أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -














المزيد.....

ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4416 - 2014 / 4 / 6 - 00:05
المحور: الادب والفن
    



في قيظ الظهيرة وقف عند عتبة حسرة مقيدة بهجير اليأس وضجيج أصوات ملّونة بالضغينة والمكر ،تحمل سياط المنافي، رافعةً بأناملها المعقوفة للخلف قبعة السماء، منعطفات الطرق تتوارى خلف سيقان لافتات عالقة ملامح أصحابها بصدأ الصريخ وأطياف تطرق أبواب الصمت ، تتمطى بأرق الظهيرة طراوة ، يتساقط من أطرها رطباً ملوّثاً بالجنون لايجدي نفعاً ، لم تأبه بطرقات التهمت أشلاء الزهور وليلٍ يتثائب خوفاً برفقة أحلامٍ منسية عند قارعة الرقاد ، لافتات محمولة على ظهر مهرّج سيرك طاعن بألوان الصدفة ،ابتلعت مفاتيح الغد. اختصرته ضفة الفراغ وتجاعيد وحدة اكتنفها الحزن ،تدحرج من قوافي السنيين الى قمة أزهاره الذابلة بالتمرد عند مرايا تفوح بعطر العدم والغواية والخيبات ، كفكف دموع صحوته ، ارتدى مئزر عواصم الظلّ وبريق أقمار أَفِلَتْ دموعها عند الرحيل دون أن تنحني عند منعطف الغياب ، وأيقن من بعد خمسين عاماً أنّ الوطن المنفي في أنفاس خبزه الأحمر المتدثّر بخيبات الوجع والحزن ورماد الحصار وخراب الحروب ،المطوّق بنيران الكهنة وثرثرة خريف ثمل بشيخوخته ،بإمكانه أن يهزّ سعف نخيله الجريح و يتوّج الأرواح عشقاً . لم يكن أمامه إلا أن يعتلي ذاكرة مثقوبة ، ترتجف برائحة الظلم وبما تبقى من غيوم تظلّل جبين الشمس ، حاول أن يتهجّى وشالة صمت الذاكرة وما يسقط من ثقوبها اللعينة ، كانت تنطق بلون الدم وآهات وجع محموم برائحة الإغتصاب ، تتساقط منها حكايات داعبت ظفيرة الأمس بشوق،حكايات ينزف من شفتيها عبق عطرالأرض وألم مدينة اتشحت بالسواد والحرمان والخراب ، وعتاب نهرٍ بسط كفّه لمواجع العشق العتيق ، تأنّق ببوحٍ يشبه همساً مبحوحاً بالوجلِ ، يتردد صداه بين صباحاتٍ فتحت نوافذها لطفولة تسفح براءةً متّشحة بعبير البؤس والجموح تروم برقاً مكلّلاً برعد غيومٍ سوداء :
- أيّ حزنٍ يمكن أن تجلبه لك الأقدار؟. كان يحلّق عالياً نحو الشمس بأجنحة تتوسّد أطراف البراءة ، يحلم بالنجوم والنهرالغافي على ظلال مساءات بهية، يحلم بزقزقة العصافير ودفاترجميلة ، يخطّ اسمه عليها، وحين يهفو النعاس برمش العين تترجّل طفولته من فوق عشب الكون المتسلّق فضاء الجفون المشتعلة برغبة مجنونة لشيء غامض لايعرف كنهه، وحين ينسلّ ضوء القمر من بين أصابع الليل يندسّ تحت وسادة حكايات وأساطيرنسجتها مخيلة جدته المشتعلة بالحنين والفجر، حكايات تمسك بروحه الضالة المرتعشة بالرعد، رعد يشبه حفيف الملائكة ، لعلّه يهبهُ بعض الضوء في سنواته الحالكة بالوحشة والمكتنزة بالخوف من المجهول. كانت الطفولة جرحاً مفتوحاً يهتف بتعويذة المطروظلال النخيل، ويبرق بعتاب ( نهير الليل ) المنسلّ كخيط رفيع من ( شطّ العرب ) وملامح مدرسته الغافية على أكتاف مقبرة تحمل رفات ( السياب ) و(سيد أحمد )ورعب البلهارزيا التي تركت آثارها ثقوباً على مؤخرة الطفولة و...