أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تامر عمر - بأى جيش طارد فرعون موسى؟















المزيد.....

بأى جيش طارد فرعون موسى؟


تامر عمر

الحوار المتمدن-العدد: 4420 - 2014 / 4 / 10 - 00:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بأى جيش طارد فرعون موسى؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
يعلم كل من يدين باليهودية والمسيحية والإسلام تلك القصة العجيبة المثيرة، قصة مطاردة فرعون وجيشه لموسى وبنى إسرائيل حتى البحر، ونجاح بنى إسرائيل فى الهرب من وجه فرعون وجيشه، بواسطة المعجزة الإلهية التى وقعت عندئذ، إذ رأى فرعون بنى إسرائيل يمشون على أرض قاع البحر، بينما انزاح الماء على الجانبين كجدارين عملاقين، مكوناً ممراً آمناً لهم، الأمر الذى أغرى فرعون وجيشه بالتقدم فى ذات الممر لمتابعة المطاردة. لكن بنى إسرائيل، وقد شارفوا الشاطىء الآخر، بينما لا يزال فرعون وجنوده يركضون بعجلاتهم الحربية خلفهم، أطبق الله جدارى الماء على بعضهما البعض فغرق فرعون وجيشه العرمرم.
وبدون مبالغة، تعتبر قصة غرق فرعون من أكثر القصص دراميةً فى القصص الدينى، إذ بالإضافة أنها تحتوى على عبرة بالغة فى تنجية الله للمؤمنين ومعاقبته للكافرين أو العاصين، فإن القصة تزخر بالمشاهد الحية المليئة بالألوان والظلال والحركة والدراما، إذ أنه قبل حادثة الغرق، يتصاعد الصراع بين موسى وبنى إسرائيل من جهة، وبين فرعون وملأه من جهة أخرى حتى تتأزم الأمور بين الفريقين تماماً، ويتهيأ مسرح الأحداث لنهاية ملحمية ضخمة، تتمثل فى غرق أكبر وأضخم وأقوى جيش على سطح الكوكب فى هذا الزمان، أمام أنظار حفنة مستضعفة من المؤمنين، وهذا ما يمنح تلك القصة مرتبة درامية متقدمة فى تراث القصص الدينى الإبراهيمى.
وكأى شخص، قرأت القصة وسمعتها مئات المرات، وفى كل مرة كان إعجابى بها يتكرر، إلى أن قررت أن أقرأها بشكل مختلف، شكل أثار بعض الأسئلة مما لم أعتد أن أسأله لنفسى من قبل. لكن قبل أن أعرض تلك الأسئلة، ينبغى عرض بعض المعلومات التاريخية المتعلقة بتلك القصة.
فأولاً، وعلى أرجح الأقوال العلمية الموثوقة، فإن فرعون موسى (يفترض) أن يكون أحد فراعين عصر الدولة الحديثة، وهى ما يطلق عليها المؤرخون عصر الإمبراطورية. فى هذا العصر كانت مصر قوة إقليمية جبارة، خضعت لها مناطق جغرافية شاسعة. وبأسماء الدول الحالية، فإن الدول الآتى أسماؤها كانت خاضعة للتاج الفرعونى: سوريا، فلسطين، الأردن، لبنان، ليبيا، السودان، بالإضافة إلى بعض مساحات من العراق وتركيا الحاليتين. من هنا ندرك أهمية الفرعون الذى تحداه النبى موسى، بصرف النظر عن إسم هذا الفرعون بالتحديد.
وثانياً، الجيش الذى استخدمه فرعون فى مطاردة بنى إسرائيل حتى حادثة البحر، هو هذا الجيش الإمبراطورى الضخم الذى أخضع كافة تلك الأصقاع، بجيوشها وسكانها وبكافة قدرات هذه الجيوش والسكان القتالية والصراعية.
وثالثاً، أن مصر قد ضربتها كوارث شديدة متتابعة، بسبب غضب الله على فرعون الذى رفض طلب النبى موسى بخروج بنى إسرائيل من مصر لإنهاء إستعبادهم على يد فرعون. هذه الكوارث هى: الدم والجراد والضفادع والقمل، وموت الولد البكر لكل أسرة مصرية، هذا بخلاف فترة قحط نقصت فيها الموارد الغذائية.
برغم عظم وهول الكوارث المشار إليها وعلى رأسها القحط، فإن أكثر ما يهمنا فى كل ماسبق هو كارثة الدم. فقد تحولت مياه نهر النيل إلى دم، وماتت فيه الأسماك، وكانت النتيجة أن النهر أنتن، ولم تعد مياهه صالحة للشرب. تصف التوراة ما حدث كالآتى: "ومات السمك الذى فى النهر، وأنتن النهر فلم يقدر المصريون أن يشربوا ماء من النهر، وكان الدم فى كل أرض مصر." (الخروج 7:21).
