نجيةنميلي (أم عائشة)
الحوار المتمدن-العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 00:14
المحور:
الادب والفن
المخرج
من رحم الطفولة المطل على
تفاصيل الآتي...
تمخض عبث الحياة : ( هيا نلعب).!
و لأنه يمتلك آليات اللعبة،
حرك الباقي بأدوار الانكسار...
توصيفات نقدية
إذا كانت القصة القصيرة في تعريف "أمبرت" هي (عبارة عن سرد نثري موجز يعتمد على خيال قصاص فرد ) .فالسرد إذن هو أساس الحكاية ومنطلقها ,وثوبها ولحمتها ..وهو المرجع منذ بداية علاقة الإنسان للتواصل والاتصال .و الحاضر في مختلف الأجناس الأدبية الأصلية والأصيلة التي عرفها الإنسان بل ومارسها كذلك (الأسطورة ,الخرافة ,المثل ,الحكاية القصة القصيرة ,الملحمة ,التاريخ ,,التراجيديا ,المأساة ,الملهاة ....) ,وإذْ تتعدد أنماط السرد وتتشكل أختلافا وتماهيا ,تناقضا ونفورا ,تلاحما وتناصا ,تقاربا ومحايثة ..كان لا بد أن تتعدد أشكال القراءات والتوصيفات أيضا منذ بداية النقد وتطوره بدءا بالنقد اللغوي الوصفي, ومرورا بأشكال النقد البلاغي ,وصولا إلى النقد البنيوي,الذي بدأ بطرح التساؤل الجوهري (أين يمكن البحث عن بنية السرد؟؟),وطبيعي أن يكون الجواب فاطعا (في السرديات )..مقترحة البدأ ببحث استقرائي للنماذج السردية ,المتعددة بتعدد اللغات ,ثم بتبني بحث استدلالي (يسميه الألسنيون الأمريكان "نظرية ")تساعد وتؤسس لوصف وتصنيف لانهائية السردات..وكان لا بد أن يكون هناك "نموذج" يوفر عبارات ومبادئ البحث الأولى..لم تجد الألسنية لتوفيره إلا أن تهب ذاتها كنموذج مؤسس لتحليل السرد بنيانيا....
1-لغة السرد:
وهنا كان لا بد من الفصل بين مفهوم الجملة ومفهوم الخطاب ,اعتبارا لكون الجملة ماهي إلا نظام ,وليس سلسلة كلامية فإنها بذلك تشكل وحدة فريدة داخل سلسلة البيان الذي هو تركيبة من تتابع الجمل التي يتألف منها ,أي أنها بتعريف "مارتينيه" :(هي القسم الأصغر الذي يمثل بجدارة وكمال ,الخطاب بأسره ) ...ويصبح الخطاب ذاته منظما (كمجموعة من الجمل ),كما يصبح عبر هذا التنظيم رسالة تبعث بها لغة ثانية مغايرة للغة الكتابة ..وهنا تصبح لغة السرد العامة ,خاضعة لفرضية تماثلية حيث يشترك بنيانيا مع الجملة دون أن يحصر ذاته بعدد معين من الجمل ..ويصبح السرد جملة كبيرة ككل جملة إثباتية ,تمتلك داخل حضيرة الحكاية دالات فريدة ,وقد تكون غالبا معقدة ومحكومة ب(الأزمنة ,والمظاهر ,والصيغ ,والضمائر )عبر علاقات إسنادية تحدد الدلالة ....
مستويات المعنى:
ونظرية المستويات عند "بينيفيست" توفر نموذجين من العلاقات :توزيعية (إذا اتخذت العلاقات موضع المستوى ذاته ),وتكاملية (إذا استمكنت العلاقات في مستويات متقابلة ),وبما أن العلاقات التوزيعية لا تكفي لإبراز المعنى ,وجب على الباحث في تحليله البنياني ,أن يميز عدة أحكام على مستوى الوصف, ويضع هذه الأحكام في رؤية تراتبية (تكاملية ).