، جرح يدقّ باب القيامة في ليلٍ أبيض لم يتم رقصته المذبوحة من شدة الألم بعد. ثقب آخر يلتهم فجراً نشواناً بسحر طيف ينطلق من تحت ظلال الظلم كطائر الفينيق، يحمل أسماءاً مجنّحة تدقّ ناقوس دير الفجربأنامل زهرة من نار عطشى لشهقة وجه الأرض ،وصدى الأحلام لليال خمرية الثغر تهفو إليها عيون البائسين، عيون موغلة بالبؤس والخوف ، لم تفارق أتون الشقاء ، كانت خطاه معلّقة في جبين الكبرياء تتنفس ملامح وصدى نصب الحرية لأسقاط أصنام متوارية خلف أثواب الغواني وشهوة نصر مبلّلة بدماء أجساد عبرت الى الضفة الأخرى حاملة جروح الشفق ورماد الفجيعة . يعتصره ثقب آخر فيتساقط ألماً جنياً خلف قضبان لثمت وجه الليل ، تتعاطى جلد روحه بسياط من لهب الكراهية ، وتطأ جسده بأقدام السخرية ، توسّد صراخ زنزانته المتسربلة بالظلام ومجامر الآهات وعربدة الحنين لمرافىء تضجّ بالرفض ، توسد ثقباً في أقصى زاوية من زنزانة سنينه المصلوبة على قيد النسيان لعلّه يرى فجراً يغمض طرفه صلاة ً ترفّ بأريج الذكرى . كانت الذاكرة ة مكتظّة بالوجوه والأمكنة وأزمنة تقطر صراخاً وهذياناً تقضم أصواتاً بارقة في الأفق ، يتدلى من ارتباكها دخان الحرائق وأنين الحسرات فبزغت من دثارها حكايات خفية تسقط من أنقاضها آمالٌ مجفّفة بالعزاء، تتسع لضوء شفيف يحفر ثقباً في مساءات الصمت القادمة ، مساءات تلعق ما ينزّ من ثقوب ذاكرته ، تلعق بشغفٍ أفقاً يسبح بنشوة عشقه الأول، عشقاً لامرأة لها قامة الدفء ، ويلملم ثمالة ليالٍ على ضفاف كؤوس تعربد بسكر الزمان في حانات الوجد، مساءات تتقيء حصاد الموت ، أشلاءاً ، بسطال ، خوذة جندي مثقوبة ، أنين الخنادق ، جثثاً متكئة على توابيت تشتهي القطاف ، أطفالاً تسلّقت أشباح الدهشة ، نساءاً مطوّقة بهمس المقابر و حراب الدمع ، مساءات تلعق خطى الزمن وخداع لافتات حمّالة أوجه ،مكفّنة بصدأ الشعارات وشهوة غامضة ترتجي حناجر تصهل بالجوع والوجع ،ولمّا كان الصوت عويلاً و الذاكرة نسياناً وعيوناً تستحمّ في موج العتمة ، ووجه الأيام محتقناً مزرقاً ، أبى المثول أمام حصون الظلمة حين أَفِلَ الآخرون، وراح يزرع صوته عند منعطف عواصف الكون، يحفر ثقباً في فم الأرض برفق وتساءل باستغراب:
- هل آمالنا عارية من متعة الرجاء حين تخضر الأرض؟، وانتظرفي قيظ الظهيرة حتى النزع الأخير عند عتبة صحوته يعتريه تلهّف وهويرقب الطريق للحن ثائر صان ذاكرته الهرمة كي يمنحه شفاهاً تشتهي تقبيله .



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بقايا خطى عابرة - قصيدة -
- ( غرب الخوف ) - قصة قصيرة -
- ( حتّى متى ) - قصيدة -
- ثورة - قصيدة -
- الطريق الى المملحة... أو رسائل الموتى - قصة قصيرة -
- دهشة - قصيدة -
- بعدَ الغياب - قصيدة -
- كإنْ لم تكنْ أنت - قصيدة -
- بينَ الأمسِ والغد -قصيدة -
- أحلام يأبى لها أنْ تكتمل - قصة قصيرة -
- انتبه فقد تسرق الحناجر - قصيدة -
- كان يرتدي جسداً - قصيدة -
- ثمة شيء محبوس في الذاكرة - قصة قصيرة -
- ( الفجر كفيف ) -قصيدة -
- ( حين كانوا أو كنَّ ) - قصيدة -
- عتاب الى مسقط الطفولة ( قصيدة )
- ( صوت ملوّث بالحيرة ) -قصيدة -
- مرآة - قصيدة -
- خطوات عالقة بصدأ الأرصفة - قصة قصيرة -
- عندما كنت هناك ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -