أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خيروني - بياض ذاكرات الكائنات الورقية الهجينة (مقتطف من رواية قيد الطبع)















المزيد.....

بياض ذاكرات الكائنات الورقية الهجينة (مقتطف من رواية قيد الطبع)


عبدالله خيروني

الحوار المتمدن-العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 04:53
المحور: الادب والفن
    


"إن أقسى شيء يمكن أن يبتلي به المرأ هو فقدان القدرة على إقناع أقرب الناس إليه بآلامه ومآسيه الزاحفة عليه كظاهرة التصحر"
أسامة مـــوساوي

"هذا، مـــــاكس الغـــالي، رجائي الأخير: كل ما يمكن أن يوجد في ما سأخلف وراء ظهري (يعني في مكتبتي، في الأرموار الخاص بـــي، في سكريتاريتي، في المنزل وفي المكتب أو في مكان آخر ما كيفما كان)، كل ما سأترك على شكل كراسات، وخطاطات ورسائل شخصية كانت أم لا، إتسيترا، يجب أن يحرق بلا تردد ومن دون أن يقرأه أحد، وكذلك الحال بالنسبة لكل الكتابات والتدوينات التي حصلت عليها مني، ولا زالت هناك أشياء أخرى، عليك أن تطالب بها. وإذا كانت هنالك رسائل لا تستطيع استرجاعها منهم1، يجدر بهم أن يعملوا على إحراقها.

إليـــــــــك من كـــــل قلبــــــــي" (ترجمتي)
1 - الناشرون (المترجم)
من رسائل الكاتب العالمي فرانز كافكا
ملحق رواية "المحاكمة"
الطبعة الفرنسية لدار كاليمار، 1982