كان نهر النيل ولا يزال المصدر الأساسى للمياه فى مصر، ومعنى أن ينتن النهر، أن المصريين لن يجدوا ما يشربوه أو يرووا به حقولهم. ونتيجة لهذا، مات الزرع وأصاب مصر قحط شديد، كما ينبئنا بذلك القرآن: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون} (سورة الأعراف، الآية 130)، وهو الأمر الذى نطلق عليه (مجاعة) بالمصطلح المعاصر. هذا عن نقص الغذاء، أما نقص الماء، فالكارثة أفدح: بما أن الإنسان لا يستطيع الحياة بدون ماء أكثر من أسبوع، وبما أن تلك الكارثة قد امتدت إلى ما هو أكثر من هذه المدة، فمعنى ذلك أن المصريين جميعهم، ببساطة، قد ماتوا إذ لم يكن بمقدروهم الحياة بدون ماء، هذا بخلاف الكوارث البيئية المفزعة التى وقعت بسبب تحول المياه إلى دم، فلو نجت منهم مجموعة من مشكلة العطش، فلن ترحمهم الأوبئة والأمراض التى بات نيلهم مصدراً لها.
الآن، تعال على نفسك وفكر: ألم يكن جيش فرعون يشرب من تلك المياه، والمنطق يقول أن ما ينطبق على المصريين كأفراد ينطبق على جيشهم النظامى، أكبر وأضخم جيش على سطح الكوكب آنذاك؟ تخيل معسكرات الجيش الفرعونى وجنوده وضباطه لا يجدون ما يشربوه، ويشتد عطشهم وتتفاقم أزمتهم. كيف سيتصرفون؟ أليس من المنطقى أن يجتاحهم نفس المصير الذى اجتاح بنى قومهم من المصريين المدنيين؟ هل يستطيع جيش البقاء على قيد الحياة دون ماء؟ وماذا عن الأوبئة والأمراض التى تسبب فيها الدم فى النهر؟ ألا يتسبب ذلك فى نشوب عدوى سريعة الإنتشار والفتك بين صفوف الجنود فى ثكناتهم، حيث ترتفع كثافتهم فى مساحات محدودة بحكم المرابطة فى المعسكرات؟
تعال على نفسك وفكر: إفرض .. إفرض، أن نهر النيل تحول اليوم فجأة إلى دم، وضع فى اعتبارك إمكانيات طبية وعلمية وتكنولوجية، ومعامل تحاليل وأدوية وأمصال، ووسائل مواصلات سريعة ومذهلة نتمتع بها اليوم ولم يكن يحظى بأى من ذلك أجدادنا المصريون من آل فرعون المغضوب عليه وعليهم. إفرض أن هذه الكارثة قد وقعت اليوم، فكم بالمئة من المصريين سينجو من تلك الكارثة؟ تخيل ماذا سيحدث؟ سيخرج الناس من بيوتهم بحثاً عن الماء لأطفالهم وهرباً من الروائح النتنة والتلوث الذى خلفته المياه فى بيوتهم وحماماتهم ومطابخهم، وسيقتتل الناس فى الشوارع على قطرة مياه نظيفة، وسيقتتلون من الذعر وإنفلات الأعصاب. لن يجد الموتى وقتاً ولا رباطة جأش ولا اهتماماً من الأحياء ليكرموهم بدفن من أى نوع، وستتناثر الجثث وتتعفن فى الشوارع فتزداد الأوبئة لتحصد الأمراض الفتاكة ما تبقى من الناس بسرعة مذهلة. تعال على نفسك وفكر: هل يمكن مع وقوع كارثة كتلك أن تبقى دولة مركزية تُطاع فيها حكومة ويستعلى فيها حاكم أو فرعون أو يتجمع فيها جيش، ناهيك عن قدرة هذا الجيش على الحركة والمطاردة والقتال؟ هل يمكن للجوعى، المهَدَدين بالموت عطشاً ومرضاً، المطعونين بالأوبئة والأمراض، أن يطارِدوا ويقاتلوا، ثم بعد ذلك يغرقون فى البحر؟ تعال على نفسك وفكر ...



#تامر_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام أو الجزية أو الحرب .. ثالوث الإختيار الشهير بين العق ...


المزيد.....




- سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص ...
- السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
- النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا ...
- لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت ...
- فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
- -حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م ...
- -الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في ...
- -حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد ...
- اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا ...
- روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تامر عمر - بأى جيش طارد فرعون موسى؟