وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4420 - 2014 / 4 / 10 - 16:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( 1 )
في عام 1995م توفي اثنان من اعظم الكتاب العرب ( د. علي الوردي ) رائد علم الاجتماع الحديث في العراق عن عمر 82 عاما , مخلفا وراءه اكثر من ثلاثين مؤلفا , و ( الصادق النيهوم )في عمر 58 .فاما الوردي فسارفي جنازته قلائل خوفا من السلطة الشمولية البعثية الصدامية , واما ( النيهوم )فمات مثل ابو ذر الغفاري : ( يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ) .
يقول الاعلامي والصحافي العراقي (سعد البزاز ) صاحب جريدة الزمان وفضائية الشرقية بقنواتها المتعددة , بانه كان حريا ان يودع علي الوردي بجنازة تليق به من خصومه واصدقاءه . ولكن لم يكن الخصوم ليسيروا في جنازته في بلاد : ( غابت عنها تقاليد الحوار وبات من النادر احترام الراي الاخر وتحولت الخلافات الفكرية الى سكاكين تقسم الناس , فحيثما ينعدم الراي الاخر يصبح التشبث بالخصام والنزوع الى الايذاء بعضا من مظاهر الانفصام العام في شخصية المجتمع ) .
مات الوردي تاركا وراءه مؤلفاته التاسيسية مثل ( وعاظ السلاطين ) و ,( مهزلة العقل العربي )و (منطق ابن خلدون ) و موسوعته ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) . ومات النيهوم تاركا وراءه مؤلفات مثيرة مثل ( محنة ثقافة مزورة )و ( من سرق الجامع ) و ( اسلام ضد الاسلام ) و ..قرود.. قرود .
ويطرح البزاز سؤالا : من نحن ؟وهل نحن شعب واحد حقا ؟ولماذا توالت الكوارث علينا ؟اهو عقاب الهي ؟ام ان الكوارث هي نتاج جلد جماعي للذات ؟ ليصل الى تحليل يدعو الى التامل ولا يخلو من الحقيقة ,فينقل عن د . علي الوردي :
(انه حذر من قدوم العوام من ريف متخلف الى المدن ) الذي سيؤدي الى اجتياح المجتمع المدني على يد العسكر واغتصاب مؤسسة الدولة وترييف المدينة بقيم الثار والعنف . وهناك من يرى ان بعض انظمة الحكم لاتزيد عن تحالف الريف ضد المدينة , واستبدال اقطاعيي الاراضي بزعماء القبائل الامنية الجديدة بفارق ان مضارب القبيلة امتدت الى كل الدولة والمجتمع ولا ضمان لاي شيء او انسان في اي زمان او مكان .لينتهي ( البزاز )الى ان اعادة دور المدينة سيؤدي الى سلسلة من التحسينات مثل ( اذابة الفروق العرقية والمذهبية , رد الاعتبار الى مفهوم الدولة , فرض النمط السلمي لحل المشاكل واعادة انعاش مجالس الفكر) .
(2) مات الوردي فلم يسر في جنازته الا رهط من الناس . اما النيهوم فضاع اثره . وهذه المكافاة من الامة لمفكريها مؤشر خطير عن غيبوبتها التاريخية , ومات الفنان المبدع , ممثل الاسترخاء العراقي والبغدادي الاصيل سليم البصري ( والكلا م لكاتب المقال ) صاحب دور ( حجي راضي )في المسلسل العراقي الشهير ( تحت موس الحلاق ) فلم يسر في جنازته احد .لازوجته ولا بناته , بل شخص واحد هو تلميذه الوفي الفنان الممثل الكوميدي والمخرج ( حمودي الحارثي ) الذي جسد دور ( عبوسي ) في نفس المسلسل , والذي فجر حديثا قنبلة في الوسط الثقافي العراقي عندما اعلن انه يشك بوفاة سليم البصري مسموما على يد اجهزة الامن والمخابرات البعثية الصدامية بعد انتقاده للسلطة الدكتاتورية في العراق لتهجيرها للكرد الفيليين , حيث كان سليم البصري كرديا فيليا و وان حمودي الحارثي هاجر بعدها الى خار ج العراق .
يقول الباحث خالص جلبي في كتابه :
( في نقد الفكر الديني – النقد التاريخي ) – ط 1 – 2014 – الناشر المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب و وبيروت – لبنان :
(مصير الوردي يذكر بنهاية ( ابن رشد ) الذي كوفيء في نهاية حياته بالنفي الى قرية يهودية وحرق مؤلفاته .
واما ( الطبري ) المفسر والمؤرخ فقد دفن سرا تحت جنح الظلام خوفا من الر عاع الذين اتهموه بالرفض( التشيع ) ,واما (مالك بن نبي )فهو مجهول في بلده الجزائر اكثر من اي بلد اخر .
هكذا انتقلت افكار بوذا الى الصين وحمل حواريو المسيح عليه السلام دعوتهم الى روما و وهرب ( الهوجنوت ) من فرنسا الى برلين , كما لجا ( النساطر ة ) الى بغداد وفر علماء القسطنطينية بعد الفتح العثماني باتجاه الغرب .