الوظائف:
وقد حدد "بروب" الوظيفة ,كونها (عمل شخصية ,يتحدد بناء على دلالته في سيرورة الحبكة )- علم تشكل الحكاية :لوسوي-..ووصفها "تودوروف"(إن معنى أو "وظيفة"عنصر في العمل الأدبي,هو إمكانية في الدخول بعلاقة متبادلة مع عناصر أخرى في هذا العمل الأدبي ومع النتاج كله) أي أن (وحدات السرد) الأساسية هي-الوظائف, والقرائن-..وبذلك ترتبط الكتابة القصصية بالعالم الذي تستهلك فيه ,وهو عالم يتشخص وراء مستويات القص ,على شكل أنظمة مختلفة (اجتماعية ,واقتصادية , وإيديولوجية ..)لا يكشف عنها إلا التحليل العلامي .الذي من شأنه الكشف والإبحار في –لغزية النص-وبالتالي يتيح عملية إعادة إنتاج النص من قبل القارئ الذي يمتلك سلطة وظيفية تمكنه من ولوج –سحر الدال - .....
تحليل النص:
من رحم الطفولة المطل على
تفاصيل الآتي...
حرف – إسم – إسم –إسم – حرف
إسم –إسم..
فإذا استثنينا الحروف ,اعتبارا لكون الحرف (ما دل على معنى في غيره )أي أن معناه مستمد من لاحقه وليس من جوهره ,أصبح نظام الوحدة اللغوية السابقة على هذا النحو :
إسم نكرة – إسم معرفة –إسم معرفة
إسم نكرة –إسم معرفة ....
دال على شيئ غير معين –دال على شيئ معين –دال على شيئ معين
دال على شيئ غير معين – دال على شيئ معين
واعتبارا لمقاصد اللغة وتصنيفاتها ,فالنكرة أصل, والمعرفة فرع,لذالك حَدَّ أهل اللغة النكرة بأنها (أصل للمعرفة ، لاندراج كل معرفة تحتها من غير عكس) وأن المعرفة (اسم وضع بوضع جزئي أو كلّي ليستعمل في شيء معين)وعليه يكون التعريف طارئا وليس أصلا .وبما أن لفظ (رحم )النكرة أُضيف إلى معرفة (الطفولة ) فقد اكتسب صفة التعريف بإضافته إلى معرف , وما جرى عليه يجري أيضا على لفظ تفاصيل (النكرة ) والمكتسب لصفة التعريف بإضافته إلى (الآتي )المعرفة ..نصبح إذا أمام توصيف جديد للوحدة اللغوية (كل الألفاظ معرفة )وكلها دالة على شيئ معين ومخصوص . مع ملاحظة غياب (الأفعال)التي تفيد الزمن ..وانطلاقا من هاذا التركيب نكون أمام تصدير (شبه الجملة ) على غير العادة ,(من رحم الطفولة المطل) مذيلة بشبه جملة (فضلة أيضا ) (على تفاصيل الآتي )..ومن جانبنا نرى أن هذا التصدير له مصوغان :
6- إبراز أهمية المكان :على أساس أن (من) المفيدة للابتداء ,تحمل في طياتها معنى مكان بداية الحدث (رحم الطفولة )
2-تضمين معنى ثبوت الزمان : وشاهده في الإتيان ب(اسم الفاعل المعرف:المطل) المُنْزَلِ منزلة الإسم غير المشتق ,والداخلة عليه (ال) التعريفية للدلالة على الثبوت وعلى دوام الحال والحالة , لا على الحدوث ..وكذالك الأمر بالنسبة ل(اسم الفاعل : الآتي)..وقبل أن نتمادى في شرح تمفصلات اللغة ,ودلالتها ,نرى ضرورة إعادة تركيب هذه الوحدة اللغوية بما يتماشى مع منطق التوارد والتتابع ,وبالتالي القيام بخلخلة مبدئية وفق قانون القضية والإسناد ..وعليه نصبح أمام نص موازي لما جاء في مسرود القاص :
تمخض عبث الحياة هيا نلعب).!
من رحم الطفولة المطل على
تفاصيل الآتي ...
