|
ضجة حول حرب قبائل مزعومة فى أسوان
خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 22:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
1: قامت الدنيا ولم تقعد بسبب الاشتباكات التى نشبت وتتجدد فيما يبدو بشكل متقطع بين "قبيلة بنى هلال أو الهلالية أو الهلايل" و"قبيلة الدابودية أو النوبية أو النوبيِّين"! وبدلا من التركيز على وقف العنف وحقن الدماء، وعقد صلح، والتحقيق لتحديد الجناة من "القبيلتين" أو "العائلتين" (ولسنا بحال من الأحوال إزاء اشتباكات بين قبيلتين أو عائلتين!)، وللوقوف على حقيقة دور محتمل للإخوان المسلمين (يجرى الحديث عن مدرس إخوانى كتب بنفس الخط على جدران الهلايل ضد الهلايل وعلى جدران الدابودية ضد الدابودية)، يشارك نوبيون وهلايل بعنصرية مقيتة فى تأجيج فتنة نائمة بل معدومة لعن الله من أيقظها أو اختلقها. وقد تكون الفتنة ناشئة بصورة حصرية عن التعصب (لعائلةٍ أو حىٍّ أو إثنيةٍ) الذى يمكن أن يحوِّل خناقة بين صبية إلى مذبحة بين الكبار، كما يحدث حتى فى حوارى وأزقة القاهرة. وهناك بالطبع عقلاء على الجانبين، غير أن الحكمة عند العقلاء لا تسيطر على حماقة التعصب عند غيرهم الذين يلعنون، معذورين لأنهم على حق، الهجرات والتهجيرات التى ألقت بهم إلى هذا المكان، وإلى أماكن أخرى، ويلعنون، معذورين لأنهم على حق أيضا، الحياة العشوائية التى يحيون تعاستها. 2: وكان أحدث تهجير إلى أسوان هو التهجير القسرى الذى قام به عبد الناصر للنوبيِّين من قراهم ضد رغبتهم وضد مستقبلهم عند بناء السد العالى إلى صحراء فى شمالى أسوان وكانت قرية دابود من تلك القرى. وكانت قد سبقت تهجير السد العالى فى الستينات تهجيرات قسرية أخرى لنوبيِّين إلى مناطق أخرى عند بناء خزان أسوان وعند تعلياته، كان من بينها تهجير قسم من قرية دابود أو ديبود إلى مدينة أسوان، وهؤلاء الأخيرون (وليس كل النوبيِّين وليس كل أهالى قرية دابود البعيدة فى أقصى شمال منطقة التهجير بعد السد) هم الذين جرت الاشتباكات بينهم وبين الهلالية فى الفترة الأخيرة. 3: وإذا كانت هجرات وتغريبة بنى هلال بحكم عوامل إطلاق الهجرات قد دخلت منذ وقت طويل فى ذمة تاريخ بعيد فإن التهجيرات القسرية للنوبيِّين قبل وبعد سد أسوان العالى بصورة ظالمة مُهْدِرَةٍ لحقهم التاريخى فى الإقامة فى مواطنهم التى كان يمكن أن يجرى إعمارها خلف قراهم القديمة كانت السبب وراء برج بابل الإثنى فى أسوان. وبالطبع فلا أحد يشك فى مبدأ وقِيَم التعايش الأخوى بين الإثنيات المختلفة غير أن هذا ينطبق على الإثنيات الأصلية التاريخية فى منطقة. ثم كان التهجير الأحدث، الناصرى، للنوبيِّين إلى أراضٍ غريبة عليهم وبيئة غريبة عليهم وتكاد تضيق بسكانها الأصليِّين، بحكم التوجس الناصرى المسلَّح بالدولة الاستبدادية العسكرية ليس إلا، أىْ التهجير إلى مشكلات مزاحمة هؤلاء السكان على أراضيهم وأرزاقهم، خاصةً مع انطلاق الانفجار السكانى فى مصر ليتحول من نعمة فى السابق إلى نقمة فى الحاضر والمستقبل، وخلق منافسات وحزازات جديدة لا يُلام عليها لا السكان الأصليون ولا النوبيون الوافدون. ولا حل لهذه المشكلة الجديدة، منذ منتصف الستينات، إلا عودة النوبيِّين إلى أراضى النوبة وهو ما ظلت الدولة تعرقله طوال العهود والحكومات المتعاقبة إلى يومنا هذا. والتوجس حاضر عند كل توتر. وعندما اتصلتُ بواحد من أصحاب العقول المستنيرة بل العقليات الكبيرة فى منطقة تهجير النوبة شجب كل التعصب الملتهب بين كلٍّ من الطرفين، وقال إنه كان يخشى، قبل أن يُلِمّ بما حدث، أن تحدث مواجهة بين النوبيِّين والصعايدة إلى أن تأكد أن المشكلة تدور على وجه الحصر بين هلالية أسوان (وليس كل قبائل بنى هلال فى الصعيد) ودابودية أسوان (وليس كل أبناء قرية دابود، ومن باب أولى ليس كل النوبيِّين). 