أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -العدم-.. تلك الفكرة الغبيَّة!















المزيد.....


-العدم-.. تلك الفكرة الغبيَّة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 10:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



"العدم" Nothingness، وما أدراك ما "العدم"؛ فهو مصطلح، أو مفهوم، شائع في الأديان، وفي كثيرٍ من المدارِس والاتِّجاهات الفلسفية، وفي نظريات وآراء ووجهات نظر كوزمولوجية؛ ومع ذلك، لا معنى له مُتَواضَع عليه.
منطقياً، احتاج الدِّين إلى "العدم"، أيْ إلى فكرته؛ فـ "الخَلْق" مُثَلَّث، أضلاعه الثلاثة هي: "الخالِق"، "المخلوق"، و"العدم". وفي المنطق، نقول: الخَلْق لا يكون إلاَّ بخالِقٍ يَخْلِق المخلوقات (والأشياء) من "لاشيء"، أو من "العدم"؛ فالله كان، ولم يكن من وجودٍ لأيِّ شيء؛ ثمَّ (ولسببٍ مُتاهَفِت منطقياً) خَلَق "كل شيء" من "لاشيء".
وفي "الخَلْق القرآني" لـ "الكون"، والذي يُعَرَّف قرآنياً على أنَّه "السماوات والأرض وما بينهما"، لا نرى "خَلْقاً من العدم"؛ فـ "السماوت والأرض" كانتا موجودتين منذ الأزل؛ لكنَّهما كانتا "رَتْقاً"، أيْ ملتصقتان، فـ "فَتَقَهما"، أيْ فصلهما، الله. وهذا إنَّما يعني أنَّ "الخَلْق الإلهي (بأيَّامه الستَّة)" لم يتعدَّ "فِعْل الفَتْق". قَبْل خَلْق "السماوات والأرض وما بينهما (في سِتَّة أيَّام، حار المؤوِّلون في تأويلها، ولم يُحْسِنوا تأويلها حتى الآن)"، كانت "السماوات والأرض" موجودتين على هيئة شيئين ملتصقين، وكان الله، و"كان عرشه على الماء"؛ فمع الله كان "عرشه"، وكان "ماء"، عليه "عرش الخالق".
حتى "الأمر (الإلهي) كُنْ" يؤكِّد، ولا ينفي، "اللاعدم"؛ فـ "الأمر"، منطقياً، لا يكون إلاَّ بوجود "آمِرٍ" و"مأمور"؛ فإذا كان "الآمِر" هو الله، فَمَنْ يكون "المأمور"؟!
تَخَيَّل أنَّكَ تريد أنْ تَخْلِق "شمساً"، أو "الشمس"، بالأَمْر "كُنْ"؛ فتَأمُر "شيئاً ما"، قائلاً له: "كُنْ شمساً"، فيكون.
لقد استعصى على الدِّين أنْ يكون مؤسِّساً لفكرة "الخَلْق من العدم"؛ لأنَّ تَصَوُّر "العدم" لم يكن في متناوَل "الذِّهْن الدِّيني".
هيجل، رَأْسُ الفلسفة "المثالية الموضوعية"، تخطَّى "عَقَبَة العدم" في الدِّين؛ فتَصَوَّر "الخالِق" على أنَّه "فكرة، لا يخالطها، في جنسها ومعدنها، شيء من المادة؛ لكنَّها متَّحِدة اتِّحاداً لا انفصام فيه مع مبادئ وقوانين الدياليكتيك"، ناظِراً إلى الطبيعة (أو المادة)" على أنَّها رداء لهذه الفكرة، ومُفسِّراً تطوُّر "الطبيعة"، من ثمَّ، على أنَّه انعكاس لتطوُّر "الفكرة (المُطْلَقَة) نفسها"؛ ولقد رأى في "الإنسان"، أو في هذا "الحيوان العاقِل"، الفكرة نفسها وقد وَعَت (وأدركت) نفسها بنفسها.
"إله هيجل" لا يحتاج إلى فكرة "الخَلْق (خَلْق الطبيعة) من العدم"؛ كما أنَّه "إله دياليكتيكي"، يتطوَّر؛ ونحن البشر لا نرى تطوُّره (الدياليكتيكي) لكنَّنا نرى انعكاس هذا التطوُّر في الطبيعة.
ثمَّ تطوَّرت نظريات كوزمولوجية في اتِّجاه "ديني ــ مثالي"؛ فالأفكار الدينية والمثالية تَهَافَت منطقها بفضل تطوُّر عِلْم الكون في القرنين التاسع عشر والعشرين، واستبدَّ بالقائلين بها شعور بالعجز عن إجابة الأسئلة والتساؤلات الكوزمولوجية الجديدة بما يَرْفَع منسوب ثِقَة الناس بالفكر الدِّيني والمثالي؛ ولقد اشتملت نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang على كثير من العناصر والمفاهيم والأفكار الصالحة للفكر الدِّيني والمثالي، والمتصالحة معه، فَزُوِّد هذا الفكر أسلحة وذخائر جديدة في حربه الدائمة على "المادية".
أُنْظروا الآن كيف أَسَّست نظرية "الانفجار الكبير" لـ "المفهوم الفيزيائي" لـ "العدم".
وحتى يَسْهُل علينا فَهْم وتَمَثُّل فَهْم هذا "المفهوم"، و"طريقة التفكير" التي قادت إليه، دَعُونا نتخيَّل أنْ الكون قد شَرَع ينهار على نفسه.
هذا الانهيار يَبْلُغ "منتهاه" بـ "شيء"، يُسمُّونه "النقطة (الكونية) لانهائية الكثافة". في هذه "النقطة" دُفِنَت، أو اخْتَفَت، "المادة كلها"، أو "كل مادة الكون". وفي هذه "النقطة"، وبها، "أُعْدِم" الحجم؛ وبـ "إعدامه"، جُعِلَت، أو جَعَلوا، "النقطة" لانهائية (مُطْلَقَة) الكثافة.
