|
الألم والوهم
جوزف أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 00:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذه الحياة محزنة جدًّا. ولهذا قررت أن أقضيها بالتأمل فيها.. ويا لها من هوّة بين بداية الحياة ونهايتها.. تبدأ الحياة في الدفء وفي الإغتباط المبهج، ثم تنتهي بتدمير الأعضاء وسط رائحة تعفن الجثث. (شوبنهاور) ما هو الألم بالمعنى الأنطولوجي والفلسفي؟ وهل يتحقق الوجود من خلال الألم؟ أم أن الوهم هو ردّ فعل على الألم يتحقق من خلال الوجود؟ يرى الفيلسوف الإلماني آرثر شوبنهاور (1788-1860) أن الحياة شرّ مطلق، والألم هو الأصل والأساس. هذا الألم يقبع في أعماق النفس البشرية حيث هناك تتصارع الرغبة مع أصنام متسامية. ولعلّ "كريستفور مارلو" يتفق مع شوبنهاور في معاناة الإنسان وذلك من خلال مسرحيته "مأساة الدكتور فاوست" بقوله: "في صدري تسكن نفسان. كلّ منهما تريد أن تنزع نفسها عن الأخرى، فإحداها تنشب مخالبها في العالم بشهوة جامحة قاسية، والأخرى ترتفع من التراب بقوة إلى ساحة الأسلاف العاليين". في إشارة منه إلى صيرورة الألم، حيث أننا نعيش هذا الصراع في كل لحظة، وما السعادة أو اللذة سوى الوجه السلبي للألم. ففي لحظة السعادة نحن في حالة هروب أو بمعنى آخر نحن نعيش في مخاض الوهم. يقول شوبنهاور: "كل شيء في الحياة الدنيا يدل على أن السعادة على وجه البسيطة محكوم عليها بأن تكون معكَّرة إن لم تُدمَر تمامًا.. كل الحياة خدعة، وهي لا تهبنا سوى الأوهام جملة وتفصيلًا". نحن نأكل خوفًا من ألم الجوع، نتقيد ونخنع لكافة القوانين الوضعية تجنبًا لألم المحاسبة، نبحث عن الإستمرارية في الحياة خوفًا من ألم الفناء، نعيش في جماعة وننشئ العلاقات خوفًا من ألم الوحدة والعزلة، نقيم الطقوس والعبادات في سبيل الهروب من ألم الميعاد.. وبالتالي في سبيل الهرب من الآلام نمارس اغترابنا عن ذواتنا في كافة أشكاله ونعيش الوهم الأصيل...!! لذا نحن نعيش في جدلية الألم والوهم.. فنحن من جانب نتخطى آلامنا ونتجاوزها من خلال الوهم ومن جانب آخر نتخلص من الوهم ونشعر بأننا أحياء من خلال الآلام. في المقابل يرى الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا (1632-1677) أن الوعي هو مكان الوهم وذلك لعدم إدراكنا العلل وجهلنا للأسباب. ويكون الألم بسبب الخوف الذي ينتابنا بسبب جهلنا لها. فيتجسد الوهم من خلال اعتقادنا بأننا أحرار في حين أننا نخضع لقوانين الضرورة الكونية الشاملة. ويعرّف اسبينوزا الرغبة على انها ذالك المجهود الذي يقوم به الانسان من اجل ان يستمر في بقائه، بمعنى ان الانسان لا يفكر ولايجهد نفسه في التخيّل والمعرفة الّا لكي يلبي رغبته. فليست الرغبة منحصرة في مجال الحس بحيث يستصعب فهمها من طرف العقل بل ان العقل ذاته في نهاية الامر ليس سوى نوازع جسدية. اذ ان النفس بحسب اسبينوزا ليست جوهرا ثابتًا مستقلًا عن الجسد بل هي تعبير عنه. تتقاذفنا مثلما تفعل الرياح المتعارضة بأمواج البحر، دون أن نعرف ما هو مآلنا ومصيرنا. (اسبينوزا) انطلاقًا من هذا التعريف للرغبة واعتبارها جوهر الإنسان ودليل على قصور الإنسان ونقصه، نرى أن الرغبة هي دلالة على الألم الدائم للإنسان. وقد شبّه افلاطون الإنسان الذي تسيّره الرغبة كالبرميل المثقوب، لا يمكن أن يمتلئ. فيقول شوبنهاور: "إن أسير الرغبة يتأرجح بين الألم حين لا تتحقق والحرمان يزيد من حدّة الشعور بالحاجة، والإحباط حين لا تتحقق الرغبة بالتمام". ولعلّ هذه العلاقة بين الألم والوهم تتجسد أكثر في اسطورة الكهف لأفلاطون وتتلخص الأسطورة في تخيل وجود أناس مسجونون في كهف منذ نعومة أظفارهم وقد ولدوا في ذلك الكهف. لكن هؤلاء الأشخاص وجدوا أنفسهم مقيدين بحبال أو سلاسل مع بعضهم البعض لا يقوون على المشي أو الالتفات. فقط وجوههم تنظر باتجاه واحد ألا وهو أمامهم ولا ترى غير جدار الكهف. ويفترض أفلاطون وجود نار خلفهم لتقوم بتدفئتهم ضد جو الكهف البارد وتنير المكان. عندها يرى هؤلاء الأشخاص السجناء ظلالهم ملقاة على الحائط أمامهم. وهم بالتأكيد يشعرون بحرارة النار دون أن يرونها. وعندما تتأجج النار تتحرك ظلالهم وتكبر. تلك هي الحركة الوحيدة التي يشاهدونها. ثم لنفرض أن أحد هؤلاء الناس جاء له الفرج وأطلق صراحه من الكهف عندها سيرى النور الحقيقي خارجًا، ويصيب الألم عينيه من شدّة النور بعد طول البقاء في ظلام الكهف أو خفة الضوء. هناك يصبح هذا الإنسان أمام أمرين: إما الرجوع إلى الكهف الذي خرج منه أو قبول النور الحقيقي الموجود بالخارج بعد صراع وألم مريرين. وهكذا يصبح الفيلسوف والإنسان العادي متشابهين بشعورهما لآلمهما، شعور الألم لدى الفيلسوف مستمد من معرفته للحقائق والإنسان العادي لهروبه من معرفة هذه الحقائق. إلا أن الإنسان العادي قد تخطى آلامه بواسطة الوهم والفيلسوف – الذي خرج إلى النور – قد تخطى آلامه من خلال الحب ونال تحرره بواسطة المعرفة. المصادر: - شوبنهاور، عبد الرحمن بدوي. - الأخلاق، اسبينوزا.
#جوزف_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إريك فروم، الدين والتحليل النفسي
-
إشكالية النهضة في فكر شبلي الشميّل
-
أثر الدين في تقدم الحضارة من الناحية البسيكولوجية
-
اسبينوزا
-
الحرية في فكر زكي نجيب محمود
-
مدخل إلى الأناركية
-
مقتطفات من بيان المجتمع الصناعي ومستقبله: ثيودور كازنسكي
-
الأناركية والسينديكالية: أريكو مالاتيستا
-
ما هي السلطة؟ ميخائيل باكونين
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|