وهنا يمكننا ملامسة مستويين دلاليين 1- تمخض عبث الحياة ..(هيا نلعب )من رحم الطفولة ...2- رحم الطفولة مطل على تفاصيل الآتي..فبالنسبة للمستوى الأول, فعل –تمخض-وبما أنه مرتبط ومخصوص بلفط الرحم اللاحق تنحصر دلالته القاموسية في حركة الجنين في بطن أمه ,أو انقباض البطن علامة على قرب الولادة ..وهو حد من حدود القضية اللغوية (مسند )يحتاج لاستكمال دلالته إلى مسند إليه (عبث الحياة ) ينعقد به الكلام ..تحرك عبث الحياة والعبث اللعب واللهو وفعل ما لا طائل ولا نفع منه وهو ما فسره النص وقرينة الحال في (هيا نلعب )بعد نقطتي التفسير .."تحرك لهو الحياة ولعبها الذي هو بدون نفع من رحم الطفولة " والمعلوم أن فعل تمخض إما أن يأتي مجردا أو مقترنا ب(عن) وهنا أتى به القاص مقترنا ب(مِنْ)الدالة على الابتداء ,وما نظن القاص أتى به هكذا إلا للدلالة على أن اللهو غريزة إنسانية ملتصقة بالطبيعة الإنسانية منذ مرحلة الجنينية وليس عند الولادة أو بعدها ....
وبالنسبة للمستوى الثاني :وهنا أيضا نرى خلخلة التركيب لبيان الدلالة "طفولة الرحم مطلة على تفاصيل الآتي" من هذا المستوى تومض في أذهاننا لفتة هي أقرب إلى النظرية الاجتماعية من التركيب اللغوي العادي مفادها أن المرحلة الجنينية هي المطلة على أو المستشرفة لتفاصيل الآتي.. وتفاصيل الآتي بمعناها الأشمل المميزات النفسية والاجتماعية ويدخل في إطارها الاستعدادات الشخصية والملكات والقدرات والخصائص المميزة...
ونأتي الآن على الختم أو القفلة :
و لأنه يمتلك آليات اللعبة،
حرك الباقي بأدوار الانكسار...
والملاحظ في هذا التركيب ,وبعد إهمال الواو الابتدائية..أن اللام للتعليل جاءت مقرونة بالناسخ الحرفي (أن) التأكيدي متصلا بضمير الغائب العائد على غير المذكور, بل على ما دل عليه المعنى – ولتخصيصه لابد من العودة إلى العنوان المخرج- يمتلك بصيغة المضارع ومن سياقه يؤدي وظائف متعددة (الحركية , دوام حالة صاحب الفعل , وصف صاحب الفعل ...) آليات اللعبة, أدوات اللهو..وامتلاك أدوات اللعبة يعلل ويبرر إسناد الأدوار ,بل ويصنع القوانين ..ويتمتع بالحقوق بينما يسند أدوار الانكسار والعبودية والتبعية لمن لا يمتلكون ..وهنا تتناص رؤية القاص اجتماعيا مع ما عاشته البشرية في عصر الإقطاع والبروليتاريا ,وسلطة الرأسمال ,والاقتصاد المتوحش ..
اِستنتاجات عامة :
1-من ناحية بنية النص القصصية وعلاقة بمظهره الدلالي ,ومظهره التركيبي ,ومظهره اللفظي .يتموقع النص في خانة –إعادة التوازن المفقود – من طرف السارد وشخصيات أدوار الانكسار وليس من وجهة نظر الشخصية الرئيسية –المخرج-
2- اِرتكاز الحدث على دعامات سياقية متعددة (ااجتماعية, وثقافية, وسوسيولوجية ,وإيديولوجية )وعاها القاص واستوعب تفاصيلها وآدابها وتقاليدها ,بل وسعى إلى إخضاعها إلى رؤية متفردة ,ناقدة للسائد والمألوف...
3-تعالق النص بالعنوان تركيبا وإيحاء ,ليشكلا دائرة مغلقة تبدأ بالعنوان –النص ,وتنتهي بالنص –العنوان
4-تغريب اللغة السردية ,والسمو بها إلى مصاف اللغة الشعرية, لتنازع المألوف اللغوي لدينا ,ولتجدد أيضا إدراكنا الحسي لها ,ولبنيتها التركيبية السائدة في وجداننا ..
5-قلة (فعلية الأفعال )في النص عظمت طاقة معناها الجذري ,مما جعل الكلمات تظهر بمظهر أقوى دلاليا ,رغم أنها أقل فعلية ..
6- الاعتماد على الصور البلاغية الاختيارة التي لا تروم تقديم المعلومة , بل
مما تهدف أساسا إلى حمل المقاصد إلى القارئ تاركة له هامشا للاختيار والتمثل...
أدى إلى إغناء الحقل الرمزي بتعدد المعاني القابلة للانعكاس ...
#نجيةنميلي_(أم_عائشة) (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