قبل ألفي عام بسهولة ما دمت ملما بها، مضيفا "لقد ظلت خاصيتا التفرد والاتصال اللتان يتميز بهما روح الشعب الصيني حيتين علي نحو مذهل، رغم أن هذه الإمبراطورية حل محلها في البداية النظام الجمهوري من 1912 حتى عام 1949، ثم النظام الشيوعي".
ويوضح الكتاب أن "ثلاث ديانات لعبت الدور الرئيسي علي مدي ثلاثة آلاف سنة من التاريخ الصيني. وهذه الديانات هي الكونفوشية، الطاوية، والبوذية"، وجميع تلك الديانات تعتمد في جوهرها علي تعاليم وضعها مؤسسوها، وبالتالي فهي تختلف عن مفهوم الدين لدي أتباع الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، فتركيزها ينصب علي الأخلاقيات والأمور الدنيوية، و لا يحذر الإنسان من أن الله موجود ويراقبه ويعلم ما في نفسه، وان هناك حسابا في الآخرة، فان افلت بذنبه في الدنيا فلن يفلت به من الله يوم الحساب.
وتشير الإحصاءات الرسمية لعام 2002، إلي أن ما يزيد علي 94% من الصينيين يتبعون الديانتين البوذية والطاوية، فيما لا يتجاوز عدد المسلمين مابين 1-2%، والمسيحيون 3-4%.
ويقول موقع "شبكة الصين" الالكتروني علي الانترنت، أن هناك نحو 56 قومية في الصين، من بينها 10 قوميات مسلمة يبلغ تعدادها مجتمعة 17,597 مليون نسمة، طبقا لإحصاءات عام 1990، وهذا الرقم الضئيل (نسبيا) من المسلمين جاء بعد أن دخل الإسلام إلي الصين قبل ما يزيد علي 1300 عام، وهو ما يعكس مدي انغلاق هذا البلد علي نفسه وثقافته الخاصة.
من الجهة الأخرى تؤكد المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة أن الدين الإسلامي يعد من أسرع الأديان نموا في هذا البلد، وقيل أن قرابة 28 ألف أميركي يدخلون الإسلام كل عام، وتشير الدراسات إلي أن هناك مابين 6 إلي 7 ملايين مسلم من بين 295 مليون أميركي، رغم أن المهاجرين المسلمين لم يصلوا إلي الولايات المتحدة قبل مطالع القرن العشرين، فيما تبلغ نسبة المسيحيون في أميركا 76% (52% بروتستانت، 24% رومان كاثوليك) أي أن أميركا تعد بلدا مسيحيا طبقا لأغلبية سكانه ومؤسسوه أيضا.
والآن يوجد قلق حقيقي لدي الأميركيين من صعود الصين بشكل مستمر ومتسارع، أي أن هناك حرب شبه باردة وخفية بين الجانبين، وفي الماضي حزن المسلمون الأوائل حين هزم الفرس (الملحدون) الروم (المسيحيون) فجاءت آيات من سورة الروم في كتاب الله تطمئنهم أن الروم سيهزمون الفرس بعد سنوات قليلة، ولم يعتب الله عليهم لأنهم أيدوا بقلوبهم أهل الكتاب الذين هم اقرب منهم بكثير عن الملحدين، بل واخبرهم تعالي بأنهم سيفرحون حين يهزم الروم الفرس.
وإذا كان التحيز الأميركي لإسرائيل هو السبب الأول في تصاعد الكراهية ضد الولايات المتحدة في البلدان العربية والإسلامية، فان الصين التي كان لها مواقف تؤازر الفلسطينيين والعرب، قد بدأت منذ سنوات في التحول النسبي، واتجهت بحماس إلي تنمية علاقاتها مع تل أبيب في شتي المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها.
ويبدو أن الإسرائيليين أدركوا بما لا يدع مجالا للشك أن الصين مؤهلة لان تصعد كقطب ثاني وربما منفرد في النظام العالمي الجديد، خلال سنوات قليلة، وان كان لازال المشوار بعيدا بعض الشيء علي بكين، إلا أنها في طريقها إلي القمة، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل لتوطيد العلاقات معها مبكرا، حتى وان اثر ذلك علي علاقتها مع واشنطن، نتيجة لتهريب التكنولوجيا العسكرية الأميركية إلي جيش التحرير الصيني.
وإذا كنا (كعرب ومسلمون) غاضبون بالفعل من ما وقع من انتهاكات لحقوق الإنسان في سجن أبو الغريب بالعراق ومعتقلات جوانتاناموا، فعلينا أن ننظر قبل المقارنة بين الدولتين، إلي تقارير منظمات حقوق الإنسان في الصين، (وهي ذات المنظمات التي تنتقد أميركا أيضا).
ولننظر إلي ما اقترفته بكين من إعدام وترويع وتعذيب آلاف المسلمين وانتهاكاتها الصارخة في حق الاعتقاد، ضد الأيغور في مقاطعة كسينغتيانغ (تركستان الشرقية)، وهو ما نشر جزء منه في تقرير لمنظمة هيومان رايتس واتش مؤخرا تحت عنوان " الصين: القمع الديني للمسلمين الأيغور، مشاهد من فصول القمع في كسينجيانغ"، ويمكن أن تقرأ الكثير عنه في مواقع الأيغور ومقالاتهم علي الانترنت.
وإذا كان الصينيون قد تجرؤا في عام 1989 علي قتل مئات أو آلاف من المعارضين المعتصمين سلميا في ميدان تياننمين، في مذبحة تاريخية ضد أبناء وطنهم، فكيف سيفعلون بمن يعارض مصالحهم من الغرباء، وإذا كانوا يعتقلون مئات الألوف في سجونهم دون إذن قضائي، لأنهم عبروا عن آرائهم، فما تتوقع منهم تجاه حرية التعبير في العالم إذا ما أصبحوا القوة العظمي فيه؟.
وبالنسبة للنفط الذي تبدو الولايات المتحدة أكثر الدول شغفا للحصول عليه، فان الصين لم يبلغ بعد حجم استهلاكها نفس حجم استهلاك أميركا، فهي تستهلك نحو 4,956 مليون برميل يوميا، تنتج منها 3.392 مليون برميل، فيما تستهلك الولايات المتحدة قرابة 19,650 مليون برميل يوميا، تنتج منها 7.800 مليون برميل فقط، ولنا أن نتوقع كيف سيشن الصينيون حروبهم إذا ما حكموا العالم من اجل الحصول علي النفط.
#ياسر_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