4: ونحن هنا بالطبع إزاء عشوائيات متنوعة يعيش فيها هؤلاء الهلالية وهؤلاء الدابودية، وحتى فى منطقة التهجير النوبية الرئيسية، وإزاء الفقر والحرمان من ضرورات الحياة، وإزاء نظام تعليمى متدهور كباقى مصر، وإزاء حالة صحية بالغة الخطورة ككل مصر، أىْ أننا، باختصار، إزاء متلازمة الفقر والجهل والمرض، بالإضافة إلى كل الموبقات التى ترتع فى بيئة هذه المتلازمة اللعينة ومنها انعدام الأمان وانعدام الأمن، وبالأخص فإننا نعيش منذ الثورة ومنذ العمل المتواصل على تصفيتها التدريجية، ومنذ الحرب الحالية مع الإرهاب الإخوانى، فى فترة خاصة، خطيرة ولكنْ منطقية، من الاضطراب والاحتقان والتوتر وعجز السلطات والمؤامرات الصغيرة والكبيرة، وفى مثلها يمكن لشرارة أن تحرق بلدا بكامله. 5: ولا تنتهى المبالغات التى تصرخ بأن هذه المنطقة لم تشهد شيئا كهذا من قبل وبأن هذه ليست مصر وتتغذى هذه المبالغات عن حق باحتمال لَعِبٍ إخوانى فى الظلام، وبدون حق برفع مثل هذه الاشتباكات العارضة، رغم بشاعتها، أو، بالأحرى، فى الهبوط بها إلى مستوى بدايات حرب أهلية. ويؤدى انعدام مفهوم واضح لدى الشعب ولدى النخبة على السواء والظن بأن عواملها تكون دائما إثنية أو قبلية أو عشائرية أو طائفية دينية إلى مخاوف غريبة وإلى تحذيرات عجيبة. وقد كتب صديق عزيز وهو مثقف كبير و محنك سياسيًّا يحذِّر، على خلفية الاشتباكات "القبلية" فى إحدى مناطق مدينة أسوان، من حرب أهلية لا تُبقى ولا تذر تأتى من طريق الأقليات. وهو يرى أن تفجُّر عنف النوبيِّين الغاضبين الذين هم أقلية تتألف من أُناسٍ طيبين متسامحين ينبغى أن ينبِّهنا إلى ما يمكن أن تفعله أقليات كالأقباط الطيبين المتسامحين، بل يقارن بين عدد قتلانا وجرحانا ومشرَّدينا (بمئات الآلاف) فى حروبنا مع إسرائيل وعدد قتلانا وجرحانا ومشرَّدينا (بالملايين) فى "حروب الأقليات" من العراق شمالا إلى جنوب السودان جنوبا وأعتقد، على أساس اعتبار أنها كانت حروبا دينية ومذهبية وإثنية. وأعتقد أن هذا ليس صحيحا بالمرة فقد كانت حروبا أهلية بين السلطة الطبقية أو التدخل الاستعمارى وبين شعوب حدثت خلالها مواجهات أخرى وحتى فى لبنان تطورت الحرب من حرب كتائبية ضد الوجود الفلسطينى إلى حرب دينية ومذهبية وحروب بالوكالة وتدخلات خارجية. ورغم أنه تحذير مخلص موجَّه إلى الدولة فإن الحديث عن حرب أقليات يستدعى بالضرورة التفكير فى أكثريات ولا أعتقد أن المواجهات الطائفية الدينية أو القبلية أو الإثنية فى حروبنا المتداخلة فى المناطق التى يذكرها الكاتب كانت حروب أقليات غاضبة ضد أكثريات، ولم تكن عدوانا احتجاجيًّا من جانب أقليات بل كانت عدوانا من جانب أكثريات ودفاعا من جانب أقليات. كما أن تهديد أكثريات بالحديث عن احتمال أن تخوض أقليات حربا أهلية ضدها لا نتيجة له سوى المزيد من تراكم شوڤ-;-ينية وعدوانية الأكثريات الطائفية الدينية أو المذهبية أو الإثنية أو القبَلية أو العشائرية. ولا سبيل للخروج من كل هذا سوى تطور حركة الشعوب وتحضُّرها وليس عن طريق بناء مؤسسات دولة ديمقراطية؛ فالدولة الديمقراطية ليست إلا أوهاما تُداعب العقليات الساذجة فى كل أنحاء العالم، والحقيقة أن الدولة والديمقراطية نقيضان مباشران. ذلك أن الدولة الحديثة فى الشمال/الغرب مزدوجة الطابع: الدولة الديكتاتورية العسكرية من أعلى والديمقراطية الشعبية من أسفل.
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقتصار على الحل الأمنى مصيره الفشل
-
المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال
...
-
إرهاب الإخوان المسلمين والحل الأمنى
-
مغزى المشاركة الشعبية فى الاستفتاء
-
فى سبيل تفادى حرب أهلية إخوانية مدمرة
-
الأصولية (فصل من كتاب) بقلم: الپروفيسور أندرو فينسينت ترجمة:
...
-
الاستفتاء .. مشاركة بنعم أو لا أم مقاطعة؟
-
السياسة العربية للحكم الجديد فى مصر
-
تعريف موجز بموضوع رواية -الشمندورة-
-
خليل كلفت - مفكر وكاتب ماركسي مصري - في حوار مفتوح مع القارئ
...
-
الانقلاب على الشرعية بين الشكل والمحتوى
-
لكيلا يدمِّر الحكم الجديد مستقبل مصر
-
ثورة تائهة وثوار تائهون!
-
ثيوقراطية أم إستراتوقراطية أم ديمقراطية أم بزرميطية؟
-
الهوية/ الهويات وكتابة التاريخ
-
أسطورة الدستور أولا
-
الصحف الپاريسية
-
مصير الثورة يرتبط بمسارها الفعلى
-
لا شيء على الإطلاق
-
عرض موجز لكتاب: النظام القديم والثورة الفرنسية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|