وتمادوا في "إعدام"، أو مَسْخ، "المادة"؛ ففي هذه "النقطة" انعدم "الزمان" و"المكان"؛ فلا تغيير من أيِّ نوع يعتري هذه "النقطة"، التي انعدم الفضاء فيها، وفي خارجها، على افتراض أنَّ لها "خارِجاً".
لا تتصوَّروا هذه "النقطة (اللانهائية الكثافة)" على أنَّها "شيء" أصغر حجماً من الإلكترون بملايين، أو بلايين، المرَّات؛ فلا حجم لها.
فيزيائياً، لا سبب يدعو إلى هذه "النهاية (أيْ النقطة)" لانهيار الكون على نفسه؛ فليس في الفيزياء ما يُسوِّغ (أو يُعلِّل) وصول الكون، في انهياره (الافتراضي) على نفسه، إلى هذه "النقطة"؛ ومع ذلك، قالوا بها، وقَدَّموها إلينا على أنَّها "مُسلَّمة"، لا يرتاب في صدقيتها الفيزيائية إلاَّ كلُّ ذي عَقْلٍ فيزيائي قاصِر.
ولو سَأَلْتُهم "هل هذه النقطة مادة؟"، لأجابوكَ على البديهة قائلين: "كيف لها أنْ تكون مادة؟! وهل من مادة ينعدم فيها الزمان والمكان والفضاء والقوى..؟!".
لقد "أَعْدموا"، في النقطة، كل ما يمتُّ إلى المادة بصلة؛ ثمَّ قالوا لك: هذه "النقطة (اللانهائية الكثافة، واللامادية في ماهيتها وخواصها)" هي "العدم نفسه"؛ لكن بمفهومه الفيزيائي (الرَّصين)!
ولسببٍ، لا نَعْلًمه، ولا هُمْ يَعْلَمونه، يَقَع "انفجار"، ليس كمثله انفجار؛ وهذا "الانفجار الكبير (غير المُعلَّل)" Big Bang هو في منزلة "الإله"، الذي من هذه "النقطة"، أيْ من هذا "العدم (الفيزيائي، لا الدِّيني)"، يَخْلِق "كل شيء"؛ يَخْلِق الزمان والمكان والفضاء والقوى والطاقة والجسيمات الأوَّلية..؛ وقد يظل يَخْلِق، ويُعيد الخَلْق؛ فلقد امَّحت كل الفروق الجوهرية والنوعية بين هذه النَّظرية وبين قصة الخلق التوراتية؛ وهكذا انتقلنا من "المسيح" الذي فيه "تَهَوَّد" الرَّبُّ نفسه، إلى نظرية "الانفجار الكبير"، التي فيها، وبها، "تَهَوَّدت" الفيزياء (الكونية) نفسها!
قَبْل أنْ يُؤسِّسوا لـ "العدم" نظرية فيزيائية، كان ينبغي لهم أنْ يُنْجِزوا مهمَّة تعريف "المادة"؛ فأنتَ (وفي المنطق) لا يُمْكِنكَ، ولا يحقُّ لكَ، أنْ تقول إنَّ A قد جاءت من B، إذا لم تكن قد انتهيت من تعريف A. وأنتَ (في المنطق الفيزيائي) لا يُمْكِنكَ، ولا يحقُّ لكَ، أنْ تقول إنَّ "المادة" قد جاءت من "العدم"، إذا لم تكن قد انتهيت من تعريف "المادة".
إنَّهم، وبدلاً من ذلك، مسخوا "المادة"، وتمادوا في مسخها، مُحَوِّلينها إلى "مادة لامادية"؛ ثمَّ قالوا لكَ: هذه ليست مادة؛ فهل ما زلت مُصِرَّاً على أنَّ المادة لا تُخْلَق من العدم؟!
لقد أَلْبَسوا "رَجُل الدِّين" ثياب "عالِم الفيزياء" حتى يَسْهُل عليه تهريب الأفكار الدينية إلى رأسكَ بصفة كونها "أفكار فيزيائية رصينة وعبقرية"!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في -الخَطِّ العُقَدي- الهيجلي
- أخطاء يرتكبها -ماديون- في دفاعهم عن -المادية-!
- -النقود الإلكترونية-.. ثورة نقدية تقرع أبواب القرن الحادي وا ...
- هكذا تموت الأُمم.. العرب مثالاً!
- -الوسيط- كيري!
- -الحركة في المكان- و-الحركة المكانية-
- نظام دولي جديد يتدفق في أنابيب الغاز!
- -التناقض- في ظاهرة -انحناء المكان-
- -المعرفة- بصفة كونها -صناعة-
- كيف نَفْهَم -خصائص- الشيء؟
- واشنطن وموسكو.. صراعٌ لتبادُل المصالح!
- تاجِر الإعلام عبد الباري عطوان!
- في التسميات والأوصاف الطائفية
- عندما يحامي بيكر عن -الدولة اليهودية-!
- إذا ما احتفظت المعارَضَة السورية بسيطرتها على كسب!
- هل هذا -نوع آخر- من -المادة-؟
- مِنَ -القرم- إلى -أُوراسيا-!
- دَرْسٌ من الثورة السورية!
- السعودية تُكفِّر محمود درويش!
- -سيسي مصر- و-بشار سورية- و-بوتين روسيا-!


المزيد.....




- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...
- محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت ...
- اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام ...
- المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -العدم-.. تلك الفكرة الغبيَّة!