أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _














المزيد.....


ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 13:33
المحور: الادب والفن
    


ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم
--------------------------
على مسافة موت أحمر يقف ( كَرده مند)* شامخاً مدجّجاً بمذاق الغضب،تنحي الريح له بعدما تواطأ الموت معه ،يحدّق من أعلى قمته بعينين لايخونهما المدى صوب (جومان) **المدينة الغارقة بالخراب والصمت ، المعانقة لأطياف قممٍ أسكرها الثلج ، أسئلة مصلوبة على دكّة النسيان ، وأشلاء القتلى ما زالت تحكي موتها ، مدينة تتثائب وجعاً ، قيدُ الهذيانِ والخذلان يلهو بمعصمها ، تتعكّز على حشمتها و بقايا وطن لعلّها تتحرر من أسرها . الجندي اللائذ بظلّ حشدٍ من الجثث بينهُ وبينها غابة من عويل ، ومعارج من جراح يحملها الأنين ، يتسلّل بلا وعي الى منعطفات نهر يتلوّى من الألم يتنهد بصمتِ شُجيرات الورد ، شجيرات تحمل ظلّ الموتى وأغصان ذاوية افترستها شظايا الموت ، يبحث عن مأوى يلوذ به أو آثار طريق تنجيه من محرقة أضناها العطش ، لم يعد يبصر أي شيء ،أعمدة الدخان تملأ المكان ،والظلام ينتشر في أرض ميتة ، لاشيء سوى أصوات القذائف وأزيز الرصاص ،الرعب يغزو المكان ، ثمة صراخ عند ضفتي النهر ، لم يعد للحياة تفاصيل ، كان على مشارف قيامته ، الجندي المتسلّل الى منعطف النهر يستوي على أنقاض أساه وأحلامه المكفّنه بالسراب ، كان يتساءل باستغراب :
- هل سيغتالني المكان بلا وداع ؟وأمضي كما الآخرون بلا وهج ؟ لم يعد قادراً على التنفس ، كان الموت يخطف كلّ شيء ، حتى الحجر غادر مكانه بعد إن ارتدى أجساد القتلى ، مضى يمشي بوجل على أطراف منعطفات المجهول ، يرتحل من موتٍ الى آخرعبر حرائق ساخرة تتستّر بصلعة الجحيم . الظلام الدامس ، الغبار المتصاعد من جسد الأرض ، براكين من الأوهام ،الطرق الوعرة تطلق رصاصات طائشة تقتفي أثره ، يتعثّر بأجساد مشوّهة ، وأشلاء تنطلق منها رائحة الأنين ،تنبجس من عمق عينيه دموع ترتدي ظلّاً حارقاً ، الطريق محض افتراء ، كلّ شيء يتلصص عليه حتى الحصى يطلق أصواتاً تحت قدميه يجفل القلب منها ، أنفاسه اللاهثه تشخب بالحيرة ، حيرة غارقة في موج ٍ من التأملات والأماني ، خطواته تتقاطع عند منعطف الأمل واليأس ، منعطف الموت والحياة ،وحين أدرك أنّه لايملك غير جسده وإنّه وحيدٌ في ألمه ،أستظلّ بحفيف أحلامٍ تنطق بأزمنة اغتالتها ماكنة الحرب ورغبات متوهجة بالجنون ، يخيّل إليه أنّ مدينته الواقعة شرق ثمان سنوات عجاف على مرمى أحلامه كطيف متّشح بالهروب ، تّلوح له بكلتا يديها ، تفتح له باب التباريح ، سقط من تحت عزلته ورهبة المكان متماهياً مع مطر القيامة ، يلامس كفّه سكينة أعوامٍ انصرمتْ ، تسلّق ضجيج المقاهي ببطء ، ينحني فوق أرصفة الطرق برفق ، يمسك ضوءاً تشتاق اليه الذاكرة ، ضوءاً ينسلّ من وهج امرأة غزتْ منابرَ الروحِ بجدائلِها المنسدلة على كتف الصباح، لها تخيلات الورد وطلعة الشمس ، كلّ شيء جميل في مدينته ،الليل والنهار، سقف البيت المتوّج بغزل المحبة، النوافذ التي تحلم بنسيم المساء وضوء المصابيح، شفاه الأرصفة التي تغزل القبلات لخطواته العالقة بايقاع الصبر والرفض لحصون العتمة، كان ينتمي الى أصقاع عالم آخر في حضرة ذاكرة متوهجة برائحة الأهل والمآذن والطيبة ، متوهجة بعبق الجدران وضفاف الأنهار الغافية على لحن من شجن، وعيون الأطفال المترقرقة بالأنتظار وأزقة تسطع بما يشبه الضوء ، كانت جميعها تحدّق به ، مدينة كانت تجفّف آلامه وتغتال أحزانه بلذّة خاطفة ، اختلط الماضي الجميل برائحة المنايا ، تنفجر به رغبة للعصيان دون أن يعرف أن كلّ الطرق تحمل ملامح الموت .، وأنّ خطاه تتعثر بقبور تترصد أحلامه. كان المكان قيداً من رعب يحمل شارة الحداد والعزاء ، تقتتل أفواج من الذباب وأفواج من الثيران على أعتابه ، تتهاوى حصون الذاكرة وخنادق الحاضربعدما اختلطت رائحة الدم والدخان برائحة الشواء ، الأشلاء المناثرة على ضفتي النهر تحمل نفس الملامح ،بينما المكان يرتدي حلّة الرحيل والغياب، يغفو الجندي على ضفة رغبة على غير عادته تاركاً موته عند ظلال شجيرات الورد وعشب الأرض المحترق بنيران القذائف ، حينها تسقط المدينة فوق خرائط القتل لتعلن هزيمة الذاكرة .
---------------------------------------------------
*( كَرده مند) جبل يقع في الشمال الشرقي للعراق
** ( جومان ) مدينة في شمال العراق



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان الصوتُ ساخراً -قصيدة -
- ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -
- بقايا خطى عابرة - قصيدة -
- ( غرب الخوف ) - قصة قصيرة -
- ( حتّى متى ) - قصيدة -
- ثورة - قصيدة -
- الطريق الى المملحة... أو رسائل الموتى - قصة قصيرة -
- دهشة - قصيدة -
- بعدَ الغياب - قصيدة -
- كإنْ لم تكنْ أنت - قصيدة -
- بينَ الأمسِ والغد -قصيدة -
- أحلام يأبى لها أنْ تكتمل - قصة قصيرة -
- انتبه فقد تسرق الحناجر - قصيدة -
- كان يرتدي جسداً - قصيدة -
- ثمة شيء محبوس في الذاكرة - قصة قصيرة -
- ( الفجر كفيف ) -قصيدة -
- ( حين كانوا أو كنَّ ) - قصيدة -
- عتاب الى مسقط الطفولة ( قصيدة )
- ( صوت ملوّث بالحيرة ) -قصيدة -
- مرآة - قصيدة -


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _