حسين ديبان
الحوار المتمدن-العدد: 1255 - 2005 / 7 / 14 - 11:59
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يوما بعد يوم تزداد معاناتنا وآلامنا ومصائبنا والسبب مايرتكبه كثير من أشباه البشر الذين ادعوا لأنفسهم صفات الهية وقد سلبوا الله عنوة حق الوراثة في الأرض فراحوا يقتلون ويدمرون ويفجرون ويذبحون من الوريد الى الوريد ,يكفرون ويلعنون ويعلنون هذا ملحدا وذاك مارقا وآخر زنديقا بدون أي مبرر لذلك سوى اشباع رغباتهم الدموية وجموحهم نحو السيطرة وفرض اللون الواحد,لون الدم المترافق مع رائحة الدمار والبارود واصوات سيوف قديمة صدئة وبنادق ومتفجرات حديثة,يدفعهم الى ذلك وصول هذه الأسلحة الى أيديهم منتقلين بذلك من مرحلة تغيير المنكر بالقلب في أوقات لم يتمكنوا فيها من امتلاك السلاح والمال الى مرحلة تغيير هذا المنكر بأيديهم بعد أن صار متاحا لهم السلاح والمال بمساعدة كاملة من أهل الحل والعقد في هذه الأمة .
وهذه الحالة التي نحن فيها اليوم ليست جديدة وانما هي تواصل مع ماض دموي كان بطله الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين ووريث الله في الأرض وحاشيته حيث كان هذا الحاكم مستعدا لابادة أي مخلوق يختلف معه أو يهدد مصالحه ويفضح جهله وبذخه وترفه وسرقته لبيت مال المسلمين والتهمة جاهزة دوما فهذا الذي قتل أو ذبح مارق وكافر ومشرك وقد وجب قتله تنفيذا لكتاب الله وسنة نبيه , ولقد بدأت تلك المجازر الدموية مع فجر الإسلام ضد المعارضة والصوت الأخر واستمرت تلك الأفعال والجرائم الوحشية الى يومنا هذا مع فترات توقف كان سببها قلة حيلة هؤلاء القتلة ليس إلا حتى لتبدو مرحلة مابعد قدوم الإسلام على هذه الأمة عبارة عن كتاب كتب بمداد من دماء أناس أبرياء,أناس هم صفوة المجتمع ونخبته,أناس هم نور هذا المجتمع في طريق الظلام الدامس الوحشي ,فلا أحد يستطيع أن ينكر جرائم يزيد والحجاج بن يوسف وأبو العباس السفاح وان كان هؤلاء قد صادروا دور الله فقد تحول غيرهم الى آلهة,لاغين بذلك الذات الالهية ليحلوا مكانها حين يصل الى اسماعنا شاعرا يخاطب أمير المؤمنين قائلا
ماشئت لا ماشاءت الأقدار احكم فانت الواحد القهار
كأنما أنت النبي محمدا وكأنما أنصارك الأنصار
فيقول له الخليفه حفظه الله ورعاه :اذهب واغرف من بيت مال المسلمين حتى تكتفي .
لقد حدث الكثير الكثير من جرائم القتل والإغتيال والنفي والتشريد لكل صوت حر أراد لهذه الأمة أن تنهض بنفسها وتسلك الطريق السديد,طريق الحرية والمساواة والتقدم,طريق يحفظ لهذة الأمة ارث أجدادها العظماء وحضارتهم العريقة,فهم أول من اخترع الكتابة,وهم أول من صنع وسائل النقل وأول من سن القوانين الناظمة لحياة البشر وهم أصحاب المعجزات المادية الملموسة والباقية الى يومنا هذا والخالدة أبد الدهر.
لقد بنى أجدادنا كل هذا وبذلوا من الجهد ماهو فوق طاقة البشر كي يعيش أبنائهم وأحفادهم ويكملوا مشوارهم لا لكي يأتي أبناء السوء كي يهدموا كل مابناه هؤلاء الأجداد العظام,ليس هذا فحسب وانما محاولة هؤلاء القضاء على كل ابن عظيم حاول أن يكمل مابدأه الأجداد فتم تكفير الكثير من علماءالمسلمين وقتلهم ونفيهم وحرق كتبهم واقصاء البعض الآخر من وظائفه الدينية كما حصل في الربع الأول من القرن الماضي مع الشيخ علي عبد الرازق لمجرد أن تجرأ الشيخ وقال أن لا أصل لنظام الخلافة في الإسلام وان من حق الشعوب المسلمة اختيار أي نظام حكم ترى هذه الشعوب بأنه يحقق مصالحها واستمرت هذه النزعة التكفيرية التحريمية التجريمية لتأخذ أبعادا خطيرة جدا حين انتقلت من مرحلة تكفير الأفراد الى مرحلة تكفير الشعوب فكانت المجازر الجماعية في الجزائر والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب المصري وضيوفه من السياح الأجانب,وكل هذا الذي حدث كان يجد تبريرا له من هنا وهناك وكانت جحافل التبرير تدعي بان على المجتمعات ان تعطي هؤلاء المجرمين فرصة لتسلم الحكم وانهم سيبدعون في ادارة دفة البلاد والعباد وقد أخذ هؤلاء فرصتهم عنوة في افغانستان ورأينا بالفعل كيف ابدعوا في قتل الناس وكم الأفواه واجبار الرجال على اطلاق لحاهم والغاء مدارس البنات والحظر على النساء الخروج من المنازل واغلاق دور السينما بل وحتى الغاء التلفزيون وتحريم الفنون بانواعها من رسم ونحت وتصوير وتمثيل وكانت جريمتهم الكبرى تدمير تماثيل بوذا تلك الآثار الانسانية العظيمة,وطبعا لهم كل الحق في ذلك استنادا الى مالديهم من أحاديث مدمرة توارثوها جيل بعد جيل ,ولم تكتفي هذه التجربة الاسلامية أن تمارس تسلطها وارهابها على الشعب الأفغاني بل امتدت أياديها المجرمة لتصل الى الأبرياء في أماكن عدة من العالم من نيويورك وواشنطن الى اندونيسيا والسعودية والمغرب واسبانيا وتصديرها لفلول المجرم ابو مصعب الزرقاوي الذين يعيثون قتلا وتدميرا في العراق وأخيرا وليس آخرا التفجيرات الإجرامية في مدينة الجمال والحرية لندن,ومع انتقال عمليات الارهاب الى البلاد الغربية عادت جيوش التبرير العربي لتدعي ان احتلال فلسطين والعراق سببا رئيسيا لعمليات الارهاب تلك اذ أن لكل فعل رد فعل كما يزعمون دون ان يذكروا لنا اين كان هؤلاء الانتحاريون عندما كانت المقاومة الفلسطينية بحاجة لهم في مواجهة مباشرة مع جيش المحتل,أما بالنسبة للعراق فلاأعلم من أعطى الحق لهؤلاء بتوصيف الحالة العراقية على انها احتلال فهذا أمر يخص شعب العراق وحده فهو الأقدر على توصيف ماجرى له ان كان احتلالا او تحريرا او غير ذلك.
