|
لندن ضحية احتضانها لشيوخ التطرف وأمراء الدم
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 12:00
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
أكيد أن التفجيرات الإرهابية التي هزت لندن يوم الخميس 7 يوليوز الجاري لن تكون الأخيرة التي ستستهدف العواصم الغربية أساسا . والسبب الرئيسي لا يرتبط بالأوضاع في العراق أو أفغانستان ، بقدر ما هو مرتبط بما توفره تلك العواصم من أحضان آمنة تطعِِم شيوخ التطرف وأمراء الدم من الجوع وتؤمنهم من الخوف وتسمح لهم بالانفلات من عدالة دولهم الأصلية رغم مسئولياتهم المباشرة عن إفساد عقول الشباب وتخريب ضمائرهم وتحريضهم على القتل والتفجير أو تمويلهما كما هو حال المغربي محمد الكربوزي المحكوم بعشرين سنة غيابيا وظلت بريطانيا ترفض تسليمه للسلطات المغربية . ومن أبرز شيوخ الإرهاب الذين ينعمون بأمن وحماية الحكومة البريطانية ، أبو قتادة الذي قدم إلى بريطانيا عام 1993 كلاجئ سياسي هربا من حكم بالإعدام صدر بحقه في وطنه الأردن بتهمة تهديد أمن الدولة . فكافأ إنجلترا بسلسلة من الفتاوى التي تحرض الشباب المسلم على قتل البريطانيين وتدمير حضارتهم ، بل جعل الطريق إلى الجنة تمر عبر أرواح الإنجليز وتُعبّد بدمائهم . وكان مما قاله وهيج به نفوس الشباب المتعطش إلى القتل وسفك الدماء قصد التعجيل بارتكاب عمليات إرهابية «إني أشم رائحة الجنة» . وحتى يرفع من درجة التعبئة والاستعداد للعمل الإرهابي لدى الشباب ، كان أبو قتادة يلقي خطبه من أعلى المنبر ويوهمهم فعلا أن موعد الجنة قد حان ولم يبق غير الإقدام على الإجرام . فقد صاح فيهم أحيانا كثيرة«إني أشم رائحة الجنة واني استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه» و«هبي يا رياح الجنة وذري الأنوار» و«الجنة تحت ظلال السيوف وجعل رزقي تحت ظل رمحي» . لهذا لم تكن أحاديث أبو قتادة تخرج عن موضوع التحريض على قتل "الكفار" كشرط لدخول الجنة «اقتل كافرا تدخل الجنة» . طبعا لم تكن أماكن الندوات وخطب أبو قتادة سرا على أحد ، بل كانت معروفة ومشهورة وهي قاعة « فور فيزرز يوث كلوب» بشارع روسمري بالقرب من محطة بيكر ستريت بوسط لندن و مسجد فنسبري بارك بشمال لندن. أما ثاني شيوخ التطرف فهو مصطفى كامل مصطفى المعروف ب :" أبو حمزة" الذي تتهمه الولايات المتحدة بالوقوف خلف عملية خطف رهائن في اليمن في ديسمبر 1998 والسعي لإقامة معسكر تدريب للقاعدة في ولاية أوريغون (شمال غرب) بين أكتوبر 1999 وبداية العام 2000. وقد وجهت إليه 11 تهمة . وأبو حمزة هذا مواطن مصري يحمل جواز سفر بريطانيا منذ أن تزوج مطلع التسعينات، وقد أسقطت عنه الجنسية المصرية في نهاية مايو2004 . بالإضافة إلى شيوخ آخرين إما مقيمين بإنجلترا أو مترددين على عواصم غربية بغرض التحريض على الإرهاب ، وفي مقدمتهم محمد الفيزازي ، أحد شيوخ السلفية الجهادية بالمغرب المحكوم ب 30 سنة على خلفية الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء ليلة 16 مايو 2003 . فكما كان يؤطر انتحاريي المغرب ساهم في تأطير أبرز انتحاريي واشنطن ونيويورك ، إذ ذكرت جريدة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية أن ( اتصالات دالة كانت لمحمد الفيزازي، مع بعض منفذي هجوم 11 شتنبر بهامبورغ (ألمانيا) ) ويتعلق الأمر بكل من محمد عطا، ومروان الشيحي، وزياد سمير. إن مسئولية الحكومة البريطانية في الأعمال الإرهابية التي هزت لندن يوم الخميس الأسود ، تتحملها من جهة كونها تضمن لشيوخ التطرف حرية الحركة والتحريض على القتل والإفتاء بشرعيته ، رغم التقارير الاستخباراتية والأمنية المحذرة من خطر الإرهاب وشيوخه . فحين اعتقال " أبو قتادة" ظلت أجهزة