ان هجرة الفكر تحدث عندما يلج الوطن استعصاءا تاريخيا فتمتليء المعتقلات بالاحرار ودار الغرب باللاجئين السياسيين .الدول العربية في زنزانة تاريخية من اربع زوايا متبادلة التاثير بين :
( مواطن تائه) و ( فقيه غائب عن الوعي ) و ( مثقف مدجن ) و ( زعيم مؤله). يصل الباحث الجلبي الى ضرورة استيعاب ثلاث حقائق :
التخلي عن التعظيم الذي يقترب من التاليه والحب الجنوني وان شخصا ما يستطيع ان يلم بكل شيء.ان حالة الاستعصاء من هذا النوع تنتهي بثلاث كوارث :
اجتياح خارجي كسقوط بغداد على يد المغول وسقوط الاندلس وسقوط بغداد الثاني على يد المغول الجدد بالاحتلال الامريكي 2003 و وتحلل داخلي يفضي الى حرب اهلية او ثورة او تحنط الى اجل غير مسمى.
(3 ) اليوم يتم اختراق حزام دول التيه والخوف من كل مكان بالانترنت والمحطات الفضائية . ان هذا التحول كما يقول
(الفين توفلر ) في كتابه (صدمة المستقبل ) :
( ان الزلزال يحدث والتحول يتم دون نقلة جغرافية ) . والمراهنة اليوم على ارتفاع مستوى الوعي عند جيل التيه ليزول الخوف .
يروي مالك بن نبي عن جيلين من الصينيين اجتمع بهم في باريس . فاما الاول فكان يلتفت حوله حينما ينطق ويرتعش من الخوف و وكان الثاني يتحدث بقوة ويعبر بصراحة . فالفرد عينة من المجتمع مثل عينة الدم من الجسم تكون سليمة وقد تظهر الاصابة بسرطان الدم .
(4 ) بعد اضطهاد ابن رشد ووفاته باربعة عشر عاما دحرت دولة الموحدين في معركة ( العقاب )16 تموز ( يوليو )1212 م فقد قضت هذه الهزيمة نهائيا على سمعة دولة الموحدين العسكرية في شبه جزير ة ايبيريا واخذت الاندلس تنحدر نحو براثن الفوضى و وتم فتح الباب لغزو الاسترداد .ويلخص لنا صاحب :
( الروض المعطار ) اثر الهزيمة في دولة الموحدين بقوله :
( وكانت هذه الوقيعة اول وهن دخل على الموحدين , فلم تقم بعد ذلك لاهل المغرب قائمة).
وقد انتبه المفكر الجزائري ( مالك بن نبي ) الى هذه الوقفة التاريخية المفصلية فاعتبر ان الحضار ة الاسلامية توقفت لتفرز بعد ذلك الانسان المتخلف عن ركب الحضارة و العاجز عن حل مشكلاته الذي يتوقف عنده الزمن كما توقف عند اصحاب الكهف بدون رسالة اصحاب الكهف .فاعتبره انسان ( مابعد الموحدين ) ,اي انسان مابعد مصيبة معركة ( العقاب ) . ثم سقطت قرطبة عام 1238 م بعد موت ابن رشد باربعين سنة . ثم تكلل الانهيار بسقوط اشبيلية 1248 وبذلك سقط الجناح الغربي للعالم الاسلامي بتمامه , ليتبعه بعد عشر سنوات بالضبط سقوط الجناح الشرقي للعالم الاسلامي , اي بغداد العباسية على يد هولاكو 1258 م.
وهكذا سقط جناحا العالم الاسلامي في ظل الظروف والمناخات العقلية السائدة ,تلك التي دشنت نفي وتعذيب ابن رشد في شيخوخته .وليسطر العلامة ابن خلدون ملاحظته اللامعة بان مناخا جديدا يسيطر على العالم الاسلامي , اي ( الانهيار والسقوط او تفسخ الحضارة الاسلامية ) .
ان سقوط جناحي الدولة الاسلامية يعلل بضعف المناعة الداخلية للمجتمع الاسلامي هذا النقص في المناعة يشبه مرض الايدز بالضبط :
( انه من مركب مشابه لتركيب الكروموسوم وانه يخترق الخلية ,ثم النواة , ثم تركيب الاحماض الامينية المشكلة للجينات ليصبح قطعة من دمنا ولحمنا . وتبقى مهمة الجسم ان يكاثره ) .
ان الايدز يعطي فكرة عن انهيار المقاومة , لان انهيار الجهاز المناعي يجعل الجسم مستهدفا من كل انواع الجراثيم والفيروسات والفطريات .
اذن مع فلسفة المرض نخرج بقانون صارم , هو ان العامل الداخلي هو الذي يبدا في عملية توليد الحدث وتهيئته , وتوليده بعد ذلك وابرازه الى الوجود . ويبقى العنصر الخارجي هو الذي يكشف الغطاء عن التفاعل الداخلي , ويشير اليه , ويدلل عليه.
المجنون المصاب بالبارانويا يظن ان الناس كلهم يتامرون عليه , كما هو الحال عند الكثير من الساسة الذين يبحثون عن اكباش فداء , تفسر واقع العرب والمسلمين مثل :(الصهيونية) و (الاستعمار ) و(الماسونية ) و ( النورانيين )و ( القوى الخفية ) و ( المنظمات السرية ) و ( حكومةالعالم الخفية ) . واذا لم يبق في الجعبة شيءفالشيطان جاهز لنصب عليه كل مصائبنا التي نفعلها بايدينا .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