لما تريدك كلمات أن تكون أنت كاتبها. هي فقط تتجول في مخيلتك جنبا إلى جنب إلى جانب كل شخصيات الروايات التي قرأتها أو أنت تقرأها. تتسكع الكلمات كسكارى الليل البهيم. في خيالي، بعض المرات، الكلمات تتشكل كالقطط والكلاب اللقيطة والجائعة في فصول الشتاء البائسة. أو تتشكل ككل هؤلاء الحمقى الذين لم نكن نعرف من أين يتقاطرون على مدينتنا الصغيرة من حيث لا أحد يعلم --- فيما بعد، لما كبرنا، بدأت آذاننا تلتقط أخبارا تفيد أنهم يأتون بهم محملين في سيارات ما من مدن بعيدة كي يلقون بهم في فصول المدينة ويعودون إلى حال سبيلهم.
"دفيوجن بـــيل" تلعب الآن. للكلمات البئيسة إيقاعات مؤذية. هي تؤذيك لما تكتبها بهذه السلاسة التي تتقنها مذكرتك التي تعوضك عن عهر العالم الحربي العنيف. هي فلسفة "بينك فلويد" في سنوات التسعينات وغيرها التي حولتنا إلى أشقياء يحلمون ويحلمون، بالإضافة إلى ما تعلمنا من السينما والمدرسة. كانت أغانيهم وغيرهم رافدا لنا نحو عالم حر بلا قيود.
بيت الكلمات لا ينبني في هذه الغابات الكثيفة التي يحط فيها النص رحاله.
إذا كان لكل نص نسوته ورجالاته، فإن هذه المحكية ها هنا لها نسوتها ورجالاتها. أول رجالات النص ((حميد)) الأحمق الذي يدخن سجائر المالبورو ولا يشعل أي من سجائره ملفوفة إلا إذا توفرت قنينة "هاواي" (ماكسي). أتذكر ((كرماج)) الذي مات بتلك النوبة القاتلة الخفيفة من البرد. لما رأينا جسده البارد--- وكنت واثنين أو ثلاثة آخرين. فقط لما رأيت ((كرماج)) الأحمق الشهير في مدينتنا الصغيرة آنذاك الذي لم يكن يعطي للفلوس قيمة ولم يكن يعرف شيء غير الجوع والرغبة في التدخين. لما رأيته--- وكنت آنذاك أدرس في السنة الأولى من السلك الثانوي--- فقط لما رأيته ذاك الصباح الذي بقي كل هذه السنين في ذاكرتي كشاهد حي على الظلم والحيف علمت أن الليلة التي مات فيها كانت باردة جدا. أنا نمت في فراشي الدافئ ولم أحس ولو بلسعة برد طفيفة.
لما تقترب منك الكلمات يبتعد مزاجك ويخيل إليك أن الكتابة خانتك وأنك بت غير قادر على الكتابة.. إنها نهاية ما لما يهرب النص في كل الكلمات الغائبة. كل تلك الحمولات الثقيلة التي تترصد الكلام لتعبر عن نفسها تخونك لما أنت تقدم على كتابتها.. هنالك دائما في الحكي مساحات أبعد ما تكون بياض. إبقاء البياض في ذاكرات القراء لا يقابله بالضرورة إلغاؤه من ذاكرات الكائنات الورقية التي تقرأ عنها. ذاكرات الكائنات الورقية، وبالنظر إلي طبيعة تكوينها الهجين، ذاكرات تستحق دوما التسجيل، بالرغم من مكـــوثها في شكل بياضات. بياضات ذاكرات الشخصيات الورقية أرحب وأرحب بشرفاتها المحكمة وبياضها الذي يتناسل دوما ضدا على هجوم النسيان.
الكمـــان يصمت. العازف الذي كان يلعب على البيانـــو أخذ يوقع على الكلاريــــنت. الكلمات تنساب كما ينساب الهواء من فوهة الكلارينيت و ثقوبها التي تلعب عليها أصابع الكلاريــــنست. بعض المرات، قد تضع أصبعك على الإيقاع أو الفونيم الخطأ.. أنت تكتب يعني أن تتآلف روحك بعمق مع الفونيمات. الكلمات تتحرر من بين أصابع الكلارينست.. الكلمات تقترب من دقات الهجهوج الكناوي في رقصته الإشفائية التي تستحضرها الكتابة. كناوي بهجهوجــــه ينبت بين أصابعي، وهو يدلف إلى إيقاعات الليل لكي يتمكن من الحضور في النص كشخصية عابرة ولو لبضع أسطر ويغيب بعدها عن عين القراء.
تذكرت العزيزة فيرجينيا وولف حبيبة وعاشقة الماء--- مثواها الأخير: المـــــاء. أن تقحم شخوص محكياتك في دوامة من الكلمات المشتتة لعبة للتذكر يصنعها نسق الحكي بالرغم عنك.. يرغم الراوي كل كلمات الحكايات..
مــــا هي الكتابة إذن؟ ما هو وجود الكتابة؟ ما جدوى أن نكتب ونكتب ونكتب؟ يجب أن نخرج من عنق زجاجة اليأس والإحباط لكي لا تملنا الكلمات ونجني على من يحمل معانيها. الشخصيات الورقية في أغلب الأحيان أشجع من قرائها وكتابها لما تقوم في الروايات والقصص بأفعال لا يقدم عليها قرائها وكتابها على السواء.
تعبت.. سأخلد للنوم حتى أحصر تكالب الكلمات على الكتابة.. سأوقف زحف الشخصيات العابرة الزاحفة على الحكي. فأنا بت أراها هنالك في تلك البياضات في ذاكراتها تتربص بالسرد قصد اقتراح ذواتها. سأفضح الليل. سأشعل كل الأضواء لكي أبعد الكلمات عن داري. سأشعل الليل بالكلمات التي أؤجل كتابتها في بياضات ذاكرات شخوص أنساق الحكي.
لم أتمكن من النوم. جالت بعض الكلمات في بالي. ربما رغبت في استكمال الكتابة، ولكنني سرعان ما انهرت وتلاشت كلماتي.لا أدري لماذا لا أحس بروحي نشيطة. بعض الأحيان تسيطر علي كآبة عارمة: أخفف من الكآبة بالكتابة. لما أتخيل أنني افتح أفقا آخر لذاتي وأمنح بعض الكمال الصغير لأمنياتي التي انبثقت كفراشة من وعيي الشقي.
الآن بعد كل هذه السنوات الطويلة أقف بعض الأوقات متأملا كل ما مر بي أو مررت به. لا أتذكر الأشياء التي أحتاجها. الكثير من الأشياء مخبأة في ذاكرتي وتتمنع وراء ضعفي الشديد. أعرف يقينا أن ذاكرتي مدربة جيدا، ولكنني لا يمكنني، أو بالأحرى لا أتمكن، من استرجاع ما أحتاجه من أجل الكتابة وحدها: لا يمكنني أن أكتب كل ما أريد في هذه البلاد الإعتقال السياسي والحكم المطلق بقوة النار والحديد. كلماتي السلمية ستنتصر .
"كاماسوترا" يهذب كياني في ذكراه: يعيد لــي ذكرياتي قبل الوعي الشقي. أسترجع أيام غباوتي الشديدة قبل أن أتعلم كيف أقرأ الحروف التي كتبها التحرريون. الآن رأيته يقتله. رأيته البرد رأيت البرد يقتل ((كرماج)).. ((حميد)) الأحمق يموت في البرد الشتائي الخفيف في المدينة الصغيرة التي تسكن كلماتي. نعم في خيالي قاتلت البرد وأعدت إلى ((كرماج)) روحه الصغيرة وبات كل الليل الصيفي يغني أغانيه التي لم يكن يعقلها جيدا. أتذكر أنني يوما ما لما كنت صغيرا لمحت ((كرماج)) الأحمق يؤخذ الطعام من يد عجوز أكلت التجاعيد وجهها في أحد الزقاق --- وكان منزل في ملك تاجر زيتون شهير كان أبنائه يدرسون معنا في المدرسة الإبتدائية والثانوية جنبا إلى جنب، نظرا لعدم توفر المدارس الخاصة في مدينتنا الصغيرة في ذلك الوقت . لا أدري من أين التقطت ذاكرتي معلومة تفيد أن العجوز التي أكلت التجاعيد وجهها أم ((كرماج)) ولكنها معلومة مرت يوما ما بعقلي. أنا متأكد أن المعلومة الأخيرة ليست أبدا من خيالي الروائي.


تارودانت - المغرب
دسمبر 2012







#عبدالله_خيروني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خيروني - بياض ذاكرات الكائنات الورقية الهجينة (مقتطف من رواية قيد الطبع)