الأمن البريطانية نفسها تعتبره من أخطر المعتقلين في نطاق قانون مكافحة الإرهاب. فكان هذا كافيا ، ليس فقط لمحاكمته ، بل تسليمه إلى دولته الأصلية ليواجه مصيره هناك جزاء لما اقترفه لسانه . غير أن الإنسانية الزائدة عن اللزوم حركت مجلس اللوردات البريطاني قصد ممارسة مزيد من الضغط على حكومة بلاده لتعديل قانون مكافحة الإرهاب الذي يعرف باسم «الاحتجاز من دون أدلة» والذي صدر بعد شهرين من هجمات 11 شتنبر . وانضاف إلى موقف اللوردات قرار أعلى محكمة بريطانية التي قضت في دجنبر الماضي بعدم شرعية ذلك القانون . وبناء عليه اضطرت الحكومة البريطانية إلى إطلاق سراح "أبو قتادة" ، شيخ الإرهاب . إن مثل هذه القوانين التي لا تعتبر الإفتاء بالقتل والتحريض عليه جريمة ، هي التي توسع دائرة الإرهاب ومخاطره ، كما تعرّض أبناء الجالية العربية والمسلمة إلى المحاولات الدائبة لتجنيدهم في صفوف المنظمات الإرهابية . ولعل العشرات من الشبان المسلمين الراديكاليين الذين استهدفوا ، بالعاصمة البريطانية ، مهرجانا انتخابيا للنائب البريطاني السابق جورج غالاوي، زعيم حزب (ريسبكت ـ الاحترام) وأعلنوا خلال المهرجان ، بأن فتوى قد صدرت بشنقه ، دليل قاطع على أن بريطانيا صارت حاضنة التطرف وبيئته الخصبة . وكان حتما أن يصيبها دماره لأن الإرهابيين ليست لهم قيم ولا مبادئ توجه تفكيرهم وتضبط سلوكاتهم . لهذا كان "البيان الأممي ضد الإرهاب" الذي وجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة كل من د. جواد هاشم وزير التخطيط العراقي السابق، ود. شاكر النابلسي المفكر الأردني، والعفيف الأخضر المفكر التونسي، ووقع عليه قرابة أربعة آلاف مثقف ليبرالي عربي وكردي من مختلف أنحاء العالم، ومن مختلف الأطياف السياسية والثقافية والدينية والعرقية، كان البيان إيذانا بالخطر الماحق الذي يمثله شيوخ التطرف الذين طالب البيان بإقامة محكمة دولية لكل الذين يفتون بسفك الدماء، وبتحليل قتل الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين في العراق وفلسطين وغيرهما من البلدان . فالإرهاب قبل أن يصير قنابل مدمرة فهو أفكار محرضة . وإذا كان إبطال مفعول القنابل متيسرا ، فإنه في حالة الأفكار مستحيل طالما وَجد شيوخ التطرف وأمراء الدم متسعا من الحرية والحركة.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نادية ياسين : الشجاعة المأمرَكة لن تكون إلا وقاحة
-
الحركات الإسلامية والدولة الديمقراطية
-
أية مصلحة للأمريكيين في تحالفهم مع الإسلاميين ؟
-
فتاوى التكفير أشد خطرا وفتكا بالمجتمع من عبوات التفجير
-
الإنسان العربي أبعد ما يكون عن الحوار والتسامح والتحالف
-
هل سيتحول المغرب إلى مطرح للنفايات الوهابية ؟
-
نادية ياسين لم تفعل غير الجهر بما خطه الوالد المرشد
-
المسلمون وإشكاليات الإصلاح ، التجديد ، الحداثة 2
-
المسلمون وإشكاليات الإصلاح ، التجديد ، الحداثة 1
-
خلفيات إضراب معتقلي السلفية الجهادية عن الطعام
-
معتقلو السلفية الجهادية من تكفير منظمات حقوق الإنسان إلى الا
...
-
المجتمعات العربية وظاهرة الاغتيال الثقافي
-
الأزمة السياسية في إيران تؤكد أن الديمقراطية لا تكون إلا كون
...
-
عبد الكبير العلوي المدغري والشرخ الغائر بين الروائي المتحرر
...
-
الإرهاب يتقوى وخطره يزداد
-
منتدى المستقبل- أو الغريب الذي تحالف ضده أبناء العم
-
العنف لدى الجماعات الإسلامية بين الشرعنة والإدانة 2
-
العنف لدى الجماعات الإسلامية بين الشرعنة والإدانة -1
-
الإرهاب إن لم يكن له وطن فله دين
-
هل أدركت السعودية أن وضعية المرأة تحكمها الأعراف والتقاليد و
...
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|