ان طيور الظلام هؤلاء بعقليتهم التجريمية وذهنيتهم التحريمية قد باتوا يتحكمون بمصائر البلاد والعباد وان أمتنا ستتجه لا محالة الى الهاوية السحيقة اذا لم تباشر حكوماتنا التي أصبحت هدفا لهؤلاء بعد أن كانت في أوقات كثيرة شريكة لهم الى اتخاذ اجراءات رادعة وجريئة وقوية غير آبهة بردود الفعل التي قد تبدر من هنا وهناك والاجراء الرئيس الذي يجب أن يتخذ هو قانون واحد يصدر في الدول العربية يتمثل في فصل الدين عن الدولة فصلا تاما ونهائيا ,وتجربة القارة الأوروبية هي درس بليغ جدا يجدر بنا ان نتعلم منه,حيث ان أبناء تلك القارة لم يعرفوا طريق التقدم والرقي الا بعد فصل الدين عن الدولة.
ان تطبيق هذا القانون يعني فيما يعنيه تطبيق امورا كثيرة من بينها تحجيم وزارات الأوقاف وماتحويه من آلاف الأشخاص الذين ينطبق عليهم مصطلح البطالة المقنعة من خطيب جاهل ومؤذن أكثر جهلا وساقي حديقة الجامع وناهب للبشر تحت مسمى جامع تبرعات....الخ,وهم أناس لا عمل مفيد لهم على الاطلاق اللهم سوى رعاية تربة ملائمة لولادة المجرمين والارهابيين وبالتالي توفير ملايين الدولارات التي يقبضها هؤلاء والتي من الأجدر أن تذهب للتنمية والخدمات الرئيسية ,وكذلك الغاء دروس التربية الدينية من مناهج المدارس الحكومية لأن المدارس هي أمكنة لتعلم القراءة والكتابة والرياضيات الخ من العلوم الحقيقية التي تسهم في بناء مواطن قادر على بناء الوطن وليس هدمه,وايضا الاشراف الحكومي الدقيق على المدارس الدينية الخاصة واخضاعها مع حساباتها للتفتيش الدوري مع التزامها بنظام دفع الضرائب حالها حال اي شركة او مؤسسة خاصة,والأهم من ذلك كله منع مايسمى برجال الدين من اصدار اي فتوى عامة فقوانين الدول ودساتيرها هي وحدها فقط التي تحدد مايصح او لا يصح وليس رجال جهلة وأغبياء مختلفين بين بعضهم حتى في طريقة غسلهم ووضوءهم,ويجب ان يسبق هذا كله اطلاق الحريات العامة المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في حق التفكير والتعبير والاجتماع والاحتجاج بالطرق السلمية والاعتقاد والاحترام الكامل لحق المرأة في الحياة وممارسة دورها بعدالة بوصفها انسانة في مجتمع يجب ان يكون الانسان هو المقدس الأول لا بوصفها جارية تعيش في مجتمع ذكوري موبوء.
ان خيار فصل الدين عن الدولة هو الخيار الوحيد الذي يجب ان يتبع حتى تتمكن هذه الأمة وأبنائها من سلوك طريق الحياة الحرة الكريمة,طريق التقدم والحضارة والرقي وهو ما يؤهلنا للعيش في عالم اليوم عالم الثورة التكنولوجية ,وهو ذات الطريق الذي سوف يخلصنا من الكثير والمصائب وعمليات القتل والاجرام ومحاكم التفتيش وكم الأفواه وسياسات التكفير والتجريم والتحريم وكذلك التخلص من فقهاء الظلام والحيض والنفاس والجهاد المقدس وباقي الفتاوي التي يصدروها في سبيلهم هم وفي سبيل بقائهم في مراكز تسلطهم الدينية على رقاب هذه الأمة لا في سبيل الله,وبغير هذا الخيار فان الطريق الذي ستسلكه أمتنا هو وكما ذكرت طريق الهاوية السحيقة التي لا مجال للخروج منها وحينها سيندم الكثيرون ولكن بعد فوات الأوان.
#حسين_ديبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